خاص “محكمة”:الإرهاب ألزم لبنان بالإكثار من المحقّقين العدليين.. وامتيازاتهم مرافقون وهاتف رباعي و”خطر محدق”/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
لم يسبق للبنان أن شهد “طفرة” في تعيين محقّقين عدليين كما حصل منذ العام 2005، في ظلّ الزحمة الشديدة الاختناق على خطّ الاغتيالات والتفجيرات والعمليات الإرهابية التي وقعت، واتضح بأنّ قسماً منها يقف وراءه تنظيم” فتح الإسلام” الإرهابي كما دلّ التحقيق في قضايا تفجير عين علق، والاشتباكات في مخيّم نهر البارد، واستهداف الجيش اللبناني في شارعي المصارف والبحصاص في طرابلس.
وباستثناء توقيف أشخاص من هذا التنظيم التابع لتنظيم “القاعدة”، فإنّ أيّاً من الملفّات الإرهابية الأخرى لم يتمّ توقيف أحد فيها، أو يتمكّن المحقّقون من التوصّل إلى معرفة هوّيات الفاعلين، أو الإمساك بخيوط قد تقود إليهم، أو تدلّ عليهم، بينما جرى العكس تقريباً في الدعاوى المتصلة بأمن الدولة الداخلي والتي تشتمّ منها رائحة طائفية أو مذهبية، أو خلاف سياسي محلّي على غرار جريمة مقتل الفتى زيّاد غندور والشاب زيّاد قبلان في نيسان 2007، ومقتل المسؤولين الكتائبيَيْن في زحلة نصري ماروني وسليم عاصي في 20 نيسان 2008، وجريمة بتدعي في قضاء بعلبك في شهر تشرين الثاني 2014، والتي ذهب ضحيتها الزوجان صبحي ونديمة فخري، فتمّت توقيفات جزئية.
وهذا الأمر لا يحصل للمرّة الأولى في مسيرة المجلس العدلي كما سعى بعضهم إلى الترويج خطأ، ذلك أنّ هناك دعاوى كثيرة موضّبة في أدراج المجلس العدلي ولم يصدر أيّ حكم فيها، على الرغم من توالي حشد من القضاة الكبار على ترؤس هذا المجلس، فضلاً عن مستشارين برمّتهم هم رؤساء لغرف في محكمة التمييز، أو مستشارين فيها.
رقم قياسي للوزير رزق
وبات وزير العدل الأسبق شارل رزق يحمل الرقم القياسي بين وزراء العدل في إصدار قرارات تعيين قضاة كمحقّقين عدليين، ويأمل اللبنانيون ألاّ يحطّم أحد هذا الرقم خوفاً منهم على وطنهم من الضياع في مهبّ الجرائم المجهولة الفاعل، وطبعاً لئلاّ تتكرّر التفجيرات والاغتيالات.
وكان الوزير رزق الأسرع بين أقرانه في اللجوء إلى التحقيق العدلي إنسجاماً مع رغبات مجلس الوزراء، وذلك في محاولة للتصدّي للجرائم المقترفة قدر المستطاع والتخفيف من وقعها على الشارع اللبناني، مع العلم أنّ المحاكمات أمام المجلس العدلي تكون بطيئة وتأخذ وقتاً طويلاً نسبياً، لأنّها تقام على درجة واحدة، ويُخشى من وقوع ظلم أو تجنّ بحقّ أحد المتهمّين، فيحاكم بما لم تقترفه يداه، كما حدث مع الفلسطيني يوسف محمود شعبان الذي سُجن زوراً في قضيّة اغتيال الدبلوماسي الأردني نائب عمران المعايطة في بيروت في العام 1994، على يد التنظيم الثوري الفلسطيني( جماعة أبو نضال) وبعقوبة الأشغال الشاقة المؤبّدة بعد تخفيفها من الإعدام، ليتضح لاحقاً أنّه ليس الشخص المعني بهذه الجريمة، ولم يخرج من السجن إلاّ بموجب عفو خاص من رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في العام 2009.
