أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

شبكات “الموساد” تتساقط: عملاء بأقنعة مختلفة/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
لم ينته الصراع الأمني والاستخباراتي بين الأجهزة الأمنية اللبنانية الرسمية وجهاز أمن المقاومة من جهة، وجهاز “الموساد” الإسرائيلي من جهة ثانية، لا بل تطوّرت الأساليب والإغراءات والخدمات وتجنيد الأشخاص.
ومن يراجع كلّ الخلايا المتعاملة مع العدوّ الإسرائيلي قبل تحرير الجزء الأكبر من الجنوب في العام 2000 وبعد حرب تموز 2006، يجد أنّ التصويب كان يتمّ كثيراً على الأفراد العاديين والمنخرطين سابقاً في العمل المقاوم وبعض العسكريين والضبّاط في المؤسّسات العسكرية والأمنية الرسمية، ثمّ انتقل للتركيز على ذوي الإهتمام بالشأن العام والقادرين على اجتذاب الرأي العام والناس والتأثير في وعي الجمهور من خلال أعمالهم في الجمعيات الخيرية والإنسانية والحقوقية ومنها من يحمل عناوين برّاقة وشعارات مغلّفة بالنضالات المموّهة، يستحيل أن تلفت النظر إلى أفعالها التجسّسية.
كما جرى تثبيت صورة التجنيد على العاملين في الوسط الفنّي من ممثّلين ومخرجين للإستفادة من اتصالاتهم وعلاقاتهم بأهل الحلّ والربط في البلاد والترويج لأفكار التطبيع الثقافي تحت مسمّيات السلام.
لا يعني هذا الكلام، أنّ “الموساد” تخلّى عن جمع المعلومات العسكرية والأمنية وما يصنّف في خانتها ويستدعي البلبلة ويمهّد لاغتيالات وأعمال عسكرية وحربية، بل وسّع بيكار نشاطاته ليعمل على خطّين متوازيين يصبّان في خزّان مصلحته هما المعلومات الأمنية وتلك التي يمكنها تحقيق السلام معه لتثبيته مغتصباً لفلسطين المحتلة، وليس من فاعل في هذا الاتجاه، ومؤثّر في مضمونه وإنجاحه، سوى العاملين في الشأن العام، وتحديداً الناشطين في الجمعيات الخيرية والمثقّفين والذائعي الصيت في بناء العلاقات العامة.
لقد جرّب “الموساد” الكثير من الشبكات، واختبر الكثير من العملاء ومعظمهم سقط على التوالي بفعل الضربات الموجعة من جهاز أمن المقاومة والأجهزة الأمنية اللبنانية وعلى رأسها مديرية المخابرات في الجيش اللبناني مع اختلاف في الزمان والمكان، ومع ذلك لم تهدأ هذه الجبهة الأمنية المفتوحة على كلّ الإحتمالات، وهي مستمرّة ما دام الصراع العربي الإسرائيلي قائماً.
وليس خافياً على أحد أنّ تسارع وتيرة تفكيك شبكات التجسّس الإسرائيلية الفردية والجماعية منها على حدّ سواء، يأتي بعد الهبوط الكبير في ضغط التنظيمات الإرهابية وعلى رأسها “داعش” و”جبهة النصرة” إلى درجة القضاء عليهما نهائياً وإبعاد خطرهما عن الحدود اللبنانية – السورية في شهر آب 2017، إذ كان العدوّ الإسرائيلي ينشط على خطّ تنمية الظهور المسلّح العلني والخفي للتنظيمات الإرهابية، وتغذية خلاياه النائمة في وقت واحد، ولمّا كان خطر الأولى قد خفّ وخفت كثيراً عما كان عليه سابقاً، وشارف على الزوال في ظلّ الخريطة الجديدة للحرب في سوريا، وتناقص النفوذ الداعشي ومتفرّعاته، إشتعلت جبهة القضاء على العملاء المنتشرين في الداخل اللبناني تحت عباءات ومظلّات وأقنعة مختلفة، وأسماء ووظائف ومهن عديدة أخطرها عمل أولئك الموجودين على تماس مباشر مع الناس بحجّة المساعدات الإنسانية والحقوقية وزرع البسمة والضحكة على وجوههم للخروج من الأزمات المتتالية على شتّى الصعد السياسية والإقتصادية والحياتية والمعيشية في لبنان.
