مقالات

هل يحقّ للقاضي أن يطالب بالعيش الكريم؟/خالد زودة

بقلم القاضي خالد زودة:
يقولون إنّ القضاء رسالة.
نعم هو رسالة.
لكنّ الرسل كانوا يعيشون عيشًا كريمًا يأكلون ويشربون وينفقون على عيالهم كسائر البشر والناس تحترمهم وتقدّرهم وتوفّيهم حقوقهم ولا يبخسهم في ذلك كلّه إلّا الأشرار.
ولكنْ أيضًا كلّ المهن رسالة كالمحاماة والطبّ وموظّفي الاتصالات وفنّيي الوزارات والقوى المسلّحة وسائر المهن الحرّة والتعليم… فهل كلّ هؤلاء يترهبنون ويتعفّفون ويعيشون على الكفاف ولا يطالبون بحقّهم ممن يقدّمون لهم الخدمة؟ وهل هم لا يتقاضون فعلًا أجورًا طالبوا بها واستحصلوا عليها ولا تتلاءم مع الظروف الراهنة لا بالنسبة لوضع الدولة المالي، ولا بالنسبة للمواطن العادي المفلس، أم هل هم يراؤون؟
إنّ من ينتقد القاضي عندما يطالب بالأجر الذي يؤمّن له العيش الكريم يتناقض مع نفسه وهو غير صادق أبدًا لأنّه يتقاضى أتعابه كاملة وتحدّد له مرجعيته أتعابًا دنيا ليتقاضاها دون مراعاة لظروف الناس ولسنا هنا بحاجة للشرح.
من حقّ القاضي أن يتقاضى أجرًا عن عمله يؤمّن له العيش الكريم والاطمئنان ويجنّبه الخوف من غدر الزمن ومن المرض، وليس عليه أن يجوع وعياله لخدمة من يستفيد من خدماته ويفحش في العيش ولتمكينه من استيفاء أتعاب وحقوق ينكرها على القاضي.
أليس من حقّ القاضي أن يتلقّى العلاج عند المرض أم هل عليه الموت عند باب المستشفى لأنّه لا يقدر على دفع النفقات؟ وهل للمستشفى الحقّ بمنع العلاج إلّا بعد استيفاء النفقا،ت وهذا الحقّ يمنع على القاضي؟
هل من العدالة أن يكون أجر القاضي ٢٠٠ دولار وسطيًا وأن يكون ثمن البرّاد ٩٠٠ دولار وفاتورة الإشتراك الكهربائي ٣٠٠ دولار وإلى ما غير ذلك!
هل من العيب على القاضي أن يطالب بأجر عادل ويطلب منه أن يكون عادلًا وغير متحيّز ومثالًا في كلّ شيء في مجتمع فاسد، وفساده هو الذي يدفعه إلى اتهام القاضي بالفساد، لأنّ الإناء ينضح بما فيه!
إنّ مطالبة القاضي بالأجر العادل هو الدليل الساطع على نزاهته وعلى أنّه لا يتقاضى أجرًا غير أجره، وأنّه لا يرتشي أو يقبل خدمة من أحد قد تؤثّر على حياديته.
وإنّ الأجر العادل هو ضمانة إضافية لنزاهة القاضي، إضافة إلى ضمانته الذاتية، ومن ينكر عليه ذلك لا يريده قويًا ليكون حياديًا، ويتمنّى أن يكون راشيًا!
نقول لمن يتهم القضاء بالفساد والتبعية، لا تعمّم. سمِّ القاضي الذي تقصّد وقدّم دليلك وافقأ عينه وكلّ القضاء يدعمك، وإلّا فلتفقأ عينك!
نعم، إنّ القاضي الرسول هو بشر له كلّ الحقّ في العيش الكريم مثل كلّ من ينتقده ومن يريد لنفسه ما لا يرضاه للقاضي.
إنّ القضاء هو اليوم أمانة في يد كلّ مخلص من الشعب، فمن يهاجمه بلا دليل وينكر عليه حقوقه هو عدوّ للشعب وللعدالة، لا يريد قضاء لكي يستشري الفساد ويعمّ أكثر.
أيّها المواطن الطيّب، كن مع القاضي في مطلبه للعيش الكريم، تكن مع نفسك، وما غير ذلك فناء للجميع.
نعم، إنّ للقاضي النزيه كلّ الحقّ في المطالبة بالأجر اللائق، ولا عيب ولا ضرر في ذلك. ولمن ينكر عليه ذاك فليذهب إلى الجحيم!
“محكمة” – الأحد في 2022/9/4

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!