مقالات

لن تستعاد الثقة بلبنان إلّا باستعادة حقوق المودعين.. ونقابة المحامين ستبقى بالمرصاد/علي زبيب

المحامي الدكتور علي زبيب*:
سعادة نقيب المحامين في بيروت الأستاذ فادي مصري المحترم،
السادة الحضور الكرام كلٌ بإسمه وصفته من نقباء سابقين ونواب وقضاة ونقباء مهن حُرّة ورؤساء إتحادات وضباط والأهم الأهم المودعين الموجودين معنا ومن يمثلهم،
والدي الحبيب ومعلمي مسؤول الشؤون العربية في نقابة المحامين قي بيروت الأستاذ حسين زبيب المحترم،
زميلاتي وزملائي المحامين وعلى وجه الخصوص المتدرجين والذين نحاول أن نزرع ثقافة حكم القانون في نفوسهم،
نجتمع اليوم في ثالوث ذهبي، فنحن في بيروت أم الشرائع وفي صرح نقابة المحامين أم النقابات وفي أجمل الأيام عيد الأم..
‏لا كلام بعد كلام نقيب المحامين وهو ليس بعرف بل هو واقع فكيف إذا كان النقيب الصديق الخلوق الأستاذ فادي مصري وهو الذي لطالما واكب عمل هذه اللجنة المُنشأة في بداية الأزمة وذلك منذ تولية منصب عضوية نقابة المحامين في بيروت كمقرر للتدرج. لقد خضنا والنقيب قبل أن يصبح نقيباً صولات وجولات دفاعاً عن النقابة والوطن ونجحنا في تفادي وضع لبنان على اللائحة الرمادية لمجموعة العمل الدولية عبر إظهار مدى التزام نقابة المحامين بمعايير مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب الدولية كما التزامها بأحكام القانون اللبناني رقم 2015/44.‬
وبعد تولّيه سُدّة منصب النقيب، أصّر على أن تبقى نقابة المحامين كحصن للعدالة عبر الإستمرار في المواجهة لإحقاق الحق، وذلك من خلال دمج لجنة حماية حقوق المودعين والتي كانت برئاسة الأخ والصديق الزميل الاستاذ كريم ضاهر مع لجنة الدراسات والشؤون المصرفية، إيماناً منه بأن حقوق المودعين لا تُمس وأقصر طريق لاستعادتها تكون عبر إعادة هيكلة القطاع المصرفي لإنتاج قطاع صحي وسليم يمارس عمله بموجب القوانين المرعية الإجراء.
منذ أكثر من أربع سنوات، يشهد لبنان أزمة نقديّة وإقتصاديّة تسبّبت بتعطيل قطاعه المالي والمصرفي الذي كان يشكّل العمود الفقري للإقتصاد اللّبناني ويلعب دوراً أساسياً فيه، والذي على إثرها إنهار سعر صرف الليرة اللبنانية وفقدت العملة أكثر من 90% من قيمتها مقابل الدولار الأمريكي، وتبعها هضم المصارف اللّبنانية المُستمر لأموال المودعين المودعة بالعملة الأجنبية، وتلكّؤ السّلطات المصرفيّة الرّقابيّة المُمثلة بالمصرف المركزي عن الإشراف على المصارف وعدم اتخاذ القضاء اللّبناني بشكل كاف لأحكام تضمن حقوق المودعين، بالتّوازي مع محاولة تمرير قانون كابيتال كونترول لا يراعي مصالح المودعين. دفع هذا الأمر بنقابة المحامين في بيروت إلى اتخاذ قرار المواجهة، فتم تشكيل لجنة ترأّسها النقيب الشيخ أنطونيو الهاشم لمتابعة ملفات الفساد والأموال المنهوبة والتدقيق الجنائي، ومن ثم إستُكملت في عهد النقيب كسبار عبر تشكيل لجنة حماية حقوق المودعين برئاسة المحامي كريم ضاهر والذي أفتخر بأني عملت إلى جانبه نائباً للرئيس بالإضافة إلى مجموعة من المحامين ذوي خبرة في حقل القوانين الإقتصاديّة والمنازعات المصرفيّة، والذين ومن حسن حظنا، ما زالوا إلى جانبنا بمعظمهم.
