أبحاث ودراساتأبرز الأخبارعلم وخبرميديا

هذا هو الحلّ لإخراج مجلس القضاء من أزمته الوجودية وإلّا فانهيار العدلية/علي الموسوي

كتب علي الموسوي:
مرّة جديدة يعيش مجلس القضاء الأعلى أزمة وجودية تهدّد بقاءه واستمراره في السهر على شؤون وشجون القضاء العدلي والحفاظ على كرامته و”استقلاله” ومتابعة حُسْن سير العمل في المحاكم، ما لم يتحرّك المعنيون لمعالجة الوضع قبل 28 أيّار 2021 وهو موعد انتهاء ولاية الأعضاء غير الحكميين البالغ عددهم في الأصل سبعة، والموجود منهم خمسة بعد تقاعد واحد هو كلود كرم واستقالة آخر هو منذر ذبيان.
مجلس الـ 2006
وتختلف هذه الأزمة عمّا شهده مجلس القضاء في العام 2006 يوم حاولت المتغيّرات السياسية التي أعقبت اغتيال الرئيس رفيق الحريري، الهيمنة بالكامل على المجلس، أيّ الإستحواذ على الأعضاء العشرة بقيادة المخطّطين القاضيين سعيد ميرزا ورالف رياشي، ولكنّها فشلت بعد الضربة التي سدّدها لها تصميم الرئيس نبيه بري على اختيار العضوين الشيعيين واستبعاد من جرى التداول باسميهما في السرّ والعلن وهما فيصل حيدر وحبيب مزهر، فكان أن انضمّ القاضيان عبد اللطيف الحسيني وفريال دلول لمرّة واحدة وأخيرة إلى مجلس قضاء تألّف من القضاة أنطوان خير رئيسًا وسعيد ميرزا نائبًا للرئيس والمستمرّ في مركزه رئيس هيئة التفتيش محمّد علي عويضة لعدم القدرة على إقالته بحكم القانون، و”انتخاب” محاكم التمييز القاضيين رالف رياشي وسهيل عبد الصمد ممثّلين عنها.
ولم يكن وزير العدل آنذاك شارل رزق بعيدًا عن أجواء الهيمنة المنتظرة، ولكنّه لم يكن ينوي إغضاب بري ولا إزعاج تيّار “المستقبل” وذلك لتحقيق ما سال له لعابُ خياله بالوصول إلى رئاسة الجمهورية خلفًا لمن نصّبه وزيرًا أيّ العماد إميل لحود ثمّ انقلب عليه.
إنتخابات “معلّبة”
لذا، تأخّرَ تعيين “حصّة” السلطة السياسية الخماسية في مجلس القضاء نحو سبعة شهور، مع أنّ الأعضاء الحكميين الثلاثة هم من صميم هذه الحصّة، وكذا الأمر بالنسبة إلى العضوين المنتخبين من محاكم التمييز بعدما باتت هذه الإنتخابات “معلّبة” في أغلبية المراحل التي مرّت بها من خلال فرض العضوين تحت مسمّى “انتخابات” جاهزة النتيجة خلف كواليس الغرف المغلقة في الطابق الرابع من قصر عدل بيروت.
وتتمثّل الإشكالية راهنًا في عدم وجود العدد الكافي لانتخاب عضوين من بين رؤساء محاكم التمييز بسبب خلوها من المعيّنين بموجب مرسوم تشكيلات في الأصالة وملئها بالإنتداب حيث لا يحقّ للمنتدب الحلول مكان الأصيل، ولا يوجد سوى قاض واحد في رئاسة إحدى غرف محكمة التمييز يحقّ له الترشّح وهو القاضي عفيف الحكيم الذي يرأس الغرفة الرابعة.
خطيئة التشكيلات
ولو أنّ مجلس القضاء الأعلى نجح في تمرير مشروع مرسوم التشكيلات في العام 2020 من دون تحدّي رئيس الجمهورية العماد ميشال عون بعد استبعاد بعض القضاة المحسوبين عليه والمقرّبين منه والمستفيدين من موقعه الرئاسي، في خطأ قاتل وقع فيه المجلس برئاسة القاضي سهيل عبود الذي وافق بكامل إرادته على منح الأطراف السياسية الأخرى “حصصها” في هذه التشكيلات، لو لم تحصل هذه “الدعسة الناقصة”، لما بدت ولادة مجلس قضاء جديد صعبة ومتعثّرة وعسيرة وبحاجة إلى موافقة السلطة السياسية وتوقيع وزير العدل ومن دون أيّ موافقة لا مسبقة ولا مشروطة من رئيس مجلس القضاء على غرار ما هو حاصل في تعيينات أخرى كتسمية واقتراح محقّق عدلي.
