أبحاث ودراسات

مزارع شبعا لبنانية/رشا أبو حيدر

رشا أبو حيدر:
حدد الدستور اللبناني ما يعتبر أرضاً لبنانية، عندما نص في مادته الأولى على حدود الدولة وأراضيها. ولكن في ظل الاحتلال الإسرائيلي فقدت هذه المادة كثيراً من معانيها، وبالتالي خسر لبنان أجزاء كبيرة من أرضه، مما جعله يطالب الأمم المتحدة بحقه في استردادها. وكان له ما أراد من خلال التدخل اللبناني الرسمي ممثلاً بالأستاذ غسان تويني الذي كان وراء صياغة القرار 425 الذي خوّل لبنان حقّاً قانونياً ودولياً للمطالبة باستعادة أراضيه المحتلة عام 1978. وكذلك القرار 426 الذي يؤكّد وجوب العودة الى خط الهدنة، أي تكريس الوضع الذي كان سائداً قبل الاحتلال الإسرائيلي للجنوب وينص على انسحاب إسرائيلي كامل وغير مشروط من جميع الأراضي اللبنانية المحتلة، بدون مفاوضات، والمادة الخامسة من القرار تؤكّد على الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين ومن ضمنها مزارع شبعا. فضلًا عن اتفاقية الهدنة لعام 1949 التي اعتبرت ان خط الهدنة هو خط الحدود الدولية بين لبنان وفلسطين وهو ما يستتبع اعتبار شبعا وتلال كفرشوبا أراض لبنانية.
من هذا المنطلق تبرز إشكالية قديمة جديدة تتعلق بمزارع شبعا: هل هي أراض لبنانية أم سورية؟ في حال اعتبارها لبنانية طبق عليها القرار 425 وتوابعه. أما في حال اعتبارها سورية فيكون القرار 242 الواجب التطبيق، الذي نص بصيغته الإنكليزية على التفاوض حول الانسحاب من أراض عربية محتلة، وليس من كل الأراضي العربية المحتلة. إن القرار 1559 لم يشر الى القرار 242 الذي ينص، على الانسحاب الإسرائيلي من الأراضي العربية المحتلة عام 1967. أما إذا اعتبرت المزارع سورية فإن القرار 242 يشملها بالتأكيد، وتصبح هذه المنطقة خاضعة للمفاوضات العربية الإسرائيلية وما يترتب عليها من تسوية شاملة!
إن إسرائيل تدّعي أن تنفيذ القرار 425 تم تنفيذه بالكامل، وأن لا علاقة لها من حيث المبدأ بمزارع شبعا، لأنها قضية عالقة بين لبنان وسوريا. وقد صرح أحد المسؤولين الإسرائيليين بأن:” من الممكن أن تحل هذه القضية في إطار مفاوضات سلام مع سوريا ولبنان. إن هذه القضية لبنانية سورية “. ومن هذا المنطلق أصبح ترسيم الحدود بين الدولتين العقدة الأكثر صعوبة.
إن مسألة الحدود بين لبنان وسوريا ليست جديدة، فالتاريخ يذكر أن بينهما عُقداً تبحث عن حل منذ ما قبل الاستقلال. وكان بعض المسؤولين فيها يعتبرون أن لبنان فائض جغرافي.
في العام 1946، طالب رئيس الجمهورية اللبنانية، الشيخ بشارة الخوري، بضرورة ترسيم الحدود بين البلدين. وشكلت لجنة لبنانية – سورية لهذا الخصوص، ولكن سرعان ما أوقفت أعمالها لاعتبارات سياسية أو لأغراض أخرى لم يتم الكشف عنها. وبعد أعوام عاودت اللجنة المشتركة العمل على ترسيم الحدود، ولكنها توقفت أيضاً دون معرفة الأسباب. وبعدها اندلعت الحرب الأهلية اللبنانية.
وفي مرحلة لاحقة عاود رئيس الحكومة اللبنانية السابق فؤاد السنيورة طرح قضية ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا ،مدعّماً ذلك بالخرائط والوثائق والمحاضر الموجودة لدى الخارجية الفرنسية والمودعة في الأمانة العامة للأمم المتحدة.