لم يقتصر دور اللّجنة النّقابيّة على حماية حقوق المودعين المحامين فقط، بل شمل حماية حقوق جميع المودعين، من خلال التنسيق مع إتحاد نقابات المهن الحرة لتعزيز المبادرة وتقوية ركائز ووسائل التعاطي مع كلًّ من السّلطة التّشريعيّة المسؤولة بشكل رئيسي عن تشريع القوانين المصرفيّة للحدّ من تفاقم الأزمة المصرفيّة الإقتصاديّة، والسّلطات الرّقابيّة المصرفيّة المسؤولة عن محاسبة المصارف المخالفة للقوانين المصرفيّة وفي طليعتها المصرف المركزي الذي كان يصدر تعاميم غير دستوريّة.
خلال عامين من العمل المستمر والتّحديات، بادرت نقابة المحامين إلى إعادة لم شمل وتفعيل إتّحاد نقابات المهن الحرّة والتي تُشَكّل من مجموع نقابات المهن الحرّة في لبنان والتي إنبثق عنها لجنة الطوارىء النّقابية وقوامها نقابات المحامين والمهندسين والأطباء.كما أن نقابة المحامين إنتدبت رئيس ونائب رئيس اللّجنة للمشاركة في جلسات اللّجان النّيابيّة المتعلّقة بالقوانين الماليّة والإقتصاديّة، كما تمّ انتدابهما للإجتماع مع وفد صندوق النّقد الدّولي خلال زياراته إلى لبنان.
وبالرّغم من العوائق والعراقيل والتحدّيات غير المسبوقة والإنتقادات المجحفة التي واجهتها والمعارك والحروب التي خاضتها والتّرهيب والتّخوين التي تعرّضت له هي وأعضاؤها حمايةً لمبادئها المنبثقة عن مبادئ المحاماة بهدف تحقيق العدالة، لم تثنها أي من هذه الأمور عن المتابعة الحثيثة لتحقيق أهدافها لحماية المودعين.
ومن هذا المنطلق، وفي ظل الإنهيار المستمر وغياب حكم القانون، وتماشياً مع التّطورات التي شهدها لبنان، فقد قرّر نقيب المحامين في بيروت الأستاذ فادي مصري أن يعتمد سياسة نوعيّة تواكب الأحداث، من خلال دمج اللّجنتين، حيث سيمنح اللّجنة كافة الصلاحيات من خلال التنسيق المباشر معه، كونه يعتبر قضية المودعين ليست فقط قضية حجز أموال، بل قضية إستعادة وطن، بحيث لن تُستعاد الثّقة بلبنان إلا باستعادة الحقوق، بما سيؤمّن إعادة الإستثمار الخارجي المُباشر ويُفعّل الدورة الإقتصادية.
وهنا وقبل الدخول في أهداف اللجنة، أودّ أن أتحدّث من القلب… نحن منذ أربع سنوات ونصف بحالة كفاح مستمر، لم نستطع خلال هذا الوقت أن نفتح ثغرة في الجدار الصلب لمنظومة قائمة وقوية. للأسف الشديد عندما نتحدث عن منظومة يجب أن نتحدث بحرص مُطلق. عندما نقول “المنظومة”، نعم هي السلطة السياسية، وهي السلطة المصرفية، وهي السلطة التشريعية في حال تلكأت، وهي السلطة التنفيذية في حال لم تبادر إلى الحفاظ على مصلحة المواطن، وهي السلطة القضائية في حال لم تتخذ الإجراءات القانونية اللازمة، وأيضاً هي كل مواطن لبناني يخاف أن يصرخ بأعلى صوته دفاعاً عن الحقوق ودفاعاً عن الحفاظ على حكم القانون. فثقافة حكم القانون إندثرت في لبنان، ونحن في نقابة المحامين لن نألو جهداً وفي كل يوم وكل ساعة وكل دقيقة سنبقى نواجه من المنحى التشريعي ومن المنحى القانوني لتحقيق العدالة، بدايةً بالمودعين وهي قضية عابرة للطوائف وللمذاهب وللأطياف، فكل مودع لبناني يتطلع إلى تحصيل حقوقه وإلى استعادة عيشه الكريم الذي أفقدته إياه هذه السلطة المكوّنة من عدد من الأذرع والتي ما زالت قائمة.
