مقالات

رحيل هنري طربيه..رحيل الزمن الجميل/ناضر كسبار

المحامي ناضر كسبار*:
عندما اتصل بي النقيب الحبيب الدكتور ملحم خلف متمنّياً عليّ تمثيله وتمثيل نقابة المحامين في وداع فقيدنا الكبير، أردف قائلاً: أعرف أنّك ستقود سيّارتك بيد واحدة لمدّة ساعتين بعد إصابتك بالإنفجار الأليم، ولكن لأنّني أعرف مدى تقديرك للعائلات العريقة، وتحديداً عائلة آل طربية في سبعل، وأكثر تحديداً ما يعنيه لك الفقيد الكبير وعائلته الكريمة. وما لا يعرفه النقيب الحبيب أنّني التقيت المغفور له أكثر من عشر مرّات في قصر الرئيس المرحوم سليمان بك فرنجيه، يوم كنت أرافق معالي النقيب ادمون كسبار أيّام العزّ.
ويوم التقيته بدعوة كريمة من نجله زميلنا في المحاماة وفي جمعية خرّيجي حقوق اليسوعية الدكتور كريم في دارتهم العامرة في سبعل في الصيف الماضي، كان لسان حال أولاده:”رجعنا للصبا لما دعينا”. وروى لنا أخبار أيّام زمان في السياسة والمحاماة والمجتمع.
درس المغفور له الحقوق في جامعة القديس يوسف – اليسوعية، وتخرّج منها في العام 1943 حيث انتسب إلى نقابة المحامين في بيروت كمحام متدرّج في مكتب الرئيس بشارة الخوري. وعيّن وزيراً للأنباء وللصحّة وللتربية وترك بصمات في تلك الوزارات. وكان كلّما عيّن وزيراً علّق قيده في النقابة وسرعان ما يعود إليها. فمن ترابها وإلى ترابها يعود.
آمن برسالة المحاماة السامية، وأعطاها من طموحه وعلمه ورصانته واستقامته وانكبابه على الدرس والتمحيص. فبادلته الإخلاص وذاع صيته في جميع أرجاء الوطن.
أنيق، حلو المعشر، صادق، محبّ، متصالح مع نفسه، متسامح مع الآخرين. معه يأخذك سحر البيان، وغزارة المعرفة وعمق الثقافة ودماثة الأخلاق.
معالي المحامي المرحوم هنري طربيه، شجرة أرز شامخة تنضمّ إلى أشجار الأرز الشامخة في السماء. كلّهم رحلوا كأنّه رحيل الحياة. رفاقه في دورة 1943 في اليسوعية، الرئيسان رينيه معوض والياس سركيس والمحامون أوغست باخوس وجان كيرللس وميشال اده وبدوي أبو ديب وأنطوان معربس وغيرهم وغيرهم. وخوفي أن نفقد هذه القامات وهذه الهامات من أشجار الأرز لتحلّ محلّها شجيرات ضعيفة لا تقوى على مجابهة رياح الهدر والسرقة والفساد. فيا هلعي، ويا أسفي، على استبدال حكمائنا بقليلي الخبرة. وكبارنا بصغار القوم.
الوزير هنري طربيه رحل حزيناً. ففي هذا الزمن الرديء، قتلوا كلّ شيء واستباحوا كلّ شيء وأصبح القانون استثناء. رحل وهو يرى مدينة بيروت التي أحبّ تنحر أمام عينيه ويصاب نصف أهلها وسكّانها قتلاً وجرحاً وهدماً لبيوتهم ومحلّاتهم وهو الذي جعل مع غيره من زمنها، زمناً جميلاً.
اليوم ينطوي زمن جميل وتضمّ أرض سبعل فلذة كبدها إبنها البار المرحوم هنري وسط دموع وحسرة الأهل والأصدقاء والمحبّين.
ألم يكن الشاعر على حقّ حين قال يوماً:
يا سائس الخيل قمْ للخيل وانحرها
ما حاجة الخيل والفرسان قد ماتوا؟
في القلب وفي البال زميلاً عزيزاً ألا فأعبر بسلام فإنّك الآن حيث يليق بالأخيار الأنقياء الأصفياء.
فباسم نقيب المحامين الدكتور ملحم خلف وباسم مجلس النقابة والزملاء أتقدّم بأصدق التعازي للعائلة الكريمة زوجته السيّدة جورجيت وأولاده حبيب وريتا وآمال وكريم وللأهل والأصدقاء والزملاء.
رحمه الله.
*كلمة عضو مجلس النقابة مفوّض قصر العدل المحامي ناضر كسبار ممثّلاً نقابة المحامين في بيروت في رثاء الوزير السابق المحامي هنري طربيه.
“محكمة” – الثلاثاء في 2020/10/13

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!