وفي أيلول 2005، وجه رئيس الحكومة اللبنانية فؤاد السنيورة رسالة إلى الأمين العام للمجلس السوري اللبناني الأعلى يطلعه فيها على خلافات جرت بين مزارعين لبنانيين وسوريين حول ملكية أراض على طول الحدود، ويقترح إعادة تفعيل لجنة الحدود المشتركة بناءً على توصية اللجنة العربية المشتركة. وفي تشرين الثاني 2005، أبلغ رئيس الوزارة السورية نظيره اللبناني، من خلال الأمين العام للمجلس السوري اللبناني الأعلى، نصري الخوري، أن سوريا وافقت على إعادة تفعيل لجنة الحدود المشتركة، لكنه وضع مجموعة من الشروط تشمل ترسيم الحدود على خمس مراحل، أهمها المرحلتان التاليتان:
1. عملية الترسيم تبدأ بالحدود البحرية والبرية في الشمال قبل المتابعة نحو منطقة العشائر.
2. عدم ترسيم الحدود في المناطق التي تحتلها إسرائيل، وبالأخص مزارع شبعا. فقد اشترطت سوريا عدم ترسيم الحدود في المناطق المحتلة إلا بعد التوصل إلى اتفاق عادل وشامل وانسحاب المحتل الإسرائيلي منها. وردّ رئيس الحكومة اللبنانية على هذا البند بالقول:” أنه من الضروري إنشاء آلية مشتركة لترسيم الحدود بين البلدين الشقيقين بالتعاون مع الأمم المتحدة، لأن من شأن هذا أن يساهم في تحرير المزارع من الاحتلال الإسرائيلي”. واقترح عوضاً عن هذا البند:” ترسيماً عاجلاً وشاملاً يشمل مزارع شبعا نظراً إلى أهميتها الوطنية مما يتطلب جهوداً مشتركة وعاجلة لاتخاذ الخطوات العملية الضرورية لإرساء هذه الآلية في سبيل إنجاز هذا العمل الوطني المهم في أقرب فرصة”.
إن مسألة ترسيم الحدود تقتضي توضيح ما هي الأراضي المتنازع عليها بين لبنان وسوريا، أي تحديد مزارع شبعا والمزارع الملحقة بها؟
وكان للدكتور عصام خليفة رأي جازم حول ملكية لبنان لمزارع شبعا وتلال كفر شوبا مدعماً بالخرائط من أيام الانتداب الفرنسي حيث أورد في كتاباته: “إن شبعا ومزارعها هي وحدة عقارية، سكانية وإدارية. أما أسماء المزارع التي تشكل جزءاً لا يتجزأ من قرية شبعا فهي: برختا، وبيت البراق، وكفر دورا، ومشهد الطير، ورمثة، وزبدين، وقفوي، والمغر، وخلة غزالة، وفشكول، وبسطرا الرابعة، ومراح الملول، وكرم الزيتوني، وجبل الروس، والنقار”.
ولكن، ما هي المواقف المختلفة من قضية مزارع شبعا؟
– الموقف الدولي من قضية مزارع شبعا:
إن المواقف الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي أكدت أن مزارع شبعا سورية. وهذا ما ورد على لسان الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان عام 2002 الذي أكد: ” أن هذه المزارع سورية وليست لبنانية”. في حديث آخر له أكد:” أن منطقة المزارع ينطبق عليها قرار مجلس الأمن الرقم 242، وقد تبنى مجلس الأمن هذا الموقف “. وفي تقرير له أيضاً، أكد:” أن الخط الأزرق الذي وضعته الأمم المتحدة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية تنفيذاً للقرار 425، اعتبر في ما بني عليه من خرائط (لبنانية، وسورية، وعالمية) أن مزارع شبعا تقع داخل سوريا، وهذا ما تم تأكيده في 75 خريطة من أصل 81، بينها 25 خريطة صادرة عن الحكومتين اللبنانية والسورية “.
وكذلك فعل موفد الأمين العام للأمم المتحدة تيري رود لارسن عندما اعتبر أن المزارع سورية، وأضاف:” أن تعديل موقف الأمم المتحدة من مسألة مزارع شبعا مرتبط بضرورة وجود خريطة، مقرونة بموافقة لبنان وسوريا عليها، تثبت حق لبنان بالمزارع “.
وفي تقريره انصف السنوي الثاني الذي رفعه إلى مجلس الأمن الدولي حول تنفيذ القرار 1559، قال لارسن: “إن أراضي مزارع شبعا ليست جزءاً من لبنان. لذلك فإن أي مقاومة لبنانية لتحرير المنطقة من الاحتلال الإسرائيلي المستمر لا يمكن أن تعتبر شرعية، حتى لو ادعى اللبنانيون ملكية مناطق مزارع شبعا “!
