مقالات

منصّات التواصل الإجتماعي في مقاربة لبنانية/نهاد التن

نهاد ميشال التن*:
يعودُ استعمالُ وسائلِ التواصلِ (أو التواسطِ) الإجتماعيّ إلى النصفِ الثاني منَ القرنِ الماضي، فقدْ تمَّ إرسالُ أوَّلُ رسالةٍ إلكترونيةٍ عبرَ البريدِ من جهازِ حاسوبٍ إلى آخرَ في العام 1971.
ومع إنشاءِ الشبكةِ العنكبوتيةِ في الثاني عشرَ من مارس عام 1989 من قبل الخبيرِ البريطانيّ تيم بورنورز لي، أخذَ التواصلُ بين المجتمعاتِ دفعًا وبُعْدًا مُهمَّين، ألقيا بظلالِهما وتأثيراتِهما على كافةِ جوانبِ الناسِ الحياتيةِ، بدءًا من الإجتماع مرورًا بالسياسة وانتهاءً بالإقتصاد.
من المفيدِ القولُ أنّ وسائلَ التواصلِ تُبنى على خوارزمياتٍ تهدفُ إلى فرزِ المنشوراتِ حسبَ ذوقِ المُتصل بالشبكةِ العنكبوتية، فتُريه ما يتناسبُ وذوقَه واهتماماتِه.
نتيجةً لتلك الخوارزميات، يصبحُ نطاقُ المحادثاتِ أضيق، وغالباً ما يصبحُ الإفراطُ بها خطيرًا.
حوادثُ عدَّةٍ حصلتْ في أكثرَ من زاويةٍ في العالمِ تؤكّدُ أنّ لوسائلِ التواصلِ دورًا أساسيًا لا يستهانُ بهِ في نشرِ خطاباتِ الكراهية. أذهبُ لأكثرَ من ذلك لأقولَ أنّها تدخلُ في بعضِ الأحيانِ ضمنَ أجندةٍ جاهزةٍ مُسبقًا للتحريضِ على الحقدِ بين البشر.
ومع بروز جائحة كوفيد-19، عوّضتْ منصاتُ التواصلِ العزلَ الذي تعيشُه البشريةُ وأذكت التواصلَ بين المجتمعاتِ خصوصًا تلك التي تزخُرُ بالصراعاتِ أصلًا. فإذا بالإختلافاتِ اليوميةِ التي تمرُّ مرورَ الكرامِ سابقًا، تتحوّل فجأةً إلى خلافاتٍ وتظهرُ عُمقَ الفجوةِ بين مواطني البلدِ أو المجتمعِ الواحد.
وإذا قاربنا الموضوعَ على المستوى المحليّ، لا يسعُنا إغفالُ كمِّ الحقدِ المنتشرِ بين الللبنانيين مؤخّرًا على منصّتَي “فايسبوك” و “تويتر”، على سبيلِ المثال لا الحصر:
فالمُلقي نظرةً على هاتين المنصّتين، يدركُ كمَّ الغوغائيةِ والتفلّتِ اللذين أصابا مجتمعَنا.
لا عجب! فإنّ مرآةَ مجتمعٍ ما، هو إعلامُه بالدرجةِ الأولى، ومنذ زمنٍ ليس ببعيد، مداخلاتُه القيّمة أو المبتذلةُ على تلك الوسائلِ الآنفِ ذكرُها.
لا عجبَ صديقي القارىء إنْ انتابَتك صدمةٌ فجأةً عند قراءة منشوراتِ اللبنانيين. فبالرغم من القوانين المشدَّدة التي يمارسُها كلٌّ من “فايسبوك” و”تويتر” لمنع نشر خطاباتِ الكره، إلاّ أنّ اللبنانيَّ شديدُ المراوغةِ على القوانين، فيتفنَّنُ بالتفلّتِ من الحظرِ عبر كتابةِ اللعناتِ منفصلةً عوضًا عن وصلها. وفي أقصى الحالات، أعني بذلك حصولُ الحظرِ من قبَل “فايسبوك” أو “تويتر”، لا يتردّد الناشطُ الإلكتروني في إنشاءِ عشراتِ الحساباتِ بغيةَ الرجوعِ إلى هذه المنصّةِ أو تلك، لإكمالِ مشروعِ بثّ سمومِه الإلكترونيةِ الحاقدة.
فتتحوّلُ هذه المنصّاتُ إلى ساحةٍ خصبةٍ للتراشقِ والتقاذفِ الملعون، تشعرُ معه أنّك في ساحةِ حربٍ إلكترونية، لا ينقصُها إلاّ الراجماتُ و”المولوتوف”.
أمام هذا الواقعِ الحزين، نتساءلُ أينَ نحنُ اليومَ من لبنانَ الحضارةِ والثقافةِ وما أبعدَنا عن لبنانَ الحرفِ منارةِ العالم؟!
أمّا مخلّصُنا الوحيدُ من هذا الدرَكِ والتخبّطِ فهو التعليُم ثمّ التعليمُ الذي يُعلي صراعاتِنا الأرضيةَ والإلكترونيةَ ويُصعدنا إلى مصافِ الأممِ المتحضّرةِ ثقافيًا.
أختمُ بمقولةٍ للدالاي لاما:” السلامُ لا يعني غيابَ الصراعاتِ، فالإختلافُ سيستمرُّ دائمًا في الوجود… السلامُ يعني أن نحلَّ هذه الاختلافاتِ بوسائلَ سلميةٍ عن طريقِ الحوارِ، التعليمِ والإنسانية.”
*أستاذة جامعية ومترجمة ومدقّقة لغوية.
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/2/23

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!