أبرز الأخبارعلم وخبرميديا

حمدان يُجري أوّل استجواب إلكتروني رباعي من المنزل ويستعين بعنصر أمني لتدوين المحضر/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
ثلاثُ خطوات في عالم الاستجواب الالكتروني الحديث الإستخدام في لبنان بسبب الظروف الإستثنائية للوقاية من فيروس “كورونا”، قام بها قاضي التحقيق في الجنوب حسن حمدان في عملية واحدة وملفّ تحقيق واحد، لم يسبقه إليها أحد منذ أن قرّرت وزارة العدل تنفيذ التحقيق بهذا الأسلوب غير المستعمل سابقاً في لبنان، وذلك أملاً في التخفيف من اكتظاظ السجون والنظارات مع ما يترتّب على ذلك من مسؤوليات إنسانية مضاعفة تجاه أيّ سجين أو موقوف من حقّه أن ينعم بالإجراءات الإحترازية التي تقيه الإصابة بهذا الوباء العالمي.
“فيديو كول غروب”
فالقاضي حمدان أجرى في الأوّل من نيسان 2020، أوّل استجواب إلكتروني رباعي عبر تقنية “فيديو كول غروب”، من دون النزول إلى مكتبه في قصر العدل في صيدا، وإنّما من خلف مكتبه في منزله حيث الحماية الصحيّة متوافرة أكثر من صخب العدليات بعدما تبيّن بالعين المجرّدة وبالأدلّة الملموسة أنّ أهالي الموقوفين على كثرتهم، لا يلتزمون بتدابير منع التجمّعات المفروضة بموجب قرار مجلس الوزراء إعلان”التعبئة العامة” للتخفيف قدر المستطاع من انتشار فيروس “كورونا”، ويواكبون أبناءهم إلى العدليات أفواجاً وزرافات وكأنّ شيئاً من حولهم لا يحدث، مع ما في ذلك من مخاطر التعرّض للإصابة نتيجة الإحتكاك المباشر مع الآخرين.
عنصر أمني يكتب المحضر
ومَثَل الموقوف لدى قوى الأمن الداخلي أمام حمدان مخفوراً من دون قيد عبر تقنية الصوت والصورة والفيديو في نقل مباشر من مكان التوقيف لدى فصيلة عدلون. ولم يكتف حمدان بذلك، بل استعان بعنصر أمني لتحرير محضر الإستجواب وتدوين الأسئلة والأجوبة حرفاً فحرفاً، وذلك في أوّل تجربة من نوعها في مرحلة الإستجواب عن بُعْد يقوم بها قاض لبناني.
فكلّ الخطوات المماثلة التي قام بها قضاة التحقيق في مختلف المحافظات اللبنانية، إقتصرت على إجراء الاستجواب الإلكتروني من خلال وجود القاضي في مكتبه في قصر العدل، وفي حضور الوكيل القانوني للمدعى عليه، ومحامي المدعي الشخصي في حال وجود ادعاء شخصي، ومندوبة الأحداث إذا ما كان المدعى عليه قاصراً، وقيام المساعد القضائي بتدوين محضر الإستجواب، على أن يكون المدعى عليه ماثلاً في غرفة لدى الضابطة العدلية، فصيلةً كانت أو مخفراً، أو وجود المحامي مع موكّله الموقوف في الغرفة نفسها كما حصل في استجواب قام به قاضي التحقيق في جبل لبنان حنّا البريدي وكان المحامي جهاد عبدالله ماثلاً مع موكّله في غرفة التحقيق لدى فصيلة برج حمود كما أشارت “محكمة” في خبر نشرته عن هذا الأمر يوم الجمعة الواقع فيه 27 آذار 2020.(راجع الرابط التالي:

