أبحاث ودراسات

نفاذ قانون الإيجارات الجديد بين “الإشكاليّة” الفارغة وقواعد التفسير القانوني الصحيح/شربل شرفان

المحامي شربل شرفان(1):
1- مقدّمة:
منذ أكثر من سبعين عاماً والمشرّع يتدخّل في العلاقة التعاقديّة بين المالك والمستأجر عبر القوانين الاستثنائيّة المتعاقبة التي عدّلت في شروط التعاقد الأصلي بين الفريقين عبر فرض التمديد القانوني القسري وتحديد البدلات ووضع القيود على المالك لمصلحة المستأجر. وشكّلت هذه القوانين انتهاكاً لحقّ الملكيّة الخاصة المكرّسة بموجب الفقرة “و” من مقدّمة الدستور اللبناني والمادة /15/ منه، وللقواعد العامة القانونيّة ولقاعدة “العقد شريعة المتعاقدين”، وقد أقرّ بذلك المجلس الدستوري في قراريه(2) 2014/6 تاريخ 2014/8/6 و 2017/3 تاريخ 2017/3/30 عندما اعتبر أنّ هذه القوانين “تشكّل حالة معبّرة عن واقع غير سليم حول المعايير الحقوقيّة”، وأنّ “ما حصل طيلة أكثر من سبعين سنة هو تعسّف مستمرّ في الحدّ من حقّ الملكيّة من خلال قوانين استثنائيّة متمادية التعرّض لحريّة التعاقد”.
وكان آخر القوانين الاستثنائيّة قانون الإيجارات الجديد الصادر في 2014/5/9 والذي أصبح نافذاً وواجب التطبيق اعتباراً من 2014/12/28، وقد جرى تعديله بموجب القانون رقم 2017/2 تاريخ 2017/2/28 الذي دخل حيّز التنفيذ بدوره منذ هذا التاريخ.
وقد ظهرت في القانون الجديد إرادة جليّة للمشرّع باعتماد سياسة جديدة، تتلخّص بالآتي:
‌أ- الخروج من التمديد الحكمي القسري لعقود الإيجارات عن طريق تحريرها بشكل تدريجي (بين 9 سنوات لغير المستفيدين من “الصندوق” إلى 12 سنة للمستفيدين منه).
‌ب- تسديد بدل المثل تدريجيّاً عن طريق الزيادات وفقاً لنسب معيّنة وبالتزامن مع سريان سنوات التمديد التسع واستناداً لقاعدة حسابيّة محدّدة.
‌ج- إنشاء حساب “صندوق مساعدات المستأجرين” للمساهمة من قبل الدولة في تسديد الزيادات المقرّرة بموجب هذا القانون عن المستأجرين التي تتوافر فيهم شروط معيّنة وضمن أصول محدّدة.
‌د- إنشاء لجان ذات صفة قضائيّة لها مهمّتين: الأولى، هي البتّ بطلبات المستأجرين للاستفادة من “الصندوق”، والثانية هي تحديد بدل المثل عند اختلاف تقارير الخبرة بين المالك والمستأجر.

إلاّ أنّ القانون الجديد، ومنذ صدوره في العام 2014، مرّ في مراحل عديدة بدءاً من الطعن به أمام المجلس الدستوري مروراً بتعديله في العام 2017، وصولاً إلى الطعن بهذا التعديل مرّة أخرى. وقد كرّس المجلس الدستوري عدّة مبادئ لها قيمة دستوريّة في قراره 2014/6، واقتصر الإبطال في الطعن الأوّل على المادتين /7/ و/13/ والفقرة “ب-4” من المادة /8/ وهذه النصوص تتعلّق باللجنة المنشأة بموجبه وكان السبب في إبطال هذه النصوص لعدم احترام مبدأ التقاضي على درجتين، إذ كانت قرارات اللجنة في النصّ الأساسي “نهائيّة ولا تقبل أيّ طريق من طرق المراجعة”، كما ولناحية عدم إعطاء أعضاء اللجنة الحصانات والضمانات الكافية للفصل في نزاعات لها الطابع القضائي. بيد أنّه في تعديل القانون عام 2017 أعاد المشرّع صياغة النصوص التي أبطلها المجلس الدستوري وذلك على ضوء مضمون القرار. أمّا في الطعن الثاني، والذي تناول القانون التعديلي 2/2017، استعاد المجلس الدستوري حيثيّات قراره السابق وأكّد على مطابقة القانون الجديد مع أحكام الدستور والمعاهدات والمواثيق الدوليّة لحقوق الإنسان وللقواعد التي لها قيمة دستوريّة، وفي المحصّلة ردّ مراجعة الطعن الأخيرة بموجب القرار رقم 2017/3 بكاملها.
