علم وخبر

حكم لقاضي الإيجارات في زحلة بيرلا الجردي: إخلاء المستأجر لانقضاء السنوات التمديديّة التسع بنهاية عام 2023/ شربل شرفان

المحامي شربل شرفان:
أصدرت القاضي المنفرد المدني الناظر بدعاوى الإيجارات في زحلة الرئيسة بيرلا الجردي حكماً يُعتبر من القرارات المبدئيّة والمهمّة جدّاً لناحية ما تضمّنه من تعليل وافر يُبيّن سعة علم القاضي مصدّره، خصوصاً لناحية معالجته لنقطتين أساسيّتين اعتبرتا على مدى السنوات القليلة الماضية إشكاليّتين قانونيّتين شغلتا الأوساط القانونيّة من قضاة وفقهاء ومحامين:
النقطة الأولى، تتمثّل بتاريخ نفاذ قانون الإيجارات للأماكن السكنيّة وهل هو اعتباراً من تاريخ نفاذ القانون الصادر في العام 2014 أيّ منذ تاريخ 2014/12/28، أم منذ تاريخ نفاذ القانون التعديلي 2017/2 بتاريخ 2017/2/28.
والنقطة الثانية، هل أنّ مجرّد إدلاء المستأجر، بمعرض دعوى مقامة بوجهه من المؤجّر، باستفادته من حساب صندوق المساعدات كافياً بحدّ ذاته لإعمال نصّ المادة /58/ من القانون التعديلي 2017/2 وبالتالي وقف السير بالدعوى؟
بالنسبة للنقطة الأولى، أدلى المدّعي (المؤجّر) بوجوب إنهاء العلاقة التأجيريّة مع المدّعى عليها (المستأجرة) لمرور التسع سنوات التمديديّة والتي انقضت بتاريخ 2023/12/28 وبالتالي الحكم بإخلاء المدّعى عليها من المأجور، بينما دفعت المدّعى عليها بوجوب ردّ الدعوى لأنّ السنوات التمديديّة بدأت اعتباراً من تاريخ نشر القانون التعديلي 2017/2 في 2017/2/28 وبالتالي فإنّه، برأيها، لم تنقض السنوات التمديديّة التسع بعد.
وردّاً على ذلك، قضى الحكم، بالنتيجة، بانقضاء السنوات التمديديّة التسع بتاريخ 2023/12/28، أيّ أنّ بدء سريان هذه المهلة كان اعتباراً من 2014/12/28 تاريخ نفاذ القانون الصادر عام 2014. واستندت الرئيسة الجردي في حكمها على الأسس السليمة لتفسير النصوص القانونيّة إن لناحية شكل القانون 2014/2 حيث ورد في عنوانه على أنّه قانون “تعديلي”، أو لناحية مضمونه، حيث فنّدت الرئيسة الجردي بعض مواده لتصل إلى النتيجة الصحيحة التي وصلت إليها.
ووفق ما ورد في الحكم، فإنّ المادة /59/ من القانون التعديلي الصادر عام 2017 نصّت على إلغاء جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون أو غير المتفقة ومضمونه، وهنا فسّرت الرئيسة الجردي ذلك “أنّ هذا القانون لم يلغ القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 ولم يحلّ محلّه، بل فقط ألغى المواد المنصوص عنها في هذا الأخير والمخالفة لمضمونه، وهذا هو مفعول القانون التعديلي أساساً”. ومن جهة ثانية، فقد نصّت المادة /55/ من القانون 2017/2 على تمديد القانون رقم 92/160 لغاية تاريخ 2014/12/28، وهنا أيضاً فسّرت ذلك على أنّ “هذا القانون قد اعترف باستمراريّة نفاذ القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 ، وبأنّه لا يزال قائم وساري المفعول ولم يلغيه، فلو كان هدفه الغاءه لكان مدّد العمل بالقانون رقم 92/160 حتى تاريخ نشر القانون رقم 2017/2 بالجريدة الرسميّة.”