وبمعنى أوضح، لو أنّ التشكيلات القضائية أبصرت النور بشكل تلقائي وعادي في العام 2020، لتعيّن رؤساء للغرف الشاغرة في محكمة التمييز بشكل طبيعي وعادي، ولأمكن انتخاب من “يراد” له الترشّح بصورة طبيعية ليكون عضوًا في مجلس القضاء، غير أنّ ما حصل هو استمرار ترؤس قضاة لبعض غرف محكمة التمييز بالإنتداب والتكليف، وهذا حائل قانوني لا يسمح لهم بالترشّح وإجراء “الإنتخابات” وبالتالي تأخير تكوين مجلس قضاء جديد.
بالتفصيل
ولتبسيط الأمور أكثر، فإنّ محكمة التمييز تتألّف في الوقت الحالي، من عشر غرف بينها غرفتان للطائفة السنّية بحسب التوزيع الطائفي المعتمد، ويترأس إحداهما وهي الغرفة السابعة بالأصالة القاضي جمال الحجّار، وتترأس القاضي رولا المصري الغرفة الثانية بالإنتداب، والإثنان لا يحقّ لهما الترشّح عُرْفًا بسبب تمثّل طائفتهما في مجلس القضاء بعضوين حُكميين هما النائب العام التمييزي القاضي غسّان عويدات، ورئيس هيئة التفتيش القضائي بركان سعد، ويبادران كما جرت العادة مع من سبقهما من أبناء طائفتهما خلال جلسة الإنتخاب إلى إعلان انسحابهما، وبالتالي ينقص العدد تلقائيًا إلى ثمانية.
التمديد غير وارد
ولم يعد يحقّ للعضوين الحاليين رئيسة الغرفة الثالثة القاضي سهير الحركة، ورئيس الغرفة العاشرة القاضي روكس رزق الترشّح لولاية ثانية بحكم الفقرة جيم من المادة الثانية من قانون القضاء العدلي(المرسوم الإشتراعي رقم 1985/22 والمعدّل بالقانون رقم 2001/389) والتي حجبت التمديد نهائيًا ومهما كانت الظروف، وجعلت إمكانية التجديد واردة ولكنْ بعد مرور ولاية كاملة أيّ ثلاث سنوات بالتمام والكمال، وبالتالي يقلّ العدد إلى ستّة.
وأحيل رئيس الغرفة الخامسة لمحكمة التمييز القاضي ميشال طرزي على التقاعد في 13 آذار 2021 لتصبح الرئاسة فارغة وتنضمّ هذه الغرفة إلى بقيّة الغرف الشاغرة وهي:
• الغرفة الأولى التي تقاعد رئيسها القاضي كلود كرم في 31 أيّار 2020، وهو كان عضوًا منتخبًا في مجلس القضاء، ويتناوب على ترؤسها بالتكليف بقرار من الرئيس الأوّل لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود، أحد رؤساء غرف محكمة التمييز المدنية القضاة رولا المصري أو جمال الخوري أو روكس رزق من أجل تسيير أعمالها وملفّاتها.
• الغرفة السادسة التي تقاعد رئيسها القاضي جوزف سماحة في 28 شباط 2020، ويتناوب على ترؤسها شهريًا بالتكليف القاضيان سهير الحركة وجمال الحجّار بعدما مرّ في رئاستها بالإنتداب بصورة عابرة ولفترة زمنية قصيرة جدًّا القاضي صقر صقر وهو مستشار فيها بحسب مرسوم تشكيلات العام 2017 ومنتدب لترؤس محكمة التمييز العسكرية الناظرة في دعاوى الجنح.
• الغرفة الثامنة التي تقاعد رئيسها القاضي غسّان فوّاز في 2 تشرين الأوّل 2019، وحلّت مكانه بالإنتداب مؤقّتًا المستشارة في الغرفة القاضي مايا ماجد من باب “حفظ الحقّ” للطائفة الشيعية كونها مخصّصة لها عُرْفًا حسب التوزيع الطائفي المعتمد، وقد ورد في مشروع التشكيلات القضائية الذي انتهى مفعوله قبل ولادته في العام 2020 اسم القاضي ماجد مزيحم لرئاسة هذه الغرفة، وهو جدير بها وأهل لها وأعلى درجة وأكثر خبرة وممارسة من سواه من أبناء طائفته القضاة، مع التذكير بأنّه يتقاعد في 20 شباط 2024.