– الموقف اللبناني من ملكية مزارع شبعا:
يؤكد الموقف اللبناني الرسمي لبنانية مزارع شبعا، مدعوماً بالوثائق والأدلة القانونية، فخريطة لبنان الرسمية والصادرة عن مصلحة الشؤون الجغرافية والجودزية الموجودة لدى قيادة الجيش اللبناني لعام 1962 وفي كل الدوائر الرسمية، والمبلغة الى الأمم المتحدة، والموجودة في مختلف الأطالس المحلية والإقليمية والعالمية، كلها تؤكد لبنانية هذه المزارع، حتى أن صكوك بيع الأراضي والأملاك كلها، والموجودة حالياً، مختومة من المراجع اللبنانية المختصة. وأكد الدكتور عصام خليفة أنه:” يملك كتاباً يؤكد لبنانية المزارع مستنداً إلى وثائق رسمية فرنسية”.
وكان للدكتور محمد المجذوب موقف من هذه القضية عندما تساءل عما إذا كان للتصريحات التي يدلي بها المسؤولون في الدول، في مناسبات معينة، قيمة مساوية للقيمة القانونية التي تنطوي عليها الوثائق المكتوبة. فبالاستناد إلى سوابق الاجتهاد الدولي، يبدو أن طابع الالتزام والإلزام في تصريحات المسؤولين أصبح من القواعد الراسخة في أحكام محكمة العدل الدولية. ففي الحكم المتعلق بالنزاع بين النروج والدانمرك حول السيادة على إحدى الجزر استندت الدانمرك، في مرافعتها أمام محكمة العدل الدولية الدائمة (في عهد عصبة الأمم) إلى تصريح شفوي صادر عن وزير خارجية النروج بشأن احترام السيادة الدانماركية على الجزيرة. واعتبرت المحكمة، في حكمها الصادر في 1933/5/11، أن هذا التصريح ملزم لحكومة النروج.
وعندما أثيرت مسألة ملكية مزارع شبعا، بعد العدوان الإسرائيلي على لبنان في 2006/7/12، استند الدكتور محمد المجذوب إلى تصريحات المسؤولين السوريين لإثبات إلزامية هذه التصريحات. وكان آخرها تصريح وزير الخارجية السورية السابق، في 2006/8/7 ، قبيل انعقاد مؤتمر الوزراء الخارجية العرب في بيروت، وقد تضمن تصريحه إقراراً واضحاً بأن تلك المنطقة أرض لبنانية.
ولكن المؤسف أن مجلس الأمن لم يتبنّ، في قراره 1701، الطلب اللبناني، ولم يعتدّ بالإقرار السوري، واكتفى باعتبار مزارع شبعا من ” مناطق الحدود المتنازع عليها أو غير المؤكدة “.
– الموقف السوري من ملكية المزارع:
صدرت مواقف سورية عديدة أكدت لبنانية مزارع شبعا. فالرئيس السوري بشار الأسد أكد، في الخطاب الذي ألقاه في مؤتمر القمة العربية، المنعقد في القاهرة (تشرين الأول 2000) ” أن مزارع شبعا هي لبنانية “. وفي مقابلة له مع الصحيفة الفرنسية “الفيغارو” في 2001/6/23 قال:” بحسب القانون الدولي، يقع على عاتق الدول المتجاورة أن تحدد وضع أرض ما بعد انتهاء المناقشات، يجب تسجيل الاتفاق لدى السلطات الدولية. في حالة مزارع شبعا، إنها المسؤولية الحصرية لسوريا ولبنان، ولا يحق لأي طرف ثالث أن يتخذ موقفاً حول هوية مزارع شبعا “. وكان نائب الرئيس السوري فاروق الشرع، قد أرسل رسالة الى الأمين العام للأمم المتحدة أكد فيها لبنانية المزارع. جاء التأكيد أيضاً من المندوب السوري في الأمم المتحدة (ميخائيل وهبة)، عندما قدم في 2000/10/24 وثيقة لا تترك مجالاً للشك في لبنانية مزارع شبعا.
على الرغم من هذه التصريحات السورية المتعددة والصريحة، فإن الكثيرين يتمنون اقتران الأقوال بوثائق رسمية، مثل وضع خارطة لحدود سوريا الدولية مع لبنان تظهر فيها مزارع شبعا جزءاً من الأراضي اللبنانية.
والجدير بالذكر أن مزارع شبعا تقع على خط المجرى المائي لنهر الدان، وهو شريان مائي مهم بالنسبة إلى الكيان الإسرائيلي، ووضع اليد السورية على هذه المزارع خلال 40 عاماً تقريباً، وضمها وسواها الى الخريطة السورية عام 1962، جعل منها سورية بمقتضى الأمر الواقع (De Facto)!
“محكمة” – الأحد في 2024/1/21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!