الأخبار

عصام سليمان: لتطوير”الطائف” وانتخاب رئيس الجمهورية توافقيًا.. والقضاء”شرشحة وبهدلة” والفيدرالية تعني زوال لبنان

حاضر الرئيس السابق للمجلس الدستوري الدكتور عصام سليمان في “لقاء العشرين” الذي تنظمه “دار الروابط” في حرمها بجبيل، حول الازمة الراهنة التي يتخبط بها لبنان وتداعيات الشغور الرئاسي ومخاطر اعتماد الفيدرالية والمؤتمر التأسيسي والاسباب التي ادت الى الانقسامات في الجسم القضائي، في حضور محامين وحقوقيين، رؤساء بلديات ومختارين ومهتمين.
واستهل سليمان كلمته بالاشارة الى ان “الازمة التي نعيشها هي خانقة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والمعيشية، واعتقد انها تعود بالاساس الى الازمة السياسية التي لولاها لكان البلد بأوضاع اقتصادية ممتازة، حيث ان الودائع فيه كانت قد بلغت 188 مليار دولار في دولة لا يتعدى عدد سكانها مع الاجانب المقيمين فيها لا يتعدى اكثر من 6 ملايين نسمة، ما يجعلها دولة أغنى من الولايات المتحدة الاميركية، لكن للاسف الشديد سوء الاداء السياسي أدى الى نهب المال العام والخاص ايضا من المصارف”، مؤكدا ان “المشكلة الكبيرة تكمن بعدم تطبيق الدستور منذ اتفاق الطائف وحتى اليوم، وبسبب الضياع فان البعض يعتبر ان الازمة هي ازمة نظام، ويجب تغييره عبر طروحات مختلفة، كطرح المؤتمر التأسيسي والفيدرالية والى ما هنالك من مشاريع ناتجة عن سوء فهم طبيعة الازمة، التي هي ليست ازمة نظام بل ازمة ناتجة عن سوء الاداء السياسي، لان الدستور منذ العام 1992 لغاية اليوم لم يطبق والممارسات السياسية كانت على هامشه وفي احيان كثيرة متناقضة معه، وجرى ادارة البلاد في اطار التوافق بين 6 او 7 اشخاص قابضين على السلطة باسم طوائفهم وعملوا على تحقيق مصالحهم، وكانوا عندما يتوافقون يوزعون المناصب حصصا في ما بينهم، وعندما يتخاصمون تصاب مؤسسات الدولة بالشلل وتنعكس سلبيا على الاوضاع الاقتصادية والمعيشية للمواطنين”.
وأضاف: “لقد اثبتت التجربة ان زعماء الطوائف لا يشكلون ضمانة حتى لابناء طوائفهم الذين باتوا بأسوأ الاحوال باستثناء اقلية محظوظة استفادت من وجودها الى جانب بعض القيادات السياسية وشاركت في نهب الدولة، فالضمانة الوحيدة للبنانيين على شتى انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والسياسية هي الدولة التي توفر للمواطنين شروط العيش الكريم لتقوية انتمائهم اليها على حساب انتماءاتهم الضيقة للطائفة او للمذهب او للعشيرة، لكن الدولة غابت وجرى المزج بينها وبين القيمين عليها، لذلك انهارت مؤسساتها وبات شعبها يعاني اشد المعاناة ويسعى الى الهجرة هربا من واقعه المرير، وهذه الامور اذا استمرت على هذا المنوال ستؤدي الى زوال لبنان كوطن”.
وتابع: “لبنان على مفترق طريق خطير اذا لم يتم انتخاب رئيس للجمهورية على المستوى المطلوب، وكذلك تشكيل حكومة على المستوى المطلوب ايضا من اختصاصيين نزيهين، ويكون هم الجميع اعادة بناء الدولة، لكن للاسف نرى المسؤولين بانتظار ان يكون هناك اتفاق بين الدول الخارجية على اسم رئيس للجمهورية، وهذا يدل على العجز عند الطبقة السياسية، وقد سألتني المنسقة الخاصة للامم المتحدة في لبنان يوانا فرونتسكا خلال لقاء معها، كيف يتمسك بعض اللبنانيين بالسيادة، وهم في الوقت نفسه، ينتظرون الدول الخارجية لتعيين رئيس لهم؟ للاسف من هنا نرى ان الامور ذاهبة نحو الاسوأ، وكل فريق يفسر الدستور وفق اهوائه ومصالحه السياسية، حيث ان البعض يعتبر ان انتخاب رئيس للجمهورية هو حق بمعنى ان النائب يمكنه الذهاب او مقاطعة جلسة الانتخاب، انما في الحقيقة هو حق وواجب دستوري”.
