خاص “محكمة”: يا قضاة العالم توقّفوا في الشبهات تنقذوا تاريخكم من عار الخطأ القضائي/منيف حمدان
بقلم المحامي الدكتور منيف حمدان:
في عددها الرقم 3653، وتاريخ 16 أيار 2019، نشرت المجلّة الأسبوعية الفرنسية، Paris Match الغرّاء، قصّةً أغرب من الخيال، زودها بها، مندوبها الخاص في كاليفورنيا، السيد Olivier O’Mahony جاء فيها:”إن المواطن الأميركي، Craig Coley ، أمضى 39 سنة من حياته في السجن، من أجل جريمة لم يرتكبها”.
وحرصت هذه المجلة، أن تقدّم لهذه القضية المرعبة، بعرض صورتين للمظلوم Craig Coley في صفحتين متقابلتين:
الصورة الأولى، أخذت له بتاريخ 11 تشرين الثاني 1978، يوم دخوله إلى السجن، إذ كان عمره 31 سنة. والصورة الثانية، أخذت له، بتاريخ 8 أيار 2018، بعد خروجه من السجن، في 22 تشرين الثاني 2017، يوم أصبح عمره 71 سنة.
وتُظهر المقارنة البسيطة بين الصورتين، أن عاثر الحظ Craig Coley، كان يوم توقيفه في العام 1978، في شرخ شبابه، أسود الشعر، ولامع العينين، ويتدفق حيويةً، ويضج بالحياة، ويحلم بغد أفضل، ويعلل نفسه بالزواج، وبالبنين والبنات.
وأنه أصبح، في الصورة الثانية، رجلاً يرزح تحت عبء الشيخوخة، أشيب الشعر، أجعد البشرة، في الوجه والرقبة والذراعين، وغائر العينين، قلقاً على مصيره مرّة، وقلقاً ألف مرة، من خطأ قضائي جديد، ينقضّ عليه، في غفلة من عين الزمن، فيسلبه ما تبقى من حياته، بعد أن سلبه الخطأ الأول، أجمل سنوات شبابه.
الفقرة الأولى: إنّ مقارنة صورتي المظلوم Craig Coley تذكّر المؤلّف بقضيّة شاب فلسطيني، أوقف في لبنان بتاريخ 13 نيسان 1975، بتهمة جناية قتل، ولم يصل إلى محكمة جنايات القتل، إلاّ بعد إحدى عشرة سنة، بفعل حرب الغرباء على أرضنا، وإجراءاتنا المعقدة
إن قصة المظلوم الأميركي Craig Coley الأليمة، ذكّرت المؤلف بقصة ذلك الفتى الفلسطيني، الذي مرّ على أحد الحواجز في لبنان، ظهيرة اليوم الأوّل، من حربنا اللقيط، تاريخ 13 نيسان 1975، فأوقف وأدخل السجن، بتهمة جناية قتل، أنكرها في جميع مراحل التحقيق، ولم يصل إلى قاعة محكمة جنايات القتل في كلّ لبنان، إلاّ في العام 1986، بعد إحدى عشرة سنة، على توقيفه.
ولمّا جهزت الدعوى للمرافعة، وقف المحامي العام منيف حمدان، وبدأ مرافعته المطولة، فعرض الوقائع بالتفاصيل، وفنّد أدلّة الإتهام، ودحضها دحضاً مبيناً. ومن ثم ختم مرافعته، فقال مخاطباً المتهم، الواقف في قفص الإتهام.
أيها المتهم!
