مقالات

مدى صلاحية القضاء العدلي بالنظر بالمسؤولية عن انفجار المرفأ/راشد طقوش

القاضي راشد طقوش(رئيس محكمة التمييز المدنية شرفًا)*:
إنشغلت الأوساط السياسية والقانونية يوم الخميس الماضي بقرار المحقّق العدلي بانفجار المرفأ القاضي فادي صوّان والذي قضى باتهام رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب والوزراء علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس بجرم الإهمال والتقصير والتسبّب بوفاة وإيذاء مئات الأشخاص في انفجار مرفأ بيروت، لن أتطرّق للأساس وسأبحث فقط في الصلاحية.
فقد نصّت المادة ٧٠ من الدستور المعدّلة بدستور الطائف على ما يلي:
“لمجلس النوّاب أن يتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكابهم الخيانة العظمى أو بإخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الإتهام إلّا بغالبية ..”.
ونصّت المادة ٧١ من دستور الطائف على ما يلي:
“يحاكم رئيس مجلس الوزراء والوزير المتهم أمام المجلس الأعلى…”.
ونصّت المادة ٨٠ من دستور الطائف على “آلية تشكيل المجلس الأعلى”.
يستفاد من هذه النصوص أنّ رئيس مجلس الوزراء والوزراء يحاكمون أمام المجلس الأعلى في حالتين:
الحالة الأولى في حال ارتكابهم الخيانة العظمى،
والحالة الثانية في حال إخلالهم بالواجبات المترتّبة عليهم،
ويحاكمون خارج هاتين الحالتين أمام القضاء العدلي.
وما يهمّنا بالنسبة لقرار المحقّق العدلي الحالة الثانية أيّ الإخلال بالواجبات المترتّبة عليهم والمقصود بذلك الواجبات المتعلّقة بعملهم كرئيس لمجلس الوزراء ووزراء. وبعبارة أوضح “واجباتهم الوظيفية” أيّ الناجمة عن وظيفتهم الوزارية.
ويتبيّن من قرار المحقّق العدلي أنّه اتهم رئيس مجلس الوزراء والوزراء بالإهمال والتقصير والتسبّب بالوفاة والإيذاء على خلفية انفجار المرفأ.
فهل تدخل هذه التهم، على فرض صحّتها، ضمن الجرائم الناجمة عن الإخلال بالواجبات الوظيفية الوزارية، أم تدخل ضمن الجرائم العادية؟
إذا اعتبرنا هذه الأفعال تدخل ضمن الإخلال بالواجبات الوظيفية الوزارية، فإنّ الإختصاص يعود للمجلس الأعلى، وإذا اعتبرناها ضمن الجرائم العادية، فإنّ الإختصاص يعود للقضاء العدلي.
ومعيار التمييز بين الفئتين هو مدى ارتباط الأفعال المرتكبة من قبل رئيس الوزراء والوزراء مباشرة “بالوظيفة الوزارية” وما إذا كانت ناجمة عن العمل السياسي والدستوري.
قرار المحقّق العدلي اعتبر أنّ رئيس مجلس الوزراء حسّان دياب إطلع على الأوراق المتعلّقة بـ”نيترات الأمونيوم” ومدى خطورتها في حال انفجرت، ولكنّه لم يتخذّ أيّ قرار. وهذا يعني وفقًا لرأي المحقّق العدلي وجود إهمال وتقصير من قبل رئيس مجلس الوزراء، وهذا ينطبق أيضًا على الوزراء الثلاثة.
ومن العودة إلى دستور الطائف، يتبيّن أنّ الفقرة ٧ المتعلّقة بصلاحيات رئيس مجلس الوزراء، نصّت على أنّه يتابع أعمال الإدارات والمؤسّسات العامة وينسّق بين الوزراء ويعطي التوجيهات العامة لضمان حسن سير العمل.
يستفاد من كلّ ذلك أنّه في حال ثبت أيّ تقصير أو إهمال من قبل رئيس مجلس الوزراء والوزراء الثلاثة بالنسبة لموضوع انفجار المرفأ، فإنّ ذلك يدخل ضمن مهامه “الوظيفة الوزارية”، ولا يمكن أن يصنّف ضمن الجرائم العادية كما ذهب إلى ذلك المحقّق العدلي، وبالتالي يعود الإختصاص للمجلس الأعلى.
إضافة إلى ذلك، فإنّ المحقّق العدلي نفسه إعترف بصلاحية المجلس الأعلى للنظر بانفجار المرفأ عندما طلب من مجلس النوّاب توجيه الإتهام لبعض الوزراء. وعندما رفض مجلس النوّاب عبر رئيسه وهيئة مكتب المجلس طلب المحقّق العدلي، قام بالإدعاء على رئيس مجلس الوزراء والوزراء الثلاثة معتبرًا أنّه هو المختص لاتهام هؤلاء، وهذا يعني أنّه اعتبر هذه الجرائم جرائم عادية خلافًا للواقع ولنصّ الدستور.
*كتب هذا المقال في كانون الأوّل 2020 عندما صدر قرار المحقّق العدلي السابق بانفجار مرفأ بيروت القاضي فادي صوّان، وحافظت “محكمة” على نصّه كما كتب آنذاك من دون تغيير أو تعديل وبعد التواصل مع كاتبه القاضي طقوش.
“محكمة” – الأحد في 2021/7/25

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!