أبرز الأخبارعلم وخبر

من هو مجلس القضاء الأكثر إصدارًا للتشكيلات؟ ولماذا حصرية التمثيل فيه لـ”مركز القرار”؟/علي الموسوي

المحامي المتدرّج علي الموسوي:
للمرّة الأولى تخرج أربع محافظات دفعة واحدة من التمثيل داخل مجلس القضاء الأعلى لينحصر الأمر بمحافظتي بيروت والبقاع، مع ترجيح كبير للأولى التي غنمت كلّ المقاعد بما فيها تلك المخصّصة للحكميين الثلاثة ومحاكم التمييز، بالإضافة إلى محكمتي البداية والاستئناف لتخرّج بثمانية مقاعد من أصل عشرة يمثّلون تركيبة مجلس القضاء، فيما اقتصرت حصّة البقاع على مقعد عضوية وحيد، على أنّ هذا الأمر قد يتغيّر بعد اختيار العضو الدرزي، ويتوقّع أن يكون من نصيب البقاع أيضًا وهو أمر يحدث للمرّة الأولى منذ ما يزيد على ربع قرن.
وإذا كان من الطبيعي أن تحظى بيروت بأغلبية التمثيل في مجلس القضاء باعتبارها مركز القرار، وبحكم وجود محاكم التمييز بكامل تشكيل غرفها الجزائية والمدنية، ووزارة العدل لجهة الوحدات العاملة فيها، والقضاء العسكري، ومجلس شورى الدولة في حال جرت “مقايضةٌ” ما وفق الاستنسابية السياسية، وهو ما حصل مرّتين في تشرين الأوّل 2005 وكانون الأوّل 2008، إلّا أنّه لا يعني إلغاء، أو شطب، أو تغييب بقيّة المحافظات والتعامل معها كأطراف باستثناء جبل لبنان الذي له طابعه الخاص. وهذا ما قد يفسّر رغبة قضاة في العمل في بيروت ولو بمركز عضو في محكمة إبتدائية، وهذا ما يفسّر أيضًا في بعض السنوات وليس دائمًا، تخصيص طلائع دورات معهد الدروس القضائية بمراكز في العاصمة بيروت من دون أن يخلو الأمر من استنسابية في بعض الحالات كأن تتمّ تزكية قاض وحرمان آخر والشواهد عديدة وبالأسماء، ولكنّنا لسنا في معرض تعدادها حاليًا.
وما دامت بيروت تستحوذ على خمسة مراكز بينها ثلاثة للقضاة الحكميين وإثنان لمحاكم التمييز بالانتخاب، فلماذا لا يصار إلى توزيع المقاعد الخمسة الباقية على المحافظات الأخرى بمعدّل مقعد واحد لكلّ محافظة وهكذا يتمثّل جميع قضاة لبنان داخل مجلس القضاء، ولا بأس من المداورة بين المحاكم مع إلغاء المقعد الثالث لمحكمة التمييز ما دامت ممثّلة بإثنين يجري انتخابهما حتّى ولو صوريًا، أو قد يفوزان بالتزكية لأسباب طائفية أو تلبية لرغبة الرئيس الأوّل التمييزي الذي “يمون” على القضاة من رؤساء ومستشارين في اختيار هذا أو ذاك؟ ألا يحقّ للقضاة الموجودين في المحافظات وبعضها شبه منسي، أن يكون لهم ممثّل عنهم داخل مجلس القرار الذي يبحث شؤون وشجون القضاء والقضاة؟ وما دام هناك خيار بين تمثيل وزارة العدل أو إحدى المحاكم دون تحديدها، إذ يمكن أن يكون من محاكم البداية أو الاستئناف أو التمييز، علمًا أن وزارة ممثّلة بمواكبة الوزير شخصيًا لقرارات المجلس المذكور، فيمكن الاستعاضة عن وجودها داخل مجلس القضاء بضمّ مقعدها لحصّة المحافظات التي تتساوى بمقعد عضوية لكلّ واحد منها، وهكذا يكون التوزيع عادلًا بين خمسة لبيروت كأمر واقع نسبة لوجود مواقع القضاة الحكميين الثلاثة ومحاكم التمييز فيها، وخمسة للمحافظات الأخرى؟
وقد جاء تمثيل المحافظات الستّ وهي: بيروت وجبل لبنان والبقاع والشمال والجنوب والنبطية داخل مجلس القضاء منذ العام 2002 أيّ منذ حصول أوّل انتخابات في محاكم التمييز، على النحو التالي:
إنحصر التمثيل في مجلس العامين 2002 -2005 ببيروت التي حظيت بتسعة قضاة دفعة واحدة، فيما نال جبل لبنان وتحديدًا جديدة المتن عضوًا واحدًا هو القاضي جورج عواد، ثمّ خليفته في رئاسة محكمة البداية هناك وعضوية مجلس القضاء القاضي جون القزي بعد نقله رئيسًا لهيئة التفتيش المركزي.
