مقالات

مجلس الشورى بحاجة إلى شورى .. والقاضي نصر صار موظّفاً في القصر!/عوني الكعكي

كتب عوني الكعكي*:
مجلس شورى الدولة، مؤسّسة قضائية محترمة جدّاً، نفتخر بوجودها في لبنان، خصوصاً وأنّ لبنان يتميّز عن بقيّة الدول العربية بالحرّيات، التي تبدأ بالحرّية الإعلامية، ولا تنتهي بحرّية القضاء العادل والشفّاف.
لكنّ هذه المؤسّسة تتعرّض الآن، كما تعرّضت من قبل لاهتزاز بعد تعيين محام فيها، دخل وخرج بالواسطة… هذا المحامي معروف بنقل “البندقية” من كتف إلى كتف، فتراه يتنقّل من زعيم إلى زعيم، ضمن قاعدة “أنا مع الواقف”.
وكي لا يذهب الصالح “بعزا” الطالح نريد أن نقول إنّه عند تعيين القاضي الأستاذ طنوس مشلب رئيساً للمجلس الدستوري كان من أفضل وأنزه القضاة في تاريخ القضاء اللبناني.
طبعاً نحن هنا لا نريد ترك الأمور “فلتانة” بل إنّ علينا واجب المراقبة والمحاسبة.
بدأت القصّة الفضيحة حين أصدر وزير التربية في حكومة تصريف الأعمال طارق المجذوب قراراً قضى بإقالة الدكتورة ندى عويجان من مهامها بإدارة المركز التربوي للبحوث والإنماء. لكنّ مجلس شورى الدولة أصدر قراراً إعدادياً قضى بوقف تنفيذ القرارات الأربعة التي كان أصدرها الوزير.
أوّلاً: جاء القرار الصادر عن الغرفة الرابعة برئاسة القاضي يوسف نصر، نتيجة المراجعة التي قدّمتها رئيسة المركز التربوي للبحوث والإنماء الـمُقالة، متهمّة الوزير بالتزوير ومخالفة القوانين.
هذا وقد فوجئت الأوساط التربوية والقضائية المتابعة لقضيّة المركز التربوي بقرار مجلس شورى الدولة بإيقاف تنفيذ قرارات وزير التربية والتعليم العالي التي أعاد بموجبها الدكتورة ندى عويجان إلى ملاكها في الجامعة اللبنانية بسبب عدم قانونية وجودها في هذا المنصب.
ويعيد المراقبون سبب اتخاذ مجلس الشورى قراره هذا إلى تصريح الوزير ببدء تصحيح المسار المنحرف الذي ساد في المركز التربوي، والبدء أيضاً باتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية اللازمة تجاه ما تكشّف من ارتكابات في الوزارة.
ثانياً: إنّ الغرفة المذكورة في مجلس الشورى، اتخذت قرارها الإعدادي المطلوب الرجوع عنه، وقرّرت وقف تنفيذ قرارات الوزير الأربعة المطعون فيها، بما فيها القرار الأساسي المطعون فيه رقم 304/2020 الذي قد تمّ استرداده وخرج بالتالي كلّياً من الإنتظام القانوني، وحيث إنّه بزوال موضوع المراجعة الأساسي لا يجوز الإستمرار بالسير بها بحجّة وجود طلب إضافي هو الطعن بالقرارات اللاحقة لأنّ زوال الأصل يترتّب عليه زوال الفرع، لم تتسلّم لوائح المستدعية التي تضمّنت طلبها الإضافي بشأن القرارات اللاحقة، ولم يتسنَّ لها بالتالي الإجابة على ما ورد فيها من حجج ساقطة. إلاّ أنّ الغرفة أقدمت على وقف تنفيذ القرارات من دون سماع رأي الإدارة وهذا يشكّل مخالفة للمادة 77 من نظام مجلس شورى الدولة.
إستناداً إلى هذه المعطيات يتبيّـن بوضوح أنّ القرار الإعدادي مشوب بعيوب قانونية جسيمة، ويجب الرجوع عنه من دون إبطاء. وقد كلّف وزير التربية هيئة القضايا في وزارة العدل طلب الرجوع عنه.
إشارة إلى أنّه تمّ تكليف الدكتور جورج نهرا بتسيير أمور المركز.
