أبحاث ودراسات

إمكانية حلول الهيئات اللاحصرية محل السلطات المحلية وتأثيرها على مبدأ اللامركزية/ديما الحاوي

الدكتورة ديما غازي الحاوي:
إن اللاحصرية هي تنظيم إداري للسلطة المركزية تقوم بموجبه بإنشاء مراكز لها في المناطق من أجل تسهيل أُمور المواطنين، وتكون تابعة مباشرة للسلطة المركزية ولا يتمتع موظفوها بأي إستقلال ذاتي، بل ينفذون تعليمات وأوامر السلطة المركزية في العاصمة.
تُطبق اللاحصرية على مستوى المحافظات والأقضية، حيث تُقسم الأراضي اللبنانية إلى محافظات يدير شؤون كل منها محافظ، وهو موظف من الفئة الأولى يقوم بتمثيل الوزارات في المحافظات والأقضية، ويتقدم على جميع الموظفين العاملين في منطقته مهما كانت رتبهم أو السلك الذي ينتمون إليه. يتمتع المحافظ بسلطات إدارية مختلفة، كأن يسهر على تنفيذ القوانين والأنظمة والتعليمات العامة في المحافظة، ويؤمن تنسيق الأعمال بين مختلف دوائر المحافظة باستثناء القضاء والجيش. كما أنه يمكن للمحافظ أن يقوم بالمهام التي لا تدخل في صلاحيات أية سلطة أخرى وذلك في الظروف الطارئة.
بالإضافة إلى الصلاحيات الإدارية، يتولى المحافظ حفظ الأمن وصيانة الحرية الشخصية وحرمة الملكية الخاصة، وعلى رؤساء قوى الأمن في المحافظة أن يزوّدوه دائماً بكل المعلومات المتعلقة بحالة الأمن، وعليهم إجراء التحريات التي يكلفهم بها؛ كما أن المحافظ يهتم بتطبيق القوانين والأنظمة المتعلقة بالسجون وأماكن التوقيف في محافظته. بالإضافة إلى الصلاحيات الآنفة الذكر، يتحلّى المحافظ بصلاحيات على المستوى الصحي، كأن يتخذ جميع الإجراءات التي يراها ضرورية لتطبيق القواعد الصحية المنصوص عليها في القانون، ويؤمن إدخال المرضى المعوزين إلى المستشفيات الحكومية في منطقته.
وأيضاً، على المستوى التعليمي والتربوي، يُستطلع رأي المحافظ في إنشاء وإلغاء المدارس الرسمية، ويساعد وزارة التربية في تأمين الأبنية والتجهيزات والأدوات الضرورية للمدارس. على الصعيد المالي، يسهر المحافظ على جباية الضرائب والرسوم وسائر واردات الدولة في منطقة. في ما يتعلق بعلاقته مع البلديات، يشترك المحافظ مع مصلحة البلديات والتنظيم المدني في اعداد موازنة صندوق التجهيز البلدي حيث يُعرض مشروع التوزيع على وزارة الداخلية مع مطالعته الخطية(1).
يمارس المحافظ الصلاحيات الممنوحة لوزير الداخلية باستثناء دعوة الناخبين إلى انتخابات عامة، كما يمارس الصلاحيات المعطاة لوزير الزراعة بموجب قانون الغابات بالنسبة إلى إجازات استثمار الغابات المشاعية واجازات استثمار الغابات التي يملكها الأفراد(2).
تُقسم المحافظات بدورها إلى أقضية يتولى إدارة كل منها قائمقام، وهو موظف من الفئة الثانية على الأقل ويُعين بمرسوم يصدر عن مجلس الوزراء، بناءً على اقتراح وزير الداخلية، وبعد استطلاع رأي المحافظ.
يتمتع القائمقام بصلاحيات متنوعة، كأن يمنح رخص استثمار المقالع، ويعطي رخص البناء في الأماكن غير الداخلية في النطاق البلدي. كما أنه يرخّص بإنشاء المحلات المُصنفة من الفئة الثالثة، ويعين نواطير الحقول الخاصة والعامة. وايضاً، يصادق القائمقام على قرارات الجمعيات النقابية للمياه ولجان الري الخاصة بمشاريع ذات نفع عام(3). كذلك، يمارس الصلاحيات الممنوحة لوزير الزراعة بموجب قانون الغابات بالنسبة إلى قضايا اللجان المشاعية وتعيين نواطير المشاعات(4).