وتوسّع التمثيل في مجلس العامين 2006- 2009 ليشمل بيروت كالعادة وقد حازت على سبعة قضاة، والشمال بقاض(عبداللطيف الحسيني)، والنبطية بقاض (فريال دلول)، وجبل لبنان بقاض هو سعد جبور وخليفته ميشال طرزي بعدما استقال ليعيّن رئيسًا أوّل لمحاكم الاستئناف في جبل لبنان خلفًا للقاضي صلاح مخيبر الذي كان قد خلف القاضي المستقيل الياس موسى صاحب أعلى قفزة بين المراكز في القضاء من قاض منفرد في بيروت إلى رئيس أوّل لمحاكم الإستئناف في جبل لبنان في العام 1999 وقد بقي لغاية شباط 2005.
وفي مجلس العامين 2009 -2012 ظفرت بيروت بثمانية مقاعد مقابل مقعدين إثنين لجبل لبنان توزّعا مناصفة بين بعبدا وجديدة المتن، فمثّل الأولى القاضي محمّد وسام المرتضى كرئيس محكمة بداية واستلم أمانة السرّ، ومثّل الثانية القاضي ميشال طرزي الذي سمح ببقائه في مجلس القضاء لعدم تجاوز ولايته في المجلس السابق السنة ونصف السنة وهذا ما تتيحه المادة الثانية المعدّلة من الباب الأوّل من قانون القضاء العدلي بعكس ما حصل مع جون القزي في مجلس 2006، إذ لم يقبل رئيس الحكومة آنذاك فؤاد السنيورة بالتمديد له في ظلم كبير بات علامة فارقة في تاريخ القضاء.
أمّا مقاعد بيروت، فذهبت إلى كلّ من غالب غانم، سعيد ميرزا، أكرم بعاصيري (منذ آذار 2010) الياس بو ناصيف، نديم عبد الملك (تقاعد فخلفه غسّان رباح في رئاسة محكمة التمييز وعضوية مجلس القضاء)، سامي منصور، مروان كركبي بصفته رئيسًا لهيئة القضايا في وزارة العدل، وجان فهد.
وفي مجلس العامين 2012-2015 تمثّلت بيروت بسبعة قضاة، والشمال بقاض وحيد هو رضا رعد، والبقاع بقاض وحيد هو أسامة اللحام، وجبل لبنان وتحديدًا جديدة المتن بقاض وحيدة هي ميرنا بيضا، وشهد انتخاب أوّل قاض إمرأة من رؤساء محاكم التمييز هي سهير الحركة، وتعاقب على رئاسة النيابة العامة التمييزية ثلاثة قضاة هم: سعيد ميرزا(تقاعد في 30 تموز 2012، وحاتم ماضي(تقاعد في 5 حزيران 2013) وسمير حمود(عيّن نائبًا عامًا تمييزيًا في 9 نيسان 2014) ودخل الثلاثة بطبيعة الحال، إلى مجلس القضاء كون منصبهم حكميًا.
وحظي جبل لبنان في مجلس العامين 2015 -2018 بعضوية قاضيين هما عفيف الحكيم ومحمّد وسام المرتضى، فيما آلت المراكز الأخرى لبيروت، وطبعًا إستمرّ تمثيل إحدى وحدات وزارة العدل فكان مروان كركبي، ثمّ هيلانة اسكندر التي خلفته في رئاسة هيئة القضايا وفي عضوية مجلس القضاء.
وفي مجلس العامين 2018-2021 نال جبل لبنان عضوين، واحد عن بعبدا(منذر ذبيان) وواحد عن جديدة المتن(القاضي إليان صابر)، وذهب البقيّة لبيروت، ومدّدت ولاية هيلانة اسكندر أيضًا، وكيف لا والعماد ميشال عون موجود في سدّة الرئاسة الأولى؟
وفي مجلس العامين 2021 – 2024 تمثّل جبل لبنان بقاضيين واحد عن بعبدا ميراي الحدّاد، وواحد عن جديدة المتن الياس ريشا، واستعاد الشمال موقعه في المجلس من خلال عضو واحد هو القاضي داني شبلي، وانخفض تمثيل بيروت إلى ستّة بسبب خلو محاكم التمييز من رؤساء أصيلين، وقد تمثّلت بقاض واحد هو عفيف الحكيم الذي فاز بالتزكية في انتخابات ليست حامية على الإطلاق. وغيّبت وحدات وزارة العدل للمرّة الأولى.
