أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

الرواية القضائية لما حدث بين بطرس حرب ونقولا منصور في قضيّة مارسيل غانم/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
لم تنته واقعة استدعاء الإعلامي مارسيل غانم إلى التحقيق الإستنطاقي على خير، وهو الذي رفض في الأساس الخضوع للتحقيق الأوّلي لدى الضابطة العدلية على خلفية تهجّم صحفيين سعوديين على مرجعيات سياسية لبنانية بينها رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ضمن برنامجه الأسبوعي”كلام الناس” على محطّة (LBCI) خلال وجود رئيس مجلس الوزراء سعد الدين الحريري قيد الإحتجاز في المملكة العربية السعودية، ثمّ إذاعة غانم بياناً تلفزيونياً إنتقد فيه القضاء ممثّلاً بالنائب العام الاستئنافي في جبل لبنان غادة عون التي سلكت الطرق القانونية المعتمدة بالإدعاء عليه إنفاذاً لدعوى الحقّ العام.
ودخل على خطّ توتير العلاقة بين القضاء والإعلام، سياسيون صوّروا استدعاء صحفي إلى جلسة تحقيق على أنّه استهداف للحرّيات الإعلامية، فيما المنطق يقول إنّ الجميع تحت سقف القانون، ومن يخطئ يتحمّل تبعات أفعاله، ولا يوجد أيّ رابط على الإطلاق بين صحفي أخطأ والحرّيات الإعلامية التي تبقى أسمى من مجرّد إبداء رأي وتقديم وجهة نظر قد يتوافق عليها الجميع وقد تجد من يعارضها ويناقضها.
وما الدخول السياسي طرفاً منحازاً إلاّ لتشويه حقائق الأمور واستغلالها فرصة على أبواب الإنتخابات النيابية المصيرية بالنسبة لبعضهم في شهر أيّار 2018، وقد جهدوا لرفع سقف الخطابات الرنّانة الطنّانة، وإظهار استدعاء صحفي إلى التحقيق استهدافاً من السلطة لمن يعارضها بالكلام، وهو مخالف لما حصل في الواقع.
وببساطة، فإنّ الرواية القضائية لما حدث هي التالية:
إدعت القاضي غادة عون على مارسيل غانم بجرم تسهيل ذمّ الرئيس عون وعرقلة التحقيق من خلال رفض الخضوع لتحقيق أوّلي لدى الضابطة العدلية، وهو الذي اعتاد على مقاطعة ضيوفه ومنعهم من الإسترسال في إيصال أفكارهم وما يعتقدونه محقّاً من وجهة نظرهم، غير أنّه مع ضيفيه السعوديين الموجودين خارج الاستديو لم يفعل، بل تركهما يسترسلان في إطلاق الكلام على عواهنه، وهذا ما دفع بالنائب الأسبق إيلي الفرزلي الموجود في الاستديو إلى الردّ عليهما.
وأحيلت “ورقة الطلب” مع كامل أوراق الملفّ على قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان نقولا منصور الذي حدّد جلسة أولى للتحقيق في 4 كانون الأوّل 2017، فحضر المحامي أشرف صفي الدين بوكالته عن المدعى عليه أيضاً مدير البرامج في “LBCI” جان فغالي، ومحام من مكتب النائب بطرس حرب للمحاماة بوكالته عن المدعى عليه غانم، واطلعا على مآل الإدعاء، واستمهلا لتقديم دفوع شكلية وهو إجراء اعتاد المحامون على ممارسته عندما يكونون في ضفّة الدفاع عن المدعى عليهم، بغية الإستفادة من المزيد من الوقت لئلاّ نقول المماطلة والتسويف والحؤول دون تسريع الإجراءات القضائية.
إلتزام وتنصّل
ولم يتردّد القاضي منصور في الموافقة على طلب الطرفين، وهو حقّ مكرّس لهما في قانون أصول المحاكمات الجزائية وتحديداً في المادة 73 منه والتي تنصّ على أنّه “يحقّ لكلّ من المدعى عليه أو لوكيله دون حضور موكّله، ومن النيابة العامة أن يدلي مرّة واحدة قبل استجواب المدعى عليه بدفع أو أكثر من الدفوع” السبعة المتعلّقة بانتفاء الصلاحية، وسقوط الدعوى العامة، وعدم قبول الدعوى، وعدم تشكيل الفعل المدعى به جرماً يعاقب عليه في القانون، وسبق الإدعاء أو التلازم، وقوّة القضيّة المحكوم بها، وبطلان إجراءات التحقيق، على أن يبتّ قاضي التحقيق في الدفع في مهلة أسبوع، مع حقّ فرقاء الدعوى في استئناف قراره الذي لم يفرض القانون أن يكون معلّلاً بالكامل، لذلك هو أمام أحد خيارات ثلاثة إمّا قبول الدفع لتوافقه مع الأسباب المذكورة آنفاً، وإمّا ضمّه للأساس، أو ردّه إذا كان الأمر متوقّفاً على الاستجواب الضروري لتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في الدعوى.
