أبرز الأخبارعلم وخبر

“محكمة” تنشر أقوال وهّاب والجمّيل وسكّر ضمن التحقيق مع “سوكلين”

كتب علي الموسوي:
لم تكف اللبنانيين مصيبة استمرار النفايات في الطرقات والشوراع العامة، وأمام أبواب منازلهم، وفي الهواء الطلق الذي يتنفّسونه ويهربون إليه في الطبيعة الخلاّبة من صخب الحياة وهمومها، حتّى برزت مشكلة انتشار البرغش في الأجواء وبأعداد هائلة اضطرّوا معها إلى استخدام الكمّامات لتفادي استنشاقها مع الهواء المجبول بجراثيم وروائح كريهة تتصاعد من كلّ الاتجاهات، من دون نسيان إمكانية التسبّب بالأمراض والالتهابات والحساسية الجلدية المُعدية.
ومع أنّ عبقرية حكومة الرئيس تمام سلام تفتّقت عن إعادة العمل بالمطامر واستحداث أخرى جديدة، أفظعها المطمر المنشأ قرب مدرج مطار بيروت لاستقبال السيّاح بهذا المشهد المقزّز والروائح الباعثة على الغثيان، واستعادة شركة “سوكلين” عملها بشكل مكثّف، إلاّ أنّ القضاء العدلي واظب على إجراء التحقيقات في الدعاوى المقامة من رئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميل، والوزير الأسبق وئام وهّاب، وبلديتي الغزيل وعمار البيكات ضدّ “سوكلين”، وشركة “سوكومي”، وشركة”لاسيكو”، وشركة D.DJones Ltd Spartners.
فما هي هذه الدعاوى؟ وعمّا تتحدّث؟ وما هي المعلومات الجدّيّة الواردة فيها؟ وما هي ردّة فعل إدارة “سوكلين” على الاتهامات المساقة ضدّها؟ وهل يصل هذا التحقيق، وبالتالي الملفّ، إلى خواتيمه المنتظرة، أم أنّ اللبنانيين اعتادوا “نعمة” النسيان، أيّ عدم الحصول على النتائج المرجوة من دون أن يعرفوا ما إذا كان هنالك هدر للمال العام واختلاس لهذا المال الذي يفترض أن يذهب إلى المكان الصحيح ويصرف في ما يعود على الناس بالخير والعافية؟.
معلومات من صلب التحقيق
حصلت “محكمة” على معلومات دقيقة من صلب التحقيق الأوّلي حول ما أدلى به الوزير وهّاب وسكّر وممثّلي الشركتين المعنيتين بالإشراف والاستشارة كمال جوزف أبو سمرة، وفريال الحاج سليمان، فضلاً عمّا أثاره الجمّيل في شكواه التي يمكن القول إنّ أكثر ما يلفت النظر فيها أنّها لم تذكر إسم “سوكلين” ولا نظيرتها “سوكومي” في صفحتها الأولى كمدعى عليهما، وإنّما اكتفى وكيلاه المحاميان مارك حبقة وغريتا حبيب، بتوجيهها ضدّ” كلّ من يظهره التحقيق أنّه أقدم على الفعل أو الاشتراك أو التحريض أو التكتّم في الجرائم المدعى بها اختلاس الأموال العامة وهدرها وإساءة الأمانة، وكلّ من يثبت تورّطه في فساد ملفّ النفايات”.
ولم تأت شكوى الجميل على ذكر مجموعة “أفيردا”(Averda) إلاّ في الصفحات اللاحقة، حيث قال إنّ” العقد الذي انتهى في 17 كانون الثاني 2011، مع هذه المجموعة تمّ تجديده مع الدولة اللبنانية في العام 2015، مطالباً بتكليف مكاتب عالمية متخصصة(SAIS) للتدقيق في عملية صرف أموال الخزينة لمعرفة الوجهة التي صرفت فيها الأموال المدفوعة لرفع النفايات.
كما طالب الجميل بفتح تحقيق فوري في الجريمة البيئية البشعة المقترفة بحقّ الشعب اللبناني والتي تمثّلت بعدم احترام المعايير البيئية خلال تنفيذ العقد وبعد انتهائه، على أن يعيّن من خلاله خبراء بيئيون متخصّصون يقومون بإصدار التقارير التي تبيّن الواقع البيئي الناتج عن سوء تنفيذ العقد.