وهكذا يكون تمثيل المحافظات قد حصل على النحو التالي: النبطية مرّة واحدة، البقاع مرّة واحدة، الشمال ثلاث مرّات، جبل لبنان “بضفّتيه” بعبدا وجديدة المتن على الدوام في كلّ المجالس المذكورة ووصل العدد إلى إثني عشر قاضيًا، وبيروت أيضًا على الدوام وبالأكثرية الساحقة، فيما غاب الجنوب كلّيًا.
المنحى السياسي
أمّا رؤساء المجلس منذ العام 2002 فقدموا من مراكز مختلفة من القضاء بحسب الهوى والمنحى السياسي في البلاد، فالقاضي نصري لحود كان مفوّض الحكومة في المحكمة العسكرية وجاء به شقيقه رئيس الجمهورية العماد إميل لحود على الرغم من معارضة رئيس الحكومة آنذاك رفيق الحريري، رئيسًا لمجلس القضاء لمدّة لم تصل إلى سنة، بل بلغت 285 يومًا أيّ تسعة شهور وإثنا عشر يومًا. وخلفه الرئيس الأوّل لمحاكم الاستئناف في بيروت القاضي طانيوس الخوري وتبعه رئيس الغرفة في مجلس شورى الدولة القاضي أنطوان خير الذي اتفق الوزيران بهيج طبارة وخالد قباني على نقله من القضاء الإداري إلى القضاء العدلي وعرضا الأمر عليه خلال مأدبة عشاء فوافق دون أدنى تردّد، وهو أمر كرّره بتفضيله الإنتقال إلى المجلس الدستوري ولكنْ من دون ترؤسه هذه المرّة، فطلب إنهاء خدماته من القضاء في العام 2008 لينضمّ إلى المجلس الدستوري حيث كانت عضويته مضمونة، وهذا ما أتاح للقاضي غالب غانم أن يعود من رئاسة مجلس شورى الدولة إلى رئاسة مجلس القضاء خصوصًا وأنّ دخوله إلى السلطة القضائية بدأ في القضاء العدلي.
ومن حقّ القضاة الموارنة أن يطمحوا بأن يعيّنوا يومًا ما رؤساء أُوَل لمحاكم الاستئناف في بيروت، لأنّ هذا المركز، باعتقادهم، يمهّد الطريق إلى مركز الرئيس الأوّل لمحاكم التمييز، وهكذا جاء القضاة طانيوس الخوري وجان فهد وسهيل عبود مثلًا.
المجلس الأكثر إنتاجية
والحقّ يقال إنّ مجلس القضاء الأعلى الذي امتدت ولايته بين العامين 2002 و2005 والذي كان يقبض عليه النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم تحديدًا، هو الأكثر إنتاجية بين كلّ مجالس القضاء منذ بدء انتخاب محاكم التمييز من حيث إعداد مراسيم تشكيلات قضائية وإصدارها، إذ بلغت ثلاثة مراسيم شاملة ومرسومًا واحدًا لتشكيلات جزئية هي: المرسوم الرقم 8636 تاريخ 2022/9/12، المرسوم الرقم 10084 تاريخ 2003/5/12 (جزئي)، المرسوم الرقم 11237 تاريخ 2023/10/24، والمرسوم الرقم 13653 تاريخ 2004/11/26. وتألّف هذا المجلس من القضاة نصري لحود(بدءًا من 2002/1/29 وتقاعد في 2002/11/9 فخلفه طانيوس الخوري في 2002/11/11 وتقاعد بدوره في 2005/8/24 فخلفه أنطوان خير في 2005/10/8)، عدنان عضوم (إلى حين تعيينه وزيرًا للعدل في 2004/10/26 وإنْ احتفظ به لنفسه ضمنيًا واستلمته القاضي ربيعة عميش قدورة بالإنتداب من دون الدخول إلى عضوية مجلس القضاء، إلى حين تعيين سعيد ميرزا نائبًا عامًا تمييزيًا في 2005/5/5)، طارق زيادة (لغاية تقاعده في 2004/7/24 وخلفه محمّد علي عويضة في 2004/11/26)، عفيف شمس الدين، وغسّان أبو علوان، وبشارة متى، ومهيب معماري، وسامي منصور، ومروان كركبي، وجورج عواد(إلى حين تعيينه رئيسًا لهيئة التفتيش المركزي في 2004/12/3، فخلفه جون القزي في 2005/1/15 وتولّى مركز أمين السرّ كونه أصغر الأعضاء سنًّا).