بعد أن تناولنا مبدأ اللاحصرية، نشير إلى ان اللامركزية الإدارية تقضي بتعددية المرجعية في ممارسة السلطة الإدارية، التي تتوزع بين الحكومة المركزية في العاصمة وبين هيئات محلية أو مصلحية تبقى تحت إشرافها.
تقوم اللامركزية الإقليمية في لبنان على مستوى البلديات واتحاداتها دون سائر الوحدات الإقليمية والمحلية الأخرى.
تتمتع الهيئات اللامركزية بشخصية معنوية وباستقلال مالي وإداري، وعلى الرغم من ذلك فهي تبقى خاضعة لرقابة السلطة المركزية منعاً من تفتّت الدولة وتحولها إلى مجموعة دويلات.
ما يهمّنا هنا هو تناول موضوع الرقابة الإدارية التي تمارسها الهيئات اللاحصرية على السلطات المحلية، فكيف تُمارس هذه الرقابة وأين هي حدودها؟ هل تؤثر على مبدأ اللامركزية الإدارية؟
تمارس الرقابة الإدارية على أعمال المجالس البلدية الإيجابية والسلبية؛ يمارس القائمقام رقابته الإدارية على أعمال المجالس البلدية الإيجابية وفقاً للمادة ٦٠(5) من قانون البلديات حيث تخضع لرقابته القرارات المتعلقة بموازنة البلدية، والحسابات القطعية التي تستوجب قانوناً، بحسب رأي هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل الصادر بتاريخ 2006/9/28 ، إرفاق المستندات لها”(6). كذلك يراقب القائمقام معدلات الرسوم البلدية، إضافة إلى تسوية المخالفات والمصالحات، وايضاً قبول أو رفض الهبات الموصى بها المرتبطة بأعباء، أخيراً إسعاف المعاقين ومساعدة النوادي والجمعيات وكافة النشاطات على اختلاف انواعها عندما تزيد المساعدات السنوية عن عشرة ملايين ليرة؛ تجدر الإشارة هنا، أنّه بناء على طلب رئيس بلدية بيت مري، القاضي بإبداء رأي ديوان المحاسبة بشأن مدى خضوع المساعدات المقرر إعطاؤها إلى المعوزين لتصديق القائمقام، يجد هذا الديوان في رأيه الإستشاري رقم 2012/46(7) أنه من الضروري تعديل قانون البلديات بما يؤدي إلى الإبقاء على وضع المعوزين مشابهاً لوضع المعاقين وبالتالي إخضاع قرارات المجلس البلدي بشأنهما لتصديق سلطة الوصاية عند تجاوز المساعدات حداً معيناً؛
في هذا السياق، ترى هيئة التشريع والإستشارات أنه لا يوجد أي مبرّر للتمييز بين القرارات المتعلقة بإسعاف المعوزين وبين القرارات المتعلقة بإسعاف المعاقين، لذلك تطلب تعديل المادتين ٥٩ و٦٠ من قانون البلديات وإضافة كلمة “المعوزين” على أحكامهما إلى جانب كلمة “المعاقين”(8).
أما المحافظ، فيمارس رقابته الإدارية من خلال التصديق على عملية تخصيص ملك بلدي لمصلحة معينة على أن يكون مخصصاً أصلاً لمصلحة عامة وإنشاء المشاريع الإنمائية كالمستشفيات والأسواق والمساكن الشعبية….
ثمة قرارات صادرة عن المجالس البلدية تحتاج إلى تصديق كل من القائمقام والمحافظ طبقاً للمعادلات التالية:
تخضع عملية شراء وبيع العقارات التي لا تزيد قيمتها عن مائة مليون ليرة لبنانية لتصديق القائمقام، وتحتاج تلك التي تتجاوز قيمتها هذا المبلغ إلى تصديق المحافظ.