البريدي يستجوب موقوفاً عبر “video call” ويتركه


المادة 55
لكن ما فعله القاضي حمدان يتمثّل بتدابير إحترازية لا غنى عنها في مثل هذه الظروف الإستثنائية، وهي مطابقة لشروط السلامة العامة وأحكام القانون والتعاميم الصادرة بهذا الخصوص عن وزيرة العدل الدكتورة ماري كلود نجم، ورئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي سهيل عبود، والنائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات، ولكنّ حمدان ارتأى في ظلّ ملازمته لمنزله وعدم وجود كاتبه المساعد القضائي معه، تكليف الرقيب أوّل ع.ع. القيام بمهام كاتب المحضر بعدما حلف اليمين القانونية بأن يقوم بعمله بأمانة وإخلاص وأن يحافظ على سرّية التحقيق.
واستند القاضي حمدان في سلوك هذا الإجراء غير المسبوق في الإستجواب الإلكتروني، إلى نصّ المادة 55 من قانون أصول المحاكمات الجزائية التي تجيز لقاضي التحقيق أن يستعين بكاتب من أفراد الضابطة العدلية شرط أن يؤدّي اليمين وينجز عمله بصدق، ويصون ما يسمعه ويدوّنه ولا يبوح به لارتباطه بتحقيق سرّي لا يجوز إفشاؤه ونشره قبل صدور القرار الظنّي على أقلّ تقدير.
وما هذا التصرّف من القاضي حمدان، إلاّ إجتهاد مؤقّت في ظلّ الظروف الإستثنائية وفي مسعى منه للتخفيف من المخاطرة بالأرواح، وإنْ كان النصّ القانوني المشار إليه آنفاً حدّد لقاضي التحقيق الإستعانة بأحد عناصر الضابطة العدلية في حالة الجريمة المشهودة وانتقاله شخصياً إلى مكان وقوع الجريمة، غير أنّ حمدان وكما يتبدّى من لجوئه إلى هذه الإستعانة الظرفية، وجد أنّ فلسفة حالة الضرورة المعاشة حالياً نتيجة “كورونا” وضرورة ضبط الأدلّة والظرف الاستثنائي يمكن القياس عليها ما دامت الغاية واحدة وهي تحقيق العدالة من دون أيّة أضرار، خصوصاً وأنّ القياس في الأصول الجزائية جائز بعكس ما هو عليه الأمر في قانون العقوبات حيث الإلتزام بالنصّ الواضح والصريح غير قابل للجدل والإجتهاد.
تعميم عويدات
ولم تتحدّث تعاميم وزيرة العدل والقاضي عبود عن الإستعانة بعنصر من الضابطة العدلية، إذ إنّها أوردت على سبيل المثال في تعميم عبود الرقم رقم 67 ص ق/2020 تاريخ 27 آذار 2020، أنّ محضر جلسة الإستجواب عن بُعْد يُنظّم وفقاً للأصول، من قبل كاتب قاضي التحقيق القائم بالإستجواب.
ولكنّ حمدان وجد ضالته أيضاً بالإضافة إلى المادة 55 أ.م.ج. المحكى عنها، في تعميم صادر عن القاضي عويدات في 23 آذار 2020 يحدّد الآلية المناسبة لإجراء الإستجواب الإلكتروني، حيث ورد حرفياً في الفقرة(أ) من النقطة الثانية أنّه”يحلف عنصر قوى الأمن اليمين القانونية ويكلّف بكتابة المحضر بتواجد المنوي استجوابه”.
ولا شكّ أنّ تعميم عويدات كنائب عام تمييزي غير ملزم لقاضي التحقيق، ولكنّه يصبّ في إطار الغطاء المعنوي، علماً أنّ القياس في القانون جائز كما فعل حمدان بالإستناد إلى المادة 55 أ.م.ج. المذكورة.
تكثيف جلسات التحقيق
كما أنّ طريقة الإستعانة بعنصر أمني ليكون كاتباً لمحضر الإستجواب، تساعد كثيراً في تكثيف جلسات التحقيق لدى قضاة التحقيق الذين لا يعودون مضطّرين إلى الإلتزام بتوقيت معيّن يفرضه وجود المساعد القضائي ضمن دوامه الرسمي، ولا يعودون أيضاً، ملزمين بجدول المناوبة الموضوع في هذه الحالة الإستثنائية، وهذا ما يسرّع في النظر في الملفّات المتعلّقة بموقوفين، ويفضي إلى تخفيف الإكتظاظ في السجون والنظارات وطبعاً بحسب الجرم المنسوب إلى المدعى عليه الموقوف وما إذا كان بمقدور قاضي التحقيق في ظلّ معطيات التحقيق المتوافرة لديه، أن يخلي السبيل، أو يبقيه قيد التوقيف الإحتياطي.
تخفيف أعداد الموقوفين
مع الإشارة إلى أنّ الفصائل والمخافر لا تخلو على الإطلاق، على مدار الأربع والعشرين ساعة، من وجود عناصر قادرة على تنفيذ مهمّة تدوين محاضر الإستجواب، وهي لن تتردّد في تأمين هذه العناصر، طالما أنّ الفكرة العامة تنطلق من قاعدة التعاون بين السلطة القضائية والقوى الأمنية الرسمية، وتصبّ في خانة تقليص أعداد الموقوفين لدى هذه الفصائل والمخافر والمفارز والمكاتب الأمنية، والتخفّف من مسؤولية إبقائهم موقوفين في ظلّ المخاوف الناشئة من عدم القدرة على استيعاب فيروس”كورونا” واحتوائه بالشكل المناسب كما يتبدّى من القرارات الحكومية والوزارية المتتابعة والساعية إلى إيجاد إلتزام تام بالتعبئة العامة، والتخفيف من حركة الناس والسيّارات في الشوراع وعلى الطرقات.
قضاة النيابات العامة
أمّا بشأن بقاء حمدان في منزله وعدم الإنتقال إلى مكتبه، فلا شيء من الناحية القانونية يمنع هذا التصرّف على غرار ما يفعل قضاة النيابات العامة خلال مناوبتهم وأيّام العطلة الأسبوعية وفي المناسبات حيث يتابعون عبر هواتفهم ما يصلهم من مكالمات من القوى الأمنية بشأن الشكاوى والتحقيقات الجارية لديها في مختلف أنواع الجرائم.
وفتح القاضي حمدان أربع شاشات على الهاتف الواحد عبر تطبيق “واتساب” مستخدماً تقنية “فيديو كول”(video call)، فمثل المدعى عليه م.ب. وحضرت وكيلته المحامية سامية دعموش من مكتبها ووكيل المدعي المحامي ربيع عبود من مكتبه، والقاضي حمدان من منزله، وتلي الإسناد على المدعى عليه لجهة قيامه بجرم الاحتيال، وجرى الإستجواب بشكل طبيعي دون أيّة معوّقات على الرغم من أنّ أغلبية القطع الأمنية التابعة لقوى الأمن الداخلي لا تملك خدمة الانترنت، ثمّ وقع المدعى عليه المحضر بشكل طبيعي وأرسل إلى حمدان الذي توّج هذه الجلسة الرباعية بالموافقة على إخلاء سبيل المدعى عليه مقابل كفالة مالية.
“محكمة” – الأحد في 2020/4/5
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!