من نحن
“مَحْكَمَة”.. لإشاعة العدل
“مَحْكَمَة” ليست مجرّد كلمة يطلقها بصوت جَهْوَري صارخ، “المُبَاشِرُ” عند دخول الهيئة الحاكمة في المحاكم الجزائية المختصّة، وذلك إيذاناً ببدء المحاكمات في الدعوى، أو القضايا المعروضة عليها، بشكل رسمي وعلني.
“مَحْكَمَة” هي امتدادٌ لذاك الصوت المدوّي بأنّ الوقت مُلْكُ إشاعة العدل باتزان، وإنصاف، ومساواة. وهي الترخيص الممهّد ليقول القانون كلمتَه الفاصلة والمبرمة، من دون خوف، أو تهديدات، ومن دون تقاعس، أو مسايرات، ومن دون تردّد، أو تراجعات.
“مَحْكَمَة” هي صرخةٌ لإسماع صوت الحقّ، مهما كانت قوّة حواجز الفراغ. هي الرهبة والهيبة لإحلال القانون مكان الشريعة الشوارعية المتفلّتة من العقل، والمنطق، والدين، والأخلاق، والإنسانية، وهي فوق كلّ هذا وذاك، رسالةٌ لإرساء مفاهيم السلامة الوطنية من “ديكتاتوريات” العاطلين عن معرفة الحقّ.
“مَحْكَمَة” ليست لفظاً عادياً كما يتوهّم العراةُ من العدالة، بل هي دعوةٌ لإبقاء ميزان العدل قائماً مهما اشتدّت التدخّلات، والوساطات، والشفاعات، والخزعبلات، فأساطيل الأباطيل وإنْ امتدت واستعرت وقصفت وعسفت وعربدت وجارت، فلن تحتلّ طهارة الحقّ، ولن تزيحها قيد أنملة، ولن تمكث مكانها برهةً واحدة.
“مَحْكَمَة” ليست إقتباساً عن أحد، بل هي بوّابةُ الدخول إلى محراب الحقيقة ليشعّ نورها في كلّ ميادين الحياة، لعلّنا نبني صرحاً يحمي الإنسان، من طواغيت التهوّر، وجوقات التحكّم والإستئثار من أيّ حدب وصوب، أطلّت وأتت.
“مَحْكَمَة” ليست أداة بيد القضاة، فمن يستخفُّ منهم بالعدالة، ويفرّط بكرامة موقعه، ولن نقول وظيفته، لأنّ مكانته أرقى، فلن يسلم من سعينا إلى تصويب مرارة هذا الموقف، ومن يُعْلي منهم شأن العدالة بأحكام، وقرارات، تتصفّ بالفرادة، واللباقة، والإجتهاد، والإمتاع والإدهاش في إحقاق الحقّ، فلن نتأخّر في التغريد معه لإسماع صوته ورؤيته ورسالته إلى العالم أجمع، فبه وبأمثاله نحفظ الوطن من كلّ الإنتهاكات والخروقات لسيادته، وصيرورته، وأمنه، وناسه، ومجتمعه، وسلامته، ونقيم معهم حصناً لكبح نيّات الإفلات من العقاب.
“محكمة” ليست للإشادة، ولا للإبادة، وإنّما للإجادة في حفظ حقوق الإنسان، والدفاع عنها، والإصرار على التمسك بها ضماناً أكيداً للحرّيّات العامة، وحرّيّة الرأي والتعبير.
“محكمة لمساندة الحقّ وإحقاقه، ولمنع التفكير بالعودة إلى المحاكم العرفية والظلامية.
“مَحْكَمَة” لا تدعي أنّها فوق القانون، لكنّها لن تسكت على خرقه ، ولن تغضّ الطرف عن انتهاكه، حتّى ولو كان الفاعل قاضياً وفي أعلى المراتب، لأنّ القانون ليس مُلْكاً خاصاً به يحقّ له ممارسة نزواته، وطيشه، وقلّة ضميره، في ضمّه إلى مكتسباته غير الشرعية، بل هو وضع وابتكر ليرعى حقوق الناس ومصالحهم، ويحفظ المجتمع من لوثة الإنزلاق إلى الفلتان الأمني، والأخلاقي، والرجعية بمعناها الإنساني.
