قوى الأمن وحماية التظاهر: إرشادات المعايير الدولية/خلود الخطيب
المحامية الدكتورة خلود الخطيب:
يقع على عاتق الدول واجب احترام وحماية جميع الأشخاص المتظاهرين والمتجّمعين سلمياً للتعبير عن أنفسهم، وتلتزم بموجبه تسهيل وحماية ممارسة التجمّع السلمي والتظاهر ولا يجوز لها أن تفرض قيوداً إلاّ في حالات استثنائية، فالأصل هو ممارسة الحقوق، وطالما أنّ الأفكار التي ينادي بها المتظاهرون لا تحرّض على التمييز أو العنصرية أو العنف، فلا يمكن أن تكون مطالبهم سبباً لتفريق مظاهرة.
وقد تشهد التظاهرات تصاعداً في تعبير المواطنين عن أفكارهم، فينتشرون في الساحات العامة كوسيلة ضغط على السلطة تعبيراً عن إرادتهم في تكريس المواطنة، وتفعيلاً لدورهم في المشاركة السياسية والاجتماعية.
قد يكون من الضروري أن تقوم السلطات العامة، أو من يقوم مقامها من أجهزة ووكالات ومجالس بتوضيح ماهية وطبيعة الإجراءات التي تتخذها، أو قد تتخذها، في ظروف تشهد استمراراً للاحتجاجات والاعتصامات والأشكال الأخرى من التجمّع السلمي الذي يكفله القانون الدولي لحقوق الإنسان، وأهمّها على الإطلاق “سلوك” الأجهزة المعنية بالحفاظ على الأمن والسلامة العامة خلال سير هذه التظاهرات.
وبالرغم من عدم وجود نصّ قانوني واضح يُكرّس حرّية التظاهر في القانون اللبناني، إلاّ أنّ هذه الحرّية تتصّل بشكلٍ مباشر بحقّ إبداء الرأي والتعبير عنه بحرّية والذي كرّسته المادة ١٣ من الدستور اللبناني “حرّية إبداء الرأي قولًا وكتابةً وحرّية الطباعة وحرّية تأليف الجمعيات” وهي من الحقوق الأساسية والطبيعية التي لا يُمكن فصلها عن الحرّيات العامة للإنسان. ولهذا يعتبر التظاهر حقّاً دستورياً يجب حمايته وتنظيمه ضمن القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
تتضمّن المبادئ العامة للممارسة الجيّدة للموظّفين المكلّفين بإنفاذ القانون أثناء المظاهرات بعض القواعد التي يمكن الاسترشاد بها خلال سير المُظاهرات.
أ- التنسيق مع منظّمي التجمّع:
1- أن تعمل قوى الأمن على توفير نقطة إتصال كي يتمكّن المُتظاهرون من الإتصال بها.
2- العمل على جمع المعلومات وتحديد المجموعات التي قد تكون مُشاركة.
3- إقامة قنوات اتصال مع مُنظّمي التجمّع في مرحلة مُبكرة.
4- إيضاح الأسلوب الذي تعتزم قوى الأمن انتهاجه لتنظيم التظاهر.
ب- ضمان التواصل بين مختلف الأجهزة والوكالات:
1- على سبيل المثال الإطفاء والإسعاف.
2- تمكين مختلف الأجهزة من البقاء على تواصل مع بعضها البعض وتبادل البيانات خلال التجمّعات العامة.
3- إرتداء الزيّ الرسمي وعدم استخدام التدابير الاستباقية التدخلية.
4- تحديد أعداد عناصر الأمن المطلوبين.
5- إرتداء السترات الواقية والمعدّات اللازمة.
6- إذا لم يكن هناك خطر واضح قائم على وجود عنف فعلي وشيك، لا ينبغي لعناصر الأمن التدخّل لوقف أو تفتيش أو احتجاز مُتظاهرين في طريقهم إلى التجمّع، إذا لم تَثبت ضرورة لذلك.
ج- استخدام الوساطة أو التفاوض:
1- على عناصر الأمن أولّاً أن تتفاوض مع المُتظاهرين.
2- إذا حصلت أعمال شغب، فعلى عناصر الأمن تحذير المتظاهرين من أنّها ستستخدم القوّة في حال عدم إنهاء المظاهرة.
3- إذا لم يُفلح التحذير يمكن لقوّات الأمن استخدام بعض الوسائل مثل خراطيم المياه.
د- إستخدام القوّة في حالات الضرورة القصوى في إطار “التدرّج”:
1- في حال استخدم عدد من المُتظاهرين العنف، يتوجّب التعامل معهم بشكلٍ انفرادي ومُنعزل عن باقي المُتظاهرين. في حال ازدياد الخطر، بحيث تتحوّل المظاهرة إلى أعمال شغب، فعلى عناصر قوى الأمن أن تقوم باستخدام وسائل تفرقة المظاهرات بالتدريج، وأن تُحاول الامتناع عن إيذاء المدنيين الموجودين في المكان.
2- إذا كان بعض المُتظاهرين يستخدمون العنف ضدّ قوّات الأمن – كأن يَلقون بالحجارة على الأمن – فإنّ لقوّات الأمن الحقّ في الاستخدام المشروع للقوّة بالدرجة المطلوبة وإنّما في أدنى حدودها وبأقلّ خسائر مُمكنّة.