الاختيار للسياسة
وتبدو علامات الاستنسابية في الاختيار بين المجلس العدلي والقضاء العادي، أو القضاء العسكري واضحة للعيان، وتلعب السياسة دورها المحوري في تحديد الجهة القضائية المولجة بالنظر في هذا الملفّ أو ذاك.
فعلى سبيل المثال، ملفّات العملاء والمتعاملين وشبكات التجسّس الإسرائيلية على فظاعتها وبشاعتها، تحال على المحكمة العسكرية الدائمة، مع أنّها تمسّ أمن الدولة الداخلي والخارجي ولا تقلّ شأناً عن الجرائم الإرهابية الأخرى، ولو أحيلت على المجلس العدلي لما انتهت المحاكمات منها بالوتيرة السريعة التي خطّتها المحكمة العسكرية، وخصوصاً بعد تحرير الجزء الأكبر من الجنوب والبقاع الغربي في شهر أيّار من العام 2000، حيث وصلت أعداد الموقوفين إلى المئات.
بينما لم يتمكّن المجلس العدلي من الانتهاء من المحاكمات في تفجير حافلتين لنقل الركّاب في محلّة عين علق في 13 شباط 2007، والتي حوكم فيها ثلاثة أشخاص فقط بصورة وجاهية هم: مصطفى سيو، وكمال النعسان، وياسر الشقيري، إلاّ بعد مرور ستّ سنوات على صدور القرار الاتهامي عن المحقّق العدلي القاضي رشيد مزهر، وصدر الحكم النهائي في 20 شباط 2015 حاملاً توقيع رئيس المجلس بالإنابة القاضي أنطوني عيسى الخوري والأعضاء القضاة جوزف سماحة وتيريز علاوي وناهدة خدّاج وجان مارك عويس، وقضى بعقوبة الإعدام غيابياً لرئيس تنظيم “فتح الإسلام” شاكر العبسي، والاعدام وجاهياً للموقوف سيو، والأشغال الشاقة مدّة عشرين عاماً وجاهياً للموقوف الشقيري، والأشغال الشاقة مدّة أحد عشر عاماً وجاهياً للموقوف نعسان.
الطائفية
ويتمّ اختيار القاضي لمهمّة محقّق عدلي بعد مفاتحته بالموضوع والوقوف على رأيه، ولم تكن الطائفة ضرورية في مسألة التعيين في السابق، غير أنّ الأمر تغيّر بطريقة مفاجئة، فصار المذهب والطائفية “واجبين ومتلازمين” مع طائفة الشخصية المستهدفة، أو الجريمة الواقعة، وهذا ما ترشح به معظم الدعاوى والملفّات التي جرى تعيين محقّقين عدليين فيها، بدءاً من العام 2006، فهل الركون إلى هذا الفعل المتعارض مع أسس العدالة، يحقّق الغاية المرجوة منه ويعطي انطباعاً بأنّ الملفّ بيد أمينة ويدفع القاضي المعني إلى الإسراع فيه، خشية إغضاب العائلة الروحية والطائفة، وحتماً الزعيم السياسي؟!.
تجريد القاضي من الحماية
وإنْ كان تعيين القاضي محقّقاً عدلياً يزيد من رصيده وخبرته وكفاءته ويلقي عليه مسؤولية أكبر بالتوازي مع هول الجريمة وضغط الرأي العام القابل لنسيانها تدريجياً، إلاّ أنّه يكسب منه مبلغاً مالياً كان يوازي ثلاثمائة ألف ليرة لبنانية وأصبح مليون ليرة بموجب المرسوم رقم 916 تاريخ 20 حزيران 2017، علماً أنّه قد يرتّب عليه مخاطر جسيمة وتهديدات أمنية، بفعل ضخامة الملفّ وخطورته وتعلّقه بالإرهاب وما يتفرّع عن ذلك من قلق وخوف وإرباك، خصوصاً بعد انتهائه من التحقيق وإصداره القرار الاتهامي وتسليم الملفّ إلى المجلس العدلي بواسطة النيابة العامة التمييزية، لأنّه يجري سحب المرافق الأمني منه.