وبفعل التطوّر الهائل لوسائل الإتصالات، وانكباب الناس على مواقع التواصل الإجتماعي وخصوصاً”الفايسبوك”، صار تجنيد ضعاف النفوس سهلاً وسريعاً ومريحاً، واغتنم “الموساد” هذه السبل البعيدة للوهلة الأولى، عن أعين المراقبة والرصد بغية السيطرة على العقول والتقاط ما أمكن من العملاء، واستطاع أن ينجح في إقناع عدد منهم مستخدماً المال والإبتزاز.
وانشغل الرأي العام اللبناني بتوقيف المديرية العامة لأمن الدولة الممثّل المسرحي زياد أحمد عيتاني، والمديرية العامة للأمن العام كلاً من المواطن السوري بولس جورج خوري، وسائق التاكسي الصيداوي محمّد مصطفى الضابط، والثلاثي عباس مصطفى سلامة، وكمال أجود حسن، وكرم أكرم إدريس، في أوقات مختلفة، ولكلّ واحد منهم حكايته مع “الموساد”، بعدما سبقهم كثر في الوقوع في مصيدة “اليقظة الأمنية اللبنانية”.
عيتاني كشفته زوجته
فما هي قصّة كلّ واحد من هؤلاء مع العمالة والخيانة و”الموساد”؟
يوم الخميس الواقع فيه 23 تشرين الثاني 2017، أوقفت مجموعة الرصد والتعقّب في المديرية العامة لأمن الدولة الممثّل والمخرج والكاتب المسرحي زياد أحمد عيتاني(مواليد بيروت في العام 1975) في منزله في محلّة عين الرمّانة، بسبب تواصله مع ضابطة إسرائيلية ادعت أنّ اسمها هو كوليت فيانفي، تعرّف إليها عبر موقع التواصل الإجتماعي”الفايسبوك” في العام 2014 على أنّها مواطنة سويدية.
ومع مرور الأيّام توطّدت الصداقة والعلاقة بينهما وانتقل التواصل من بريد الفايسبوك “ماسنجر” إلى الهاتف الخليوي وتطبيق”الواتساب” والبريد الإلكتروني إلى أن أغرته جنسياً دون أن يلمسها عبر” Video Call”(الفيديو كول)، فاستغلّت وقوعه وكاشفته بشخصيتها الحقيقية على أنّها ضابطة في “الموساد” وجنّدته للعمل معها من دون أن يتمكّن من الإفلات منها فرضخ لوقوعه وصار يلبّي طلباتها ويزوّدها بالمعلومات عبر “الواتساب” والبريد الإلكتروني بموجب رسائل مشفّرة يصعب على أحد سواهما فكّها ومعرفة مضمونها.
والتقى عيتاني بامرأة أرسلتها الضابطة إليه في تركيا في شهر آب 2016.
واتضح من مجريات التحقيقات الأوّلية أنّ عيتاني كلّف برصد مجموعة من الشخصيات السياسية بينهم وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق والوزير السابق عبد الرحيم مراد مستغلاً علاقة صداقة تجمعه بمستشار الأوّل الصحفي محمّد بركات، ونجل الثاني حسن مراد، وتقديم معلومات موسّعة عنهما، والعمل على تأسيس نواة لبنانية تمهّد لتمرير مبدأ التطبيع مع إسرائيل، والترويج للفكر الصهيوني بين المثقّفين، فضلاً عن التواصل بصحفيين يدورون في فلك قوى “14 آذار”.
وقد ضبط من منزل عيتاني الثاني في محلّة فرن الشبّاك كمّية من المخدّرات، وأربعة حواسيب إلكترونية يخزّن فيها الداتا السرّية، وخمسة أجهزة خليوية كان يتلقّى عليها رسائل نصيّة ومشفّرة عبر “الواتسآب” من أرقام تبدأ بمفتاح (004) و(972).
وفهم من مصادر قضائية مطلّعة إنّ عيتاني لم يتلق مبالغ مالية من مشغّلته الإسرائيلية، ولم يرد ذكر أيّة تحويلات مالية في التحقيق الأولي بعكس ما نشر إعلامياً، وتحقّق مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية الدائمة القاضي بيتر جرمانوس من هذه الواقعة عبر “الويسترن يونيون” حيث لم يعثر على أيّة إحالة مالية باسم عيتاني أو باسم مستعار آخر.
