مقالات

“الشغل مش عيب”…ولكن/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
أثار التصريح الذي أدلت به السيّدة نوار، عقيلة رئيس مجلس الوزراء الدكتور حسّان دياب، موجة عارمة من التعليقات. بعضها مؤيّدة وبعضها شاجبة. فقد طلبت السيّدة دياب من ضمن ما طلبت، من سيّدات وصبايا لبنان العمل في خدمة المنازل بدلاً من العاملات الأجنبيات، لتحسين الوضع الاقتصادي وعدم إخراج العملة الصعبة من دولارات وغيرها إلى الخارج.
لذلك، وبمعزل عن التعليقات التي حمل بعضها شيئاً من التعصّب والفئوية والطبقية والشعبوية، بشيء من التسرّع والغضب، فإنّنا نبيّن بعض الحقائق والوقائع والمبادئ، تمهيداً للوصول إلى النتيجة.
أوّلاً: يعتبر لبنان من البلدان المتقدّمة إجتماعياً على العديد العديد من دول العالم. ويضمّ طاقات علمية وثقافية واقتصادية وطبّية وحقوقية….الخ قد لا نجدها على المستوى الفردي في معظم دول العالم.
هذا البلد تمّ نهبه. نعم وبكلّ صراحة تمّ نهبه من قبل معظم من تولّوا فيه المسؤوليات. يحاولون تبييض صفحتهم واستعمال أساليب الغشّ والنفاق لإقناعنا بالعكس، ولكنّنا غير مقتنعين بشفافيتهم ونظافة كفّهم.
ومع كلّ المصائب المالية التي حلّت بهذا البلد، لا يزال من الدول التي يرغب شعبها بالحياة الكريمة والرغيدة.
ثانياً: يصرّ الأهالي في لبنان على تعليم أولادهم في أفضل المدارس والجامعات، مع ما يتطلّب ذلك أيضاً من قرطاسية وتصوير أوراق وشراء كتب، وتنقّلات وإقامة في أماكن قريبة من الجامعة، فتراهم يعملون ليل نهار لتأمين الأقساط المدرسية والجامعية لهم، وأعرف العديد العديد من الأصدقاء والمواطنين الذين باعوا أراضيهم من أجل تعليم أولادهم. بحيث تبلغ الكلفة أحياناً ثلاثماية ألف دولار أميركي للولد الواحد.
لفتني “اسكتش” على أحد التلفزيونات حيث جلس شاب على الكنبة، وهو عاطل عن العمل، ووالده يصرخ بوجهه. إلى أن سأله الشاب عن المبلغ الذي دفعه عن شقيقه في سبيل التعليم. وبعد الجمع والضرب والطرح وصل إلى ثلاثماية ألف د.أ. فسأله الشاب: وكم يقبض حالياً: فأجابه الوالد ألف د.أ. شهرياً. أيّ لا يوازي فائدة المبلغ الذي دفعه عنه. والعبرة من ذلك أنّه يجب على الدولة أن تضع خططاً مستقبلية حول الوظائف والمهن والحرف وغيرها التي يجب أن يتوجّه إليها المواطنون، وأن يضعوا الشخص المناسب في المكان المناسب بعيداً عن المحسوبيات والاستزلام والتحزّب وغيرها.
ثالثاً: رفع بعض المعلّقين الشعار الشهير:”الشغل مش عيب”. شعار جميل وصحيح طبعاً. والأفضل أن يعمل الإنسان بدلاً من مدّ يده في الشارع أو السرقة…الخ ولكن لكلّ إنسان كرامته. من تريد أن تعمل خادمة في منزل فلتعمل ولكن لا يحقّ لها أن تطلب ذلك من غيرها.
الأعمال قد تأتي بشكل عفوي. معظم شباب وصبايا لبنان يعملون صيفاً في مطعم، أو مسبح، أو أوتيل، أو محطّة وقود، أو كاراج…الخ وشتاء يتعلّمون. وتساعدهم المبالغ التي قبضوها على ذلك. ولكن هل يطلب منه بعد تخرجه أن يعمل في المطعم أو المسبح؟. ولماذا تعلّم واستحصل على شهادة طبّ أو حقوق أو هندسة أو صناعة أو تجارة؟ ولماذا دفع الأقساط وتوابعها من “لحمه الحيّ” أو من عمله المضني صيفاً في المطعم أو المسبح أو الأوتيل أو محطّة الوقود أو الكاراج؟
رابعاً: إنّ الإنسان الذي يقوم بأيّ عمل شريف هو محطّ تقدير لدى الجميع. فهو العمل الذي اختاره أو أجبرته الظروف على اختياره. وعليه أن يتقنه جيّداً مهما كان وضيعاً.
