أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

القاضي مزهر يلزم وزارة الصحّة بتسليم مصابَيْن بـ”كورونا” جهازي تنفّس/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
في قرار هو الأوّل من نوعه منذ بدء تفشّي جائحة “كورونا” المعدية والقاتلة في لبنان والعالم، والأوّل من نوعه في موضوعه في تاريخ القضاء اللبناني، ألزم قاضي الأمور المستعجلة في النبطية القاضي أحمد مزهر وزارة الصحّة العامة بتسليم شخصين مصابين بهذا الفيروس، جهازي تنفّس إصطناعيين، وذلك لضمان مقاومتهما له والبقاء على قيد الحياة إذا ما قدّر لهما ذلك وكتبت لهما حياة إضافية.
ويعود سبب حصر الإلزام بوزارة الصحّة العامة إلى وجود كمّية من أجهزة التنفّس قدّمتها دولة قطر إلى الدولة اللبنانية ووضعت في مستودعات المدينة الرياضية في بيروت لاستخدامها عند الضرورة مباشرة أو عن طريق توزيعها على عدد من المستشفيات التي تحتاجها لمساعدتها في مهامها الإنسانية في تقديم الرعاية والعناية الصحيّة اللازمة لكلّ مواطن لبناني أصيب بفيروس “كورونا” ويشعر بضيق في التنفّس كواحد من العوارض المرافقة لهذا الفيروس، ممّا يحتّم السعي إلى إنقاذ حياته.
وإزاء الوضع الإنساني البحت للحالتين المعروضتين في الإستدعاء، وحاجتهما الملحّة لجهازي تنفّس قد يسعفهما في منع الفيروس المذكور من القضاء عليهما، تحرّك القاضي أحمد مزهر في يوم عطلة وإقفال عام يعيشه لبنان للتخفيف قدر المستطاع من انتشار الفيروس بسلالته الأولى وسلالته الثانية التي باتت موجودة وتنتشر بسرعة خارقة وجنونية بحسب ما كشفته مختبرات مستشفى الرسول الأعظم(ص) على طريق المطار، وأصدر قراره بصورة معجّل التنفيذ نافذ على أصله.
ووضع مزهر يده على الإستدعاء فور تلقيه له عبر البريد الإلكتروني، محتفظاً لنفسه كقاضي عجلة في استصدار القرار المناسب من منطلق الضرر الأكيد المتوقّع وقوعه في حال عدم تلبية طلبي المصابين وهو ما ينال من حقوقهما وحرّياتهما المصانة قانوناً، دون أن يتعدّى على الصلاحية الإدارية المناط أمر النظر فيها لمجلس شورى الدولة.
واستند مزهر في اتخاذ موقفه النهائي إلى نتيجة الفحص المخبري للمصابين الإثنين، وإلى ما نشر من صور لأجهزة تنفّس وأقنعة أوكسجين مودعة في المدينة الرياضية تمهيداً لاستعمالها في مكانها الصحيح ومنحها بصورة مجانية للناس المحتاجين، مع الإشارة إلى أنّ قرار مزهر محصور بحالتي هذين المصابين ولا يمكن أن يتعداهما إلى آخرين، لكنّ ذلك فتح الطريق أمام مصابين آخرين للقيام بهذه الخطوة القانونية والحصول على أجهزة تنفّس إذا تبيّن أنّهم بحاجة ماسة إليها من أجل الإستمرار على هذه الأرض.