وبحسب موقف الجميل، فإنّ ما يستوقف في الاتهامات المساقة ضدّ “سوكلين”، قيام الشركات المشغّلة بالتواطؤ مع أفراد من الإدارة عبر الإستيلاء على أموال البلديات لتنتفع بها دون إعطاء النتيجة المتوخّاة، وأنّ الفاتورة التي سدّدتها الخزينة اللبنانية كانت أعلى من العرض المقدّم من الشركات التي تقدّمت للمناقصة الأخيرة في العام 2015 أقلّه منذ العام 2007، مقارنة مع أسعار المناقصات، فضلاً عن أنّ أسعار الشركات التي تقدّمت للمناقصة خلال فترة تراكم النفايات على الطرقات، هي أقلّ من أسعار الشركات المُشغّلة بنسبة تتراوح بين10% و15%، وهذا يعني أنّ أموال الخزينة كانت تختلس خلال السنوات السابقة تحت غطاء كثيف من التدخّلات.
وقف الإعلان الخادع
وأعاد الجميل التذكير بما فعله وزير السياحة السابق فادي عبود بوقف حملة شركة “سوكلين” الإعلانية في العام 2013 والتي ادعت فيها أنّ أسعار خدماتها هي من أفضل الأسعار في لبنان، فتمّت مراجعة هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، وأصدرت رأياً في 3 كانون الأول 2013 خلص إلى أنّ هذا الإعلان خاضع لقانون حماية المستهلك ويقع ضمن باب الإعلان الخادع.
وهّاب
وسبق للنائب العام المالي القاضي الدكتور علي إبراهيم أن استمع في شهر أيلول 2015 إلى إفادة الوزير الأسبق وئام وهّاب الذي اتخذ صفة الادعاء الشخصي ضدّ “سوكلين” والشركات المسؤولة عن مراقبة تنفيذ العقد، وضدّ مجلس الإنماء والإعمار، وضدّ أيّ شخص يظهر في التحقيق أنّه ساهم في صرف مبلغ خمسين مليون دولار دون وجه حقّ.
وقال وهّاب إنّ مجلس الوزراء برئاسة تمّام سلام كلفّ لجنة لإيجاد حلّ لمشكلة النفايات، فتألّفت برئاسة الوزير أكرم شهيب ووضعت تقريراً تضمّن خطّة تظهر تجاوزاً فاضحاً من “سوكلين” لأنّها لم تكن تقوم بأعمال المعالجة للنفايات التي يتمّ جمعها وفقاً للعقد المبرم معها، مع العلم أنّ كلفة المعالجة التي كانت تتقاضاها سنوياً من الدولة تبلغ خمسين مليون دولار أميركي، لكنّها لم تكن تقوم إلاّ بمعالجة 20% من النفايات بحسب ما ورد في التقرير المشار إليه، علماً أنّ العقد ينصّ على وجوب أن تصل النسبة إلى 60%.
وذكر وهّاب بأنّ اللجنة الوزارية أعفت “سوكلين” من بند المعالجة ضمن الخطّة التي أقرّتها، مشيراً إلى أنّ “سوكلين” كانت تبرّر عدم الإلتزام ببند المعالجة وتنفيذه كاملاً بأنّها كانت تراسل مجلس الإنماء والإعمار من أجل توفير مواقع وأراض للمعالجة ولإنشاء معامل عليها لهذه الغاية، لكنّ هذا الأمر لم يتمّ، وبقيت الشركة تحمّل المجلس المذكور المسؤولية معتبرة أنّها التزمت بالعقد في وقت كانت تتقاضى فيه كلّ المبالغ المتفق عليها في العقد في ما خصّ موضوع المعالجة دون أن تنفّذه، ودون أن تنشئ المعامل اللازمة لهذا الأمر وكأنّ تقصير مجلس الإنماء والإعمار كاف لتبرير قبضها الأموال دون وجه حقّ، ودون سبب مشروع.
