أبحاث ودراسات

أوّل زواج مدني”أونلاين” في لبنان.. والتسجيل قانوني!/سماهر برهان الطويل

المحامية سماهر برهان الطويل:
تزوّج عمر(درزي) بنجوى(شيعية) حسب القانون المدني الأميركي، وهما لبنانيان عقدا قرانهما على الأراضي اللبنانية عبر شبكة الإنترنت بالإستعانة بقاضٍ أميركي من ولاية يوتا.
وهذه ظاهرة جديدة في لبنان، وقد أثارت ضجّة على مواقع التواصل الإجتماعي. فكانت الآراء متعارضة، فمنهم من قال إنّ الزواج لا يسجّل بحجّة أنّ الدولة اللبنانية لا تعترف بالزواج المدني المعقود على أراضيها، وآخرون لم يروا مانعًا من تسجيله طالما السلطة التي عقدت الزواج ليست الدولة اللبنانية.
عادةً كان الزواج المدني يتمّ في الخارج ويسجّل في دوائر الأحوال الشخصية. وهنالك حالات عقد فيها الزواج أمام كاتب عدل في لبنان، ولكن عُرقل تسجيله بحجّة أنّه عُقد على الأراضي اللبنانية وهذا ما يخالف النظام العام اللبناني. بنتيجته بقيَ الزواج في لبنان “مؤسّسة دينية” تخضع واقعًا ووجوبًا ولزومًا لنظام طوائفي.
بما أنّ من مستلزمات الشراكة الوقوف على إرادة الفريقين في تقرير حياتهما الزوجية ومتطلّباتها، وكون حالة الزوجين هنا من طائفتين مختلفتين درزي وشيعية، والطائفتان لا تعترفان بزواجهما. فبالنسبة للطائفة الدرزية تحظّر الزواج بين فريقين أحدهما غير درزي، وتعتبره في حكم الباطل بطلانًا مطلقًا بحيث لا ينتج أيّ مفاعيل شرعية.
وبالنسبة للسنة والشيعة الجعفريين، فإنّه لا يجوز للمسلم أن يتزوّج من درزية، ولا المرأة المسلمة أن تتزوج من درزي، وإن وقع ذلك وجب على المرأة فراقه دون طلاق لأنّ الطلاق لا يكون إلّا لزواج صحيح )فتوى رقم 593 تاريخ 2012/1/12).
وقد رفض رجل دين شيعي زواجهما إلّا إذا أعلن عمر اعتناقه المذهب الشيعي” كما قيل”، ولكن يجب التنويه بأنّ تبديل الدين أو المذهب، هو في الأساس عقيدة واقتناع وجداني وإيمان يضطرّ معها المرء للتحوّل من دين نشأ عليه إلى اعتناق دين آخر يلتزمه بالإختيار، ولا يجب أن يكون تبديل الدين مظهرًا فقط لتحقيق أهداف معينة.
وطالما أنّ المشرّع اللبناني اعتبر الزواج المدني الحاصل في الخارج صحيحًا، ويعترف بمفاعيله كاملة، وينصّ على قيده في السجّلات اللبنانية مع بقائه خاضعًا للقانون الذي احتفل بموجبه في بلد الإبرام. وهذا ما نصّت عليه المادة 25 من القرار 60 ل.ر الصادر في 1936/3/13:”إذا عقد في بلد أجنبي زواج بين سوري ولبناني أو بين سوري أو لبناني وأجنبي كان صحيحًا إذا احتفل به وفقًا للأشكال المتبعة في هذا البلد”.
وحيثُ إنّ تسجيل الزواج الذي عقد في بلاد أجنبية يحتاج إلى وثيقة الزواج المنظّمة، بعد أن تصدّق من قنصلية لبنانية في البلد الذي تمّ فيه الزواج كما تنصّ على ذلك المادة 26 من قانون قيد وثائق الأحوال الشخصية الصادر في 1951/12/7.
وبما أنّه لا يوجد نصّ في القانون اللبناني يعترض أو يضع شروطًا معيّنة لكيفية إجراء الزواج المدني في الخارج .
وحيث إنّه طالما استطاع الزوجان الحصول على عقد زواج رسمي معترف به في ذلك البلد الأجنبي(أيّ السلطة التي عقدته)، وتمكّنوا من تصديق وثيقة الزواج من القنصلية اللبنانية، فما المانع من تسجيل زواجهما المدني في دوائر الأحوال الشخصية اللبنانية، طالما أنّ العقد صحيح وصادر عن سلطة أجنبية مختصة، ومعترف به من قبل الأخيرة أيّ أميركا. طالما أنّ عقد الزواج المدني لم يصدر عن السلطة المحلية أيّ الدولة اللبنانية، والعبرة في صحّة عقد الزواج طالما احتفل به وفقًا للطرق المتبعة والمعترف بها في ذلك البلد، فلا شيء يمنع من تسجيله.
وهناك رأي يقول إنّه لو عقد الزواج في السفارة الأميركية كونها تعتبر أرضًا تابعة لأميركا فلا شيء يمنع من تسجيله، ولكن استخدام شبكة الانترنت أصبح مهمًّا في عصرنا وهو لا يتعّدى عن كونه وسيلة أو إجراء شكلي لا يضرب جوهر العقد الصحيح المتوافق مع القوانين التي خضع لها، فكان استخدام إحدى وسائل التواصل الإجتماعي مجرّد وسيلة لاختصار المسافات.
للإمتثال أمام القاضي المختص بعقد الزواج والإنترنت أصبح يدخل في عدّة مجالات غير الزواج ويعترف بها بالمجال التجاري في العقود، في المرافعات أمام المحاكم وغيرها، ويترتّب عليها مفاعيل قانونية.
فالحلّ الذي اعتمده هذان الطرفان، كان الزواج المدني المعقود عبر شبكة الإنترنت، لأنّ الضائقة المالية منعتهما من السفر للخارج، لعقد زواجهما فما كان الحلّ إلّا عبر العالم الإفتراضي، وطالما أنّ عقد الزواج عقد من سلطة أجنبية مختصّة فلا شيء يهدّد النظام العام اللبناني (الطائفي)، وفكرة النظام العام لا تتصف بالجمود، بل هي قابلة للتطوّر ومراعاة متطلبات العصر، والحلّ في اعتماد نظام عام دقيق ومَرِن، تلبّي مرونته الإستجابة للتوجّهات المتعدّدة وتتلاءم مع القيم الإجتماعية المتماشية مع الحقوق والعدالة. لذلك فإنّ المفهوم للنظام العام في مادة الزيجات والأحوال الشخصية يجب أن يتبدّل، كون هناك شريحة لا يستهان بها تؤمن بالزواج المدني!
في النهاية، هل هذه الطريقة في الزواج المدني ستفتح الأبواب للكثير من الزيجات المدنية في لبنان؟ طبعاً، الحلّ نحو تموضع جديد في نظام الأحوال الشخصية في لبنان وهو احترام إرادة هؤلاء الأشخاص عبر تشريع قانون مدني إختياري يضع ضوابط لهذا الزواج ويحفظ سيادة لبنان. طبعاً مع احترام الإنتماء الطائفي للأفراد الذي يختارون- من منطلق إيمانهم- تطبيق القانون الديني على أحوالهم الشخصية.
هذا الطرح لا يتعدّى عن كونه رأيًا أردت من خلاله تصويب الهدف.
“محكمة” – السبت في 2022/7/16

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!