“محكمة” تنشر النصّ الكامل لقرار القاضي مزهر على النحو الآتي:
باسم الشعب اللبناني
إنّ قاضي الأمور المستعجلة في النبطية،
لدى التدقيق،
تبيّن ما يأتي:
أنّه بتاريخ 2021/1/16 تقدّم كلّ من السيّدة جنان حجار والسيّد علي بدير بوكالة المحامين حسن بزي وهيثم عزو ومازن صفية باستدعاء بواسطة البريد الإلكتروني عرضا فيه أنّهما يعانيان من مرض الكورونا كوفيد 19 المستجدّ وأنّهما بحاجة إلى أجهزة تنفّس من تلك المودعة لحساب الدولة اللبنانية في مستودعات المدينة الرياضية في بيروت،
وحيث يتبيّن بالرجوع إلى مجمل أوراق الملفّ ومرفقاته ما يلي:
– أنّ كلّا من المستدعية والمستدعي مصابان بمرض الكورونا كوفيد 19 بحسب ما هو ثابت من الفحص المخبري المبرز لكلّ منهما والحاصل لدى مختبرات الصبّاح في النبطية، وفي مستشفى النجدة الشعبية في النبطية،
– أنّ الجهة المستدعية تطالب بحقّها في الحصول على جهاز تنفّس حماية لحياتها من الخطر الناجم عن فيروس كورونا الذي يسبّب عدوى تنفّسية حادة،
– تدلي المستدعية بأنّ الدولة اللبنانية وزارة الصحّة لديها كمّية من أجهزة التنفّس مودعة في المدينة الرياضية وهي عبارة عن هبة وهي تطالب بالحصول على جهاز منها حماية لحياتها،
– إنّ المعلومات التي يمكن للكافة الإطلاع عليها تفيد بوجود أجهزة تنفّس لدى الدولة اللبنانية مودعة في المدينة الرياضية وهي عبارة عن هبة قطرية مخصّصة لأمر معيّن،
حيث، ومن جهة أولى، فإنّ الفقرة الأولى من المادة 579 أ.م.م أجازت لقاضي الأمور المستعجلة اتخاذ التدابير المستعجلة في المواد المدنية والتجارية دون التعرّض لأصل الحقّ، كما أجازت المادة 589 أ.م.م اتخاذ التدابير الرامية لحفظ الحقوق ومنع الضرر،
حيث، ومن جهة ثانية، يعود لقاضي الأمور المستعجلة الحقّ في التدخّل لاتخاذ التدبير المناسب في كلّ مرّة يكون ثمّة مخالفة لنصوص قانونية صريحة أو تعهدات، باعتبار أنّ المخالفة من شأنها أن تلحق ضررًا بأصحاب المصلحة، بما يكفي للقول بتوافر عنصر العجلة،
حيث، ومن جهة ثالثة، فإنّ قاضي الأمور المستعجلة كجزء من القضاء العدلي، يكون مختصًا كلّما كان هذا الأخير مختصًا، ويعلن عدم اختصاصه عندما يعود أمر البتّ في النزاع إلى جهة وظيفية أخرى غير القضاء العدلي كمجلس شورى الدولة مثلًا،
حيث، ومن جهة رابعة، فإنّ قاضي الأمور المستعجلة المختص مكانيًا هو القاضي الذي نشأ في دائرته موضوع الدعوى المستعجلة سندًا للفقرة الثانية من المادة 580 أ.م.م وإنّ المستدعي مريض الكورونا موجود في نطاق هذه المحكمة والحاجة إلى جهاز تنفّس، وهو موضوع الدعوى المستعجلة حاصلة أيضًا ضمن نطاقها، فتكون هذه المحكمة مختصة مكانيًا لتقرير التدبير المطلوب،
حيث، وتأسيسًا على ما تقدّم، فإنّ حقّ الإنسان في الحياة هو من أسمى الحقوق ومكرّس في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي تبنّاه الدستور اللبناني في مقدمّته ولا يجوز الإتيان بأيّ عمل سواء كان فعلًا أو امتناعًا عن فعل من شأنه المساس بذلك الحقّ أو تعريضه للخطر أو الإنتقاص منه،
حيث، وفضلًا عن ذلك، فإنّ القانون رقم 574 تاريخ 2004/2/11 المعروف بقانون حقوق المرضى والموافقة المستنيرة نصّ في مادته الأولى على حقّ المريض بتلقّي العناية الطبّية الرشيدة والمناسبة لوضعه بما يشمل الوقاية أو العلاج أو العلاج الملطّف أو التأهيل أو التثقيف،
حيث، وزيادة على كلّ ما تقدّم، فإنّ دستور منظّمة الصحّة العالمية، التي يعتبر لبنان عضوًا فيها، نصّ صراحة على حقّ كلّ فرد بالحصول على الرعاية الصحّية المقبولة وعلى الحكومات أن تقوم بتهيئة الظروف التي يمكن فيها لكلّ فرد أن يكون موفور الصحّة، وبما يشمل حقّ الوصول إلى الخدمات الصحيّة،
(يراجع موقع منظّمة الصحة العالمية على الإنترنت: www.who.int)