أما لناحية إطار ومهام لجنة متابعة الشؤون المصرفية وحقوق المودعين، فهي تضم مجموعة من المحامين من أصحاب الخبرة والباع الطويل في مجال العمل القانوني في الحقول المالية والمصرفية والإقتصادية، وتسعى إلى تحديد برنامج عمل ورسم خارطة طريق زمنيّة واضحة تساهم في تنفيذ أهدافها، وعليه، نستعرض إطار عمل ومهام اللجنة لتحقيق أهدافها المباشرة:
1. وضع إطار ومُخطط لتقديم مشاريع القوانين المُقترحة من اللّجنة السّابقة بعد مراجعتها والموافقة عليها (*إعادة هيكلة المصارف و*الكابيتال كونترول و*الإنتظام المالي)، بالإضافة إلى أية مشاريع قوانين أُخرى ضرورية ومنها قانون حماية الودائع.
2. حث السّلطات القضائيّة على تنفيذ الأحكام التي تصدر من جرّاء تطبيق القوانين المرعية الإجراء.
3. التّنسيق مع الجهات الرّقابية (مصرف لبنان) عبر لجانه وخاصةً لجنة الرّقابة على المصارف وهيئة التّحقيق الخاصّة.
4. التّنسيق مع مجلس الوزراء، للحؤول دون إتخاذ أي قرارات في الموضوع المصرفي وملف المودعين دون الإستئناس برأي نقابة المحامين في بيروت.
5. تفعيل التّنسيق والتّعاون في إطار مؤسساتي ومنهجي مع المجلس الإقتصادي والإجتماعي وسيما في إطار دور نقابة المحامين في إبداء الرأي والملاحظات فيما يتعلّق بالقوانين التي لها طابع إقتصادي.
6. مواصلة التّنسيق والتّعاون مع جمعيات وروابط ولجان لديها تمثيل حقيقي للمودعين والساعين إلى حماية حقوقهم.
7. الضغط على لجنة الرقابة وجمعية المصارف لمعالجة مخالفات المصارف بحق المودعين بشكل عام والمحامين بشكل خاص.
8. التواصل مع المؤسسات المالية الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومجموعة العمل المالي، لتقديم الإقتراحات ومعاونة فرق عمل هذه المؤسسات على وضع الخطط المُتصلة بلبنان لضمان حماية حقوق المودعين بشكل عادل.
9. إصدار الدّراسات القانونيّة بشكل دائم لمواكبة الأزمة، والتي تدعم إعادة هيكلة صحية للقطاع المصرفي، والتي تُعنى بتقييم التّعاميم المصرفيّة لناحية قانونيّتها والقرارات المُخالفة التي قد تصدر عن المصرف المركزي ووزارة الماليّة وجمعية المصارف.
10. البحث في وسائل قانونية للتوصل إلى تحصيل حقوق صناديق نقابة المحامين في المصارف اللبنانية.
كما يحق للجنة الإستعانة بمن تشاء من خبراء وإختصاصيين في مجالات عمل اللجنة بعد موافقة النقيب.كما تم إنشاء “هيئة إستشارية” تضم عدداً مُحدداً من الإختصاصيين في المجالات الإقتصادية والمالية والمحاسبية والإعلامية والعلاقات الدولية، ليكونوا عاملاً إستشارياً مساعداً ومسانداً من أجل تعبيد طريق اللجنة في سعيها لتحقيق أهدافها.
في الختام، أتمنى أن تكون هذه اللجنة إحدى الأدوات الفاعلة لتحصيل الحقوق الأساسية وهي حقوق مبدئيّة ليس فقط للمحامي وليس فقط للمنتسبين إلى نقابات المهن الحرّة، بل لجميع المودعين في لبنان.
وإذ نعدكم بأنّنا لن نألو جهداً عن التواصل بشكل دائم مع السلطة التشريعية بهدف اقتراح مشاريع قوانين تكون حامية للمودعين وذلك بما يتناسب مع مبادئ نقابة المحامين، وشكراً لكم وأتمنى دعم الجميع في المرحلة المُقبلة.
عشتم وعاشت نقابة المحامين وعاش لبنان.
* ألقى المحامي الدكتور علي زبـيـب هذه الكلمة بصفته رئيس لجنة الشؤون المصرفية وحماية حقوق المودعين في نقابة المحامين في بيروت، خلال حفل إطلاق برنامج عمل هذه اللجنة، في بيت المحامي في بيروت، بتاريخ 2024/03/21
“محكمة” – الجمعة في 2024/3/22

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!