تخضع عقود الإيجار التي لا تتعدى الأربعين مليون ليرة لبنانية لتصديق القائمقام، وتتطلب تلك التي تفوق هذه القيمة تصديق المحافظ. اما صفقات اللوازم والأشغال والخدمات، فتخضع لتصديق القائمقام عندما لا تزيد قيمتها عن الثمانين مليون ليرة، وإلا تصبح بحاجة إلى تصديق المحافظ.
إن عملية إجازة الأشغال بالأمانة وشراء اللوازم بالفاتورة تحتاج إلى تصديق القائمقام عندما لا تزيد قيمتها عن خمسين مليون ليرة وإلا تصبح بحاجة إلى تصديق المحافظ عليها.
ما خلا تلك الحالات المحددة على سبيل الحصر الآنفة الذكر، لا يجوز للقائمقام أو للمحافظ ممارسة رقابتهما على مقررات المجلس البلدي لا سيما لجهة نزع الثقة من رئيس البلدية أو من نائبه والدفع لانتخاب بديل عنهما، وهذا ما اشار إليه مجلس شورى الدولة في اجتهاده الصادر بتاريخ 2007/8/16(9) حيث شدّد على عدم اختصاص القائمقام بمسألة نزع الثقة وانتخاب البديل هذا على الرغم من حق القائمقام بالطعن بقرارات المجلس البلدي إذا تبين له عدم مشروعيتها.
إن رقابة القائمقام والمحافظ على أعمال المجالس البلدية تستوجب التقيد بقراراتهما، عملاً بالقاعدة العامة التي تقضي بتفوق سلطة الضبط العامة العليا على سلطة الضبط العامة الدنيا، ولكن أتى الاجتهاد الفرنسي باستثناء لهذه القاعدة في قراره Commune de Néris – Les – Bains”(10)” الصادر بتاريخ 1902/4/18 حيث سمح بمخالفة قرار السلطة الإدارية العليا.
عندما يكون قرار السلطة الإدارية الدنيا أكثر تشدداً ويهدف إلى تأمين المصلحة العامة، ويكون هذا القاضي الإداري الفرنسي قد خطا خطوة مميزة وقفز فوق القانون سامحاً لرئيس البلدية بخرق قرار محافظ مقاطعة البي الذي منع لعبة الميسر في الأماكن العامة وسمح بها في أماكن معينة إذا ما صدر قرار عن وزير الداخلية بإمكانية ممارستها، في حين أن رئيس بلدية Nerisse les Bains قد منعها إطلاقاً بهدف الحفاظ على المصلحة العامة؛
نود الإشارة إلى أن القاعدة التي تقضي بتفوق سلطة الضبط الخاصة على سلطة الضبط العامة عرفت إستثناء ايضاً في ظل قرار مجلس شورى الدولة “Les Films lutétia” الصادر بتاريخ ١٨ كانون الأول 1959 حيث قرر أولوية سلطة الضبط العامة عندما يكون القرار المتخذ أكثر تشدداً وأكثر ملاءمة للمصلحة العامة، وبالتالي تفوق قرار رئيس بلدية “نيس” في فرنسا على قرار شركة الأفلام التي أرادت عرض فيلم إباحي بعنوان “النار في الجلد” نظراً إلى أن هذا الفيلم من شأنه انتهاك النظام العام والأداب العامة(11).
بالإضافة إلى القرارات المتعلقة بأعمال المجالس البلدية الإيجابية التي يصدق عليها القائمقام والمحافظ كي تصبح نافذة، نجد أنّ هناك قرارات أخرى تستوجب تصديق وزير الداخلية والبلديات عليها، وهي: تسمية الشوارع وإقامة التماثيل الوطنية، عقد الفروض كافة القرارات التي تؤلف نظاماً عاماً، تعويضات رئيس البلدية ونائب الرئيس، دفتر الشروط العام إن كان لصفقات اللوازم والأشغال والخدمات أو لبيع أملاك البلدية، إنشاء إتحادات البلديات ووحدات البلديات وتنظيمها إسقاط أملاك البلدية العامة إلى التحصين والتنازل عن بعض العائدات البلدية للمقرض أو للدولة، مثلاً في قرار شكري بلدية وادي شحرور(12)، ثم تتم إحالة قرار إسقاط الأملاك البلدية العامة إلى أملاك بلدية خاصة إلى وزير الداخلية من أجل تصديقها، ففقد بالتالي القرار أحد عناصره ومقوماته الجوهرية واعتبر باطلاً.