3- إذا كان عُنف المُتظاهرين لا يُشكّل تهديداً بالموت أو الإصابات الخطيرة، فلا يحقّ لقوّات الأمن استخدام الأسلحة النّارية. فعلى سبيل المثال، إلقاء الحجارة على عناصر الأمن الذين يرتدون خوذاً ودروعاً لا يُشكّل تهديداً بالموت أو الإصابات الخطيرة، لذا لا يُمكن لقوّات الأمن استخدام الأسلحة النّارية للردّ على هذا العُنف.
4- لا يجب على قوّات الأمن استخدام العنف الجسدي تجاه الأفراد إلاّ في حالات الضرورة القصوى.
5- لا يجوز ضرب أيّ شخص لا يُبدي مقاومة أو مُلقى على الأرض أو فاقد للوعي.
6- يُمكن لقوّات الأمن استخدام الأسلحة غير القاتلة مثل الغازات المُسيلة للدموع، على أن يتوفر شرط الضرورة القصوى، والذي بموجبه يشكّل استمرار أعمال الاحتجاج، أو نزوعها للعنف، خطراً على المتظاهرين أو السلامة العامة.
7- إنْ نصّت الضرورة القصوى على استخدام الذخيرة الحيّة، فيجب وفي كلّ الأحوال عدم إطلاق الخرطوش أو الرصاص المطّاطي على النصف الأعلى لأجساد المتظاهرين، وقنابل الغاز يجب عدم استخدامها بشكلٍ مُفرط ويحظّر تماماً استخدامها في أماكن مُغلقة، ويجب عدم تصويبها على الأجساد.
8- وبشكل عام، يصعُبُ القول بأنّ التجمّعات والتظاهرات السلمية قد توفّر أيّ ظروف تجعل من شروط الضرورة القصوى قابلة للتحقّق.
ه- التفريق بين مُشاركة السِلميين وغير السِلميين:
1- يجب على قوى الأمن إتاحة الموارد الكافية لتأمين سلامة المتظاهرين.
2- يجب على قوى الأمن عدم تعميم استخدام القوّة على جميع الموجودين في محيط المظاهرة وخاصة السِلميين وغيرهم.
و- فصل الذين يعتزمون التسبّب في العنف أو يسبّبونه عن المتظاهرين السلميين:
1- يجب على القوى الأمنية أن تتمكّن من ممارسة المهارات الشرطية الجيّدة، ومن أهمّها مهارات الإتصال.
2- لا يجوز التعامل مع المظاهرة باعتبارها كُتلة جماعية واحدة، ولكن يجب تقديم استجابات متفاوتة لها.
ز- وضع بروتوكولات للتفتيش والتوقيف أو إلقاء القبض على المشاركين:
1- وضع توجيهات لهذه التدابير وشروط استخدامها وظروف عدم إستخدامها، وكيفيّة مُعاملة الأفراد عند توقيفهم.
2- إحترام الحقّ في الحياة الخصوصية والعائلية وحرّية التنّقل.
3- تجنّب الاعتقالات الجماعية.
ح- مُراعاة الحدّ الأدنى من المعايير أثناء الاحتجاز:
1- ضمان تزويد المُحتجزين بما يكفي من الإسعافات الأوّلية والضروريات الأساسية (الماء والغذاء).
2- إحترام كافة الحقوق التي نصّت عليها المادة ٤٧ أصول محاكمات جزائية.
3- تأمين فرصة للتشاور مع المحامين.
4- فصل القاصرين عن الراشدين ويُمنع التحقيق معهم بغياب مندوب الأحداث ودون علم الأهل.
5- فصل الذكور عن النساء المُحتجزات.
ط- تفريق التجمّعات:
1- طالما بقيت التجمّعات سِلمية لا ينبغي تفريقها من قِبل عناصر الأمن.
2- لا تلجأ قوى الأمن إلى التفريق إلاّ بعد أن تكون اتخذت جميع التدابير المعقولة لتسهيل وحماية التجمّع من الضرر.
3- إذا كان استخدام القوّة لازماً، فلا بُدّ أن تلتزم قوى الأمن في استعمالها بالتناسُب والمشروعية حتّى تُعيد النظام وتحمي حقوق الجمهور.
4- يجب عدم تفريق التجمّع نتيجةً لقيام عدد قليل من المُشاركين فيه بالتصرّفات بطريقةٍ عنيفة. في مثل هذه الحالات، ينبغي اتخاذ إجراءات ضدّ هؤلاء الأفراد بصفةٍ خاصة بدلاً من إنهاء أو تفريق التجّمع.
ي- عدم تقييد التصوير الفوتوغرافي وتسجيل الفيديو:
1- لا تستهدف قوى الأمن إلاّ الأشخاص الساعين إلى خرق الأمن، ويُعدّ استهداف أيّ شخص آخر أمراً غير قانوني، مثال الصحفيين أو المواطنين الذين يُصوّرون ما يحدُث بالصور أو الفيديو.
2- لا ينبغي منع المُراقبين والصحفيين والمُصوّرين من المُراقبة والتسجيل.
المراجع:
• فهم العمل الشرَطي- أنييكي أوسي– دليل لنشطاء حقوق الإنسان، منظمة العفو الدولية، 2006.
• مبادئ الأمم المتحدة حول استخدام القوّة والأسلحة النارية من جانب الموظّفين المُكلّفين بإنفاذ القانون.
“محكمة” – الجمعة في 2019/10/25