كان المرحوم عبدو سعد، رئيس الحرفيين في لبنان، يروي أنّه أثناء مناظرة بين َمرشحَين للرئاسة الأميركية، سأل أحدهما الآخر: هل صحيح أنّك كنت تعمل في صغرك كماسح أحذية في الشارع؟
فأجابه:”صحيح. لقد كنت ماسح أحذية في صغري. ولكن أؤكّد لك أنّني كنت أمسح الأحذية جيّداً وألمعها تلميعاً برّاقاً. وكان هذا الجواب كافياً لكسب عطف الناخبين الأميركيين يومها.
خامساً: القدرة على العطاء في العمل هي التي تميّز الموظّف أو العامل عن الآخر. فلا يمكن الطلب من طبيب جراح القيام بأعمال لا تناسب مهنته، وعلى كلّ إنسان أن يقوم بالأعمال التي تدخل ضمن اختصاصه. وفي هذا المجال، يروي المحامي الشيخ أنطوان الجميل الذي كان يحاضر في جامعات أميركا وعلى تواصل مع مكاتب المحاماة فيها، أنّهم في المكاتب الكبيرة يقسمون المحامين إلى عدّة أقسام. منهم من يقوم بالتفتيش والتنقيب عن الأحكام والمراجع Recherches. ومنهم من يكتب اللوائح والمذكّرات، ومنهم من يعقد الإجتماعات ويتفاوض مع الجهة الأخرى…الخ وعندما تسأله عن السبب يجيب: لأنّ ساعة العمل لدى من يكتب اللوائح، غير ساعة عمل من يقوم بالتفتيش عن النقاط القانونية والإجتهادية والفقهية. وبالتالي فإنّ كبار المحامين مثلاً لا يضيّعون وقتهم” للقيام بأمور صغيرة ويتركون أمرها لمن هم في بداية الطريق وهكذا دواليك.
سادساً: عندما نتكلّم عن العمل كخادمة في منزل، فهذا يعني أنّ في هذا المنزل ربّة منزل أو عائلة بحاجة إلى هذه الخادمة. فمن هي ربّة المنزل هذه التي تطلب خادمة؟ ولماذا يتمّ توجيه الكلام إلى غيرها ليعملوا كخدم في منزلها.
وبالتالي، فهناك حسب نظرية السيّدة دياب خادمة ومخدومة. فمن الذي يحدّد صفة كلّ منهما؟ وطبقاً لأيّ معيار؟ وأي ظروف؟.
أمّا الحلّ فسهل جدّاً: بما أنّ الشغل مش عيب. وبما أنّ عمل كلّ إنسان في منزله لا يعتبر عيباً على الإطلاق. فلماذا لا يتمّ تشجيع اللبنانيين واللبنانيات على إنجاز الأعمال المنزلية بأنفسهم. ومن لا يستطيع ذلك لأسباب صحيّة، أو من يكون في وضع إجتماعي لا يتسع وقته للأعمال المنزلية، فليستعن بمن يشاء ضمن ضوابط مشدّدة ومدروسة.
***
يتبيّن ممّا تقدّم، وبكلّ موضوعية ومنطق، إنّ السيّدة دياب لم تكن تقصد إهانة الشعب اللبناني، بل أدلت بما أدلت به بعفوية وببراءة، معتقدة أنّ هذا الأمر يساعد على تحسين الاقتصاد وعدم خروج الدولار من لبنان. في حين أنّه يجب استعادة الأموال المنهوبة، ووقف الهدر، ومنع الفساد، ووضع خطّة اقتصادية غير معقّدة.
فيعود لبنان إلى سابق عهده من الرخاء، والعيش والكريم. مع تأكيدي على عدم إعطاء الثقة للحكومة الحالية.
لم أعطها ولن أعطيها.
“محكمة” – الإثنين في 2020/5/18

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!