كما وفقت الرئيسة الجردي على نيّة المشرّع التي “اتجهت لإيجاد حلّ دون مماطلة وبأسرع وقت لأزمة الإيجارات الاستثنائيّة بغية إحلال التوازن بين المستأجر والمالك”، وأنّ القانون التعديلي 2017/2 جاء “لتغطية الثغرات” التي سببها قرار المجلس الدستوري رقم 2014/6 الذي قضى بإبطال بعض مواد القانون الصادر عام 2014 والمتعلّقة باللجان، ولكن بقيت نيّة المشرّع هي السابقة عينها ولم تكن نيّته أبداً “منح مهل إضافيّة تمديديّة للحالة الاستثنائيّة للإيجارات”. وتأكيداً على ذلك فسّرت القاضي الجردي نصّ المادة /15/ من القانون الجديد، حيث قارنت بين نصّها الأساسي الوارد في القانون الصادر عام 2014 ونصّها التعديلي الوارد في القانون التعديلي 2017/2، واعتبرت بأنّ “المادة /15/ في القانون رقم 2017/2 جاءت مطابقة للمادة /15/ في القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 لجهة المستأجر غير المستفيد من تقديمات الصندوق، وأضافت تعديلاً يتعلّق بالمستأجر المستفيد من تقديمات الصندوق، كما أنّ عبارة “من تاريخ نفاذ هذا القانون” الواردة في المادة /15/ من القانون رقم 2017/2 ليست سوى تكرار لصياغة المادة /15/ من القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9″.
أمّا بالنسبة للنقطة الثانية، فقد أدلت المدّعى عليها (المستأجرة)، على وجه الاستطراد، بأنّه إذا كان القانون الصادر في العام 2014 هو الواجب التطبيق، فإنّها من عداد المستأجرين المستفيدين من تقديمات حساب صندوق دعم المستأجرين، وبالتالي فإنّ السنوات التمديديّة الاثنتي عشرة تنتهي في العام 2026 وهي لم تنقض بعد، وفي حال اعتبار القانون 2017/2 هو الواجب التطبيق فإنّ هذه السنوات لم تنقضي بعد أيضاً وهي تنتهي في العام 2029.
وردّاً على ذلك، قضى الحكم بأنّه، وبالرغم من عدم اختصاص المحكمة بالبت بطلب الاستفادة من تقديمات الصندوق، فإنّ للمحكمة صلاحيّة التأكّد من مدى جديّة هذا الطلب لدى الإدلاء به أمامها والتأكّد ما إذا كان الهدف منه هو مجرّد اكتساب الوقت دون حقّ لأجل تجميد الدعوى. واعتبرت الرئيسة الجردي أنّ المدّعى عليها (المستأجرة) لم تبرز ما يُثبت أنّها تقدّمت بطلب استفادة من الصندوق أمام اللجنة المختصّة ما يدلّ على عدم جديّتها في هذا الإدلاء، وبالتالي قرّرت إهماله وعدم الأخذ به.
وقد ورد حرفيّاً في نصّ الحكم الذي تنشره “محكمة”، الآتي:
بناءً عليه
حيث إنّ المدّعي يطلب إعلان إنهاء العلاقة التأجيريّة بينه وبين المدّعى عليها وتحرير عقد الإيجار وذلك لمرور التسع سنوات التمديديّة المنصوص عنها في قانون الإيجارات الذي دخل حيّز التنفيذ بتاريخ 2014/12/28، والتي تحتسب من هذا التاريخ،
وحيث إنّ المدّعى عليها تطلب ردّ الدعوى الراهنة لعدم القانونيّة والجديّة ولكون السنوات التمديديّة لم تنته بعد لأنّه يقتضي بدء احتسابها من تاريخ نشر القانون رقم 2017/2 بتاريخ 2017/2/28،
وحيث إنّ النزاع الراهن بين المدّعي والمدّعى عليها يتمحور حول تاريخ بدء احتساب السنوات التمديديّة المنصوص عنها في قانون الإيجارات لتحرير الإيجار، وما إذا كانت تحتسب من تاريخ نفاذ القانون الصادر عام 2014، أو القانون الصادر عام 2017،
وحيث إنّه بتاريخ 2014/5/9 قد صدر قانون الإيجارات الاستثنائي وبتاريخ 2014/8/6 أصدر المجلس الدستوري قراراً قضى بإبطال بعض مواد قانون الإيجارات الصادر في 2014/5/9 وهي المتعلّقة باللجنة التي كانت ستنشأ بنتيجته، وقد نتج عن ذلك إشكاليّات حول هذا القانون الأمر الذي أدى إلى إصدار القانون رقم 2017/2.
