مقالات

قضيّة العميل عامر الفاخوري بين الواقع والقانون/ضياء الدين زيباره

المحامي ضياء الدين محمّد زيباره(باحث قانوني):
“مصدوم لدخول العميل عامر الفاخوري الأراضي اللبنانية” هذه العبارة الموجزة التي قالها دولة الرئيس الأستاذ نبيه بري هي لسان حال أغلب اللبنانيين.
فكيف نسج العميل العائد رقم 1 – بعدما صدحت بعض الأصوات منادية بعودة العملاء – خيوط العودة؟
ومن تجرأ على إسقاط الحكم الصادر بحقّه عن المحكمة العسكرية عام 1996 بمرور الزمن في سابقة قضائية في مثل هذا النوع من القضايا؟
ومن عمل على شطب اسمه عن البرقية رقم 303 التي تصدر بحقّ كلّ من تعامل وحتّى بحقّ من دخل للعمل في مجال الزراعة؟ في وقت أنّ العديد ممن أجبروا على التجنّد في صفوف ما سمّي “جيش العميل لحد” وممن عملوا داخل فلسطين المحتلة ما زالت أسماؤهم قيد التعميم؟
فمحتوم أنّ أيّ موظّف في الجمهورية اللبنانية مهما علت مكانته أو مهمّته لا يتجرأ على القيام بما تقدّم، ما لم تتبن جهة سياسية مهمّة تسهيل الأعمال المشار إليها في سياق الأسئلة المتقدّمة .
هذا في باب الواقع،
أمّا في باب القانون، فيتبيّن من خلال خلاصة الحكم الصادرة بحقّه والمنشورة في الجريدة الرسمية الصادرة بتاريخ 1996/8/29 أنّه صدر بحقّه حكم بالأشغال الشاقة لمدّة خمسة عشر عاماً بجرم “إجراء اتصال بالعدوّ الإسرائيلي وعملائه” أيّ الجرم المنصوص عليه في المادة 278 من قانون العقوبات وهذا نصّها: ” كلّ لبناني قدّم مسكناً أو طعاماً أو لباساً لجاسوس أو لجندي من جنود الأعداء يعمل للاستكشاف أو لعميل من عملاء الأعداء أو ساعده على الهرب أو أجرى اتصالاً مع أحد هؤلاء الجواسيس أو الجنود أو العملاء وهو على بيّنة من أمره، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقّتة”.
الغريب أنّ عميلاً بهذا الحجم لم تعد محاكمته بعد التحرير عام 2000 بجرم آخر متحقّق وهو جرم المادة 275 عقوبات ” كلّ لبناني دسّ الدسائس لدى العدوّ أو اتصل به ليعاونه بأيّ وجه كان على فوز قوّاته عوقب بالإعدام”. فالعميل الفاخوري بصفته السابقة كـ” قائد الشرطة العسكرية التي كانت مولجة حراسة معتقل الخيام” هو بحكم موقعه، من العملاء الذين دسّوا الدسائس وعاونوا العدوّ خلال فترة الإحتلال في اعتقال المقاومين وتعذيبهم وبالتالي يتوفّر بحقّه جرم هذه المادة.
الوضع القانوني الحالي لا سيّما بعد اكتساب الجنسية الإسرائيلية :
من الثابت أنّ العميل الفاخوري يحمل الجنسية الإسرائيلية أيّ جنسية كيان معاد، ورغم أنّ القوانين اللبنانية لا سيّما قانون العقوبات وقانون الجنسية اللبنانية لم يقاربا مفاعيل هذه المسألة بشكل صريح، إلاّ أنّ المستقرّ عليه لدى المحكمة العسكرية إنسجاماً مع النصوص القانونية الواردة في قانون العقوبات تحت بندي الخيانة والتجسّس، أنّ اكتساب الجنسية الإسرائيلية هو حكماً إصرار على المضي قدماً في طريق الخيانة إلى درجة التخلّي عن الوطن، وهذا ما يؤكّده قانون الجنسية الإسرائيلية الصادر في 1952/7/14 الذي أقرّ انسجاماً مع عنصرية الكيان الصهيوني والذي يشترط أداء يمين الولاء لدولة إسرائيل عند منح الجنسية .