• الغرفة التاسعة التي تقاعد رئيسها القاضي جان عيد في 10 تموز 2018 واستلمتها بالإنتداب المستشارة في الغرفة نفسها القاضي جمال الخوري التي تتقاعد بدورها في 25 أيلول 2022.
الحكيم حتمًا
ولم يعد متبقيًا من رؤساء غرف محكمة التمييز سوى القاضي عفيف الحكيم الذي سبق له أن كان عضوًا في مجلس القضاء الأعلى بموجب المرسوم رقم 2131 الصادر في 28 أيّار 2015، ثمّ استقال قبل فترة وجيزة من صدور مرسوم التشكيلات القضائية في 10 تشرين الأوّل 2017 لكي يعيّن رئيسًا للغرفة الرابعة في محكمة التمييز لأنّ بقاءه في عضوية مجلس القضاء لا يتيح له تشكيل نفسه وهو في الأصل عيّن عضوًا فيه كممثّل عن محاكم الإستئناف، إذ إنّه كان رئيساً للغرفة السابعة لمحكمة الإستئناف في جبل لبنان(الهيئة الإتهامية).
الحلّ
وتأسيساً على ما تقدّم، فإنّ الحل الوحيد والبسيط يكمن في المبادرة إلى ملء المراكز الشاغرة في رئاسة غرف محكمة التمييز قبل 20 أيّار 2021 عبر تثبيت المنتدبين المصري والخوري، وتعيين من وردت أسماؤهم في مشروع التشكيلات في العام 2020 وهم القضاة: ناجي عيد في الغرفة الأولى، ورندى كفوري في الغرفة السادسة، وماجد مزيحم في الغرفة الثامنة، واختيار قاض من طائفة الروم الأرثوذكس للحلول مكان طرزي تمهيدًا لإجراء الانتخابات المحصورة بين الراغبين بالترشّح، ومن باب الإفتراض المسبق هم: مزيحم والحكيم وعيد والخوري والمعيّن مكان طرزي(إمّا القاضي نسيب إيليا أو القاضي سانيا نصر باعتبار أنّ عبود يريد القاضي ميرنا بيضا المقرّبة منه رئيسًا أوّل لمحكمة الاستئناف في جبل لبنان بعد استقالة القاضي رجا خوري)، فيما الآخرون خارج حلبة السباق.
العرف
فالقاضي كفوري تستنكف عن الترشّح لسبب وحيد وبسيط، وهو أنّه بحسب العرْف المتبع لا يمكن اختيار قاضيين من طائفة الروم الكاثوليك في عضوية مجلس القضاء الأعلى الموزّع مناصفة بين خمسة مسلمين وخمسة مسيحيين، ذلك أنّ رئيسة هيئة التشريع والإستشارات في وزارة العدل القاضي جويل فوّاز تخلف حتمًا وحكْمًا زميلتها وابنة طائفتها رئيسة هيئة القضايا في وزارة العدل القاضي هيلانة اسكندر، ولا يمكن الخروج على التداول المتبع بين هاتين الوحدتين مع معهد الدروس القضائية كممثّل عن وزارة العدل، كما أنّه لا يعتدّ إلاّ بطائفة القاضية لا بطائفة زوجها إنْ كانت متزوّجة من طائفة أخرى، مع الإشارة إلى أنّ فوّاز واسكندر متزوّجتان من مارونيين هما القاضي المتقاعد هنري الخوري والمحامي سليمان سليمان على التوالي.
والجدير ذكره هنا أنّ اسكندر عيّنت عضوًا في مجلس القضاء الأعلى بموجب المرسوم الرقم 464 الصادر في 11 نيسان 2017 وذلك خلفًا للقاضي المتقاعد مروان كركبي، أيّ بعد أربعة عشر يومًا على نقلها من رئاسة محكمة الجنايات في بيروت إلى رئاسة هيئة القضايا في 28 آذار 2017 في حقبة وجود المحامي سليم جريصاتي وزيرًا للعدل، ثمّ جُدّد لها كونها لم تبق ولاية كاملة ولم تتجاوز نصف الولاية أيّ سنة وستّة شهور، إذ انتهت ولاية مجلس القضاء في 20 أيّار 2018 أيّ بعد سنة وثلاثة وخمسين يومًا.