وحيث إنّه لجهة الشكل، أتى عنوان القانون رقم 2017/2 “تعديل قانون الإيجارات”، ما يدلّ على أنّه قانون تعديلي للقانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 ،
وحيث إنّه لجهة المضمون، نبيّن ما يلي:
1- تنصّ المادة /59/ من القانون رقم 2017/2 على ما يلي: “تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون أو غير المتفقة ومضمونه”، ما يعني أنّ هذا القانون لم يلغ القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 ولم يحلّ محلّه بل فقط ألغى المواد المنصوص عنها في هذا الأخير والمخالفة لمضمونه، وهذا هو مفعول القانون التعديلي أساساً،
2- تنصّ المادة /55/ من القانون رقم 2017/2 على ما يلي: “يمدّد العمل بالقانون رقم 92/160 حتى تاريخ 2014/12/28″، وهو تاريخ بدء العمل بالقانون الصادر بتاريخ 2014/5/9، بالتالي يكون هذا القانون قد اعترف باستمراريّة نفاذ القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 ، وبأنّه لا يزال قائماً وساري المفعول ولم يلغيه، فلو كان هدفه الغاءه لكان مدّد العمل بالقانون رقم 92/160 حتى تاريخ نشر القانون رقم 2017/2 بالجريدة الرسميّة،
وحيث إنّه بالوقوف على نيّة المشترع، فإنّه عند إصدار القانون عام 2014 اتجهت نيّته لإيجاد حلّ دون مماطلة وبأسرع وقت لأزمة الإيجارات الاستثنائيّة بغية إحلال التوازن بين المستأجر والمالك، غير أنّه قد شابت هذا القانون ثغرات استتبعت إبطال بعض مواده وإصدار القانون رقم /2/ عام 2017 لتغطية هذه الثغرات إنّما بالنيّة السابقة ذاتها، وبالتالي لم تكن نيّة المشترع عند إصدار القانون عام 2017 منح مهل إضافيّة تمديديّة للحالة الاستثنائيّة للإيجارات، وما يؤكّد على نيّة المشترع المذكورة هو نص المادة /55/ من القانون رقم 2017/2 التي تمدّد العمل بالقانون 92/160 حتى تاريخ 2014/12/28 أي حتى نفاذ القانون الصادر عام 2014،
وحيث إنّه وفق ما سبق بيانه إن لجهة شكل القانون رقم 2017/2، أو مضمونه أو نيّة المشترع، يُعتبر هذا القانون قانوناً تعديلياً للقانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 ، ولم يلغ القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 الذي يقتضي تطبيق مواده المطابقة للقانون رقم 2017/2 من تاريخ نفاذه أي من تاريخ 2014/12/28.
وحيث إنّ المادة /15/ من القانون رقم 2017/2 تنصّ على ما يلي: “تمدد لغاية تسع سنوات، والمستفيدين من الصندوق لغاية 12 سنة، من تاريخ نفاذ هذا القانون عقود ايجار الأماكن السكنية (..)” في حين تنصّ المادة /15/ من القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 على ما يلي: “تمدّد لغاية تسع سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون عقود ايجار الأماكن السكنية (..)” بالتالي فإنّ المادة /15/ في القانون رقم 2017/2 جاءت مطابقة للمادة /15/ في القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 لجهة المستأجر غير المستفيد من تقديمات الصندوق، وأضافت تعديل يتعلّق بالمستأجر المستفيد من تقديمات الصندوق، كما أنّ عبارة “من تاريخ نفاذ هذا القانون” الواردة في المادة /15/ من القانون رقم 2017/2 ليست سوى تكرار لصياغة المادة /15/ من القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9،