باسم القانون اللبناني والشعب اللبناني العظيم وباسم العدالة التي تتحكم بكل تصرفاتي أنحني أمامك خجلاً
نعم أنحني أمامك خجلاً مرتين: مرّة لأن سلطاتنا أوقفتك دون سبب، ومرّة لأن سلطاتنا تأخرت بإعلان براءتك مدة إحدى عشرة سنة بأيامها وشهورها وساعاتها والثواني. وبما إني اليوم غير قادر على إعادة حريتك المسلوبة إليك فإن شرفي القضائي يحتم عليّ أن أبذل كل جهدي لأعيدك إلى الحرية فأطلب إلى محكمة جنايات القتل أن توقف كل أعمالها وأن تنسحب إلى غرفة المذاكرة وتعكف على دراسة ملفك على ضوء طلبي الملحاح بإعلان براءتك لانعدام الدليل وإطلاق سراحك الآن الآن وليس غداً.
وما إن أنهى المحامي العام مرافعته المطولة والطلبات، حتى بدأ السجين يجهش بالبكاء… فوجه إليه رئيس المحكمة، الرئيس حسن قواس، كلاماً جاء فيه:
لماذا تبكي أيها المتهم؟
ألم تسمع ما قاله حضرة النائب العام، في اعتذاره إليك؟ وفي طلب إعلان براءتك لانعدام الدليل؟
فردّ المتهم وقال: إني أشكر النائب العام، الذي لا أعرفه، على ما بدر منه، لرفع الظلم عني. وأعتذر عن بكائي، الذي لم أستطع أن ألجمه، لسببين:
فالسبب الأول لبكائي، هو الفرح، لأني وجدت قاضياً يقرأ ملفي بعناية، ويكتشف أني بريء، ويطلب بإصرار إعلان براءتي. والسبب الثاني، هو أن شعري كان عند دخولي إلى السجن أسود فاحماً، مثل الليل في كانون، وأصبح اليوم من هول العذاب، أبيض مثل ثلج صنين؟
وبعد أن انتهى المتهم من كلامه، إنسحبت محكمة جنايات القتل من القاعة، إلى غرفة المذاكرة، وأصدرت بعد ساعة، حكماً معللاً بالبراءة لإنعدام الدليل، وإطلاق سراح الموقوف فوراً، وموقّعاً من الرؤساء الأبرار: حسن قواس رئيساً، ولبيب زوين والياس العبدالله مستشارين، فدوّت القاعدة بالتصفيق والهتافات: يحيا العدل… يحيا العدل .
الفقرة الثانية: تسليط الضوء على حياة Craig Coley، قبل دخوله إلى السجن في العام 1978
قبل دخوله إلى السجن في العام 1978، كان السيد Craig Coley يعيش حياة هانئة، في مدينة Simi valley، التابعة لولاية كاليفورنيا الأميركية. وكان والده Wilson ضابط بوليس، في بلدية Los Angelos، وكانت أمه Margie تحبه كثيراً، إلى درجة صار فيها يطلق عليه لقب Mam’s boy أو Fils à maman . وقُدّر له، أثناء إشتراكه في حرب ﭭيتنام، أن يتلقى دروساً مكثفة، في كيفية إعداد الأكل والحلويات، فقرر الإستفادة من هذه الخبرة، للإنطلاق في مجال المطاعم… فازدهرت أعماله… وتعرّف إلى فتاة تدعى Rhonda Wicht، وتبلغ من العمر 24 عاماً. فوقعت في غرامه، إعجاباً به من جهة، ولأنها كانت من جهة ثانية، أمّا لابن في الرابعة من عمره، يدعى Donald، وبحاجة إلى رجل يحميه، فتعلّق Craig Coley بهذا الطفل وأمه كثيراً.
الفقرة الثالثة: إتهام Craig Coley بقتل عشيقته Rhonda Wicht وابنها رونالد، وإصدار حكم عليه بالحبس المؤبد
بتاريخ 11 تشرين الثاني 1978، وجدت العشيقة Rhonda Wicht، في شقتها، وفوق تختها، مضروبة ضرباً مبرّحاً، ويسيل الدّم منها، ومغتصبة، ومخنوقة بحبلة، ووجد ابنها رونالد، البالغ من العمر 4 سنوات، مخنوقاً تحت مخدة، على مقربة من تختها.