يتبين من خلال ذلك أن هناك قرارات لا تنال الصفة التنفيذية إلا بعد تصديقها من السلطة المركزية، وهناك قرارات أخرى لا تحتاج إلى تصديق أية سلطة رقابة، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر – ما يلي:
– مساعدة الجميعات والنوادي والنشاطات على اختلاف انواعها عندما لا تزيد قيمتها عن عشرة ملايين ليرة لبنانية.
– قبول الهبات أو رفضها عندما تكون مجانية وغير مرتبطة بأعباء معينة.
بعدما تحدثنا عن الرقابة على الأعمال الإيجابية، ننتقل إلى الرقابة المتعلقة بالأعمال السلبية والتي تتمثل أولاً بإمكانية كل من وزير الداخلية، المحافظ والقائمقام من تأجيل تنفيذ قرار معين في أي وقت سبق واتخذه المجلس البلدي إذا وجد ظرف أمني يبرر ذلك، على أن يكون القرار معللاً وهو قابل للطعن أمام مجلس شورى الدولة، ويكون لسلطة الرقابة صلاحية إستنسابية في تقدير ذلك الظرف الأمني؛
يتبين من هذه المادة أن الوزير لا يملك سلطة قانونية تخوّله حق تقرير الرجوع عن قرار اتخذته بلدية ما، إستناداً إلى القاعدة العامة التي تنيط سحب القرار الإداري أو الرجوع عنه بالسلطة التي اتخذته أو بتلك التي تعلوها وإن يكن وزير الداخلية أعلى سلطة من البلدية؛ فلا مجال لتطبيق هذه المادة في هذا الإطار تبعاً لاستقلالها الإداري، وكون الوزير لا يمثل بالنسبة للبلدية السلطة الأعلى ضمن هرمية إدارية تسلسلية لأنها هيئة لامركزية، وما يربطها بالسلطة المركزية هو رابط سلطة الوصاية لا السلطة التسلسلية(13).
كما انه يمكن للسلطات المذكورة آنفاً إلغاء قرارات السلطات المحلية دون الالتزام بوقت محدد وذلك لأسباب تقدرها بنفسها بما فيها تلك التي تم التصديق عليها.
وتتمثل الرقابة على الأعمال السلبية ثانياً بحق الحلول حيث أنه بمقتضى المادة ١٣٥ من قانون البلديات، يحق لسلطة الرقابة أن تحل محل السلطة اللامركزية للقيام بعمل تخلفت عن تنفيذه وذلك بعد أن يوجه القائمقام إلى المجلس البلدي أمرا خطياً بوجوب التنفيذ خلال مهلة معينة، وفي حال عدم التنفيذ يستطيع أن ينفذ الأمر بنفسه بعد موافقة المحافظة مثلاً، إن المجلس البلدي هو المرجع الصالح لمنع البناء على الأملاك البلدية، ففي حال رفض هذا المجلس رفع التعدي الحاصل، تمارس هذا سلطة الرقابة حقها في الإحلال؛ غير أن هذه الصلاحية الإستثنائية الممنوحة لسلطة الإحلال لا تخولها تقييم شرعية أو عدم شرعية القرارات التي يتخذها رئيس البلدية ضمن صلاحياته، وأن تتخذ ذلك التقييم الذي لا يدخل في إختصاصها، سبباً لأن تحل محل رئيس البلدية في اتخاذ قرار معاكس للقرار الذي لم يمتنع الرئيس عن اتخاذه، مهما كانت الشوائب التي تشوبه(14).