وحيث إنّه يُستدلّ ممّا سبق أنّ السنوات التمديديّة التسع لتحرير عقود الإيجار الاستثنائيّة تبدأ بالسريان من تاريخ نفاذ القانون الصادر بتاريخ 2014/5/9 أي من تاريخ 2014/12/28 وتنتهي بالتالي بتاريخ 2023/12/28 بالنسبة للمستأجر غير المستفيد من تقديمات الصندوق، وبتاريخ 2026/12/28 للمستأجر المستفيد من تقديمات الصندوق،
وحيث إنّه بتاريخ 2024/4/23 تقدّم المدّعي بطلبه بإنهاء العلاقة التأجيريّة بينه وبين المدّعى عليها وتحرير الإيجار سنداً للقانون النافذ بتاريخ 2014/12/28 أي بعد انتهاء مدّة التسع سنوات المنصوص عنها،
وحيث إنّ المدّعى عليها تُدلي، وعلى سبيل الاستطراد، باستفادتها من تقديمات الصندوق، وإنّه في حال اعتبرت المحكمة أنّ السنوات التمديديّة تُحتسب من تاريخ نفاذ القانون الصادر عام 2014 فإنّ السنوات التمديديّة المطبقة في حالة المدّعى عليها هي 12 سنة، وتنتهي بتاريخ 2026/12/28 ، ورد الدعوى بنتيجة ذلك،
وحيث إنّ المادة /58/ من القانون رقم 2017/2 تنصّ على ما يلي: “خلافاً لأيّ نصّ مخالف، يعلّق تطبيق أحكام مواد هذا القانون المتّصلة بالحساب المساعدات والتقديمات، كما المراجعات القضائيّة في الأساس أو التنفيذ (..)”،
وحيث إنّه وفق القانون رقم 2017/2، فإنّ النظر بطلب الاستفادة من تقديمات الصندوق من اختصاص اللجنة المنصوص عنها في هذا القانون،
وحيث بالرغم من أنّه لا يعود للمحكمة أن تبتّ بطلب الاستفادة من تقديمات الصندوق، غير أنّ الوضع القائم، يمنح المحكمة صلاحيّة التأكّد فقط من ظاهر الحال من مدى جديّة هذا الطلب عند الإدلاء به أمامها وما إذا كان الهدف منه مجرّد اكتساب الوقت دون حقّ، وتجميد الدعوى، وذلك إمّا عبر إبراز ما يُثبت التقدّم بطلب الاستفادة من تقديمات الصندوق أمام اللجنة المختصّة أو إبراز ما يمكن التأكّد من ظاهر الحال أنّ الإدلاء له سند يمكن مناقشته أمام اللجنة في حال تمّ التقدّم به أمامها،
وحيث إنّه في الحالة الراهنة أدلت المدّعى عليها باستفادتها من تقديمات الصندوق في اللائحة الجوابيّة الثانية لها وعلى سبيل الاستطراد، دون أن تشرح أي ما يدلّ على إمكانيّة حقّها في ذلك، ودون أن تبرز أيّ ما يُثبت تقدمها بهذا الطلب أمام اللجنة المختصّة ما يدلّ على عدم جديّة هذا الادلاء، بل تقدمت به فقط عبر إضافة عباراته، بالتالي يقتضي على المحكمة تجاهله،
وحيث إنّه يقتضي بنتيجة ذلك اعتبار العلاقة التأجيريّة القائمة بين المدّعي والمدّعى عليها منتهية بانقضاء السنوات التمديديّة التسع المنصوص عنها في هذا القانون وذلك من تاريخ 2023/12/28، وتحرير عقد الإيجار، والزام المدّعى عليها المستأجرة بإخلاء المأجور وتسليمه للمدّعي شاغراً من أي شاغل، كما يقتضي ردّ جميع الإدلاءات أو الطلبات الزائدة أو المخالفة؛
لذلك،
يحكم
أولاً: بإنهاء العلاقة التأجيريّة بين المدّعي (…) والمدّعى عليها (…) وإلزام المدّعى عليها (…) بإخلاء المأجور الكائن في القسم رقم (…) من العقار رقم (…) من منطقة (…) العقارية وتسليمه للمدّعي (…) شاغراً من أي شاغل فوراً من تاريخ نفاذ هذا الحكم، تحت طائلة غرامة اكراهيّة مقدارها 5 ملايين ليرة لبنانيّة عن يوم كل تأخير بالإخلاء والتسليم تبدأ بالسريان من تاريخ نفاذ هذا الحكم حتى تاريخ الاخلاء والتسليم الفعليّين.
ثانياً: برد كل ما زاد أو خالف.
ثالثاً: بتضمين المدّعى عليها الرسوم والنفقات كافة.
حكماً صدر وأفهم علناً بتاريخ 2025/4/29.
“محكمة” – الاربعاء في 2025/4/30

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!