ولمّا بدأ التحقيق، وُجهت الشبهة بالقتل المزدوج، إلى Craig Coley، لأنه كان يحوز مفتاح الشقة التي تسكنها عشيقته، خاصة وأن هذه الشقة، لم تتعرّض إلى أي محاولة كسر أو خلع. كم تذكّر هذه القضية، بقضية كارل فيشر، مروض الفيلة في كازينو لبنان، في سبعينات القرن الماضي؟!
وعندما طرق رجال البوليس باب بيته، وأعلموه بظنونهم ضدّه، إستغرب التهمة، لأنه كان يحب القتيلة كثيراً، ويحب ابنها كثيراً، ويعتبره بمثابة ابن له… ولهذا قال لهم: إنكم تشكّون بالشخص الغلط.
وشاء القدر، أن يكون مشرفاً على التحقيق ضابط شاب، يدعى Bob Klasmer، ويرغب بإثبات وجوده، طمعاً بالترقيات… فركّز على المشتبه به، وكلّف خبيراً بالكشف على جسمه فجاءت النتيجة تقول: “يوجد خدوش على جسم المشتبه به، في المنطقة الحساسة من جسمه، وعثر على منشفة مشبعة بالدم، في بيته”.
وبالإضافة إلى هذه القرائن، كانت فحوصات الـ DNA في ذلك الزمن، في بداياتها، والإختبارات عاجزة عن تقديم أية نتيجة تفيد التحقيق.
ويضاف إلى ذلك، أن المشتبه به أحيل إلى المحاكمة، فبرأ القضاء ساحته، في المرحلة الأولى، عندما خالف إثنان من هيئة المحلفين إدانته، لعدم كفاية الدليل.
لم يستسلم الحق العام، ولم يستسلم الضابط Bob Klasmer… فاهتم بجمع أدلة جديدة، واستمع إلى أحد جيران الضحية، فقال: إنه كان ليلة الجريمة على بلكون بيته، وإنه شاهد سيارة المشتبه به تفر من مسرح الجريمة، وتمكن بهذه الطريقة، من إقناع ممثل الحق العام، وهيئة المحلفين، والمحكمة من بعدها، بكفاية الأدلة، فأصدرت حكماً يتوافق مع رأي جميع أفراد هيئة المحلفين الجديدة، وقضت بالحبس المؤبد، ضد المتهم Craig Coley، لتبدأ رحلة العذاب، في جحيم ملتهب، لا يحس بخطورته إلاّ الأبرياء المحكومون، أو المحكومون الأبرياء.
ولمّا صار الحكم مبرماً، أُدخل عاثر الحظ إلى سجن Folsom السيء الذكر، حيث كان يُقتل شهرياً سجين أو سجينان، بفعل المشاجرات العنيفة بين السجناء، أو بفعل حرّاس السجن. وطيلة فترة سجنه، في سجن Folsom، تقاسم زنزانته التي تبلغ مساحتها خمسة أمتار مربعة، مع سجين آخر.
وكُتب عليه أن يتنقل، طيلة فترة سجنه، بين ستة سجون… حيث كان يُفرض عليه، أن يقوم ببعض أعمال السكرتاريا، فوجد في ذلك فرصة، ليعبر عن براءته، ممّا هو منسوب إليه، أمام كل الذين كان يلتقيهم، أو يعمل معهم، ولكن بدون جدوى.
وبالإضافة إلى الإكثار، من الحديث عن براءته، توجه إلى دراسة الإنجيل المقدس، ليتمكن من الإستمرار في الحياة، ومن الغفران لكل من أساء إليه.
وممّا زاد الطين بلّة، في عذاب صديقنا، هو أن والده الضابط أنقق كامل المبلغ، الذي استحق له، عند بلوغه سن التقاعد، على أتعاب المحامين، الذين دافعوا عنه.