بالإضافة إلى ذلك، نص قانون البلديات على حالات معينة يستطيع فيها المحافظ والقائمقام أن يحلا محل المجلس البلدي، وهي الآتية:
تظهر الحالة الأولى من خلال حلّ المجلس بمرسوم يُتخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير الداخلية والبلديات، في حال ارتكاب مخالفات جسيمة متكررة وجدية تضر بمصلحة البلدية، كتأخر المجلس البلدي في إعداد جداول التكليف بالرسوم البلدية وإقرارها أو ارتكاب مخالفات مالية او عقد جلسات غير قانونية أو إلحاق الضرر بأصحاب العلاقة بسبب التأخير في إنجاز معاملاتهم(15)؛ غير أنه لا يجوز حال المجلس البلدي لعدم اعتباره مرتكباً مخالفات مؤدية إلى إلحاق ضرر اكيد بمصالح البلدية، عند وجود إثنين من أعضاء المجلس خارج البلدة بصورة دائمة(16). ويقصد هنا بالحل الإعدام القانوني للمجلس وتجريد الأعضاء من صفتهم كمنتخبين؛ فيحل القائمقام أو المحافظ محل المجلس البلدي.
أما الحالة الثانية، فهي اعتبار المجلس منحلاً حكماً في حال فقدان نصف عدد أعضائه على الأقل أو حكم بإبطال انتخابه في حال استقالة أكثرية الأعضاء، ويُعلن الحل بقرار صادر عن وزير الداخلية؛ فيصل القائمقام أو المحافظ محل مجلس البلدي.
وهذا ما حصل للمستدعي أحمد قاسم ذبيان، رئيس بلدية مدوخا – قضاء راشيا ونائب رئيس إتحاد بلديات راشيا أيضاً، الذي تقدم بمراجعة أمام مجلس شورى الدولة ضد قرار وزير الداخلية الذي اعتبره فاقداً صفته التمثيلية في إتحاد بلديات راشيا، بعد أن وجه محافظ البقاع كتاباً إلى قائمقام راشيا من أجل قيام نائب رئيس إتحاد بلديات راشيا بصلاحيات الرئيس بسبب شعور مركز الرئاسة؛ فصدر قرار عن مجلس شورى الدولة بتاريخ 2015/6/30(17) معتبراً فيه أن حل مجلس بلدية مدوخا لفقدانه أكثر من نصف عدد أعضائه يؤدي إلى فقدان رئيس البلدية لصفته التمثيلية في إتحاد بلديات راشيا ويعتبر في ما بعد فاقداً حكماً الحق في رئاسته.
إن جميع حالات حل المجلس البلدي، سواءً أتم حله بمرسوم أو اعتبر منحلا، تستوجب إنتخاب مجلس جديد خلال مهلة شهرين منذ صدور مرسوم الحل أو الإعلان عنه ويكون ذلك للمدة المتبقية من ولاية المجلس البلدي المنحل؛ ريثما تتم عملية هذا الإنتخاب بقرار من وزير الداخلية، يتولى القائمقام أو رئيس القسم الأصيل في القضاء والمحافظ أو أمين السرّ العام في مركز المحافظة أعمال المجلس البلدي وفقاً الأحكام الفقرة الثانية من المادة ٢٤ من قانون البلديات.
تتعدد الأمثلة حول عملية إعلان حل المجلس البلدي وتكليف القائمقام أو رئيس القسم في القضاء أو المحافظ أو امين السر العام في مركز المحافظة بأعماله حتى انتخاب مجلس جديد؛ ففي القرار رقم ٢٤٤٠ الصادر عن وزير الداخلية والبلديات بتاريخ 1 كانون الأول ٢٠١٤(18)، تم إعلان حل مجلس بلدية عديل- محافظة عكار بسبب فقدانه أكثر من نصف عدد أعضائه وتكليف رئيس القسم الأصيل في المحافظة القيام بأعماله حتى انتخاب مجلس جديد.