سابقة القزي
وسبق أن حالت السلطة السياسية دون تجديد ولاية القاضي جون القزي في عضوية مجلس القضاء الأعلى الذي دخله لمرّة وحيدة في 15 كانون الثاني 2005 بموجب المرسوم رقم 13987 خلفًا للقاضي جورج عوّاد الذي نقل إلى الإدارة وعيّن رئيسًا لإدارة التفتيش المركزي ثمّ استقال في العام 2017 وعاد إلى القضاء ليلحق بوزير العدل من دون أن يقوم بأيّ عمل قضائي وهو يحال على التقاعد في الأوّل من شهر كانون الثاني 2022، بينما الوزير جريصاتي الذي قبل بوضع عوّاد تحت جناحه في الوزارة، طلب من القاضي الملحق بوزير العدل وائل مرتضى تقديم استقالته، ففعل في العام 2017 أيضًا، في مفارقة في التعامل لا تخلو من الطائفية!
ويومذاك إنتهت ولاية مجلس القضاء الأعلى في أيّار 2006 ولم يكن القزّي قد أكمل نصف ولايته(بقي عضوًا سنة وأربعة شهور ونيّف)، غير أنّ “الفيتو” السياسي من رئيس مجلس الوزراء فؤاد السنيورة عليه، إقتضى استبعاده ظلمًا وعدوانًا وانتقامًا منه، وذلك على خلفية مثول السنيورة أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان جوزف القزي والد زوجة القاضي جون القزي في ملفّ إنشاء محرقة نفايات في محلّة برج حمود وكاد يوقفه لو لم يتهرّب عبر تقديم دفع شكلي، ويسارع الرئيس رفيق الحريري إلى التدخّل شخصيًا لدى رئيس الجمهورية العماد إميل لحود وممثّل النظام السوري في لبنان غازي كنعان للحؤول دون حصول هذا التوقيف، ثمّ جرى استئناف ردّ الدفع الشكلي من دون أن يعود الملفّ إلى القاضي جوزف القزّي من خلال الإلتفاف على القانون بداعي أنّ ملاحقة السنيورة يجب أن تتمّ أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، وهو ما انتهى بإقفال الملفّ في المجلس النيابي!
دكروب
وإنْ كان معهد الدروس القضائية ضمن هيئات وزارة العدل، إلّا أنّه لا يمكن تعيين رئيسته القاضي ندى دكروب عضوًا في مجلس القضاء الأعلى، ذلك أنّها معيّنة في الأصل بموجب مرسوم التشكيلات القضائية رقم 1570 الصادر في 10 تشرين الأوّل 2017 محاميًا عامًا لدى محكمة التمييز، وترأس المعهد بالإنتداب بموجب المرسوم رقم 11127 الصادر في 30 كانون الثاني 2014.
ولا يمكن أن تتمثّل النيابة العامة التمييزية بعضوين في مجلس القضاء، هما رئيسها النائب العام ومحام عام، ولم يرد أيّ نصّ على هذا الأمر في قانون القضاء العدلي الذي حصر التمثيل برؤساء محاكم التمييز ومحاكم الاستئناف والدرجة الأولى والوحدات في وزارة العدل، لا بل إنّه لا يحقّ للمحامي العام التمييزي الأعلى درجة بين زملائه القضاة في النيابة العامة التمييزية الحلول مكان النائب العام التمييزي في عضوية مجلس القضاء بعد تقاعده وفي حال شغور الموقع، كما حدث عند تعيين النائب العام التمييزي القاضي عدنان عضوم وزيرًا للعدل في 26 تشرين الأوّل 2004، وعند تقاعد سعيد ميرزا في 30 تموز 2012 حيث تأخّر تعيين القاضي حاتم ماضي نائبًا عامًا تمييزيًا لغاية 16 تشرين الأوّل 2012، وعند تقاعد ماضي في 5 حزيران 2013، وتثبيت سمير حمود في منصب نائب عام تمييزي بتعيينه في 9 نيسان 2014، وعند تقاعد حمود في الأوّل من أيّار 2019 وتعيين القاضي غسّان عويدات في 12 أيلول 2019.