وبالفعل، أمهل منصور وكيلي غانم وفغالي أسبوعاً واحداً لتقديم الدفع الشكلي، وحدّد موعداً للإستجواب بعد أسبوعين في 18 كانون الأوّل 2017، وأبلغهما وجوب حضور موكّليهما بالذّات في هذا الموعد المقرّر.
وفيما التزم المحامي صفي الدين بالمهلة المعطاة له لتقديم الدفع الشكلي، تغاضى النائب حرب عنها ولم يلتزم بها بهدف كسب المزيد من الوقت، علماً أنّه لم يستنفد كلّ الخطوات القانونية المتاحة أمامه في مثل هذه الحالة كاستئناف قرار قاضي التحقيق، لكنّ الطابع السياسي لديه تغلّب على عقلية المحامي الرصين، ووجد ملاحقة غانم بدعوى الحقّ العام عليه مناسبة لتظهير نفسه محارباً للسلطة كون صهر رئيس الجمهورية رئيس التيّار الوطني الحرّ ووزير الخارجية جبران باسيل منافسه على المقعدين المارونيين في منطقتهما البترون، وبغية حشد الرأي العام حوله، ولو أنّه التزم حيثيات القانون، لما احتاج إلى “فنّ تضييع الوقت” بهذا الشكل الواضح، فالدفع الشكلي في حدّ ذاته، كاف لإهدار الوقت وإبعاد كأس الإستجواب الذي لن يتأخّر في الحصول مهما كان التهرّب، فهو واقع في نهاية المطاف لا محالة.
حرب خالي اليدين
وفي التاريخ المعيّن، حضر المحامي صفي الدين إلى مكتب القاضي منصور في قصر عدل بعبدا، كما دخل النائب حرب شخصياً خالي اليدين، وكما يقال في العامية”عم يلولح بإيديه”، ولم يُحْضر معه مذكّرة الدفع الشكلي، والكاميرات الموجودة في مكتب القاضي منصور تشهد على ذلك، واستمهل حرب ليتخذّ موقفاً من الإدعاء وتقديم الدفوع الشكلية من دون أن يعطي ذريعة واحدة مقنعة لعدم التزامه بالمهلة المحدّدة سابقاً لتقديمها، فردّ عليه منصور بأنّه لم يقدّم الدفع الشكلي ضمن المهلة المعطاة له، ولا يوجد بحوزته أيّ دفع، وبالتالي لا مجال لمهلة إضافية، وأبلغه بأنّ الجلسة للإستجواب وسأله عن موكّله غانم الذي لم يحضر معه عن سابق إصرار وترصّد.
وخرج النائب حرب إلى وسائل الإعلام المنتظرة خارج قصر العدل ليطلق تصريحاً مغايراً لمجريات ما حدث داخل مكتب منصور زاعماً بأنّ الأخير رفض أن يستلم منه مذكّرة الدفوع الشكلية، علماً أنّه لم يحضرها معه، ولو أنّه طلب المزيد من الوقت من أجل إعدادها بالشكل الذي يراه مناسباً وبمسوّغات قانونية مقنعة، لمنحه منصور من دون تردّد، فأسبوع إضافي لن يؤخّر شيئاً في حقيقة الدعوى.
مذكّرة الإحضار
ولمّا كان غانم قد تغيّب عن الجلسة، بادر منصور إلى إصدار مذكّرة إحضار بحقّه، وهي إجراء قضائي قانوني بحت بحسب نصّ المادة 106 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي توجب على المدعى عليه أن يحضر إلى دائرة قاضي التحقيق بعد تبليغه ورقة دعوته وأن يمثل أمامه، وإذا لم يحضر دون أن يبدي عذراً مشروعاً فيصدر القاضي مذكّرة الإحضار تنفّذها قوى الأمن لتأمين إحضاره خلال مهلة أربع وعشرين ساعة من موعد الجلسة المقرّر، وقد عيّن القاضي منصور يوم الخميس الواقع فيه 4 كانون الثاني 2018، موعداً لاستجواب غانم وتنفيذ مذكّرة الإحضار في حقّه في حال تخلّفه عن المثول أمامه أسوة بكلّ الناس ومساواة بهم.
دفع صفي الدين
في هذه الأثناء، أبلغ منصور وكيل فغالي بأنّه سيبلغه قراره بشأن دفعه الشكلي في آخر الدوام، وهذا ما حدث، إذ ردّها لعدم قانونيتها، فاستأنفها صفي الدين بحسب الأصول أمام الهيئة الإتهامية في جبل لبنان.