2- أساس “الإشكاليّة” موضوعنا:
عندما صدر القانون التعديلي 2017/2 تاريخ 2017/2/28 تبيّن بأنّ المشرّع لم ينتهج الشكل الذي يُعتمد عادةً في صياغة النصوص التعديليّة، إنّما قام بإعادة نشر القانون بصيغته الكاملة بعد دمج التعديلات بنصوص المواد التي طالتها. وهذا الأمر أدّى إلى بروز رأي قانونيّ مُفاده أنّ القانون التعديلي ألغى القانون الأساسي الصادر في العام 2014 وبالتالي تكون بداية السنوات التمديديّة كما وبداية استحقاق الزيادات هي 2017/2/28 وليس 2014/12/28 وأسند معتنقو هذا الرأي حجّتهم لما ورد في المادة /15/ من القانون التعديلي أنّه: ” تمدّد لغاية تسع سنوات، والمستفيدين من تقديمات الصندوق لغاية 12 سنة، من تاريخ نفاذ هذا القانون، عقود إيجار الأماكن السكنية…” أما الرأي الآخر، والذي يُعاكس الرأي الأوّل، فوجد بأنّ المشرّع لم يلغ القانون الصادر عام 2014 وأن القانون التعديلي 2017/2 لم يستبدل القانون الأساسي ولم يحلّ محلّه وهذا الرأي هو الصائب والصحيح بنظرنا تبعاً لما سوف نورده أدناه من براهين يقينيّة.
3- حل هذه “الإشكاليّة” وتبيان تاريخ نفاذ القانون الجديد على ضوء قواعد التفسير القانوني الصحيح:
عندما نغوص في نصوص قانون الإيجارات الجديد الأساسي والتعديلي ونسبر أغوارها عن طريق التمحيص والمقارنة، ولدى التمعّن في نيّة المشرّع وإرادته، نجد بما لا شكّ فيه أنّ القانون الجديد نافذ وواجب التطبيق اعتباراً من 2014/12/28، وهذا الأمر واضح لا لبس فيه بالرغم من ظاهر ما ورد في الفقرة الأولى من المادة /15/ من القانون التعديلي لأنّ العبرة بالمقاصد والمعاني لا بالألفاظ والمباني. فإنّ عبارة “من تاريخ نفاذ هذا القانون” الواردة في الفقرة الأولى من المادة /15/ المُشار إليها لا يمكن أن تُفسّر بمعزل عن مآل المشرّع أولاً، ولا عن باقي النصوص القانونيّة التي تضمّنها القانون التعديلي والتي تُشير بشكل يقيني على أنّ القانون 2/2017 ليس إلاّ قانوناً تعديليّاً للقانون الأساسي الصادر في 2014/5/9 فهو لم يُلغه ولم يستبدله ولم يحلّ محلّه. وبالتالي يبقى تاريخ 2014/12/28 منطلقاً لسريان القانون الجديد ودخوله حيّز التنفيذ.
وحلّ هذه “الإشكاليّة” موجود في نصوص القانون التعديلي 2017/2 عينه، والتي نوجزها بالآتي:
• الفقرة الأولى من المادة /15/ من القانون التعديلي 2017/2:
لدى مقارنة نصّ الفقرة الأولى من المادة /15/ من القانون الأساسي وتلك من القانون التعديلي يتبين لنا أن المشرع، وفي القانون 2017/2، زاد عليها عبارة ” تمدّد لغاية تسع سنوات، والمستفيدين من تقديمات الصندوق لغاية 12 سنة…”. وهذه العبارة لم تكن موجودة في النص الأساسي للقانون الصادر في العام 2014. وبالتالي يكون المشرّع قد عدّل عدد السنوات بجعلها 9 سنوات لغير المستفيدين من “الصندوق” و12 سنة للمستفيدين منه. ولم يعدّل نقطة انطلاق أو بدء هذه المدّة بحيث لا تزال تُحتسب ابتداءً من تاريخ 2014/12/28. وجُلّ ما في الأمر أنّه اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون التعديلي أصبح عدد السنوات 9 للمستفيدين و12 لغير المستفيدين. وهذا ما تُشير إليه عبارة “من تاريخ نفاذ هذا القانون” الواردة في هذا النص.
