أبرز الأخبارعلم وخبر

“العسكرية” برئاسة العميد خليل جابر تعيد بالقانون الحقَّ لفتاة تعرّضت للإغتصاب وكاد النسيان يلفّ قضيتها/علي الموسوي

المحامي المتدرّج علي الموسوي:
… وتتوالى الحكايات العابقة بالإنسانية من قاعة المحكمة العسكرية في عهد رئيسها العميد الركن الإداري خليل جابر والهيئات العاملة معه من قضاة مدنيين وضبّاط برتبهم المختلفة والقوى العسكرية والأمنية التابعين لها، إذ لا شيء يمنع من تقديم الإنسان على القانون الذي وجد أصلًا لتحريره من موبقات الفوضى والجرائم الضارة بسلامة المجتمع والحياة.
ومهما تمادى المرء في غيّه وضلاله وإجرامه وجرائمه، فإنّ عدالة ربّ العالمين تبقى الأقوى دائمًا وأبدًا، لأنّ الحقّ لا يضيع لديه، لا في الدنيا ولا في الآخرة.
وفي تفاصيل ما ضجّت به قاعة المحكمة العسكرية، حكاية “أمل”(إسم مستعار)، الفتاة الحائزة على بطاقة معوّق من وزارة الشؤون الإجتماعية، والتي خرجت من منزل ذويها إثر خلاف معهم، ونزلت إلى بيروت التي لا تعرفها من قبل وراحت تتنقّل في شوراعها وأحيائها حتّى استقرّ المطاف بها في محلّة المنارة حيث نامت في الهواء الطلق مدّة خمسة أيّام متتالية من دون أن يسأل عنها أحد، أو يفتّش أهلها عنها، ومن دون أن تعرف كيف تدبّر أمورها، فهي صغيرة السنّ ومكسورة الجناح ولم تجرّب المصاعب من قبل.
وفجأة وجدت “أمل” نفسها في مهبّ الحياة تنتظر ما يساعدها على النجاة. وما أصعب الحياة حينما تترك الإنسان وحيدًا، رقيقًا، ضعيفًا، لا يلوي على شيء، لذلك وجب تعليم الأبناء والبنات مواجهة الحياة والتحدّيات بكلّ ما لديهم من عزائم وإرادات!
وصودف مرور الشابين الجندي “أمير” (إسم مستعار) والمدني “سمير”(إسم مستعار) بالقرب من “أمل” خلال التحامها بعزلتها، وخلال تأمّلها في غياهب ضياعها بانتظار الخلاص العذْب كأهْلٍ يأتون على حين غرّة مدجّجين بالعاطفة والحنان ولهفة المشتاق.
تغلّب الوحش المتوغّل في هذين الشابين على الإنسانية التي يفترض وجودها لديهما ككائنين بشريين، وأحدهما لم يكن على قدر البزّة العسكرية وما فيها من شرف ووفاء وتضحية، واقتربا من الفتاة البالغة من العمر ستّ عشرة سنة، محمّلَيْن بنيّة سيّئة وخبث ما بعده خبث، ووقفا على حالها وسطوة التعب عليها وانهيارها، وتمكّنا بفعل الكلام المعسول والمنمّق والمزدان بالرقي والإبتسامات الحانية، من اصطحابها إلى منزل الجندي في محلّة صحراء الشويفات حيث أقدما على ريّ عطشها بما أفقدها وعيها وتركيزها وتناوبا على الاعتداء جنسيًا عليها، فالمدني افترسها مذ بدت علامات الإسترخاء عليها وفضّ بكارتها وهو يعلم بأنّها قاصر، فيما الجندي إنتظر عودتها إلى وعيها وأكرهها تحت وطأة التهديد على ممارسة الجنس معه متذرّعًا بأنّه تمّ التقاط صور لها من دون ثياب، لا بل وهي في أوضاع حميمة. وما أصعب هذه المواقف لفتاة مفعمة بالكرامة والإحتشام. ثمّ ما لبثت “أمل” أن تركت برودة هذا البيت أيضًا و”طفشت” إلى مكان آخر، قبل أن تهتدي إلى منزل ذويها خارج بيروت وتعود مطمئنة راضية على أمل أن يتغلّب النسيان على جور الزمان.
ومرّت الأيّام رتيبة على “أمل”، وأخذت تكبر من دون أن تنسى الفعل الشنيع لهذين الشابين معها في صيف العام 2017، ومن دون أن تفارق ملامحُهما الكريهة بالها وذاكرتها وتفكيرها، فـ”الأسى لا ينتسى” كما يقول المثل، ولكن ما لدى الرحمن لن يطاله الإنسان.
وصودف أنّ “سمير” كان في صدد الإستحصال على سجّل عدلي وقد نسي أنّه مطلوب بجرم اغتصاب الفتاة، وصدور حكم غيابي بحقّه فتمّ توقيفه على الفور، وأحيل على المحكمة العسكرية الدائمة لمحاكمته وجاهيًا. وانهالت الوساطات والتدخّلات من كلّ حدب وصوب متوهّمة أنّ هناك تشابهًا في الإسمين بين هذا “السمير” والآخر غير المعروف الذي قيل إنّه هو المطلوب للعدالة.