وحيث إنّ امتناع الدولة اللبنانية ممثّلة بوزارة الصحّة عن تسليم أقنعة الأوكسجين الموجودة لديها فورًا إلى المستشفيات لتصل إلى المرضى من أمثال المستدعيين، بالرغم من وجودها، من شأنه تعريض حياة المستدعيين وأمثالهما المصابين بمرض الكورونا للخطر، ممّا يشكّل تعدّيًا على حقوق المستدعيين وسائر من يماثلهما في الحالة، وهو تعدّ على درجة عالية من الخطورة، ينال من حقوقهما وحرّياتهما، ينزل الدولة اللبنانية منزلة الأفراد، ممّا يجعل القضاء العدلي، حامي الحقوق والحرّيات، بالأصالة، وتاليًا هذه المحكمة، مختصين للبتّ بطلب المستدعيين، مع الإحتفاظ بصلاحية مجلس شورى الدولة في الميدان الإداري العائد له،
وحيث إنّ الضرر المشكو منه في إطار الملفّ الراهن، هو ضرر أكيد ولا ريب فيه لا يمكن تلافيه باتباع إجراءات التقاضي العادية لأنّ سلوك المستدعى ضدّها والضرر الناجم عنه وهو غير قابل للتعويض عمليًا، يستنتج معه توافر عنصر العجلة، ويجعل الضرورة الملحّة قائمة، بما يتيح اتخاذ القرار دون دعوة الخصم أو سماعه، وبشكل مباغت وسريع، وتكون شروط إصدار القرار بصيغة الأمر على عريضة متوافرة،
وحيث من المسلّم به فقهًا واجتهادًا أنّه يجوز لقاضي الأمور المستعجلة عندما يتمّ إنزال الإدارة منزلة الأفراد، أن يحكم عليها بغرامة إكراهية لضمان تنفيذ التزامها، لا سيّما إذا كان الحقّ المحمي على درجة عالية من الخطورة،
وحيث تقتضي الإشارة إلى أنّ القرار الراهن خاص بحالة المستدعيين حصرًا ولا يمكن للقضاء اتخاذ أيّ تدبير له صيغة النظام، أيّ إلزام الدولة اللبنانية بتسليم الأجهزة إلى المستشفيات، وإنّما يبقى على الإدارة أيّ الدولة اللبنانية ممثّلة بوزارة الصحّة العامة القيام بواجباتها تجاه جميع المواطنين، وضمن المتاح لها من إمكانات، وفي كلّ الأحوال لا يمكن لهذه المحكمة المفاضلة بين حقّ المستدعيين بالحياة وحقّ غيرهما من مرضى الكورونا بها، إذ إنّ القانون، والقضاء عينه الساهرة، يكفل الحقّ في الحياة لكلّ فرد وعلى وجه التساوي، ولا تتوافر شروط حالة الضرورة عند المفاضلة بين حياة شخص وحياة شخص آخر، لأنّ حياة كلّ منهما فوق أيّ اعتبار،
وحيث إنّ التسليم المقرّر بموجب القرار الراهن هو عام وليس خاصًا بأيّ أجهزة مودعة في المدينة الرياضية أو غيرها، فالمهمّ هو حماية النفس البشرية واتخاذ التدابير اللازمة لدرء الخطر عن حياة الجهة المستدعية،
وحيث إنّ المادة 582 أ.م.م تجيز لقاضي الأمور المستعجلة إصدار القرار من منزله وأيّام الأعطال الرسمية،
وحيث إنّ الطلب الراهن قدّم وتمّ البتّ به وفقًا للتعميم الصادر عن مجلس القضاء الأعلى بتاريخ 2020/4/21،
وحيث يقتضي تأسيسًا على ذلك إجابة الطلب وتقرير اتخاذ التدبير المطلوب،
لذلك،
يقرّر وسندًا للمادة 579 معطوفة على المادة 589 معطوفة على المادة 604 من قانون أصول المحاكمات المدنية الجديد، ما يلي:
أوّلًا: إلزام الدولة اللبنانية وزارة الصحّة العامة بتسليم المستدعيين أو من ينوب عنهما جهاز التنفّس الذي يحتاجه كلّ منهما فورًا، وبعد التثبّت من حاجتهما إليه، تحت طائلة غرامة إكراهية مقدارها عشرون مليون ل.ل. عن كلّ يوم تأخير في تنفيذ القرار الراهن، بالنظر لطبيعة المصلحة المحمية،
ثانيًا: إبلاغ نسخة عن القرار الراهن من حضرة رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل ،
ثالثًا: إبلاغ نسخة عن القرار الراهن من وزارة الصحّة العامة،
رابعًا: تكليف القلم باستيفاء الرسوم المتوجّبة في أوّل يوم عمل وفقًا لتعميم مجلس القضاء المذكور أعلاه،
قرارًا معجّل التنفيذ نافذًا على أصله صدر في منزلنا في النبطية بتاريخ 2021/1/16.
“محكمة” – السبت في 2021/1/16
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!