والوضع نفسه بالنسبة إلى المفتّش العام الأعلى درجة الذي يرأس هيئة التفتيش القضائي بعد تقاعد رئيسها وعدم تعيين قاض مكانه، فلا يجوز له أن يشغل مركزه في عضوية مجلس القضاء الأعلى أو يحضر اجتماعات هذا المجلس بهذه الصفة، وهذا ما حصل مع القضاة أنطوني عيسى الخوري ومحمّد سمير حاطوم ومالك صعيبي في الأعوام 2008 و2009 و2016 بعد تقاعد رئيسي هيئة التفتيش القاضيين محمّد علي عويضة وأكرم بعاصيري في الأوّل من آب 2008، و29 كانون الأوّل 2016 على التوالي.
تأخّر عبود
وكان يفترض بالرئيس الأوّل لمحكمة التمييز القاضي سهيل عبود وهو رئيس مجلس القضاء الأعلى حكمًا، أن يبادر قبل شهر واحد من موعد انتهاء ولاية مجلس القضاء وبالتالي ولاية العضوين المنتخبين من محاكم التمييز، إلى تحديد جلسة انتخاب عامة يشارك فيها كلّ القضاة الموجودين في محاكم التمييز من رؤساء ومستشارين، لكنّه لم يتمكّن من تنفيذ النصّ القانوني المتمثّل بالفقرة (باء) من المادة الثانية من قانون القضاء العدلي والرامي إلى وجوب الدعوة إلى هذه الانتخابات قبل شهر من انتهاء ولاية المجلس، علمًا أنّ مهلة الشهر المحدّدة هي مهلة حثّ، وليست مهلة إسقاط.
مرسوم “التمييز” عام 2014
وسبق أن شهد القضاء صدور مرسوم تشكيلات قضائية جزئية مخصّصة لتعيين رؤساء في غرف محاكم التمييز في 23 كانون الأوّل 2014 بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان ودخول لبنان في فترة “الفراغ الرئاسي”.
وحمل مرسوم التعيين الرقم 1257 وتواقيع رئيس مجلس الوزراء تمام سلام والوزراء سمير مقبل، بطرس حرب، أكرم شهيب، غازي زعيتر، أرثيور نظريان، ميشال فرعون، علي حسن خليل، محمد فنيش، وائل أبو فاعور، جبران باسيل، حسين الحاج حسن، نهاد المشنوق، نبيل دي فريج، رمزي جريج، رشيد درباس، عبد المطلّب الحنّاوي، سجعان القزّي، أشرف ريفي، آلان الحكيم، ريمون عريجي، والياس بو صعب.
وشمل هذا المرسوم تعيين القضاة حبيب حدثي، وليد القاضي، ميشال طرزي، بركان سعد، غسّان فوّاز، وجان عيد رؤساء الغرف الأولى والرابعة والخامسة والسابعة والثامنة والتاسعة في محكمة التمييز على التوالي. ونشر في العدد رقم واحد من الجريدة الرسمية الصادر في الأوّل من كانون الثاني 2015.
حلّ إضافي
وفي حال لم يجر إصدار مرسوم تشكيلات قضائية جزئية مخصّصة فقط لتعيين رؤساء محاكم التمييز المحكى عنهم آنفًا، بتثبيت المنتدبين منهم الموجودين في مراكزهم، ونقل الآخرين الذين وردت أسماؤهم في مشروع التشكيلات القضائية في العام 2020 إلى مواقعهم، ولم يكن ثمّة خلاف أو اعتراض على أحد منهم، فإنّ الحلّ الثاني يكمن في اللجوء إلى فتوى “الضرورات تبيح المحظورات” بالسماح للقضاة المنتدبين في ترؤس غرف محاكم التمييز بالترشّح لانتخابات هذه المحاكم، فيفوز بالتزكية القاضيان عفيف الحكيم وجمال الخوري لأنّهما الوحيدان المخوّلان بالترشّح بحسب الشرح التفصيلي الذي قدّمناه سابقًا، ويتقدّم الحكيم على الخوري كونه أصيلًا وهي منتدبة حتّى ولو كانت أكبر منه سنًّا وأعلى منه درجة.
أسبقية دلول
وقد حصلت سابقة في تاريخ القضاء بتعيين قاض منتدب في عضوية مجلس القضاء الأعلى، هي القاضي فريال دلول في العام 2006 حيث كانت ترأس محكمة البداية في النبطية بالإنتداب مع رئاسة مجلس العمل التحكيمي بالأصالة بحسب مرسوم التشكيلات القضائية رقم 13653 الصادر في 26 تشرين الثاني 2004. وطبعًا عيّنت لتكون ممثّلة لمحاكم الدرجة الأولى والأقسام أيّ القضاة المنفردين، ويومها خرج بهذه الفتوى السابقة التاريخية القضاة الثلاثة خير وميرزا وعويضة بالتكافل والتضامن مع الوزير رزق إرضاء للرئيس بري، فقد التقت مصالح الثلاثة بوجوب تشكيل مجلس قضاء مع مصلحة رزق السياسية التي أشرنا إليها آنفًا، وخرج الدخان الأبيض بتسمية دلول زوجة نائب رئيس حركة أمل المحامي هيثم جمعة.
