ميديانشاطات

خاص”محكمة”: “شفناك فوق.. وشفناك تحت” مسرحية تحاكي الحياة/رنا نحلة

كتبت رنا نحلة:
هي مسرحية تحاكي القدر، تصعد مع مؤدّي الأدوار إلى الهاوية. نعم إنّها حال الشباب اليوم. هي مسرحية “شفناك فوق.. وشفناك تحت”.
وهذه العبارة لطالما ردّدناها كثيراً، لوصفنا إنساناً بحالة تهكمية، وكأنّنا نقلّل من أهمّية وضعه، وهذا ما يضعنا أمام مشهدية هذه المسرحية، لجدّيتها الساخرة. مسرحية تحاكي الحياة من الأفق البعيد، وكأنّها ترمّم قِصَّة “أهل الكهف” أو من موقعهم. مسرحية أهلها الأموات يحاكون أهل الأرض عن معاناتهم، إنّهم يبكون علينا “ونحن في ضَحِكٍ مستمرّ”، إنّه العالم المجنون حقّاً، عالم مزيّف بمستحضرات الأقنعة، يتبرّجون بلسانهم المعسول، وبعقلهم المسلول.
نعم، إنّها مسرحية الضحك الصامت، والبكاء الخفي، هذه هي الحياة الدنيا ومتناقضاتها، كمن يرون فيها حماراً يحمل كتباً، فيظنّ أنّه فيسلوف.
تبيّن لنا المسرحية الفارق ما بين حياة المرء في داري الفناء والبقاء معاً، وهنا جذبنا الممثّلان محمّد فوعاني وعلي منصور بأدائهما المميّز حول كيفية التعايش المؤقّت في دار الآخرة.
وقد استوقفني الأداء المميّز الذي قام به الشبّان رغم خبرتهم العمرية الصغيرة في العمل المسرحي، حيث نسجوا بأدائهم سيرة سنين من الضياع في عالم الانسان، إذ كان محمّد وعلي يرسمان التمثيل بريشة المجد نحو العلى، وقد كانا بمثابة الحفر في الصخر ليصلا إلى عالم” الاوبانيشاد” (إنّها الكمال الأسمى والتنوير الأعلى للمذهب الفيزيوقراطي في العصور القديمة) حتّى امتزجت ريشتهما بحلاوة الحياة ومرّها لتنتج حلاوة الحقيقة في عالم التيه.
أمّا داني حرب الذي كان كالمكوك في البراعة بجمعه السخرية والجدّية معاً، فامتاز في تشخيصه فرادة الفصول الأربعة في آن، إنّه كمن يرقص على الضحية ليبكي الجلاّد. وبالمختصر المفيد، لقد أدّوا المثل القائل”لا تكونوا كثيري الحلاوة فتبلعون، ولا كثيري المرارة فتبصقون”.
أجل، لقد كانوا يجودون برسالتهم التي لامست حقيقة كلّ الطبقات الاجتماعية. لقد لامسوا القاصي والداني على حدٍّ سواء. أحياناً كنا نبكي الفرح، ونضحك الحزن”.
إنّها مسرحية تحمل قي طيّاتها “الديالكتيكية الفنّية” إذا صحّ التعبير حتّى وصل بهم الأمر إلى تثبيت المثل الذي يقول “إذا لم يسمع الأصم صوت الرعد، فإنّه سيرى حبّات المطر”. وهذا كان كلّ من محمّد، وعلي، وداني. فإلى المزيد من الاستمتاع، ونحن بالانتظار.
• “شفناك فوق وشفناك تحت” إدارة وإنتاج محمّد فوعاني، تأليف وإخراج محمّد فوعاني وعلي منصور. وتمثيل الثلاثي فوعاني ومنصور وداني حرب. وعرضت على مسرح قاعة الجنان على طريق المطار، ومسرح “أبراج” في فرن الشبّاك.


(نشر في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة” – العدد 38 – شباط 2019)
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!