مقالات

القضاء وتطهير مظاهر الفساد/أنطوني عيسى الخوري

القاضي الدكتور أنطوني عيسى الخوري*:
أيّها الحضور الكريم.
يشرّفني أن أقف أمامكم اليوم، من هذا المنبر المميّز في رحاب قصر العدل في طرابلس لكي نستحضر معاً في هذا اللقاء الجامع لأهل القانون صفحة مضيئة من تاريخنا بمناسبة إحتفاليّة اليوبيل المئوي لنقابة المحامين في طرابلس المتألّقة باستمرار في شتى الميادين، ولا سيّما في “نشاطها الثقافي”، وذلك بمرور مئة عام على إنشائها عام 1921.
فإنّي إذ أتوجّه باسمي وباسم زملائي قدامى القضاة بالشكر الحارّ والتقدير العميق إلى حضرة النقيب الأستاذ محمّد المراد وأعضاء مجلس النقابة الأعزاء الذين شرّفونا بهذا التكريم في هذه المناسبة الغالية على قلوبنا جميعاً، وذلك لتبوّء معظمنا سابقاً مناصب قضائيّة في لبنان الشمالي وفي قصر العدل في مدينة طرابلس الفيحاء الحبيبة، العريقة الضاربة في جذور التاريخ، وهي عاصمة لبنان الشمالي والعاصمة الثانية للبنان، والتي ينتشر فيها عدد كبير من الآثار العائدة إلى حِقب تاريخيّة قديمة.
إنّ صاحبة المئويّة الغرّاء كانت منذ نشأتها ولا تزال حتّى أيّامنا هذه “حارسة الحقّ وحصناً منيعاً للديموقراطيّة والحرّيات”.
لا شكّ في أنّ القضاء والمحاماة يتكاملان، إذ إنّهما يتشاركان في تحقيق العدالة التي يطالب بها المواطن.
فهدف المحاماة هو تحقيق رسالة العدالة في كلّ القضايا، وذلك بإبداء الرأي القانوني والدفاع عن الحقوق بالوسائل القانونيّة كافّة للوصول إلى “الحقيقة” ليفصل بها في ما بعد القضاء الذي هو “الحجر الأساس لقيام دولة الحقّ والقانون” لأنه مؤتمن على ترسيخ مبادئ العدالة التي تساعد على تقدّم الحضارات ونموّها.
أيّها السيّدات والسادة
لقد انتفض شابات وشباب لبنان ضدّ منظومة الفساد في وطننا مطالبين بقيام دولة القانون والمؤسّسات ورافعين شعارات الديموقراطيّة والإستقلال والحريّة والقضاء على الفساد.
وهنا تبرز أهميّة بقاء لبنان “حصناً للحريّات في الشرق”، وإنّ ميزة لبنان هذه كانت في أساس استمرار تقاليد إحترام التعدّد وقبول الآخر دون تفرقة أو تمييز، ويفترض هذا الأمر وجود دولة سليمة الإدارة وخاضعة للمساءلة، ممّا يستدعي تدخّل القضاء العادل والنزيه لتطهير مظاهر الفساد، وللوصول إلى هذا الهدف، وعملاً بنص المادة عشرين من الدستور اللبناني التي كرّست إستقلاليّة السلطة القضائيّة، يقتضي تحصين هذه السلطة بإقرار إقتراحات القوانين المتعلّقة بتلك الإستقلاليّة من قبل الهيئة العامة لمجلس النواب بدءاً بتعديل المادة الخامسة من قانون القضاء العدلي، بحيث تُحصر صلاحيّة إجراء المناقلات والتشكيلات القضائيّة بمجلس القضاء الأعلى، لأنه بإعتماده المعايير الموضوعيّة والعلميّة، هو المخوّل القيام بهذا الأمر من خلال استناده إلى تقارير تعدّها هيئة التفتيش القضائي كي تضمن هذه التشكيلات الغاية المرجوّة، بحيث يكون القاضي المناسب في المنصب المناسب، ممّا يعزّز ثقة المواطن بالقضاء، وهذه الثقة هي معيار تقدّم المجتمع، خاصّة وأنّ معظم القضاة في لبنان يتمتّعون بالعلم والأخلاق الرفيعة التي تخوّلهم القيام بتأدية الواجب بإرساء العدالة، محصّنين بإستقلاليّتهم وحكمتهم وحريّتهم.
أيّها السيّدات والسادة
سأنهي كلمتي بهذه الملاحظة :مثلما المياه مصدر كل حياة، فبدون الثقافة تبقى شجرة المجتمع، مهما علت وتفرّعت، مفتقرة للرونق والجمال. من هنا أهميّة الدور المميّز والعريق الذي تضطلع به نقابة المحامين في طرابلس، وهو دور أجادته على مرّ العقود والسنين.
فيا حضرة النقيب وأعضاء مجلس النقابة الأعزاء، سيبقى الأمل بقيامة لبنان قريباً، بالرغم من الظروف الصعبة التي يمرّ بها حالياً، ما دام فيه شخصيات كأمثالكم يُحسنون الأداء ويقدّرون الثقافة. أنتم النموذج الذي يجب أن يحتذى به لقيام مجتمع المعرفة لأن المعرفة هي السبيل الأفضل لبلوغ العدالة والحريّة والكرامة الإنسانيّة.
شكراً لجميع الحاضرين والمشتركين في احتفاليّة اليوبيل المئوي
عشتم، عاش القضاء مستقلاً وحرّاً، عاش لبنان.
* رئيس رابطة قدامى القضاة في لبنان ورئيس محكمة التمييز شرفاً ورئيس المجلس العدلي وهيئة التفتيش القضائي بالوكالة سابقاً.ألقيت هذه الكلمة في احتفال نقابة المحامين في الشمال بمئويتها الأولى يوم الإثنين الواقع فيه 11 تشرين الأوّل 2021.
“محكمة” – الجمعة في 2021/10/15

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!