• الفقرة “د” من المادة /32/ من القانون التعديلي 2017/2:
نصّت هذه الفقرة على أن تطبّق أحكام القانون التعديلي على دعاوى الاسترداد التي لا تزال قيد النظر أمام المحاكم والتي لم يصدر بها قرار مبرم قبل تاريخ نفاذ هذا القانون. وهذا أمر طبيعي نظراً لأنّ المشرّع خفّض بدل المثل في القانون التعديلي من 5% إلى 4% وأنّ احتساب تعويض الاسترداد يكون على أساس بدل المثل وفقاً للآليّة التي نصّت عليها المادة /22/ من القانون 2/2017. والمشرّع في دعاوى الاسترداد، وفي الفقرة “5” من المادة /22/، أقرّ مبدأ تناقص التعويض الذي يستحق للمستأجر نسبيّاً مع المدّة المتبقّية من المهلة التمديديّة بمعدل التسع (9/1) عن كل سنة انقضت من هذه المدّة. وهذا يدلّ يقيناً وبدون أدنى شكّ على أنّ السنوات التمديديّة تبدأ في 2014/12/28 باعتبار أنّه إذا أقيمت دعوى استرداد في العام 2016، أي قبل دخول القانون التعديلي حيّز التطبيق، ولم يصدر فيها قرار مبرم، فإنّ هذه الدعوى تكون خاضعة لأحكام القانون التعديلي الذي أقرّ مبدأ تناقص التعويض بمعدّل التسع عن كل سنة انقضت من الفترة التمديديّة وبالتالي يجب إنقاص التعويض بنسبة 2/9. وبالتالي فإذا اعتبرنا أنّ منطلق وبدء السنوات التمديديّة هو في العام 2017 كيف يمكننا تطبيق مبدأ إنقاص التعويض على الدعاوى المُقامة قبل نفاذ القانون التعديلي؟ الأمر الذي يدلّنا مباشرةً على نيّة ومقاصد المشرّع باعتبار السنوات التمديديّة تبدأ من تاريخ نفاذ القانون الصادر عام 2014.
• الفقرة الأولى من المادة /55/ من القانون التعديلي 2017/2:
نصّت هذه الفقرة على تمديد القانون 92/160(3) لغاية تاريخ 2014/12/28 وهذا التاريخ هو تاريخ دخول القانون الجديد الصادر في 2014/5/9 إلى حيّز التنفيذ، وبذلك يكون المشرّع قد غطى مرحلة ما قد اصطلح على تسميته بـ”الفراغ التشريعي” والذي امتدّ منذ تاريخ 2012/4/1 لغاية 2014/12/28. وهنا، ولو أراد المشرّع أن يستبدل القانون الأساسي الصادر في 2014/5/9 بالقانون التعديلي 2017/2 لكان قد مدّد العمل بالقانون 92/160 لغاية 2017/2/28 (تاريخ دخول القانون التعديلي إلى حيّز التنفيذ). ما يعني أنّ القانون التعديلي لم يلغ ولم يستبدل ولم يحلّ محلّ القانون الأساسي الذي لا يزال نافذاً ومعمولاً به اعتباراً من 2014/12/28.
• الفقرة الثالثة من المادة /55/ من القانون التعديلي 2017/2:
نصّت هذه المادة على خضوع جميع الدعاوى التي أقيمت قبل تاريخ العمل به (ما عدا دعاوى الاسترداد(4)) أي قبل تاريخ 2017/2/28 للقوانين التي أقيمت في ظلها. ما يعني أنّ المشرّع وبنصّ قانوني واضح وصريح أخضع جميع الدعاوى المقامة قبل 2014/12/28 إلى القانون 92/160، والدعاوى المُقامة بين تاريخي 2014/12/28 و 2017/2/27 إلى القانون الجديد الصادر في 2014/5/9 ، وتلك المقدّمة اعتباراً من تاريخ 2017/12/28 تكون خاضعة لأحكام القانون التعديلي 2017/2. وبالتالي فإنّ عدم خضوع الدعاوى التي أقيمت قبل نفاذ القانون التعديلي لأحكامه هو تطبيق لمبدأ عدم رجعيّة القوانين وهو دليل قاطع على أنّ القانون تاريخ 2014/5/9 هو قانون نافذ وساري المفعول.