وبعد عشرة أعوام تقريباً، على توقيفه، فاضت روح والده، من كثرة العذاب، لتزيد في عذاب ابنه شحناتٍ جديدة من الحزن والقلق.
الفقرة الرابعة: الحظ يبتسم بخجل أولاً إلى المحكوم بالحبس المؤبد، بفعل نخوة المحقق الخاص Mike Bender.
في السنة الثانية، لوفاة والد Craig Coley، ترفّق الربّ بحال هذا السجين المظلوم، فوضع على طريق جلجلته الشهم Mike Bender ، البوليس المحقّق، الذي كان يعمل، تحت أمرة الضابط Bob Klasmer، والذي لاحظ بفعل خبرته أن أدلّة كثيرة، تفيد المتهم، قد طمست، أو حوّرت، أو لم تعطَ حظها من الإهتمام… فأدّى هذا الإهتمام من قبله إلى خلاف حاد بينه وبين الضابط، وصولاً إلى حد الإستقالة، وتحوّله إلى محقّق خاص، لا همّ له إلاّ إثبات براءة Craig Coley المقتنع بها، إقتناعه ببراءته الذاتية منها.
وبعد استقالته، من فصيلة الشرطة في مدينة Simi valley، في العام 1989، إتصل بوالدة المتهم المحكوم، السيدة Margie، وأخبرها، أنّه بعد قراءة معمّقة، لملفّ ولدها Craig Coley الجنائي، وجد فيه كثيراً من الثغرات، التي قد تساعد على إعادة محاكمة ابنها وإثبات براءته… فاعترتها موجة عارمة من الفرح، واقترحت عليه، أن يقابل ابنها في السجن، ويعرض عليه ما عنده، من قرائن وأدلّة تثبت براءته … فقابله، واتفق الفريقان، على أن يكون السيد Mike Bender المحقّق الخاص في قضيته.
وبعد الإتفاق، إنطلق المحقق السيد Mike Bender بتحقيقاته المضنية، التي استهلكت منه سنوات وسنوات، وقدّم ما تجمّع لديه من أدلّة وقرائن، تفيد المتهم، إلى حاكم كاليفورنيا السيد Arnold Schwarzenegger ، فرفض استقباله والإستماع إليه، عدّة مرّات في عدّة سنوات.
وشاء القدر، أن يعين حاكم جديد، لولاية كاليفورنيا، في العام 2015، هو السيد Jerry Brown، المحامي اليسوعي، والمشبع بروح العدالة، والمندفع إلى نصرة المظلومين والمسحوقين، دون أيّ اعتبار للعرق واللون والطبقة. فاغتنم الشهم Mike Bender، فرصة إحلال هذا الحاكم العظيم، محل سلفه، فطرق بابه، وعرض عليه الموضوع، فاهتم بالأمر، وحدّد له موعداً بعد أسبوع، ليشرح له بالتفصيل ما توصّل إليه في تحقيقاته المطوّلة، من أدلّة قاطعة وثابتة.
وفي نهاية المقابلة، إقتنع الحاكم الجديد، بفتح الملفّ من جديد، في نهاية العام 2015. وفي ذات الوقت، كان قد وصل، إلى قيادة الشرطة في مدينة Simi valley، قائد شهم يدعى Dave Livingstone، فغاص في الملف، وكلّف السيد Dan Swanson للقيام بمهمّة إعادة التحقيق في هذه القضية، فبانت له حقائق مذهلة سنعرضها في الفقرة الخامسة التالية.