فقد نظّمت المواد من 5- 8 منه مسألة “الجنسية بحكم التجنّس” حيث اشترط القانون في المتجنّس أن يكون موجوداً في إسرائيل (بلاد العدوّ) ، وأقام فيها ثلاث سنوات من السنوات الخمس السابقة لتقديم طلبه، ومؤهّلاً للإقامة في إسرائيل بشكل دائم، واستقرّ، أو ينوي الإستقرار فيها، وأن يكون ملمّاً باللغة العبرية، وأن يتنازل عن جنسيته الأصلية عند اكتسابه الجنسية الإسرائيلية.
فإذا توفّرت تلك الشروط، فإنّ وزير الداخلية يمنحه الجنسية “إذا استنسب ذلك” ، وقبل منحه الجنسية يجب عليه أداء يمين الولاء لدولة إسرائيل ، كما أنّ أولاد المتجنّس يلحقون به بمجرّد اكتسابه الجنسية الإسرائيلية.
وعليه، فإنّ اكتساب العميل الفاخوري الجنسية الإسرائيلية وقسمه على الولاء لدولة اسرائيل يحقّق جرم الخيانة المستمرّة بحقّه وبحقّ أولاده ويوفّر عناصر وأركان العديد من المواد الواردة ضمن بند الخيانة في قانون العقوبات اللبناني.
يذكر في هذا المجال أنّ محكمة التمييز اللبنانية وفي حكم مبدئي اعتبرت “أنّ ذهاب لبناني إلى المكتب الإسرائيلي في اشكالون وتسجيل اسمه هناك بعد التحرير وتقاضيه قبل عودته إلى لبنان تعويضاً من السلطات الاسرائيلية يؤلّف قرائن من شأنها توفير القناعة على استمرار علاقته بالميليشيات العميلة ويقطع مرور الزمن على دعوى الحقّ العام”.
فورد عنها:”حيث إنّ القرار المطعون فيه قد استند فقط إلى ما أدلى به المدعى عليه في التحقيقات الأوّلية والاستنطاقية من أنّه ترك ميليشيا لحد في شهر حزيران 1990 لينتهي إلى اعلان سقوط دعوى الحقّ العام عنه والتي لم تحرّك إلاّ بعد انقضاء أكثر من عشر سنوات على التاريخ المذكور.
وحيث إنّ ذهاب المدعى عليه إلى المكتب الإسرائيلي في اشكالون وتسجيل اسمه هناك بعد التحرير وتقاضيه قبل عودته إلى لبنان تعويضاً من السلطات الاسرائيلية قدره/7.400/د.أ. يؤلّف قرائن من شأنها توفير القناعة على استمرار علاقته بالميليشيات العميلة كأحد عناصرها حتّى التحرير، وبالتالي تقويض اعترافه لجهة تحديد تاريخ انقطاعه عن التجنّد في تلك الميليشيات في شهر حزيران من عام 1990 إذ إنّه لو كان صحيحاً ما ذكره لهذه الناحية وأنّه دخل إسرائيل فقط للعمل بعد التاريخ المذكور، فإنّه ليس ما يبرّر تقاضيه تعويضاً عن السلطات الإسرائيلية ممّا يفيد أنّ تجنّده في ميليشيات العدوّ قد استمرّ إلى تاريخ التحرير في 2000/5/25، وبالتالي فإنّ دعوى الحقّ العام التي حرّكتها النيابة العامة بموجب ورقة الطلب رقم… تاريخ 2001/12/13 لا تكون ساقطة بمرور الزمن العشري”.(محكمة التمييز – السادسة – رقم 56 تاريخ 2002/2/28- الرئيس رالف رياشي والمستشاران خضر زنهور وبركان سعد).
“محكمة” – الأحد في 2019/9/15

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!