مرسوم عادي
وفي ضوء نتيجة انتخابات محكمة التمييز، يعمد وزير العدل إلى تعيين الأعضاء الخمسة الآخرين بحسب التمثيل الطائفي، ويتوزّعون بين قاض عن محاكم التمييز، وقاضيين عن محاكم الإستئناف، وقاض عن وحدتي وزارة العدل، وقاض عن محاكم البداية والقضاة المنفردين(الأقسام) ويكون أمين سرّ المجلس وأصغر الأعضاء سنًا ودرجة. ويجب أن تسبق انتخاباتُ محكمة التمييز تعيينَ الأعضاء الخمسة من أجل معرفة التوزيع الطائفي الذي يعلو على كلّ شيء في لبنان.
ولا يحتاج مرسوم تعيين هؤلاء الخمسة إلى اجتماع لمجلس الوزراء، لأنّه مرسوم عادي، كما أنّه لا يعوز أيّة موافقة استثنائية مثل مراسيم ترقية الضبّاط في المؤسّسات العسكرية والأمنية اللبنانية الرسمية، ويقتصر التوقيع عليه من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير العدل فقط، ولا حاجة على الإطلاق لتوقيع وزير المالية لأنّه لا يرتّب أعباء مالية على خزينة الدولة.
أسماء مشاكسة
ولا شكّ أنّ السلطة السياسية لن تتهاون إزاء اختيار حصّتها في مجلس القضاء بعد التجربة “المريرة” التي واجهتها في مشروع التشكيلات القضائية في العام 2020، لذا يرجّح انتقاء أسماء “مشاكسة” ولا تهادن! وهذا المجلس تنتهي ولايته في العام 2024 أيّ بعد انتهاء عهد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في 31 تشرين الأوّل 2022.
معلومة
ويفترض عدم الاستهانة بانتخاب محكمة التمييز رئيسي غرفتين ممثّلين عنها، إذ إنّ المنتخبين الإثنين يتقدّمان بروتوكوليًا على زميلهم رئيس الغرفة الثالث المعيّن من وزير العدل حتّى ولو كان أعلى منهما درجة وأقدمية وأكبر سنًّا، والمثال البسيط على هذا الكلام، أنّ القاضي سهير الحركة كانت تجلس قبل زميلها القاض روكس رزق في لقاءات مجلس القضاء الأعلى مع رئيس الجمهورية أو رئيس المجلس النيابي أو رئيس مجلس الوزراء، مع أنّ رزق في الدرجة 23 وأكبر سنًّا إذ يتقاعد في 12 كانون الثاني 2022، بينما الحركة في الدرجة 22 وتبلغ السنّ الرسمي للتقاعد المحدّد بـ 68 عامًا، في 25 آب 2028.
الخلاصة
إنّ أيّ نظرة خارج هذه المعادلة، وهذا الشرح الوافي والكافي، يكون القضاء أمام فراغ في مجلس القضاء الأعلى حيث لا يعود قادرًا على الإجتماع الذي يفترض وجود ستّة أعضاء على الأقلّ لكي يكون قانونيًا، ولا قادرًا على إجراء مناقلات وانتدابات قضائية، ولا على تأليف المجلس التأديبي للقضاة ولا الهيئة القضائية العليا للتأديب، والأفظع من كلّ ذلك، أنّ عدم تعيين رؤساء غرف لمحكمة التمييز يطيح الهيئة العامة لمحكمة التمييز مع ما يعنيه وجودها من أهمّية بالغة القصوى في العمل القانوني والقضائي بوصفها محكمة النقض الأعلى في لبنان.
إنْ لم يتمّ اتباع هذا المخرج الإلزامي لإنقاذ العدلية قبل 28 أيّار 2021، فليس ثمّة خيار آخر سوى الإنهيار بمعناه القاتل للعدالة والوطن والإنسان، وعندها السلام على القضاء!
“محكمة” – الأحد في 2021/5/2
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتبادل أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!