مقالات

النقيب الشيخ ميشال خطار جاهد في سبيل الحق والعدل والإنسان/فادي مصري

النقيب فادي خليل مصري*:
الحضور الكريم،
أقف اليوم بتهيّب أمام نعش رجل أُعطي الكثير من الربّ خالقه، وأعطى بدوره الكثير، فلم يطمر الوزنات بل استثمرها. وها هو الآن، في حضرة السيّد، يعيد له وزنات كثيرة ربحها، فلا بدّ أن يكون دخل من اليوم فرح سيّده إذ كان أمينًا على القليل وسيقيمه على الكثير.
أيّها الراحل الكبير،
هنيئًا لك قوسك الأخير حيث عدالة الله الذي يكرّمك ويجلّك على عرش مملكة النزاهة والجدارة والعزّة والعنفوان.
أنت لست بحاجة إلى تكريم البشر، فالله يخصّ من أجاد زرع الوزنات بمكان أقرب ما يكون إلى القدّيسين والأبرار.
ملأت قاعات المحاكم مرافعات دفاع عن حقوق استمت لتحصيلها. عملت كثيرًا بجدّ وتعب، فكنت وفيًا لمهنة أحببتها وكرّست حياتك لخدمتها وقد مارستها بمهنية وأمانة وصلابة، وكانت أيضًا وفية لك فعرفك زملاؤك محاميًا لامعًا وقدوة لأجيال من المحامين افتخرت بهم يتبوؤن أعلى المراكز ويسيرون على درب النجاح.
يا أعزّ الراحلين،
يوم كاد الوطن يتحوّل إلى قبائل متناحرة،
يوم كانت الكلمات على لسان البعض خناجر،
يوم فُقدت المروءة وكادت الغلبة تكون لقوى الحقد والشرّ،
كنت رمزًا لكلّ معاني الجرأة والشجاعة والشهامة، تقتحم الصعاب بتبصّر متسلّحًا بالإيمان والعلم والمناقب ولا تتقن إلّا أبجدية واحدة هي أبجدية لبنان.
أيّها النقيب الكبير لقبًا وقيمة ومكانةً،
كنّا وما زلنا نركن إلى حكمتك وإلى رجاحة رأيك وإلى القدرة على سكب المواقف بقالب الحزم حينًا، وبأسلوب الإعتدال أحيانًا، وبمحبة لامتناهية على الدوام.


أيّها المشيّعون الكرام،
إنّ هذا الجبل الشامخ شموخ أرز الربّ، الذي يختصر تاريخ وطن سطرّ أبناؤه أمجادًا على مرّ التاريخ، من الشمال الأبيّ هو، وفي قلب العاصمة عاش وعمل ومات وبنى الشيخ ميشال خطار مملكة الصدق والإستقامة، وجاهد الجهاد الحسن في سبيل الحقّ والعدل والإنسان.
يا أكرم الراحلين،
إنّه يوم وداعك
إنّه يوم تشييعك إلى مثواك الأخير
لكنّه ليس آخر الأيّام
فنحن قياميون ونعيش في هذه الأيّام زمن القيامة
ونحن فصحيون وما زلنا في فرح عيد الفصح
ونحن أبناء الحياة، وأنت أقبلت على الحياة بشجاعة وقوّة وحكمة ومحبّة!
تخرجّ الفقيد من جامعة القدّيس يوسف للأباء اليسوعيين سنة 1948 وانتسب إلى نقابة المحامين سنة 1949 حيث تدرّج في مكتب النقيب الراحل فؤاد رزق.
كرّمه زملاؤه فاختاروه لمرّات خمس، منذ العام 1968، عضوًا في مجلس نقابتهم، ومن ثمّ نقيبًا لهم سنة 1993، فاشتهر بحزمه وتشدّده في الحفاظ على آداب المهنة ومناقبها وعمل بكدّ على استكمال نهضة النقابة بعد انتهاء الحرب التي عصفت بلبنان، فقاومتها نقابة المحامين بتضامن أبنائها وبوحدتها وبعزيمة النقابيين الذين خدموها وواجهوا العاصفة ومنهم النقيب ميشال خطار.
أسّس عائلة افتخر بها وقد سار على دربه في المهنة ولده الحبيب الراحل عنا باكرًا المرحوم نعوم الذي وإن كسر غيابه قلب النقيب الكبير، إلّا أنّه لم يقوَ على عنفوانه ولا لوى قامته الشامخة ومن ثمّ استلم الشعلة ولده زميلنا العزيز نجيب الذي يكمل مسيرته المهنية إلى جانب أفراد المكتب العامر الذي أسّسه ورعاه حتّى الأيّام الأخيرة.
وكان الشيخ ميشال في سنواته الأخيرة حريصًا على استمرارية النقابة وديمومتها مواكبًا لعملها وداعمًا لأعضاء مجلس النقابة والنقباء المتعاقبين، وقد خصّني شخصيًا بعاطفة خاصة منذ ترشّحي لعضوية مجلس النقابة سنة 2020 لغاية زيارته الأخيرة المفاجئة لمكتب النقيب في 2 شباط 2024 يوم عيد دخول المسيح إلى الهيكل.
وإنني، إذ أنحني إجلالًا أمام ذكراك، أتقدّم باسم مجلس نقابة المحامين والنقباء السابقين وزملائي المحامين وباسمي الشخصي، بأحرّ التعازي من زوجتك الفاضلة السيّدة جاكلين وأولادك نجيب وفريدا وفرح ورياض وعائلاتهم، أنسبائك ومحبّيك، متضرّعًا إلى الله تعالى أن ينعم علينا على الدوام بقامات إنسانية ووطنية ومهنية ونقابية تسير على هدى مبادئ النقيب ميشال خطار، فيكون بذلك ذكره مؤبّدًا.
* ألقى نقيب المحامين في بيروت فادي مصري هذه الكلمة في رثاء النقيب الشيخ ميشال خطار في المأتم الرهيب الي أقيم له في كاتدرائية مار جرجس للموارنة في وسط بيروت يوم السبت الواقع فيه 6 نيسان 2024.
“محكمة” – الأحد في 2024/4/7

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!