مقالات

الذهب والاقتصاد/أحمد جابر

أحمد جابر:
يعد الذهب واحدًا من أقدم وأثمن المعادن التي عرفها الإنسان، وقد لعب دورًا أساسيًا في تشكيل تاريخ الاقتصاد العالمي.
منذ العصور القديمة، اعتُبر الذهب رمزًا للثروة والسلطة، وهو الآن لا يزال يحتفظ بمكانته كمخزن للقيمة وملاذ آمن للمستثمرين في أوقات الأزمات الاقتصادية.
في البداية، كان الذهب هو الأساس الذي تقوم عليه العملات النقدية، حيث استخدمته العديد من الحضارات كعملة للمعاملات التجارية. اليوم، رغم تطور أنظمة النقد والمال، فإن الذهب لا يزال يحتفظ بمكانته كأصل مالي مهم. يعتبره العديد من المستثمرين وسيلة للتحوط ضد التضخم، تقلبات الأسواق، والأزمات المالية. في هذا السياق، يُعتبر الذهب من “الأصول الآمنة” التي يحاول المستثمرون اللجوء إليها في الأوقات غير المستقرة.
تتأثر أسعار الذهب بعدد من العوامل الاقتصادية والمالية. يعد العرض والطلب من أبرز هذه العوامل، إذ يؤدي زيادة الطلب على الذهب، سواء من الدول أو من المستثمرين الأفراد، إلى ارتفاع سعره.
من ناحية أخرى، يرتبط سعر الذهب أيضًا بالسياسات النقدية للبنوك المركزية حول العالم. على سبيل المثال، عندما تخفض البنوك المركزية أسعار الفائدة، يتوجه المستثمرون إلى الذهب كبديل مربح لاحتفاظهم بالأموال في شكل عملات.
بالإضافة إلى ذلك، يرتبط الذهب إرتباطًا وثيقًا بالقيمة الحقيقية للعملات الورقية، مثل الدولار الأمريكي. عندما تتدهور قوة العملة أو تتعرض الأسواق المالية لصدمة كبيرة، يميل سعر الذهب إلى الارتفاع كونه يُعتبر “ملاذًا آمنًا” للقيمة.
في الاقتصادات الناشئة، يعد الذهب أحد الأصول التي يستخدمها المستثمرون كوسيلة للحفاظ على ثرواتهم في مواجهة تقلبات العملات المحلية والتضخم. فعلى سبيل المثال، في دول مثل الهند والصين، يُعتبر الذهب واحدًا من الأدوات الأكثر تداولًا في السوق المحلية ويُستخدم كأداة ادخار وادخار تقليدي. كذلك، تشتري بعض الحكومات في هذه الدول الذهب بكميات كبيرة كجزء من احتياطياتها الدولية.
منذ بداية الأزمات الاقتصادية الكبرى مثل الأزمة المالية العالمية في 2008، شهد الذهب ارتفاعًا ملحوظًا في قيمته. في فترات الركود، غالبًا ما يلجأ المستثمرون إلى الذهب باعتباره استثمارًا آمنًا بعيدًا عن تقلبات الأسهم والسندات. إن الذهب يعمل كأداة وقائية ضد الأزمات المالية ويعزز الثقة بين المستثمرين عندما تتعرض أسواق الأسهم إلى خسائر كبيرة.
من أهم العوامل التي تدفع الناس للاستثمار في الذهب هي مخاوف التضخم. عندما ترتفع معدلات التضخم وتفقد العملات المحلية قيمتها، يصبح الذهب بمثابة حماية ضد فقدان القوة الشرائية. والتاريخ يظهر بوضوح أن الذهب كان يعزز قيمته مع ارتفاع مستويات التضخم، وبالتالي يُعتبر وسيلة فعالة للحد من الخسائر الناتجة عن التدهور الاقتصادي.
ورغم دوره الكبير في الاقتصاد العالمي، يواجه الذهب بعض التحديات في العصر الحديث. من أبرز هذه التحديات هو تحوّل الأسواق إلى العملات الرقمية مثل البيتكوين والعملات المشفرة الأخرى. هذه العملات تعد بدائل للذهب كأداة للحفاظ على القيمة، حيث يرى البعض أن هذه التقنيات الجديدة قد تؤثر على الطلب على الذهب في المستقبل. لكن في الوقت نفسه، يظل الذهب يتمتع بسمعة قوية بين المستثمرين.
يبقى الذهب جزءًا لا يتجزأ من الاقتصاد العالمي، حيث يواصل دورًا محوريًا في توفير الأمان المالي والاستقرار للمستثمرين والحكومات. على الرغم من التحديات الحديثة والتغيرات الاقتصادية، لا يزال المعدن الأصفر رمزًا للثروة والأمان في عيون كثير من الناس، وستظل أسواق الذهب تلعب دورًا أساسيًا في النظام المالي العالمي.
“محكمة” – الجمعة في 2025/2/7

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!