ثالثاً: قد يكون قرار مجلس شورى الدولة ردّاً على ما قام به الوزير من إيقاف للقاضي كارل العيراني، المنتدب إلى وزارة التربية منذ خمس سنوات، وهو يعمل عند صونيا خوري مستشاراً… ما دفع بمجلس الشورى الى إيقاف القاضي سميح مداح الذي يعمل مستشاراً في وزارة التربية، ويعمل أيضاً في لجنة المعادلات لقاء مبالغ يتقاضاها.
حرب إيقاف القضاة بين المجذوب ومجلس الشورى قد يكون سبباً في إيقاف قرارات الوزير، بحجّة أنّ القاضي المنتدب، ينتدب لفترة محدّدة لا لسنوات.
رابعاً: في مقارنة لما حدث مع الدكتورة عويجان وهي موظّفة لم تكن في الملاك بل عيّنت من خارج الملاك مع مديرة الوكالة الوطنية للإعلام السابقة لور سليمان… فهي أيضاً كانت مكلّفة من خارج الملاك، وقد عيّنت في عهد الرئيس السابق ميشال سليمان، وعندما أقالها وزير الإعلام يومذاك جمال الجرّاح لجأت إلى مجلس الشورى، فردّ تظلّمها وقال بأنّه لا تنطبق عليها شروط الموظّفة لأنّها من خارج الملاك، وكان مجلس الشورى في ذلك الوقت برئاسة القاضي يوسف نصر. فلماذا قرّر مجلس الشورى اليوم وبرئاسة القاضي يوسف نصر نفسه قبول تظلّم عويجان وهي مكلّفة أيضاً من خارج الملاك؟
ذلك يعني أنّ هناك ناساً بسمنة وآخرين بزيت.
وهناك صيف وشتاء فوق سطح واحد.
فهل يمكن تصديق ما يصدر عن مجلس شورى الدولة؟
ويتساءل الكثيرون: لماذا التشكيك بالقضاء؟
الجواب نجده في كلّ ما يحصل من أعاجيب تصدر عن مجلس الشورى المذكور.
إنّ ما حدث وما يحدث اليوم يجعلنا نتذكّر الماضي بحسرة، إذ رحم الله أيّام زمان، أيّام قضاة مجلس شورى الدولة الكبار الذين مرّوا على القضاء الإداري، وتركوا بصمة مميّزة ونادرة في محورية اجتهادات مجلس الشورى بقرارات إدارية بطابع موضوعي لا شخصي..
وعلى سبيل المثال لا الحصر نذكر القضاة:
وفيق القصار
جواد عسيران
جوزيف شاوول
حسن الحاج
إسكندر فياض
غالب غانم
وغيرهم الكثير لا مجال لذكرهم أغنوا القضاء الإداري باجتهاداتهم…
لكن ما نعيشه اليوم يجعلنا نتساءل: هل نحن أمام تقلّبات الجوّ والطقس، علينا أن نعيش صيفاً وشتاء على سطح واحد؟
إنّه القاضي يوسف نصر… واجتهاد العصر، على مطلب وتمنّيات القصر!
فتارة يرفض وقف التنفيذ في مراجعات واضحة بمستندات راجحة ومعطيات سانحة!
وطوراً يوقف التنفيذ في مراجعات متأرجحة من دون مستندات، ويطالب بتزويده بالقرارات بمختلف المستويات.
فإذا صاحب السلطة اتصل، وقف التنفيذ حصل..
وإذا صاحب المراجعة لا حول له ولا قوّة، فلا وقف للتنفيذ ولو اتسعت الهوّة!
فالقاضي نصر له مع الإدارات الرسمية صولات وجولات فهو تارة موجود في القصر الحكومي وفي بعض الوزارات، وله من اللجان كلّ الخيارات!
ولا ننس القاضي سميح المداح الموجود في وزارة التربية ردحاً من الزمن تجاوز السبعة عشر عاما… مستشار دائم، بخير عائم، ومردوده المالي (ع اللبناني والدولار ). وبتوقيع السيّد مداح لا القاضي…كي تستوي الأحداث على مقاس البيك والباشا، ولو أدّى الأمر إلى أكلة “البوغاشة”.
ولا ننس القاضي الثاني، كارل العيراني، وخير الإدارة وعطاءاتها…
إلى متى ننتظر، كي نرى القضاء الإداري يواجه تحدّيات الدولة، كي نتلمّس العدالة من أوسع أبوابها ..
إلى أن نرى هذه المشهدية، عود على بدء،
أيّها النصر.. إقض لما يتطلّبه القصر.. فلن يدوم هذا العصر…
*المصدر: صحيفة الشرق.
“محكمة” – الخميس في 2020/10/8

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!