“مَحْكَمَة” لتقييم أداء القضاة والقضاء، فالخطأ غير المقصود يصوّب، وجلّ من لا يقع ويخطئ، وافتعال جريمة الخطأ عن سابق إصرار وترصّد، أمر لا يُفَوَّت، وتناسيها مضرّ بصحّة الوطن، والملاحقة تقتضي خلاصةً لا تكون تَذْكَاراً تدسّ في أرشيف النسيان، وإنّما قلادة مصنوعة من ذاكرة ثاقبة توضع في مرآة السلطة الثالثة لترى نفسها من خلالها عند إشراقة كلّ يوم جديد.
“مَحْكَمَة” لمن يعتقد واهماً بأنّ القضاء رهنُ إشارته وإصبعه، يلاعبه كيفما يتمنّى ويريد، ويروّضه ويتحكّم بقراراته وشؤونه وشجونه ويحقّق رغباته وأمنياته المفصّلة على مقاسه الشخصي وبأنانية مفرطة.
“مَحْكَمَة” للضابطة العدلية عند ارتكابها جرائم بحقّ الإنسان ومخالفات قانونية لا يقبل بها عقل، ولا يريدها وطنٌ لتلويث سمعته بذرائع أمنية واهية، فالإكراه والتعذيب ليسا العنوانين الجذّابين لأيّ بلد يسعى إلى الإحتكام إلى الديموقراطية في ممارساته، وسلطاته الدستورية.
“محكمة” لإغناء التراث القضائي بكلّ ما يتوافر من أحكام وقرارات ونقاط قانونية جديدة تُعلي شأن العدالة المتوخّاة في لبنان، وهي لن تتلكأ عن نشر المضيء منها لما يحمل في طيّاته من وجهة نظر حديثة بتعليلها، ومخالفة للإجتهادات التي استقرّت المحاكم عليها، سواء أكان الموضوع قديماً، أو جديداً وغير مسبوق، وذلك في سبيل إنارة درب القضاة، والمحامين، والباحثين، ورجال القانون، وأساتذة الجامعات، وطلاّب الحقوق، للإستفادة منها بما يعود بالفائدة على قضاياهم وأعمالهم.
“مَحْكَمَة” مرصد عملاني لمتابعة الاكتشافات القضائية والأمنية والقانونية، وتنوير الرأي العام بها في سبيل مجتمع أفضل.
“مَحْكَمَة” لن تكون مجلّة عادية تُقرأ وتُنْسى وتُهْمل، بل هي مشروع توثيقي للحياة القضائية في لبنان لا غنى عن الرجوع إليها كلّ حين.
أردنا “مَحْكَمَة” سفيرة لروّاد الحقيقة، من دون أن تكون دبلوماسية في مقاربتها للموضوعات، سواء أكانت نارية وحسّاسة ودقيقة، أو عادية وروتينية، فالمهمّ أن تكون صادقةً مع نفسها لكي تنجح في مهمّتها الشاقة في بلد خسر الكثير من حضور العدل في ربوعه في السنوات الماضية، وذلك لأسباب سياسية، وطائفية، وكيدية لا أساس قانونياً لها، ولذلك كان شعارها:” العدالةُ خيرُ أمم الإنسانية… والعدلُ يسير”.
وإذ تتموضع “مَحْكَمَة” في حضن الموضوعية كمنصّة لبناء خطاب قانوني عقلاني يتصف بالعدل، فإنّ ذلك لا يعني البتّة وعلى الإطلاق، أنّها تخلو من الموقف الصريح والواضح والجريء حيث يلزم، وحيث تستدعي الحاجة.