مقالات

مشكلة السجون في لبنان ليست منعزلةً عن باقي مشكلات البلد/بسام مولوي

الوزير القاضي بسام مولوي*:
سعادة النقيب
أيّها السيّدات والسادة،
لم يمض على المنتدى الذي عُقد في وزارة الداخلية والبلديات لحشد الجهود بغية دعم نظام السجون في لبنان أكثر من شهرين بحضور مجموعةٍ من السفراء الأصدقاء وممثلي الجمعيّات والنقابات والجامعات والقطاع الخاص لحشد الجهود دعماً لتطوير منظومة السجون والنظارات في لبنان.
يحمِلُ مؤتمرُكم اليوم عنوان: “أزمة السجون والحلول المقترحة”، وهنا أكرّر أمامكم ما ذكرته حينذاك أن تطوير منظومة السجون وأماكن الإحتجاز وبناء سجون جديدة هي أولويّة على الصعيد السياسي الإستراتيجي، ولهذه الغاية تعمل الوزارة بواقعيّة على إعادة تقييم الخطة الإستراتيجيّة الموضوعة في هذا الشأن والتي تتضمّن إنشاءَ ثلاثة سجون جديدة، وذلك في ظل عدم وجود الموارد اللازمة وتراجع ماليّة الدولة. وفي الوقت الحالي، ترى الوزارة ضرورة اتخاذ اجراءات تكتية ضروريّة لاحتواء الأزمة منعاً لتدهور الأمور.
لا يمكن تبني أي مشروع لصياغة استراتيجية وطنية لتفعيل نظام السجون في لبنان دون أن يكون محامو لبنان شركاء فيه، إن على صعيد الورشة التشريعية بشكل أساسي حيث ينص شعار نقابتكم أن بيروت هي أم الشرائع، أو على صعيد إدارة السجون بما يؤدي إلى تحسين الأداء وضمان حقوق السجين وتحصين كرامة المحامي.
نلتقي معكم اليوم، حضرات المحامين، كشركاء الوزارة لتنسيق الجهود في خطة تفعيل نظام السجون والنظارات في لبنان التي تواجه تحديّات الإكتظاظ، ويعاني نزلاؤها، بسبب نقص الموارد المادية، من تراجع في الخدمات الطبيّة والإستشفائيّة نظراً لمحدوديّة المبالغ المخصّصة لذلك في الموازنة وانهيار قيمة الليرة اللبنانية مقابل الدولار.
الحضور الكريم،
يكادُ لا يمرُّ يومٌ على الوزارة دون أن يطرأ فيه حدثٌ داخل أحد السجون أو النظارات في لبنان، أكلِف الضباط المعنيين في الوزارة بالمتابعة والتنسيق مع المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي للوقوف على جو التطوّرات دقيقةً بدقيقة، أعلم أن المعالجات لا تكون دائماً مستدامة وعلى قدر الآمال، لكنّ هم السجون لا يغيب عن بالي، وطموحي أكبر بكثير من هذه المعالجات الظرفيّة.
على المستوى التشريعي للتخفيف من وطأة الإكتظاظ، تقدمتُ باقتراح قانون لتخفيض السنة السجنيّة إلى ستّة أشهر، حيث آمل من السّادة النوّاب إقراره في أقرب وقت، ومجدّداً لا يشكّل هذا الإقتراح حلّاً نموذجيّاً لمشكلة الإكتظاظ، لكنّه يحاكي بواقعيّة أزمةً تتمثّل أسبابها بقصور في خدمات الدولة بشكلً عام ولا تقتصر على إدارةٍ أو وزارةٍ بحد ذاتها. فلتعلموا أن أعداد الموقوفين في تزايد منذ الإعتكاف القضائي، ولتعلموا أن ظروفهم الحياتية داخل السجون والنظارات في غاية الصعوبة.
على المستوى اللوجستي، فبعد الإقفال القسري لنظارة جسر العدليّة بسبب تدهور حالته الإنشائية وافتقاره لمعايير حقوق الإنسان، وإقفال سجن حلبا لغرض الترميم وتوزيع نزلائهما على باقي السجون والنظارات، سيتم خلال أشهر قليلة افتتاح مركز الوروار النموذجي لإصلاح الأحداث الذي يتم تمويله من الإتحاد الأوروبي بمتابعة من UNODC. وعلى صعيدٍ آخر، يتابع فريق الوزارة مع الجهات المانحة مشاريعَ يتم إعدادها استكمالاً للمنتدى الذي عقد في الوزارة لدعم السجون والتي أثمرت تقديم هباتٍ تمثّلت ببعض التجهيزات ودعم على صعيد الإستشفاء والطبابة.