سكّر ومملكة النفايات
ومن البديهي أن يقف ميسرة سكّر مدافعاً عن “مملكة سوكلين للنفايات”، فشرح في التحقيق لدى النيابة العامة المالية أنّ عقد المعالجة يتضمّن أربع عمليات هي: الفرز والكنس والتغليف والنقل والتسبيغ، وأنّ المواد المرتبطة بالنظافة والواردة في العقد الأوّل تُنْقل إلى العمروسية بمعدّل ألف طن يومياً، والكرنتينا بمعدّل ألفي طن يومياً حيث يحصل الفرز المبدئي، ثمّ تدخل النفايات إلى خطوط الفرز الآلية التي تفصل المواد العضوية.
وأكّد سكّر أنّ “سوكلين” تستوفي مبالغ مالية مقابل 300 طن فقط دون تحديد السعر، مشيراً إلى أنّ الكمّيات الباقية تطمر في مطمر الناعمة طمراً صحّياً بعد استخراج المواد التي يمكن إعادة استعمالها، وهو مطمر معدّ “بشكل هندسي سليم وخصوصاً لجهة وضع عازل بلاستيكي أو مطّاطي، وطبقات من البازلت والرمل والأسفلت لمنع التسرّب إلى الأرض، وفي حال تعرّض المادة البلاستيكية لثقب ما، فإنّها تقوم بحماية نفسها وتلتحم من جديد مانعة أيّ تسرّب”.
وأضاف سكّر أنّ مختبرات أجنبية لم يسمّها، تقوم شهرياً بفحص المياه الجوفية للتحقّق من سلامتها وعدم تأثير المطمر عليها، مستبعداً قدرة “سوكلين” على تأمين أراض للتخمير، لأنّه بموجب العقد، يقع على عاتق الدولة.
الإشراف
وأوضح المدير التنفيذي في شركة D.DJones Ltd Spartners. كمال جوزف أبو سمرة أنّ مهمّة هذه الشركة هي الإشراف على حسن تنفيذ العقد المبرم بين مجلس الإنماء والإعمار وشركة “سوكلين”، بدءاً من الكنس ورفع النفايات، وصولاً إلى المستوعبات والشاحنات المستعملة، ووزن الشاحنات المحمّلة عند وصولها إلى العمروسية والكرنتينا، نافياً أيّة علاقة لمن يمثّل، بالطمر أو المعالجة، وقال إنّ شركة “لاسيكو” تتكفّل بهما.
ودافع أبو سمرة عن “سوكلين” التي بحسب وجهة نظره، لم تظهر أيّ خلل في تنفيذ العقد لجهة الكنس والجمع والنقل والوزن، مشيراً إلى أنّ الشركة التي يعمل فيها وجّهت إنذارات كثيرة إلى “سوكلين” عند ملاحظة خلل في التنفيذ، وكانت تقوم بإصلاح ما يطلب منها خلال 24 ساعة، ومنها عدم مطابقة أعمال الكنس للمواصفات، وعدم وضع مستوعبات كافية أو استبدالها بحسب مواصفات العقد.
وقال أبو سمرة إنّ شركته تقبض حقوقها من مجلس الإنماء والإعمار، ولا علاقة لها بتنفيذ العقد مع “سوكلين”، لافتاً النظر إلى أنّ لديهم في الشركة تسعة موظّفين يراقبون 130 شاحنة تقوم بجمع النفايات ويقومون بمراقبة سيرها للتحقّق من التزامها بالمسار الموضوع لها وعدم إدخال كمّيات من النفايات من بيروت لاحتسابها كنفايات جرى جمعها من مناطق العقد الثاني، وبالعكس أيضاً، مراقبة الشاحنات العاملة داخل بيروت لضمان عدم تسجيلها كمّيات وافدة من خارج بيروت.