وقد أثار صفي الدين عدم الإختصاص كون النيابة العامة خالفت أحكام المواد 28 و29 من قانون المطبوعات، وطلب ردّ الدعوى لكون الفعل المدعى به لا يشكّل جرماً جزائياً معاقباً عليه في قانون العقوبات لأنّ موكّله لم يرتكب أيّ جرم جزائي، فضلاً عن أنّ النيابة العامة لم تصف الجريمة ولم تظهر دور فغالي لملاحقته بالأفعال المنسوبة إليه.
وردّ القاضي منصور بأنّ للنيابة العامة الحقّ في تحريك دعوى الحقّ العام وإحالة الشكوى إلى قاضي التحقيق لاستكمال التحقيقات في الجرائم المهمّة أو الجرائم التي ترى وفقاً لصلاحياتها إحالتها إلى دائرة التحقيق لمتابعة التحقيقات التي بدأتها في التحقيق الأوّلي واستجماع الأدلّة والقرائن، دون أن يؤدّي ذلك إلى حرمان المتضرّر من التقدّم بشكوى مباشرة أمام قاضي التحقيق الأوّل أو أمام محكمة المطبوعات وبالتالي يكون إجراء النيابة العامة واقعاً في محلّه القانوني.
وذكّر منصور أن فغالي ملاحق بموجب المواد 23 من قانون المطبوعات معطوفة على المادة 26 منه، والمادة 35 من قانون البثّ التلفزيوني والإذاعي رقم 382/94 وهي مواد يعاقب عليها الفاعل بعقوبة السجن، والبحث في مدى توافر عناصر هذه الجرائم يستوجب التعرّض للأساس والبحث في الموضوع واستجواب الفرقاء.
حرب أنت مخطئ
وليس صحيحاً ما قاله النائب حرب لوسائل الإعلام من أنّ “القانون يمنع الإستماع للصحافيين في المخافر، ويُستمع إليهم أمام قاضي التحقيق الأوّل”، والشواهد كثيرة على ذلك، ويندرج ضمن إطار تسمية المخافر أو بالأحرى الضابطة العدلية، قسم المباحث الجنائية المركزية الذي يعمل بإشراف النيابة العامة التمييزية التي فعلتها مراراً وأحالت إليه صحفيين من مبدأ التمييز بينهم وبين آخرين محظيين أو مقرّبين من الخطّ السياسي لمن ولّي شؤونها كما حصل في عهد القاضي المتقاعد سعيد ميرزا، علماً أنّ هاك صحفيين أحيلوا على محامين عامين تمييزين لسماع أقوالهم عوضاً عن التحقيق معهم لدى قسم المباحث المذكور.
وعقد حرب في اليوم التالي، مؤتمراً صحفياً في منزله في محلّة الحازمية لم يسلم منه جاره في السكن وزير العدل سليم جريصاتي، وقال فيه إنّه قدّم شكوى أمام هيئة التفتيش القضائي ضدّ منصور، كما قدّم طلب ردّه من أجل تكليف قاض آخر للنظر في هذه الدعوى، معتبراً “أنّنا لن تنازل عن حقّ غانم في تقديم الدفوع الشكلية.. وأنّ “مذكّرة الإحضار التي أصدرها منصور تهدف إلى إهانة غانم”!.
بيان مجلس القضاء
وردّ القاضي منصور من خلال بيان صادر عن المكتب الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى على ما حصل بينه وبين حرب من دون أن يسمّي الإثنين معاً حرب وغانم، وجاء فيه أنّ “قاضي التحقيق الأوّل، بعد أن كان قد استوفى في مرحلةٍ سابقة ما تنصُّ عليه الأصول لجهة الافساح في المجال أمام المدعى عليه لتقديم دفوعه، قرّر، وفقاً للأحكام القانونية التي ترعى عمل قاضي التحقيق، وهي الأحكام التي تمنع حضور الوكيل في الجلسة الثانية بغياب موكّله المدعى عليه، عدم قبول حضور المحامي، وإرجاء الجلسة إلى تاريخ 2018/1/4، وإحضار المدعى عليه، لمخالفته القرار القاضي بوجوب حضوره بالذات في الجلسة الثانية”.
تراجع حرب
ولم يمض يومان على مؤتمر حرب الصحفي، حتّى أرسل محامياً من مكتبه إلى قصر عدل بعبدا من أجل سحب طلب ردّ القاضي منصور لأنّه بات في حكم الخاسر لهذه المعركة التي تفرض عليه غرامة مالية، لأنّ محكمة الاستئناف ستردّ طلب الردّ بحكم القانون وفي ظلّ وضوح الصورة الحقيقية أمامها لما حصل خلف الجدران في مكتب منصور وهو موثّق أيضاً بالصوت والصورة بفضل الكاميرات الموجودة.
كما أنّ حرب سعى إلى إبقاء الملفّ لدى منصور من أجل سحب مذكّرة الإحضار الصادرة بحقّ موكّله المدعى عليه غانم.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 25 – كانون الثاني 2018- السنة الثالثة)

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!