أغتنمُ فرصةَ المؤتمر لدعوة السادة القضاة، مع الإقرار باستقلاليّتهم في أداء وظيفتهم القضائيّة، إلى سرعة البت بطلبات إخلاء السبيل وتسريع المحاكمات، رغم الظروف الصعبة التي يمرّون بها، وإلى اجتراح الحلول القضائيّة، ومراعاة أحكام المواد 108، 111 و 138 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، كذلك أدعو نقابتي المحامين، بالتنسيق مع القضاء، إلى إعادة تفعيل غرفة العمليّات التي أنشئت إبان أزمة كورونا لتفعيل إخلاءات السبيل، والتي أثمرت حينذاك نتائج هامة وسريعة.
السيّدات والسادة،
معاناة النزلاء في سجوننا مضاعفة من جرّاء الأزمة، إذ تُضاف إلى الإكتظاظ معاناة الطبابة والإستشفاء، إضافة إلى الحاجة الملحّة لصيانة المباني وآليّات السوق والإسعاف. وفي ظل استمرار انقطاع التيار الكهربائي، تبرز الحاجة إلى تأمين مصادر مستقلّة ومستدامة للطاقة تغذي السجون.
لم آت إليكم اليوم لأعرض عليكم أرقاماً وإحصاءاتٍ بِتُّم على معرفةٍ بها وبتحديثاتها، بل أتيت اليوم أنقل لسعادة النقيب ولكم ما يجول في ضميري من مآسٍ وقضايا وأفكار، أتيت أشارككم بها وأمد أيادي الوزارة إليكم أنتم الذين تلتزمون بقسمكم.
قضيّة السجون ليست قضيّة قانونيّة حقوقيّة فحسب، بل هي قضيّة أخلاقٍ وضمير. نحن مؤتمنون عليها، واجبنا أن نقوم بكل ما بوسعنا لإحقاقها، وعدي قاطعٌ بذلك.
والحقُّ الحق أن المديريّة العامة لقوى الأمن الداخلي لم تدخر جهداً، رغم عظم مسؤوليّاتها في الضابطة الإداريّة والعدلية، في توفير أفضل الظروف الحياتيّة الممكنة للنزلاء، فأعطتهم الأولويّة على عناصرها من حيث الطبابة والإستشفاء.
سعادة النقيب، أيها الحضور
مشكلة السجون في لبنان ليست منعزلةً عن باقي مشكلات البلد الذي يعاني ما يعانيه، وهو لن يكون منفرداً في عاصفة الإقتصاد ونائبة الإنهيار المالي، بل سيلاقيه أشقاؤه بإذن الله بيد العون رغم دأب البعض على محاولة حرف لبنان عن محيطه العربي الطبيعي والقفز فوق دستوره إلى مغامرات لا تشبه أهله، بعيدةٍ عن نًفَسِ الخير.
تلك المغامرات التي تحاول خائبةً بث الحقد وتكريس الفرقة والإنقسام وكسر ميثاقيّة الطائف، طائف العروبة ونهائية الكيان، مغامراتٌ لن تجدَ لها سبيلاً في نفوس الصادقين ولا محلّاً في دستور لبنان، هي مغامرات الفراغ وستسقط حتماً في الفراغ.
وفي زمن الشغور في موقع الرئاسية الأولى الذي نتمنّى أن لا يطول، نتابع تحمل المسؤولية في العناية بشؤون المواطنين وفق ما يفرضه الدستور، ويمليه علينا الضمير والدستور، ولن نلتفت إلى نكدٍ من هنا أو محاولات بلبلة من هناك ولن يعيقنا التحريض أو تحميلنا وزراً لا نتحمله.
نحن من اللبنانيّين، كل اللبنانيين، ونعمل للبنان واللبنانيّين كل اللبنانيّين.
نحبّكم جميعاً ونحب لبنان.
مشروعنا الدولة، هدفنا بناء الدولة حيث لا مشروعيّة خارج الشرعيّة.
أحبّائي
أشعر بلهفاتكم إلى لبنان، بلد أهل البلد، لبنان الرسالة، لبنان العدالة، لبنان العربي، لبنان العيش الواحد. أنا وأنتم على يقين أننا سنتجاوز الأزمات بإيمانٍ وصبرٍ ورؤية.
دمتم ودام الأمن والأمان في بلد الإيمان.
* ألقى وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الأعمال القاضي بسام مولوي هذه الكلمة اليوم في “بيت المحامي” خلال ندوة عن السجون شارك فيها النقيب ناضر كسبار ورئيس محاضرات التدرّج في النقابة الدكتور اسكندر نجار ورئيس لجنة السجون في النقابة المحامي جوزف عيد ونائب الرئيس المحامية فريال الأسمر والمحامي أمين القدوم.
“محكمة” – الأربعاء في 2022/11/2

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!