الحاج سليمان
وقالت المديرة العامة لشركة “لاسيكو” فريال عبدالله الحاج سليمان إنّ وظيفة شركتها استشارية في الأعمال التي تنفّذها شركة “سوكومي” في الطمر والمعالجة، إذ أنّ الأخيرة تقوم بفرز النفايات التي تصلها من شركة “سوكلين”، مشيرة إلى وجود مركزين للمعالجة في الكرنتينا والعمروسية، ومخزن للتخزين، وأنّه بعد فرز النفايات تتكوّن كمّية من المواد تقوم “سوكومي” بتخميرها في مركز “الكورال”، وأكّدت أنّ كلّ الشاحنات تخضع للوزن سواء أتت من بيروت، أو من خارجها، لدى شركتها، و”سوكومي”، وشركة “PRINCE WATER HOUSE”، وشركةD.DJones Ltd Spartners.
الخلاف مع “سوكومي”
وتطرقت الحاج سليمان إلى الخلاف الذي نشب بين شركتها و”سوكومي” حول طريقة الاحتساب، وكيفية دفع قييمة الفاتورة، بالإضافة إلى رفضها تحويل منطقة بصاليم إلى مطمر صحّي بسبب الخطر الذي يمكن أن تتعرّض له المياه الجوفية هناك، ولكنّها قبلت أن يكون مطمراً للردميات الصلبة، لتخلص إلى نتيجة مفادها أنّه لا يمكن للمبالغ المتوجّبة لشركة “سوكومي” أن تكون موازية لطمر المواد العضوية بسبب الفرق في الحماية الواجب اتخاذها، وقالت إنّ “سوكومي” لم تقبض أيّ مبلغ إلاّ وفق رأي اللجنة التي تشكّلت في فترة لاحقة، للبتّ في النزاع.
وشرحت الحاج سليمان مسألة طريقة احتساب سعر الفرز على أساس الكمّية التي تمّ فرزها، وقالت إنّ الكميات الإضافية التي لم يستطع مكان التسبيغ استيعابها، طُمرت في الناعمة، وأنّ “سوكومي” إستوفت حقوقها على أساس الطمر فقط، ولذلك فإنّه في ظلّ عدم حصول معالجة لأكثر من ثلاثماية طن يومياً، فإنّ “سوكومي” لم تكن تقبض مبالغ معالجة تتعدّى ما هو متعلّق بهذه الكمّية.
وكانت “سوكومي” تقبض مبلغاً مقطوعاً وفقاً للعقد عن نحو 630 ألف طن يشمل في الأساس المعالجة، وإذا ما تعدّى هذا الرقم، فإنّه يتمّ الاحتساب على أساس الوزن، وتراوح المبلغ المقطوع في البدء بين 24 مليون دولار أميركي و36 مليون دولار أميركي سنوياً مع انتهاء العقد.
حسومات وعدم مطابقة للمواصفات
وذكّرت الحاج سليمان بتدخّل شركتها في مراقبة الأعمال المُنفّذة وفقاً للعقد المقطوع، وإرسالها مراسلات إلى مجلس الإنماء والإعمار أدّت إلى صدور تقرير اللجنة الخاصة بمستحّقات “سوكومي” وإلى تخفيض المبلغ المقطوع، لأنّ عملية المعالجة لم تشمل سوى 300 طن في مسألة التسبيغ حيث بلغ الحسم في البدء حوالي 300 ألف دولار أميركي سنوياً، أو أكثر بقليل.
وفي ما يتعلّق بالاحتساب المتعلّق بعقدي المعالجة والطمر، فإنّ المبلغ المحسوم بلغ نحو مائة وثمانية ملايين دولار أميركي على مدى عشر سنوات وتحديداً بين العامين 1998 و2008 حيث قامت الدولة اللبنانية بتمديد عقد “سوكومي” واشترط عليها مجلس الإنماء والإعمار إعتماد طريقة الاحتساب المقرّرة في اللجنة الخاصة بناء على اقتراح شركة “لاسيكو”.
وأضافت الحاج سليمان إنّ حسومات إضافية حصلت نتيجة عدم مطابقة للمواصفات في الأمور التقنية المُنفّذة ومنها فحص العصارة الناتجة عن النفايات وعدم مطابقتها للمواصفات مع الإشارة إلى أنّ الفحص يتمّ ضمن حدود المطمر من دون معرفة ما إذا كانت “سوكومي” تعالجها من جديد في مركز الغدير قبل رميها في البحر، باعتبار أنّ صلاحيات “لاسيكو” لا تشمل هذا المركز!.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 7 – أيّار 2016).

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!