وخلال فترة التحقيق الأولي، جرى سماع إفادة زوجة عيتاني الثانية بحضور القاضي جرمانوس، فأدلت بأنّه خلال وجودهما في تركيا تركها مدّة زمنية طويلة بداعي الذهاب للقاء صديق له، فغاب كثيراً، وهذا ما دفع المحقّقين إلى التوسّع مع عيتاني في التحقيق ليكتشفوا أنّه ذهب للقاء المرأة الإسرائيلية وبالتالي تورّطه في العمالة لتكرّ بعد ذلك سبحة الإعترافات.
الضابط
أمّا محمّد الضابط(60 عاماً)، فأوقف في مسقط رأسه مدينة صيدا الجنوبية في شهر تشرين الثاني 2017، بعد الإشتباه بتغيّر أحواله المادية وهو العامل على سيّارة أجرة لتحصيل قوت يومه، إذ استطاع إبن مدينته العميل الموجود خارج لبنان وليد النقوزي الذي كان “إسرائيلياً” بامتياز خلال وجود الإحتلال في صيدا في مطالع ثمانينيات القرن العشرين، تجنيده قبل سنة، طالباً منه بعض المعلومات الأمنية لقاء أجر مدفوع، ومنها مراقبة موكب النائب بهية الحريري تحضيراً لتنفيذ عمل أمني ضدّها، لكنّ الضابط خشي من انكشاف أمره وتذرّع بالمرض للإفلات من طلب اغتيال الحريري قبل أن ينقضّ رجال الأمن العام عليه ويعملوا على توقيفه.
شبكة ثلاثية
وفي شهر تشرين الأوّل 2017، أوقف الأمن العام شبكة ثلاثية غير مترابطة في مناطق برج البراجنة والحدث ودير قوبل، قوامها عبّاس مصطفى سلامة، وكرم أكرم إدريس، وكمال أجود حسن.
فالأوّل سلامة تعرّف إلى العميل سامر جوزف أبو عرّاج في العام 2015 عبر أحد المواقع الإلكترونية، وأخذ يمدّه بتسجيلات فيديو إلتقطها بنفسه في بعض المناطق الجنوبية، وقدّم معلومات عن سياسيين ومراكز تابعة للجيش اللبناني وحزب الله، وحاول استغلال قيامه بالتدريس في إحدى مدارس الضاحية الجنوبية للتقرّب من عناصر في حزب الله والوقوف على معلومات خاصة منهم. وأبو عرّاج مطلوب للقضاء اللبناني بجملة أحكام بينها علاقته مع آخرين باغتيال المسؤول في حزب الله غالب عوالي في حي معوّض في الضاحية الجنوبية في 19 تموز 2004.
والثاني إدريس سار على خطى سلامة، فبدأ تعامله في العام 2015، وقام بتصوير مواقع تابعة لحزب الله في مدينة القصير السورية ومناطق في البقاع اللبناني. أمّا الثالث حسن فانطلق في تعامله في العام 2011 من خلال التواصل مع الناطق الرسمي باسم جيش العدوّ الإسرائيلي أفيخاي ادرعي وآخرين.
خوري
وبالنسبة إلى السوري خوري، فقد أوقف في شهر تموز 2017، بعدما قدم إلى لبنان من مسقط رأسه مدينة حلب في العام 2014 بنيّة التجسّس لمصلحة “الموساد”، إذ كان قد تعرّف خلال وجوده في إحدى الكنائس في بلحيكا في العام 2011 إلى عدد من الأشخاص المنخرطين في “الموساد” بينهم المسؤول عن الكنيسة وهو قسيس إفريقي، وبعد فترة عرض عليه مشغّلاه الظاهران بهيئة عضوين في جمعية خيرية إفتتاح فرع لهذه الجمعية في لبنان واتخاذها غطاء للعمل الأمني وتجنيد الأشخاص، ولم يتوان عن استقبال عناصر من “الموساد” دخلوا الأراضي اللبنانية بهوّيات أجنبية في العام 2015، ورافقهم في بعض المهام بذريعة القيام بجولة سياحية، ومنها معاينة مواقع عسكرية وأمنية تابعة للجيش اللبناني والقوى الأمنية وتصويرها.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 24 – كانون الأوّل 2017).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!