• المادة /59/ من القانون التعديلي 2017/2:
نصّت هذه المادة على أن تُلغى جميع الأحكام المخالفة لأحكام القانون التعديلي أو غير المتّفقة ومضمونه. وبذلك يكون المشرّع قد حصر الإلغاء بالأحكام التي تعدّلت بموجب القانون 2017/2 دون تلك التي لم يطلها التعديل من جهة، ومن جهة ثانية، فإنّ مفعول الإلغاء الذي تحدّثت عليه هذه المادة ينحصر في المستقبل دون أن ينسحب إلى الماضي عملاً بمبدأ عدم رجعيّة القوانين كما سوف نرى أدناه بالتفصيل. وأنّه لو أراد المشرّع إلغاء القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 برمّته لكان نصّ على ذلك صراحةً كأن يتضمّن النصّ العبارة الآتية “يُلغى القانون كذا…” وهذا ما لم يفعله المشرّع.
• المادة /60/ من القانون التعديلي 2017/2:
نصّت هذه المادة على أن يُعمل بالقانون التعديلي فور نشره في الجريدة الرسميّة، أي أنّ القانون التعديلي يُعتبر ساري المفعول أو دخل حيّز التطبيق اعتباراً من 2017/2/28. وقد جاءت هذه المادة تطبيقاً لمبدأ عدم رجعيّة القوانين الذي يقول بأنّ القوانين تنظّم وتشرّع للمستقبل، وبالتالي فإنّ مجلس النوّاب بهيئته العامة لم يُعط القانون التعديلي أيّ مفعول رجعي ليمكن القول بأنّ هذا القانون حلّ محلّ القانون الأساسي الصادر بتاريخ 2014/5/9 أو استبدله. وعند وضوح النصّ لا مجال للاجتهاد أو التأويل.
وانطلاقاً من مبدأ عدم رجعيّة القوانين لا يجوز القول بأنّ المشرّع أصدر قانوناً هو القانون لعام 2014 حيث بدأ تعداد السنوات التمديديّة اعتباراً من تاريخ نفاذه، وعاد بعد ذلك وأصدر قانوناً آخر هو القانون 2017/2 لكي تبدأ السنوات التمديديّة من جديد من تاريخ دخوله حيّز التنفيذ، وبالتالي نكون هنا أمام تناقض في المنطق القانوني، إذ أنّ تطبيق هذا المبدأ يعني الحفاظ على الحقوق المكتسبة التي تكرّست بموجب التشريعات السابقة، فلا يجوز أن تبدأ مهلة السنوات التمديديّة منذ 2017/2/28 من جديد وقد انقضى منها سنتين وشهرين منذ تاريخ نفاذ القانون في 2014/12/28. فالمالك اكتسب هذا الحقّ استناداً للقانون الجديد الصادر عام 2014 لأجل تحرير ملكيّته، ومن يكتسب حقّاً بالاستناد إلى نصّ قانوني يكون من الواجب أن يضمن القانون له هذا الحقّ وأن يصونه من كل تعرّض أو انتهاك، وهذا ما تقتضيه مصلحة المجتمع العليا بوجود الاستقرار في التعامل بين الناس وشيوع الثقة في القوانين وفي المشرّع.
• قوانين أخرى تبيّن هذا الموضوع:
أقرّ المشرّع عدّة قوانين بيّنت نيّته وإرادته فيما يتعلّق بمسألة نفاذ قانون الإيجارات الجديد. وكما هو معلوماً أنّ نيّة المشرّع يجب أن يؤخذ بها عند تفسير النصوص القانونيّة، والقول بغير ذلك يُعتبر شواذاً عن القواعد العامة والمنطق القانوني السليم.

 فالقانون رقم 2020/160(5) تاريخ 2020/5/8 (تعليق المهل القانونيّة والقضائيّة والعقديّة) نصّ في مادته الثانية على بعض الاستثناءات من أحكام التعليق، وقد ورد في الفقرة “6” من هذه المادة: “المهل الواردة في قانون الإيجارات الصادر بتاريخ 2014/5/9 والمعدل بموجب القانون رقم 2017/2”.