أما مجالس القضاء الأعلى الأخرى فاقتصرت حصّتها من إعداد التشكيلات القضائية وإصدارها على الشكل التالي:
• مجلس العامين 2006 و2009 أصدر مرسوم واحدًا لتشكيلات شاملة في العام 2009 في عهد رئيسه غالب غانم الذي كان قد خلف أنطوان خير في 22 كانون الأوّل 2008، وهذا المجلس أعدّ مرسوم تشكيلات لم تبصر النور في عهد خير في العام 2007 بعدما سارع وزير العدل آنذاك شارل رزق إلى دفنه عبر نشره في صحيفة “النهار” منعًا من صدوره رسميًا، والسبب خلافات سياسية، مع التذكير هنا بأنّ رزق الطامح آنذاك لمنصب رئيس الجمهورية دون أن يراه، كان من فريق لحود، ثمّ انقلب عليه و”كوّع” وسط إغراءات من دول خارجية وأطراف داخلية لعلّه يحظى بالرئاسة الأولى، ولذلك عمد إلى إطفاء التشكيلات القضائية، معتقدًا أنّه بهذا التصرّف المسيء إلى السلطة القضائية، لا يُغضب أحدًا، بل يرضي جميع الأطراف السياسية في بلد تتحكّم السلطة السياسية فيه بالتعيينات والتشكيلات القضائية، وبالإذن من “سيمفونية” مبدأ فصل السلطات الضارب عميقًا في غياهب النسيان.
• مجلس العامين 2009 و2012 أصدر بدوره مرسومًا واحدًا لتشكيلات واسعة في العام 2010 في عهد غالب غانم الذي تقاعد في 2 كانون الثاني 2011 وظلّ المنصب شاغرًا بسبب عدم تعيين رئيس أوّل.
• مجلس العامين 2012 و2015 أصدر مرسومًا لتشكيلات جزئية في العام 2014 في عهد جان فهد.
• مجلس العامين 2015 و2018 أصدر مرسومًا لتشكيلات شاملة في العام 2017، في عهد جان فهد. وقد خرقت هذا المرسوم قرارات بالإنتداب والتكليف صدرت بالمفرّق والجملة، بالإضافة إلى تعيين دفعتين من خرّيجي معهد الدروس القضائية بعد تأخير قسري.
• مجلس العامين 2018 و2021 إنهمك بإعداد تشكيلات لم تبصر النور في العام 2020 في عهد سهيل عبود، وهو المجلس الأكثر إنتاجية من حيث النظر في ملاحقة قضاة صدرت بحقّهم قرارات تأديبية مختلفة وخرجوا من القضاء تحت مظلّة “إنهاء خدماتهم الفعلية”! وكان خمسة من هذا المجلس بمن فيهم الرئيس يؤلّفون الهيئة القضائية العليا للتأديب.
• مجلس العامين 2021 و2024 في عهد عبود نفسه، لم يتمكّن من إعداد أيّة تشكيلات بعدما انصرف إلى المناكفات على وقع الخلافات المستشرية والمستحكمة في البلاد في النظرة إلى تحقيقات المحقّق العدلي في قضيّة انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار.
ومن المؤكّد والمحسوم أنّ مجلس القضاء الأعلى المؤلّف من القضاة سهيل عبود وجمال الحجار وأيمن عويدات وسهير الحركة ونسيب إيليا ونوال صليبا ومنى صالح(على أن ينضمّ إليهم لاحقًا، ثلاثة قضاة درزي من محاكم الاستئناف، وشيعي وماروني من محاكم التمييز هما: ندى دكروب وناجي عيد) سيصدر مرسوم تشكيلات قضائية في أوّل عهد رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون وحكومة الرئيس نوّاف سلام، لاعتبارات عديدة منها أنّ مراكز كثيرة باتت شاغرة بفعل التقاعد والوفاة وإنهاء الخدمات والإستقالة، وكثرة الانتدابات إلى درجة الإرهاق الذهني والجسدي والنفسي.
وأمكن للقاضي عبود أن يعوّض بتركيبة مجلس القضاء الجديد ما فاته منذ تعيينه في مركزه كرئيس أوّل لمحاكم التمييز، وبالتالي كرئيس لمجلس القضاء في أيلول العام 2019، إذ أصبحت الأغلبية العددية داخل المجلس قريبة منه، لا بل لصيقة به، إلى حدّ كبير، ممّا يؤشّر على قدرته على التحكّم أكثر بإجراء التشكيلات كما يحلو له وبما يلائم تطلعاته، ولربّما تكون هذه التشكيلات الأخيرة في عهده قبل إحالته على التقاعد في 20 حزيران 2027. ومن المؤكّد أنّها آخر تشكيلات في عهد العضوين الحكميين الآخرين الحجّار وعويدات اللذين يحالان على التقاعد في 25 نيسان 2026 و15 تموز 2026 على التوالي.
“محكمة” – الاثنين في 2025/4/21

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!