وأردف: “حسب المعطيات الراهنة، اعتقد انه لا يمكن انتخاب رئيس للجمهورية الا توافقيا وليس بالاكثرية المطلقة، لانه يجب ان يمثل الرئيس العتيد اوسع شريحة من المجتمع وان تشارك معظم التكتلات النيابية بانتخابه، لان البلد يتطلب اعادة بناء الدولة على اسس راسخة، وفق ما نص عليه دستور اتفاق الطائف، الذي وضع مسارا يؤدي الى تطوير النظام اللبناني من نظام طوائفي الى نظام دولة مدنية. لكن اذا انتخب المجلس النيابي رئيسا للجمهورية بالذهنية التي حكمت منذ ثلاثين سنة، سنبقى في الحلقة ذاتها وسيزداد الانهيار، فالمطلوب رئيس وحكومة في اطار خطة انقاذية لاعادة النهوض بالدولة والمجتمع”، سائلا: “اذا كانت الازمة ازمة نظام، فما هو النظام البديل؟ ورأى ان البعض يتحدث عن “مؤتمر تأسيسي الذي اذا حصل سيؤدي الى مزيد من الخلافات والتشرذم، فالسياسيون في لبنان ليسوا باستطاعتهم الاتفاق على قانون للانتخابات او الاتفاق على قانون الكابيتال كونترول الذي كان من المفترض حصوله منذ 4 سنوات، فكيف يمكنهم الاتفاق على نظام جديد في اطار مؤتمر تأسيسي؟”.
ولفت سليمان النظر إلى أنّ “البعض يذهب الى طرح الفيدرالية، حيث هناك خطة مشبوهة ممولة من جهات معينة للترويج لها على الشاشات الصغيرة، لقد اعددت دكتوراه الدولة عن الفيدرالية في فرنسا، واجزم بان هذا النظام لا يمكن تطبيقه في لبنان بل انه يؤدي الى زوال سريع للدولة اللبنانية، لان الفيدرالية تقتضي بان تكون السياسة الخارجية والدفاعية والمالية من اختصاص الدولة الفيدرالية وليس مناطق الحكم الذاتي، وهذه مواضيع خلافية في لبنان، وبالتالي فان الطوائف في لبنان متداخلة مع بعضها البعض، وليست كما في سويسرا، لذلك كيف يمكن تجميع المسيحيين المنتشرين على جميع الاراضي في كانتون واحد او اكثر لتشكيل حكم ذاتي، كذلك فكيف يمكن تجميع السنة اوالشيعة الموزعين على الاراضي اللبنانية في كانتون او اكثر، بالتأكيد فان التداخل السكاني في لبنان يحول دون اعتماد كانتونات على اساس طائفي تتمتع بالحكم الذاتي، فالطرح الفيدرالي هو هروب الى الامام نحو الهاوية”.
وشدد على “ضرورة الحفاظ على اتفاق الطائف وتطويره والسير وفق المسار الذي رسمه الدستور للتحول من الدولة الطائفية الى الدولة المدنية، التي تتطلب وجود سلطة سياسية قادرة على القيام بهذه المهمة، لان المؤسسات الدستورية قيمتها من قيمة الاشخاص القيمين عليها”، مؤكدا “وجوب اعطاء اللامركزية الادارية الموسعة وتطبيقها اهمية قصوى في العهد العتيد”.
واعرب سليمان عن اسفه الشديد الى ما “آلت اليه اوضاع القضاء في لبنان من “شرشحة وبهدلة، والقضاة هم المسؤولون عن ذلك، السلطة السياسية دخلت في القضاء على نطاق واسع جدا وخلافا للمادة 95 للدستور التي تنص على توزيع المراكز في القضاء والمراكز العسكرية خارج القيد الطائفي باستثناء وظائف الفئة الاولى تكون مناصفة بين المسيحيين والمسلمين، فان الامور ذهبت بالاتجاه المعاكس حيث اصبحت جميع المراكز في القضاء مكرسة للطوائف، ما شكل اساءة كبيرة للجسم القضائي، لانه عندما تكرس مراكز في القضاء للطوائف، يصبح الذي يعين القضاة ليس مجلس الوزراء ولا مجلس القضاء الاعلى بل زعيم الطائفة، سواء لدى السنة او الشيعة او الدروز او المسيحيين، وهذا ما ادى الى ارتباط قسم كبير من القضاة بزعماء طوائفهم، في حين ان القضاة الذين لم يرتبطوا بزعماء طوائفهم ظلوا مهمشين، لذلك من البديهي ان القضاة الذين عينوا في مراكز مرموقة يتلقون توجيهاتهم من زعماء طوائفهم، ما ادى الى تشرذم الجسم القضائي واصبح القضاة في جبهات ضد بعضهم البعض”.
“محكمة”- الأحد في 2023/2/12

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!