 والقانون رقم 2020/176(6) تاريخ 2020/5/13 (تمديد عقود إيجار الأماكن المبنيّة غير السكنيّة)، نصّ في الفقرة الأولى من مادته الوحيدة على أنّه: “يعّدل نصّ المادة /38/ من القانون الصادر بتاريخ 2014/9/5 والمعدّل بالقانونين رقم /2/ تاريخ 2017/2/28 ورقم /111/ تاريخ 2018/12/6 ليصبح على الشكل التالي:…”
 والقانون رقم 2021/243(7) تاريخ 2021/7/22 (تمديد عقود إيجار الأماكن المبنيّة غير السكنيّة المعقودة قبل 1992/7/23)، نصّ في الفقرة الأولى من مادته الوحيدة على ما حرفيّته: “يعدّل نصّ الفقرة الأولى من المادة /38/ من القانون الصادر بتاريخ 2014/9/5 والمعدّل بالقانونين رقم /2/ تاريخ 2017/2/28 ورقم /111/ تاريخ 2018/12/6 والقانون رقم /176/ تاريخ 2020/5/13 ليصبح على الشكل التالي:…”
من خلال سرد هذه القوانين يتبيّن لنا بشكل واضح لا لُبس فيه أنّ المشرّع في كلّ مرّة كان يقصد أن يُشير إلى القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 بالاسم ويقول بعدها أنّه معدّل بالقانون 2017/2، وهذا دلالة جليّة على أنّ القانون التعديلي لم يُلغ القانون الصادر في العام 2014 لأنّه في أصول التشريع وأصول صياغة النصوص القانونيّة القانون المُلغى لا يعود له أيّ وجود أو أيّة مفاعيل قانونيّة ولا يتمّ ذكره أبداً عند تعديل أيّ نصّ لاحق له يكون قد حلّ محلّه أو استبدله. ويمكننا أن نعتبر هذه القوانين هي بمثابة القوانين التفسيريّة التي يمكن اتخاذها منطلقاً للقول بأنّ قانون الإيجارات الصادر بتاريخ 2014/5/9 لا يزال سارياً ومعمولاً به.
وبالتالي، وهدياً على ما تقدّم، يمكننا القول بأنّه فيما يتعلّق بتطبيق قوانين الإيجارات التي تعاقبت مؤخّراً في الزمان يكون لدينا:
• القانون 92/160 الواجب التطبيق على الفترة الممتدّة بين 1992/7/23 و2014/12/28.
• قانون الإيجارات الجديد تاريخ 2014/5/9 الواجب التطبيق اعتباراً من 2014/12/29 ولغاية 2017/2/27 .

• القانون التعديلي 2017/2 الواجب التطبيق اعتباراً من 2017/2/28.
ومن جهة أخرى، فإنّ القول بخلاف ما تم بيانه أعلاه، لا يُعتبر مجافياً لقواعد التفسير السليم، بل يؤدّي إلى نشوء حالة “فراغ تشريعي” عن المدّة اعتباراً من 2014/12/29 و2017/2/28 وهذا بالطبع ما لا يريده المشرّع ولم يكن أبداً من مقاصده.
ولهذا الأمر عدّة نتائج، أهمّها:
1- بالنسبة لاحتساب الزيادات القانونيّة: تُحتسب الزيادات القانونيّة اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون الأساسي الصادر بتاريخ 2014/5/9 أي اعتباراً من 2014/12/28. مع العلم بأنّ سريان الزيادات يجري بالتوازي مع السنوات التمديديّة، فالمشرّع ربط التمديد بالزيادات ضمن الجدول الزمني المتدرّج للقانون، والقول بأنّ الزيادات تبدأ من تاريخ 2014/12/28 يستتبع حتماً القول بأنّ السنوات التمديديّة تبدأ من هذا التاريخ أيضاً.
2- بالنسبة لتحديد لبدل المثل: وفقاً لأحكام المادة /20/ من القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 (أي قبل التعديل) فإنّ بدل المثل يحدّد على أساس نسبة 5% من القيمة البيعيّة للمأجور في حالته القائمة فيما لو كان خالياً. أما المادة /20/ المعدّلة بموجب القانون 2017/2 خفّضت هذه النسبة إلى 4%. وهذا يعني أنّه يجب أن يجري احتساب الزيادات القانونيّة عن الفترة الممتدّة اعتباراً من 2014/12/28 ولغاية 2017/2/27 على أساس بدل المثل 5% (أي عن عامي 2015 و2016 وشهري كانون الثاني وشباط من العام 2017)، بينما تكون الزيادات اعتباراً من 2017/2/28 على أساس بدل المثل 4%. وهذا يتوافق مع ما قد ذكرناه أعلاه لجهة تطبيق المشرّع لمبدأ عدم رجعيّة القوانين ونظريّة الحقوق المكتسبة فالمالك اكتسب حقّ احتساب بدل المثل عن فترة سريان القانون الصادر عام 2014 على أساس 5%، أمّا بعد التعديل فتكون هذه النسبة 4% استناداً لذلك.