كذلك، في القرار رقم ۲۰۸۳ الصادر عن وزير الداخلية بتاريخ ١٥ تشرين الأول ٢٠١٥(19)، تم إعلان حل مجلس بلدية أرده، حرف أرده بيت عوكر وبيت عبيد قضاء زغرتا بسبب فقدانه أكثر من نصف عدد أعضائه وتكليف قائمقام زغرتا القيام بأعماله حتى انتخاب مجلس جديد. في هذا السياق، أصدر وزير الداخلية قراراً رقم ٢٤٠٨ بتاريخ ١٢ تشرين الثاني ٢٠١٥(20) يعلن فيه حل مجلس بلدية القليعة قضاء مرجعيون نظراً إلى أنه فقد أكثر من نصف عدد أعضائه ويكلف قائمقام مرجعيون الإستمرار بأعماله إلى حين انتخاب مجلس جديد.
تم حل مجلس بلدية تعنايل قضاء زحلة عام 2005 ولم تجر الإنتخابات البلدية لعضوية مجلسها عام ۲۰۱۰، فمنذ ذلك الحين تولى محافظ البقاع تسيير أعماله، مع العلم أن منطقة تعنايل كبيرة من حيث عدد سكانها وعدد مصانعها ونطاقها الجغرافي؛ قد تحتاج إلى اهتمام يومي من قبل مجلسها البلدي الذي يكون على علم بكل ما تتطلبه المنطقة بغية تحقيق التنمية المحلية. فكيف يستطيع المحافظ أن يهتم يومياً بهذه المنطقة؟
عام ٢٠١٦، صدر قرار بإنشاء قرية شهابية الفاعور في قضاء زحلة حيث تقرر فتح سجل خاص لنفوس هذه القرية في قسم نفوس زحلة بعد أن كانت تابعة ومقيدة في بلدة “تربل”؛ لكن الإجراءات الإدارية لنقل قيود الأشخاص لم تستكمل بشكل نهائي وتعذر دعوة الهيئات الناخبة للإنتخابات في هذه القرية وتمكينهم من ممارسة حقهم في الإنتخابات، لذلك صدر قرار رقمه 837(21) عن وزير الداخلية بتاریخ ۲۱/ نيسان / ٢٠١٦ بتأجيل الإنتخابات البلدية في بلدة تريل إلى حين إستكمال الإجراءات الإدارية المتعلقة بسجل نفوس قرية شهابية الفاعور، على أن يتولى محافظ البقاع مهام القيام بمجلس بلدية تريل حتى انتخاب مجلس بلدي جديد.
في الحقيقة، إن حلول القائمقام والمحافظ محل المجلس البلدي في المادة 11 من قانون البلديات يعتبر ثغرة قانونية، ما يقلص من أهمية اللامركزية الإدارية ويساهم في تضييقها حيث تنقل صلاحيات السلطات المحلية كلها إليهما، في الوقت الذي تكون فيه تلك السلطات أكثر دراية بمصلحة المنطقة، لأن المجلس البلدي منتخب من الشعب مباشرة على عكس القائمقام والمحافظ المعينين بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء، ويمكن للمجلس البلدي أن يبدأ بتنفيذ مشروع إنمائي معين يحتاج إلى وقت طويل، وقد تحول مدة ولايته دون إتمام هذا المشروع الذي ينتظره أبناء البلدة بفارغ الصبر، فهل يستطيع القائمقام أو المحافظ أن يكملا عملاً دون علم به، أو لم يتابعهء منذ الأساس؟
إن قدرة البلدية في تحقيق التنمية المحلية ترتبط بمجلسها البلدي العالم بكل تفاصيلها؛ أما إيلاء مهامه لدى حله إلى المحافظ والقائمقام فسيؤثر على إمكانيته في القيام بمشاريع إنمائية محلية ما ينعكس على دور السلطات المحلية في تحقيق الإنماء المتوازن؛ حيث أن هناك بلديات تنفذ المهام المنوطة بها وأخرى يقوم القائمقام أو المحافظ بتنفيذها بسبب حل مجالسها.
مصادر ومراجع:
1- المواد من 1 إلى 29 من المرسوم الاشتراعي رقم 116 “التنظيم الإداري”، صادر في 1959/6/12، جريدة رسمية عدد 1، تاريخ النشر 1955/1/5 ص 14 – 21.
2- المادة 57 و58 من قانون الغابات تاريخ 1949/1/7 ، جريدة رسمية عدد 3، تاريخ النشر 1949/1/19 ص 30 – 54.