وهذا ما حدث مع القاضي نبيل صاري الذي تلقّى سيلاً من التهديدات أبلغ بها مجلس القضاء الأعلى فلم يحرّك ساكناً، بل على العكس تماماً، أصرّ مدعي عام التمييز المتقاعد سعيد ميرزا على سحب المرافق الشخصي بعد شهر من انتهاء التحقيق في أحد الملفّين المرتبطين بتفجيري البحصاص وشارع المصارف في طرابلس، إلاّ أنّ مجلس الأمن المركزي تنبّه للأمر، وأبقى على العنصر الأمني المفصول للقاضي صاري الذي كان قد أنهى تحقيقاته في مهلة ستّة شهور، وأحال الملفّ على ميرزا ليضع مطالعته في الأساس.
وقد بقي هذان الملّفان ثلاث سنوات من دون محاكمة لدى المجلس العدلي، إلى أن فُصِلَ فيهما في عهد القاضي جان فهد، وصدر الحكمان المبرمان في 6 آب من العام 2013.
وهناك جملة إمتيازات موضوعة بتصرّف المحقّق العدلي، ففور تعيينه يُلْحق به مرافق شخصي عسكري من جهاز أمن الدولة، وقد يرفع العدد إلى إثنين أو ثلاثة ويتوزّعون عندئذٍ على قوى الأمن الداخلي والشرطة العسكرية، ويُقدّم له هاتف رباعي يستطيع أن يُجري عبره 16 ساعة تخابر خليوية مجانية، على حساب الدولة، وبالتالي تُدْفع نفقاته من جيب المواطن، ويتلقّى أجراً شهرياً مقداره ثلاثماية ألف ليرة بعدما كان هذا العمل يعتبر من ضمن مهامه ووظيفته الأساسية ولا يتقاضى عليه شيئاً، إضافة إلى راتبه الشهري الأساسي المُحقّ له.
وقد تنام الملفّات بناء على رغبات سياسية مع تقلّب العهود والحكومات والمصالح، وهو ما تنمّ عنه أدراج بعض المحقّقين العدليين.
ويتمّ اختيار المحقّق العدلي من ذوي الدرجة الثامنة وما فوق ضمن التراتبية المعمول بها في الجسم القضائي لكي يكون أهلاً لهذه المسؤولية، وجرى نقض هذا العرف غير المتكئ على نصّ قانوني، في عهد الوزير اللواء أشرف ريفي الذي عيّن مستشاره القاضي محمّد صعب محقّقاً عدلياً وكان يومها، في الدرجة السادسة!.
وجرت العادة أن يتفق وزير العدل ومجلس القضاء الأعلى مسبقاً على إسم القاضي المطروح ليكون محقّقاً عدلياً، ثمّ يصدر ضمن قرار رسمي يحمل توقيع وزير العدل.
طبّارة
وعيّن وزير العدل بهيج طبّارة القاضي جهاد الوادي محقّقاً عدلياً لمتابعة النظر في قضيّة الاعتداء على أمن الدولة الداخلي الناجمة عن اغتصاب سلطة سياسية وقيادة عسكرية من قبل “الضابط ميشال عون وأعوانه” وما رافقها وتفرّع عنها بحسب المرسوم الرقم 656 الصادر في 19 تشرين الأوّل 1990. وقد أصدر الوادي قراراً في هذه القضيّة في 4 أيّار من العام 2005 قبل ثلاثة أيّام من عودة عون من فرنسا إلى لبنان، قضى بإسقاط دعوى الحقّ العام عنه بداعي أنّه” لم يخالف الشروط الواردة في المرسوم رقم 1637 تاريخ 1991/8/13 والرامي إلى العفو عنه، طيلة مدّة نفيه المحدّدة بخمس سنوات، ولم يتعاط أيّ نشاط سياسي، ولم يُقدم على أيّ فعل يمسّ النظام، أو أمن الدولة، أو ينال من الوحدة الوطنية”.
