جولة في أغرب التشريعات القانونية اللبنانية: الشيء ونقيضه!/ملاك خضر
المحامية المتدرّجة ملاك خضر:
أطلق الرومان على بيروت لقب أمّ الشرائع منذ أكثر من ألفي عام، إلّا أنّ بيروت ذاتها تحوّلت إلى ناسخة للشرائع عبر استنساخ مشرّعيها للقوانين الأجنبية وتعريبها، عدا عن تطبيقها لقرارات وقوانين تعود لعهدي الانتداب الفرنسي والحكم العثماني، ما جعل قوانينها تحوي الكثير من الثغرات المضحكة المبكية.
فبموجب المادتين الأولى والثانية من القرار رقم 44 ل ر الصادر عن المفوّض السامي في لبنان عام 1920 بمنع الفتيات لبس الشورت كما وعليهنّ أن يستر لباسهنّ مجمل الصدر من النحر حتّى الساقين.
وبموجب القانون رقم صفر تاريخ 1945/10/19 الصادر في عهد الرئيس بشارة الخوري والمتعلّق برفع العلم اللبناني والأعلام الأجنبية في أراضي الجمهورية اللبنانية فلا يجوز رفع علم غير العلم اللبناني في لبنان باستثناء سيّارات البعثات الديبلوماسية وسفارتها، وللأسف فإنّ اللبنانيين لا يستحون من رفع الأعلام الأميركية والإيرانية والسعودية والسورية والروسية والاوكرانية على الصعيد السياسي ويبقى رفعهم للأعلام أيّام المونديال خرقًا آخر للقانون المذكور سابقًا.
أمّا على صعيد قانون العقوبات اللبناني الحالي وفي مقارنة للمادتين 638 و 639 فتشدّد عقوبة من يحمل سلاحًا ظاهرًا خلال عملية السرقة إلى عشر سنوات، بينما من يهدّد بهذا السلاح فيصل تشديد عقوبته إلى سبع سنوات كأنّ القانون اللبناني يشجّع السارقين على استعمال أسلحتهم توفيرًا لثلاث سنوات من العقوبة!
ولا يساوي المشرّع اللبناني بين عقوبة المرأة الزانية وشريكها في الجرم في حال كان أعزبًا، بل تعاقب هي لسنتين وشريكها لسنة واحدة!
وللأسف، فإنّ المادة 518 من قانون العقوبات أيضًا المعدّلة بموجب القانون 2017/53 والذي ألغى المادة 522 إلّا أنّه أضاف للمادة 518 ما يضرب حقوق القاصر الأنثى ويبيح فضّ بكارتها، فقد نصّت المادة المذكورة على أنّ “من أغوى فتاة بوعد الزواج ففضّ بكارتها عوقب إذا كان الفعل لا يستوجب عقابًا أشدّ بالحبس ستّة أشهر على الأقلّ وبغرامة تتراوح بين ثلاثة ملايين وخمسة ملايين ليرة أو بإحدى العقوبتين.لا تنقص العقوبة عن خمس سنوات حبسًا في حال كان القاصر المعتدى عليه أتمّ الخامسة عشرة ولم يتمّ الثامنة عشرة من عمره. وفي هاتين الحالتين إذا عقد زواج صحيح بينهما توقّفت الملاحقة أو المحاكمة، وإذا كان صدر حكم بالقضيّة عُلّق تنفيذ العقاب المحكوم به”، ما يجعل الزواج إفلاتًا من العقوبة للمجرم وعقوبة للضحية مرّتين!
كما يعفى من جريمة السرقة والإحتيال وإساءة الأمانة بموجب المادة 674 عقوبات من يُقْدِم على سرقة أموال والدته أو والده أو زوجه أو من يظنّ أنّ الأموال التي سرقها تعود لوالديه، فتنصّ المادة المذكورة على ما حرفيته “إنّ مرتكبي الجرائم المنصوص عليها في الفصول السابقة يعفون من العقاب إذا أقدموا عليها إضرارًا بالأصول أو الفروع أو الأب أو الأمّ أو الإبن المتبنّى أو الزوج غير المفترق عن زوجه قانونًا. إذا عاود المجرم جرمه خلال خمس سنوات قضي عليه بناء على شكوى المتضرّر بالعقوبة المنصوص عليها في القانون مخفّضًا منها الثلث.”
وقانون الأسلحة والذخائر يمنع حيازة الأسلحة والأعتدة ما لم يكن الشخص حائزًا على رخصة، إلّا أنّ القانون ذاته يسمح بإعطاء رخص من المراجع المختصة، فكيف يكون الأمر جرمًا عند حيازته ويصبح مباحًا بعد الرخصة، وما هو الوضع القانوني لهذه الفترة الفاصلة بين عدم الترخيص والحصول على رخصة؟
ولبنان الذي ينادي بالإستقلالية والحرّية عبر مواده الدستورية وقوانينه والمعاهدات الدولية التي وقّع عليها، إلّا أنّه لا يزال يطبّق المادة 25 من القرار 60 ل ر الصادر عن المفوّض السامي عام 1936 وبذلك لا يعترف بزيجات أبنائه المدنية المعقودة في لبنان، بل يطبّق ويعترف بالزيجات المدنية اللبنانية المعقودة في الخارج، ما يدفع المحاكم اللبنانية لتطبيق عشرات القوانين الأجنبية على أرضها، ما يدفع مواطنيها للهرب من القوانين المحلّية التي تحرم اللبنانيين من حقوقهم الدستورية!
للأسف، فإنّ الدور التشريعي الذي جعل بيروت مدرسة حقوقية عالمية ومحطّ بحث علمي في زمن قديم، تلاشى، فالأمّ المرضعة للحقوق وأمّ الشرائع باتت اليوم عاقرًا لا تنتج قوانين، بل تستورد كما تستورد مأكلها ومشربها، وقصورُ عدلها لا تشبه القصور، والحقوق فيها ضائعة بين إرجاء وإضراب واعتكاف وإقفال، وقوانينها ناقصة أحيانًا، وغير مطبّقة أحيانًا أخرى، والأخطاء التشريعية بالجملة تحتاج لبحث طويل معمّق قد لا ينتهي، فإنْ كنتم من أهل القوانين فزيدوا من معرفتنا وأخبرونا عن قوانين لبنانية غريبة تعرفونها؟!
“محكمة” – السبت في 2022/3/26