طرائف وأشعار

القضاة والمحامون مواقف وطرائف: هل تركت ديكًا ليصيح؟/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار:
لمناسبة صدور الجزء الأوّل من كتاب “القضاة والمحامون: مواقف وطرائف” كتب نقيب المحامين الأسبق نهاد جبر ما يأتي:
من أصول كتابة اللوائح القانونية، أن تقسّم إلى قسمين: القسم الأوّل يتعلّق في الشكل والقسم الثاني يتعلّق في الأساس أيّ في الموضوع.
وما دمت في معرض الكتابة عن كتاب “مواقف وطرائف القضاة والمحامين” للزميل ناضر كسبار، فقد آثرت قسمة ما أكتب إلى قسمين:
أوّلًا: في الشكل:
الكتاب جاء مستوفيًا الشروط الشكلية كافة، من حيث الطباعة إنْ على الغلاف الحافل بصور العديد من المحامين الذين هم أصحاب مواقف وطرائف وردت في طيّاته، وإن في الصفحات الداخلية وخطوطها الواضحة في نوعية ورق قيّمة تسهّل على القارئ القراءة النظيفة.
ثانيًا: في الموضوع
من عنوان الكتاب مواقف وطرائف يخيّل للقارئ أنّ موضوعه هو من المواضيع السهلة التي يمكن لأيّ كان أن يحشوها في كتاب، لكنّ القارئ نفسه، عندما يقرأ الكتاب، يتبيّن له عكس ما تخيّله.
صحيح أنّ الكتاب يسرد “طرفة” صادفت القضاة والمحامين في علاقاتهم مع بعضهم البعض أو مع موكّليهم أو غيرهم، ولكن، إذا كان سرد الطرفة صعبًا، فإنّ حفظها وتجميعها في كتاب هو من الصعوبة بمكان.
وهنا تكمن جدارة الكاتب وهي ذات شقّين: جدارة في حفظ هذه الطرفات المتنوّعة المواضيع والأصحاب، والمتفاوتة في الزمن والمكان منها ما يعود لسنوات خلت، ومنها ما هو حديث العهد، وقد أرفق العديد منها بصور تمثّل أصحابها والإستحصال على الصور أيضًا هو جدارة.
والجدارة أيضًا تكمن في سرد “الطرفة”. فبقدر ما هو سهل على المحامي كتابة لائحة قانونية وتضمينها اجتهادات بلغات عدّة، بقدر ما هو صعب على المحامي أو على شخص آخر سرد “طرفة”.
جدارة الكاتب الزميل ناضر كسبار أنّه أحسن اختيار الجمل سردًا للطرائف التي حفل بها كتابه، فجاءت سهلة قريبة من اللغة المحكية بلغة فصحى. فابتسم لها وأضحك، وفي الإبتسامة والضحكة شعور ينتابني بأنّ القضاء والمحاماة رسالتان مطبوعتان بالجدّية، في جوانبهما الكثير من الدعابة وروح النكتة والمرح على وقار واتزان. والكاتب كان له الفضل في الجمع بين الوقار والدعابة وبين الجدّية والنكتة وبين الإتزان والمرح، بعيدًا عن شؤون وشجون ومسؤولية الرسالة التي ارتضياها لنفسيهما في إحقاق الحقّ والعدالة وفي الدفاع عن حقوق الإنسان ولبنان.
كتاب “مواقف وطرائف” قد لا يكون الكتاب الأوّل الذي يتضمّن طرائف، إنّما هو بلا شكّ الكتاب الأوّل الذي يتضمّن طرائف ومواقف صادفت القضاة والمحامين في لبنان. وهي “حادثات” فيها نكهة معيّنة تتعلّق بمعظمها بأمور القضاء والمحاماة، إنكبّ الكاتب على تجميعها بجدارة في كتاب يقرأونه فيبقيهم في أجواء مهنتهم إنّما ينسيهم بعضًا من شجونها.
***
في العدد القادم
يقول المحامي إبراهيم مسلّم أنّ أحد أبناء زحلة كان يملك مجلّة وقد كتب فيها مرّة أنّه أقام حفلة غداء على شرف أحد الشعراء، حضرها مئات الشخصيات السياسية والعسكرية والدبلوماسية والاقتصادية والقضائية… علمًا بأنّه لم يقم أيّة حفلة غداء بل كان مجرّد خبر.
فاتصل به شاعر آخر مستنكرًا هذا الأمر قائلًا له أنه هو الشاعر الكبير الذي يجب أن تقام له حفلة الغداء.
فما كان من صاحب المجلّة إلّا أن أجابه فورًا: في العدد القادم.
***
العلم والأخلاق والسلوك
على اثر وفاة الوزير السابق القاضي بدري المعوشي والد المحامي الكبير سليم المعوشي كتبت كلمة في جريدة الديار بتاريخ 1996/2/7 جاء في مقدّمتها:
“تحضرني عبارة قالها المرحوم النقيب ادمون كسبار عندما عيّن وزيرًا للداخلية سنة 1960، الوزراء ثلاثة وزير له ثقل سياسي، ووزير وراءه زعيم سياسي ووزير فرضه علمه وأخلاقيته وسلوكه.
بدري المعوشي عندما دخل الوزارة، كان من الذين شفعت بهم أخلاقية عالية، وعلم غزير، وسلوك لا تشوبه شائبة.
باكرًا، تبوأ أعلى المراكز القضائية، ومع زملاء له من ذلك الرعيل، أرسى أسس القضاء والاجتهاد في لبنان”.
***
لم يترك ديكًا ليصيح
القاضي بطرس نجيم الذي خسره لبنان منذ عدّة سنوات والذي كان بالفعل مرجعًا مهمًّا نظرًا لما كان يتحلّى به من علم ورصانة ورجاحة في الفكر، فقد كان في الوقت عينه خفيف الظلّ. يروي أنّه كلّما زار أحد المطارنة بلدته (أيّ بلدة نجيم) يذبحون له عددًا كبيرًا من الديوك. وانّه في إحدى المرّات، وبعد انتهاء زيارته للبلدة، ذهب نجيم مع المطران إلى مدخل البلدة ليودّعه وكان لا يزال شابًا فقال له المطران مداعبًا:
– يا بطرس، سوف تنكرني قبل صياح الديك.
فردّ عليه نجيم فورًا:
– وهل سيادتك تركت ديكًا في هذه البلدة ليصيح؟
“محكمة” – السبت في 2021/8/21

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!