وكالعادة في هكذا مواقف، ترافق نعوت البراءة الشخص الموقوف، وتلازمه الأقاويل بأنّ لا علاقة له بالجرم المنسوب إليه، وهو جرم فضّ بكارة فتاة قاصر وإجبارها على ممارسة الدعارة من خلال إحضار أشخاص إلى ذاك المنزل في تلك الصحراء الصاخبة بالناس، وتقاضي الأموال بدلًا عنها وإيداعها في جيبه للتلذّذ بالمباهج والنزوات.
قُدّم طلب رسمي لتقريب موعد جلسة المحاكمة باعتبار أنّ “سمير” بريء، فيما انكبّ رئيس المحكمة العميد الركن الإداري خليل جابر على قراءة الملفّ. ولمّا وجد أنّ هناك اغتصابًا وفعل رذيلة لا يمكن التهاون إزاءه، إتخذ القرار مع أعضاء هيئة المحكمة بالتوسّع بالتحقيق من خلال الإستجوابات وسماع الشهود توصّلًا إلى الحقيقة المتوخّاة باعتبار أنّ الملفّ دقيق وحسّاس، ولا يمكن المرور عليه سريعًا لأنّ الحقّ لا يموت وإنْ طال زمان الوصول إليه.
وفي موعد المحاكمة الجديد، مثل المتهم “سمير” أمام هيئة المحكمة وأنكر أن يكون الفاعل وأنّه الشخص المقصود، معتبرًا بكلّ وقاحة، أنّ هذا الفعل معيب، ولا يمكن أن يُقدم عليه، أو أن يأتيه، مستتبعًا محاولات التملّص بأداء اليمين المغلّظة في مسعى جدّي منه لإقناع المحكمة بأنّه ليس الشخص المطلوب، وكاد أن ينجو!
حيْرَةٌ ما بعدها حيرَة. لكنّ أمرًا ما كان يثير الريبة في نفوس العميد جابر وزملائه في الهيئة الحاكمة والذين لم يكن أمامهم سوى الإصرار على إحضار الجندي كشاهد بغية التحقّق من الواقعة وإدراك الصحيح، والعمل على الوصول إلى مكان وجود الفتاة وإحضارها هي الأخرى لتشهد بالحقّ ولا شيء غير الحقّ، وأنّى لها أن تنسى وأن لا تقول غير الحقّ، وهي التي ذاقت مرارة فعل الإعتداء وترسّخ في ذاكرتها خلال السنوات العجاف من عمرها الندي؟
بين هذه الجلسة وتلك المنتظرة بعد برهة من الزمن، كان “سمير” يعترف لأحد السجناء الوهميين في الزنزانة نفسها، بأنّه هو مغتصب الفتاة، مبديًا استغرابه لإعادة إحياء هذه الجريمة وقد مرّت خمس سنوات على حدوثها تحت جناح الظلم والظلام. إستدرجه هذا “السجين” إلى الإعتراف ولم يعد بالإمكان التفلّت منه أو النكران.
وفي اليوم الموعود، “سمير” و”أمل” وجهًا لوجه مع تبدّل في المواقف. هو قابع في قفص الإتهام. و”أمل” في قاعة المحكمة تستفسر عن سبب حضورها إلى مكان لم تقربه من قبل ولم تقترف ما يستدعي هذا الحضور المصاحب بالقلق والخوف. “سمير” يحاول أن يخفي وجهه عن “أمل” لئلّا تعرفه وقد بدا ذليلًا أكثر من أيّ يوم مضى من عمره. ووطأة الذلّ هنا مضاعفة. فهو القائل خلال استجوابه بأنّ الاغتصاب فعل معيب، ولم يتوان عن حشد الكثير من الوساطات والتدخّلات لإظهار نفسه بريئًا فما هو موقف هؤلاء الوسطاء عندما يدركون أنّه أوهمهم ببراءته وأنّه يتوجّب عليهم ألّا يستعجلوا في تقديم الخدمات إلّا في المكان الصحيح؟
تولّى العميد جابر إخبار “أمل” عن سبب مجيئها، وأفهمها بأنّها أحضرت لكي تأخذ حقّها بالقانون. دمعت عيناها، لا بل أجهشت بالبكاء واهتزّ كيانها واصطكت ركبتاها فهي في موقف لا تحسد عليه. زرع جابر الهدوء في نفسها وطمأنها إلى أنّ العدالة لا تموت وأنّ أحدًا لن يخرج من قاعة المحكمة الملتئمة في جلستها السرّية لدواعي القضية، قبل معرفة الحقيقة وإحقاق الحقّ وهذا عمل القضاء المتسلّح بما يفرضه القانون من أحكام وعقوبات لردع أيّ متطاول ومهما بلغ من الجبروت.
عاد الرجاء إلى “أمل”. إلتفتت إلى الوجوه المقابلة حيث “سمير” و”أمير” ولم تتأخّر في الدلالة عليهما. عرفتهما من نذالتهما ومن نتانتهما. وكرّت سبحة الإعتراف لتختلي هيئة المحكمة بنفسها في غرفة المذاكرة وتصدر حكمًا بالسجن ثلاث سنوات.
“محكمة” – الأحد في 2023/11/26
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!