الفقرة الخامسة: المحقق الجديد Dan Swanson، يوثق الحقائق المذهلة التي اكتشفها
بعد دراسة معمّقة للملفّ، إستمع المحقق الجديد Dan Swanson إلى المحكوم عليه Craig Coley، وإلى المحقّق الخاص Mike Bender، وإلـى مجموعـــة مـــــــــن أصــــــــــدقاء Craig Coley ، فاكتشف حقائق مذهلة، تصب كلّها في إثبات براءة المحكوم عليه، فوثقها في نبذات متلاحقة على الوجه التالي:
النبذة الأولى: دحض رواية الجار الذي قال إنه شاهد سيارة Craig Coley ليلة الجريمة التي أودت بحياة جارته Rhonda Wicht، وابنها الطفل Donald، تفرّ مسرعة من المكان
يقول المحقق Dan Swanson ، في تقريره: إن التحقيقات التي أجريت في هذه القضية، أثبتت أن الجريمة وقعت في ليل 11 تشرين الثاني 1978 فعلاً. وأثبتت أن جار الضحية قال: في تلك الليلة كنت واقفاً على بلكون بيتي فشاهدت سيارة عشيق السيدة Rhonda Wicht ، تفرّ من مسرح الجريمة بسرعة فائقة، وأن رقمها هو كذا أو كذا.
أمّا الحقيقة فتقول: إني ذهبت إلى دائرة الأرصاد الجوية، واستحصلت على إفادة رسمية تثبت: أن ليلة 11 تشرين الثاني 1978، التي وقعت فيها الجريمة، كانت ليلة غائمة، بشكل غير مسبوق، والظلام فيها دامس، ويستحيل على المشاهد، أي مشاهد، أن يتمكن من معرفة لون السيارة أو نوعها، أو حجمها، أو نمرة تسجيلها، حتى لو كان قريباً منها، فكيف إذا كان واقفاً على البلكون، في ليل دامس وغائم، وفرّت السيارة المزعومة بسرعة؟ وهذا يعني أنه لا مجال لاعتماد هذه الشهادة، للحكم على أي شخص لمخالفة عادية، لا تتجاوز غرامتها المئة دولار، فكيف إذا كان الحكم الذي بني عليها، هو الحبس المؤبد؟! لو قدر، للضابط الذي حقق في هذه القضية قبلي، أو للقاضي الذي أصدر الحكم أن يسأل دائرة الأرصاد الجوية، عن أحوال الطقس في تلك الليلة، لكان وصل إلى ذات النتيجة، التي وصلت إليها أنا.
النبذة الثانية: المحق الجديد Dan Swanson يثبت أن المدعى عليه Craig Coley، كان يسهر مع أصدقائه ليلة الجريمة
إن التحقيق المكثف الذي أجراه، المحقق الجديد، أثبت أن المحكوم عليه Craig Coley، كان ليلة الجريمة يسهر، مع شلّة من أصحابه… فأكّد هؤلاء الأصحاب ما أدلى به صديقهم Craig Coley، أمام المحقق الجديد، حول السهرة التي أمضوها سوية، في ليلة 11/11/1978، التي قتلت فيها السيدة Rhonda Wicht وطفلها رونالد. وهذا يعني، أنه يستحيل على المحكوم عليه Craig Coley، أن يكون سهراناً مع أصحابه، في بيت بعيد نسبياً، عن بيت عشيقته، وأن يجد لديه الوقت الكافي، ليذهب إلى بيت عشيقته، فيضربها، ويدميها، ويمارس الجنس معها، ويخنقها بحبلة فوق تختها… ويقدم في ذات الوقت، على خنق ابنها الطفل رونالد، تحت المخدة، دون أن يلاحظ رفاقه غيابه عن البيت، الذي كانوا يسهرون فيه.
لو قدر للمحقق Klasmer، أن يتوقف عند هذه المسألة، لكان وصل إلى قناعة تثبت براءة Craig Coley، من الجريمة المزدوجة المنسوبة إليه.