عضوم والحريري
ويوم الاثنين في 21 شباط من العام 2005، أصدر وزير العدل القاضي عدنان عضوم القرار رقم 128 ، والذي قضى بتعيين القاضي ميشال أبو عرّاج محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وما لبث أبو عرّاج أن قدّم كتاب اعتزاله عن متابعة مهامه وذلك في 23 آذار من العام “بسبب كثرة أعماله” في محكمة الجنايات!.
وفي 24 آذار 2005 أصدر الوزير عضوم القرار الرقم 281 والرامي إلى تعيين القاضي إلياس عيد محقّقاً عدلياً خلفاً لأبي عرّاج. وبعدما كان عيد في طريقه إلى اتخاذ قرار بإخلاء سبيل ضابطين على الأقلّ هما اللواءان جميل السيّد وعلي الحاج الموقوفان تعسفياً في جريمة اغتيال الحريري، جرى كفّ يده بتدخّل وإيعاز من المدعي العام التمييزي سعيد ميرزا لغايات محض سياسية، وقام وزير العدل شارل رزق يوم الخميس في 13 أيلول من العام 2007، بتعيين القاضي صقر صقر محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال الحريري.
أحداث “نهر البارد”
وأعطيت دفّة التحقيق في جريمة أحداث “نهر البارد” إلى القاضي غسّان عويدات بموجب قرار صادر عن الوزير رزق في 2 آب 2007، فاجتهد فيها حتّى أنهاها على الرغم من كثرة المدعى عليهم والمتهمّين والأظناء الموقوفين والمخلى سبيلهم والمتوارين عن الأنظار، وأصدر قراره الاتهامي في 19 تموز 2012 وهو أكبر قرار اتهامي في تاريخ التحقيق العدلي، إذ بلغ عدد صفحاته 465 صفحة “فولسكاب” ما ينمّ عن أعداد المتهمّين وجسامة الاعترافات وضخامة التحقيقات.
واستطاع المجلس العدلي بعد جلسات عديدة من الاستجوابات والمحاكمات العلنية والسرّيّة عند وجود قاصرين، أن يصدر أحكامه في هذا الملفّ في ختام العام 2015.
نجّار
وفي العام 2008، عيّن وزير العدل إبراهيم نجّار، القاضي نبيل صاري محقّقاً عدلياً في التفجيرين الارهابيين اللذين استهدفا عسكريين من الجيش اللبناني في شارع المصارف ومحلّة البحصاص في طرابلس. وأصدر صاري قراره الاتهامي، كما أصدر المجلس العدلي في العام 2013 حكمه المبرم بحقّ المتهمّين الموقوفين والفارين.
جريمة زحلة
وعيّن الوزير إبراهيم نجّار القاضي رفول البستاني محقّقاً عدلياً في جريمة قتل المسؤوليْن في حزب الكتائب في زحلة نصري ماروني وسليم عاصي في 20 نيسان 2008، وما لبث أنّ حلّ القاضي فادي العنيسي محقّقاً عدلياً في هذه القضيّة مكان البستاني، وأصدر في 30 حزيران 2011، قراراً إتهامياً أحال بموجبه المتهمّين الفارين الشقيقين جوزيف وطعمة إبراهيم الزوقي على المحاكمة أمام المجلس العدلي.
ريفي
وعيّن وزير العدل اللواء المتقاعد أشرف ريفي في 19 أيّار 2014 القاضي محمّد صعب محقّقاً عدلياً في جريمة اغتيال الوزير الأسبق محمّد شطح ورفاقه في منطقة “ستاركو” في العاصمة بيروت في 27 كانون الأوّل من العام 2013.
“محكمة” – الإثنين في 2017/09/04 .
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.