مقالات

خاص “محكمة”: أسطر من رحاب ذاتي للمحامي وسام رفيق عيد/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
الكتابة عن الذات وما يجول في الأفكار، تحتاج إلى جرأة. إذ ليس هناك أصعب من أن يكتب الانسان عن ذاته وعن محطّات بسيطة جدّاً من حياته حتّى لا يتهم بالأنانية أو بالسطحية.
منذ حوالي الثلاثين سنة كنا في جلسة مع رئيس جامعة الروح القدس في الكسليك الأب الدكتور جورج حبيقة، عندما قال: لو تمّ جمع ما يجول في عقل جميع الناس من أفكار ومطالب وتمنّيات، وطرحها على الملأ لانهار النظام العالمي.
المحامي الزميل وسام رفيق عيد، الناشط في الميادين القانونية والاعلامية والاجتماعية، أصدر منذ عدّة أسابيع كتابه “أسطر من رحاب ذاتي”، أورد فيه سلسلة طويلة من مسيرة حياته مذ كان طفلاً صغيراً وحتّى اليوم.
يستهلّ المقدّمة بالقول:”ذقت شرور الدنيا كلّها فلم أجد أكثر شرّاً ممن أحسنت إليهم…”
هذا الكلام ذكّرني بقول أحد كبار الكتّاب الفرنسيين عندما جاءه شخص يقول له إنّ فلاناً ينتقدك ويتكلّم عنك بالسوء. فاستغرب الكاتب وقال عبارته الشهيرة: مع أنّني لم أصنع معه معروفاً.
Et pourtant je n’ai lui à jamais rendu service.
ويضيف الاستاذ عيد:”وجدت نفسي في بعض المحطّات من حياتي ضحيّة وكان لا بدّ لي من أن أجد من يترافع عني، فلم أجد سوى نفسي لترافع وتدافع عن نفسها”.
“بات الغدر سائداً والطعن منتشراً لدى كثيرين دون أن يستحوا، والوجع يحلّ في الضحايا الذين لم يجدوا لدى الناس إلاّ الكره والبغض، فلا مفرّ إلاّ في الصبر، فيما الجرح ينزف والارهاق يسيطر على وقع أوجاع مؤلمة”.
ويصرّ الأستاذ عيد أنّه لم يتعلّم يوماً منذ ولادته ونشأته الحقد، وأنّ المسامح كريم. أمّا بلوغ قمّة السعادة فيحدث لديه عندما يجهد في خدمة الناس ويقول “وتعوّدت دوماً أن أعطي من صميم قلبي من دون أن آخذ شيئاً بالمقابل”.
ويختم مقدّمته بالقول:”العزيمة لا تعرف الهزيمة، فهي الطريق الوحيد في سبيل النجاح وبلوغ القمم”.
***
ويتكلّم المحامي عيد عن طفولته في زمن الحرب حيث كان يلعب في الحديقة المقابلة لمنزله في رأس بيروت، وفي مدينة الملاهي حيث كان والده يصطحبه إليها.
ويستشهد المحامي عيد بعبارة كتبها معالي النقيب رشيد درباس في كتابه “ناقوس في أحد”: “ويل لوطن كثرت فيه الأعلام على حساب العلم الأصيل”، مصرّاً على أنّ هويّته هي حزبه الأوحد، خصوصاً وأنّ والدته كانت في زمن الحرب حريصة إلى أبعد الحدود على عدم انخراطه وأشقائه في الأحزاب المتصارعة. أمّا والده فهو الانسان الطيّب العصامي الذي ضحّى من أجل عائلته.
أمّا اللحظة الأصعب في حياته، فهي عندما اضطرّ للنزول إلى القبر بهدف دفن جدّته الأحب إلى قلبه ليؤكّد قائلاً: “نعم ذقت مرارة الدنيا فلم أجد أكثر مرارة من لحظة مساكنة الميت ولو للحظات”.
وتطرّق المحامي عيد إلى علاقته بأخواله التي كانت وثيقة إلى أبعد الحدود، وخصوصاً خاله “هزّاع”، وعن علاقة الحبّ التي تربطه بحبيبته “جيسي”. لينتقل إلى الكشفية التي شكّلت حيّزاً مهمّاً في حياته، وكذلك خدمة العلم، ليصل إلى المحاماة التي اعتبرها المهنة الأروع في الكون والأعرق وهي أحد الجناحين الساميين الصلبين. كلّ ذلك دون أن ينسى السنوات التي أمضاها في ستراسبورغ حيث تعلّم في مدارسها هرباً من الحرب اللبنانية. وكذلك فترة دراسة الحقوق في جامعة الحكمة وتأثّره بالدكتور الشاعر ميشال جحا. والعمل الاعلامي في النهار والمؤسّسة اللبنانية للارسال. ليتطرّق إلى الدعاوى التي ترافع فيها وكسبها بفعل متابعته الحثيثة وتعمّقه في دراستها ومنها دعوى إيجار لمنزل جدّته في رأس النبع. وكذلك الدعوى التي كسبها بعد التفريق بين جرمي الزنى والاجهاض وصدور القرار بمنع المحاكمة عن موكّلته.
ويتكلّم المحامي عيد عن العدالة وعن الحرّية. فيقول إنّ العدالة ليست وجهة نظر إذ لا يجوز الاختلاف عليها، فهي موجودة لا محالة. أمّا القانون فهو خلافاً للعدالة، قابل للنقاش أو حتّى للالغاء.
أمّا الحرّية فهي لا تعطى ولا تؤخذ. هي هبة من الله. إن مارسها الجدير بتحمّل المسؤولية عاش بسلام وأمان، أمّا إذا مارسها اللامبالي بالمسؤولية فأضحى من الهالكين.

***
في الخاتمة يقول المحامي عيد:”قبل أن يتعرّف المرء إلى الآخرين ينبغي له أن يتعرّف إلى نفسه”.ويضيف: على الانسان أن يسافر من وقت إلى آخر بعيداً في رحاب الزمن، متوقّفاً عند كلّ نقطة وفاصلة كي يحمي نفسه من غدر محتمل أو جحود متوقّع أو استغلال منظور.
ويختم قائلاً:”على الرغم من الاستغلال والحقد والكراهية، ما زلت أحبّ خليقة ربي سبحانه وتعالى الذي أحبّ بصدق. فمن لا يستطيع حبّ خلق الله لا يمكن أن يحبّ الله. داعياً إلى أن يكتب كلّ واحد منا أسطراً من رحاب ذاته.
يبقى أن نشير إلى العلاقة القوية مع معالي الوزير ارتيور نظريان الذي يعتبر بالنسبة إليه المعلّم والمدرسة وهو الذي رعاه كنجله. حيث يختم:”حبّي له وتقديري لا يوازيهما إلاّ حبّ أبي لي وعطفه عليّ”.
“محكمة” – السبت في 2019/1/19

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!