3- المواد من 30 إلى 41 عن المرسوم الاشتراعي رقم 116، مرجع سابق.
4- المادة 54 و55 من قانون الغابات،ـ مرجع سابق.
5- مرسوم اشتراعي رقم 118 تاريخ 1977/6/30 ، جريدة رسمية عدد 20، تاريخ النشر 1977/7/7، ص 19 – 41.
6- كاترين كفوري، بحث بعنوان “مدى رقابة القائمقام على القرارات البلدية غير الخاضعة للتصديق”، اشراف الدكتور طارق المجذوب، الدورة التدريبية العليا الثانية ٢٠٠٨، المعهد الوطني للإدارة، بعبدا – لبنان، ص ١٣-١٤.
7- رأي استشاري رقم 46، تاريخ 2012/10/4، مجموعة آراء ديوان المحاسبة الإستشارية والاجتهادات الصادرة عن عامي 2011 – 2012، ص 534.
8- رأي استشاري، رقم 573، تاريخ 1999/11/29، مجموعة اجتهادات هبئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل، المجلد الخامس، منشورات صادر، بيروت، 2004، ص 5153.
9- مجلس شورى الدولة، قرار رقم 712 تاريخ 2008/8/16، “المهندس نصري نعوم/ الدولة”، مجلة القضاء الإداري 2006 – 2007 العدد الثالث والعشرون، المجلد الثاني، ص 1507.
10- M. Long, P. Weil, G. Braibant, P. Delvolvé, B. Genevois, “les grands arrêts de la jurisprudance administrative », 19ème édition, éditions Dalloz, 2013, p. 57.
11- Conseil d’Etat, « Les films Lutétia, Section du 18 Décembre 1959, numéro 36385 – 36428, publié au recueil Lebon, www.legifrance.gouv.fr
12- مجلس شورى الدولة، قرار رقم 147، شكري عبد المسيح خليل ابو واكد الفغالي/ بلدية وادي شحرور العليا، م.ق.إ.، العدد الثالث والعشرون، 2012، المجلد الأول، ص 384.
13- مجلس شورى الدولة، قرار رقم 599، تاريخ 2007/6/13، “الرهبانية الباسيلية/ الدولة – وزارة الشؤون البلدية والقروية”، م.ق.إ.، العدد الثالث والعشرون، 2012، المجلد الثاني، ص 1303.
14- للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، راجع رأي هيئة التشريع والإستشارات الإستشاري رقم 1996/1924، تاريخ 1996/2/5 ، مجموعة إجتهادات هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل، المجلد الخامس، منشورات صادر، بيروت، 2004، ص 5114.
إن رئيس بلدية زوق مصبح لم يتمنع عن إعطاء افادة انجاز مخالفة البناء، لكنها مشوبة بعيب معين.
15- “بين التشريع والإجتهاد – البلديات”، منشورات صادر، الطبعة الأولى 2004، ص 129.
16- رأي استشاري لهيئة الإستثمارات والتشريع في وزارة العدل، رقم 1993/957 تاريخ 1993/10/14، مجموعة إجتهادات هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل، المجلد الخامس، منشورات صادر،بيروت، 2004، ص 5141.
17- مجلس شورى الدولة، قرار رقم 656، تاريخ 2015/6/30، “أحمد قاسم ذبيان/ الدولة – وزارة الداخلية والبدلديات”، أرشيف المحامي سمير حرب.
18- قرار رقم 2440، تاريخ 1 ك1 2014، جريدة رسمية عدد 52 تاريخ 4 ك1 2014، ص 4825.
19- قرار رقم 2083، تاريخ 15 ت1 2015، جريدة رسمية عدد 44 تاريخ 29 ت1 2015، ص 2734.
20- قرار رقم 2408، تاريخ 12 ت1 2015، جريدة رسمية عدد 47 تاريخ 19 ت2 2015، ص 2868.
21- قرار رقم 837 تاريخ 18/ نيسان/ 2016، الجريدة الرسمية، عدد 18، تاريخ 12 نيسان 2016، ص 1426.
“محكمة”- الثلاثاء في 2024/1/30

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!