مقالات

الكوتا النسائية لإعادة التوازن/ندى خليفة

المحامية ندى خليفة:
أخيراً تشكّلت الحكومة اللبنانية ومن بين ما تعهّدته إجراء الإنتخابات النيابية بموعدها المقرّر في ربيع 2022، أيّ بعد ما يقارب 8 أشهر على تشكيلها.
نعم، فترة حكم قصيرة لكن قد تكون حافلة بإنجازات كبيرة لا سيّما في ما لو تمّ إقرار الكوتا النسائية في القانون الإنتخابي الذي سوف تجري الإنتخابات بالإستناد إليه.
الكوتا النسائية هي حقّ للمرأة وواجب على الدولة اللبنانية التي التزمت مواثيق الأمم المتحدة في الدستور وصادقت على إتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضدّ المرأة منذ العام 1996 دون إبداء أيّ تحفّظ على المادة 4 منها التي نصّت صراحةً على أنّه”لا يعتبر إتخاذ الدول الأطراف تدابير خاصة مؤقّتة تستهدف التعجيل في المساواة الفعلية بين الرجل والمرأة تمييزاً بالمعنى الذي تأخذ به الإتفاقية …”.
وبنفس السياق نصّت المادة 7 من الإتفاقية المذكورة على وجوب اتخاذ الدول الأطراف جميع التدابير المناسبة للقضاء على التمييز ضدّ المرأة في الحياة السياسية كحقّ الإنتخاب والترشّح والمشاركة في صنع القرار.
إنّ نظام الكوتا يعود إلى القرار رقم 1990/15 الصادر عن المجلس الإقتصادي والإجتماعي التابع للأمم المتحدة والذي دعا إلى مشاركة المرأة في صنع القرار بنسبة 30%. وتمّ التأكيد على هذه النسبة في إعلان ومنهاج عمل بكين الذي اعتمده المؤتمر العالمي الرابع المعني بالمرأة في العام 1995 بهدف إزالة العنف والتمييز بحقّ المرأة بسبب عوامل تاريخية وثقافية ومجتمعية حالت دون مشاركة المرأة في صنع القرار.
كما أنّ الاتحاد البرلماني الدولي الذي يرصد منذ عقود عدد النساء اللواتي ينتخبن في البرلمانات الوطنية أكّد على ضرورة بلوغ نسبة تمثيل المرأة بما لا يقلّ عن 30% من عدد المقاعد في البرلمانات حتّى يكنّ قادرات على التأثير الفعلي في مراكز القرار السياسي.
إنّ الكوتا هي آلية مرحلية معمول بها في معظم الأنظمة السياسية في العالم، وهي تؤمّن التوازن الإجتماعي ولها مزايا وإيجابيات عديدة من بينها:
1 – أثبتت التجارب أنّ الكوتا النسائية هي الوسيلة الفضلى لتحقيق تمثيل متساوٍ في مراكز القرار بين الجنسين.
2 – إنّ الكوتا النسائية تلزم القادة الحزبيين وهم من الرجال، بتشجيع المرأة للإنخراط في الأحزاب السياسية، وبالتالي تدريب كوادر نسائية للعمل السياسي.
3 – إنّ وصول المرأة إلى الندوة النيابية يمكِّنها من إقرار ومناقشة القوانين ذات العلاقة المباشرة بوضع المرأة، وعموماً تعديل أو إلغاء القوانين المجحفة بحقّها والنهوض بمستوى المرأة في مختلف المجالات.
4 – تعزيز وجود المرأة تحت قبّة البرلمان حيث إنّ الأماكن المخصّصة ليست حكراً على الرجال، وإنّ الكوتا هدفها تدريب المجتمع وتعويده على إيصال النساء إلى سدّة المسؤولية بما يساعد في تغيير الصورة النمطية السائدة في المجتمع حول دور النساء وقدراتهنّ.
5 – الكوتا النسائية لا تشترط وصول نساء من فئات محدّدة، إنّما تفتح المجال للمنافسة لوصول الأفضل من بين النساء بما يشكّل تشجيعاً للنساء على الترشّح والإنخراط في الحياة السياسية.
6 – وبما أنّ الكوتا المطلوبة هي حسب واقع الحال أكثر بكثير من قدرة المرأة والمجتمع على تأمين وصول النساء إلى الندوة النيابية حيث إنّ وجود المرأة وفي مختلف مجالات صنع القرار، قليل جدّاً،
وبالتالي تكون الكوتا قد أمّنت نسبة مقبولة في تمثيل المرأة مقارنةً مع النتائج التي هي بدون الكوتا.
رغم أنّ لبنان يعتبر في طليعة البلدان العربية من حيث الديموقراطية واحترام الحرّيات، ورغم التزام لبنان صراحةً بالمواثيق والإعلانات الدولية التي تلحظ نظام الكوتا النسائية، فإنّ هذا النظام لا يزال غير مطبّق في لبنان بفعل عدم إدراك السلطة لدور المرأة وأهمّيته في صنع القرار، في حين أنّ معظم البلدان العربية تطبّقه، وهذا ما جعل لبنان يحتل المرتبة 147 من أصل 149 بلداً لناحية التمثيل السياسي للنساء وفق المؤتمر العالمي للفجوة بين الجنسين الذي أصدره المنتدى الإقتصادي العالمي في العام 2018 وهو من أدنى مستويات مشاركة المرأة السياسية.
وبالتالي، فلا مبرّر إطلاقاً في معارضة نظام الكوتا لا سيّما بحجّة تعارض النظام المذكور مع مبدأ المساواة، إذ إنّ المطلوب ليس مساواة نظرية غير موجودة عملياً، بل الهدف هو الوصول إلى مساواة فعلية حتّى إذا أصبح المجتمع في حال تطوّر وتعديل لدور المرأة إنتفت الحاجة إلى الكوتا.
أمّا الذين يدلون بأصوات معارضة لناحية المقارنة بوجوب إعطاء كوتا لشرائح أخرى من المجتمع، فإنّه بالعودة إلى العادات الإجتماعية والتقاليد، فإنّنا لا نجد أيّ عوائق تجاه أيّ شريحة مجتمعية سوى أمام النساء، فالعائق والتحدّي الكبير في الدول العربية هو تغيير الثقافة السياسية الذكورية السائدة.
وبالتالي لإحداث التغيير النوعي، فإنّه يجب أن يترافق ذلك باعتماد تشريعات وقوانين إلزامية إضافة إلى تثقيف المجتمع وتطويره، فيكون من الضروري إقرار الكوتا النسائية لإحداث عادة أو عرف يساعد في عملية التغيير النوعي.
وإنّ فرصة إحداث التوازن اليوم متاحة في إكمال النقص الجندري الحاصل في الحكومة باعتماد الكوتا النسائية في مجلس النوّاب، وذلك بإقرار الحكومة تعديل قانون الإنتخابات النيابية وتضمينه الكوتا النسائية باعتماد النسبة العالمية المتفق عليها وهي 30% وإرسال مشروع تعديل القانون للمجلس النيابي لا سيّما وأنّ رئيس مجلس النوّاب كان قد سبق وأكّد على ضرورة الكوتا النسائية وبنسبة 33%، بحيث إنّ هذه الحكومة تكون قد عوّضت عن قصر عمرها بإنجازات نوعية تاريخية طويلة الأمد.
“محكمة” – الإثنين في 2021/9/27

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!