النبذة الثالثة: إختبارات الـ DNA تثبت براءة Craig Coley بشكل قاطع
عندما قرأ المحقّق الجديد Dan Swanson الملفّ، توقّف عند ذكر المنشفة المصادرة، والمشبعة بالدّم، التي قيل إنها كانت في بيت المحكوم عليه. وتوقف عند الشرشف، الذي كان يغطي التخت، الذي قتلت عليه العشيقة Rhonda Wicht ، والمشبع بالدّم، والسائل المنوي، والمصادر من قبل رجال الشرطة. فبذل المستحيل، ليجد هذين الدليلين، فوجدهما بعد عناء طويل، وأخضعهما لفحوصات الـ DNA ، التي كانت قد تطورت كثيراً، ووصلت إلى الذروة، في السنوات العشرين الأخيرة. وكانت نتائج الإختبارات مدوية، لأنها أثبتت بشكل قاطع:
1- أن الشيفرات الجينية للدم الموجود في ثنايا المنشفة، وعلى شرشف التخت، لا تعود إلى المحكوم عليه Craig Coley .
2- أن الشيفرات الجينية للسائل المنوي، الموجود على شرشف التخت، لا يعود إلى المحكوم عليه Craig Coley.
ولمّا علم صاحب العلاقة، بهذه النتائج المذهلة، من المحقق Dan Swanson، صاح من شدّة الفرح، وراح يبكي كما تبكي النساء، ويتطلّع إلى يوم إطلاق سراحه بفارغ الصبر… فأجريت المعاملات اللازمة، وأطلق سراحه، وهو يردّد: يحيا العدل، وإن متأخراً 40 عاماً، ويحيا المحقق الخاص Mike Bender، والمحقق البوليســــــــي Dan Swanson، وحاكم كاليفورنيا Jerry Brown، والضابط الشجاع Dave livingstone.
وبعد هذه النتيجة الحاسمة، في إختبارات الـ DNA، وجد المحقق Dan Swanson أنّ مناقشة بقيّة الأدلّة، أصبحت غير ذي فائدة، فصرف النظر عنها.
الفقرة السادسة: المحكوم المبرأة ساحته Craig Coleyيطالب بلدية كاليفورنيا بالعطل والضرر عن الخطأ الذي كان ضحيته
بعد أن خرج من السجن، إكتشف Craig Coley، أنّه ولد من جديد، لأنّ كلّ شيء تغيّر خلال الـ 39 سنة، التي قضاها في السجن… فالمطاعم تغيّرت، والمقاهي تغيّرت، وحركة الشبابيك الزجاجية تغيّرت، والهواتف تغيّرت، والأنترنت أصبحت تفرض منطقها على الكبار والصغار، فانخرط في عالمه الجديد، وتآلف معه بصعوبة. وعند خروجه من السجن، دفعت له ولاية كاليفورنيا، مبلغ //1958740//دولاراً أميركياً، بدل العطل والضرر، الذي لحق به بسبب حبسه غير المبرر مدّة 13991 يوماً، بمعدّل 140 دولاراً عن كلّ يوم توقيف.
لم يكتفِ Craig Coley بهذا التعويض، إنما أقام دعوى ضد بلدية Simi valley ، لمطالبتها بالتعويض عن خطأ قضاتها وضباطها ومختبراتها، فدخلت معه في مفاوضات حبية، أسفرت عن إعطائه 21 مليون دولار أميركي تعويضاً له عن الخطـأ الذي ارتكب بحقه.
وذكرت وسائل الإعلام، في هذا المجال، أن مديـر الإدارة المحلّيــة فـــي مدينــة Simi valley، السيد Eric Levet قال: “على الرغم من أنّ أيّ مبلغ مالي، مهما كانت قيمته عالية، لا يستطيع أن يعوّض على Craig Coley فترة العذاب، التي قضاها في السجن، فقد تم الإتفاق، على حلّ مسألة التعويض حبّياً، لأنّ في ذلك مصلحة للجميع. ولو لم نفعل ذلك لكانت أعباء المحاكمة مكلفة لنا كثيراً، وكثيراً جداً”.
(نشر في النسخة الورقية من مجلّة “محكمة” – العدد 43 – تموز 2019)
“محكمة” – الجمعة في 2019/8/16
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.