3- بالنسبة لسريان السنوات التمديديّة: يبدأ سريان السنوات التمديديّة اعتباراً من 2014/12/28. وهذا يعني أنّ تحرير عقود الإيجارات يكون لغير المستفيدين من حساب “صندوق مساعدات المستأجرين” بعد 9 سنوات أيّ بتاريخ 2023/12/28. وتحرير العقود بالنسبة للمستفيدين من هذا الصندوق بعد 12 عاماً أيّ بتاريخ 2026/12/28.
• بالنسبة لأحكام المادة /29/ من القانون الجديد التي تحدّد الأشخاص المستفيدين من التمديد: فإنّه نظراً للاختلاف بين نصّ هذه المادة قبل وبعد تعديلها لجهة أنّها كانت قبل التعديل تستثني أولاد المستأجر من الاستفادة من التمديد القانوني في وفاته، أمّا بعد التعديل أعاد المشرّع ضم هؤلاء لطائفة المستفيدين من التمديد والذين يحلّون محلّ المستأجر الأساسي. فإنّه يجب تطبيق النصّ الأساسي للمادة /29/ عن الفترة الممتدّة اعتباراً من 2014/12/28 ولغاية 2017/2/27، ويطبّق نصّها المعدّل بموجب القانون 2017/2 اعتباراً من تاريخ 2017/2/28.
الخاتمة:
بعد استعراض ما تمّ بيانه أعلاه يتبيّن لنا بشكل واضح وجليّ أنّ حلّ “إشكاليّة” نفاذ قانون الإيجارات الجديد موجود في نصوص القانون التعديلي 2017/2. ولتبيان ذلك علينا اتباع قواعد وأصول التفسير وإعمال المنطق الذي يفترض أنّ مواد القانون يجب أن تُفهم وتُفسّر بالتناسق والتناغم فيما بينها، فالقانون وحدة متكاملة لا يجوز تفسير بعض نصوصه بمعزل عن النصوص الأخرى لأنّنا بذلك سوف نقع بالتأكيد في الخطأ الذي سوف يؤدّي إلى نتائج كارثيّة لأنّ هذا التفسير يجب أن يكون بهدف إعطاء النصّ القانوني مفاعيله وأن يخدم الهدف والغاية التي وضعه المشرّع لأجلها لا بهدف تعطيله أو عرقلة تنفيذه.
هوامش:
1- هذا المقال هو ملخص لمحاضرة ألقيت في دير الكرمل – الحازميّة بتاريخ 2018/11/17 ، مع بعض التعديلات التي طرأت منذ ذلك التاريخ ولغاية يومنا هذا.
2- قرار المجلس الدستوري 2014/6 تاريخ 2014/8/6 منشور في الجريدة الرسميّة لعام 2014 ملحق العدد /34/ تاريخ 2014/8/19 ص. /1/. ، وقرار المجلس الدستوري 2017/3 تاريخ 2017/3/30 منشور في الجريدة الرسميّة لعام 2017 العدد /16/ تاريخ 2017/4/6 ص. /1643/.
3- مدّد لغاية تاريخ 2012/3/31 بموجب القانون رقم 2011/171 تاريخ 2011/8/29.
4- دعاوى الاسترداد التي قدّمت قبل العمل بالقانون التعديلي 2017/2 تكون خاضعة لأحكامه سنداً لأحكام نصّ الفقرة “د” من المادة /23/ من القانون التعديلي 2017/2.
5- المنشور في الجريدة الرسميّة لعام 2020 العدد /20/ تاريخ 2020/5/14 ص. /1164/.
6- المنشور في الجريدة الرسميّة لعام 2020 العدد /21/ تاريخ 2020/5/21 ص. /1227/.
7- المنشور في الجريدة الرسميّة لعام 2021 العدد /29/ تاريخ 2021/7/22 ص. /124/.
“محكمة” – السبت في 2023/12/30

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!