أبحاث ودراسات

في تحسين جباية الرسوم البلدية في ظلّ انخفاض قيمة العملة الوطنية/عصام اسماعيل

الدكتور عصام إسماعيل (أستاذ القانون الإداري في الجامعة اللبنانية ومحامي بلدية بيروت):
تتولّى البلديات في لبنان دوراً محورياً في تلبية احتياجات المواطنين، وازدادت هذه الموجبات مع الأزمات المستجدة في كافة القطاعات الحيوية، حيث عجزت الإدارة المركزية والمؤسسات العامة عن تأدية واجبها، ما دفع البلديات إلى التدخل لتأمين الحد الأدنى من مستلزمات صمود المواطن، واستندت البلديات في القيام بهذه الأعمال إلى المادة 47 من قانون البلديات التي نصّت على أن:” كل عمل ذي طابع أو منفعة عامة، في النطاق البلدي، من اختصاص المجلس البلدي”.
إلا أن قيام البلديات بهذه الأعمال يستدعي توافر كتلة نقدية كافية لانفاقها في المشاريع الحيوية التي ترغب بتنفيذها، فكانت المعضلة أن البلديات تتقاضى الرسوم بالعملة اللبنانية وفق أحكام قانون الرسوم والعلاوات البلدية الصادر تحت رقم 60 تاريخ 1988/8/13، فكان عليها إيجاد الحلول من خلال كتلة الصلاحيات الواسعة التي تمتعت بها المجالس البلدية وفق قانون البلديات، بحيث تسعى هذه البلديات إلى التوفيق بين قواعد اللامركزية الإدارية التي تمنحها الاستقلال المالية وبين نصّ المادة 49 من قانون البلديات على أن :”تحديد معدلات الرسوم البلدية في الحدود المعينة في القانون”، إذ إنّ قواعد اللامركزية تستدعي أن يتاح لهذه الهيئات المحلية القدرة على تحصيل عائدات مالية كافية لتغطية نفقاتها، وإلا فقدت هذه الاستقلالية جدواها، وبالمقارنة بالمؤسسات العامة التي هي الوجه الآخر للامركزية الإدارية نجد أن البند الثامن للمادة 10 من النظام العام للمؤسسات العامة الصادر بالمرسوم رقم 4517 تاريخ 1972/12/13 قد نصّ على أن :” يضع مجلس الادارة التعرفات واسعار البيع والشراء وبدلات الخدمات التي تقدمها المؤسسة”.
وبالفعل، فإن المشترع لم يشأ تقييد السلطات المحلية بقيود رقمية مكبّلة في تعيين الرسوم، إذ وبقراءة للتحديدات الواردة في قانون الرسوم والعلاوات البلدية، نجد أن المشترع استخدم ثلاثة تحديدات مختلفة لاحتساب الرسوم البلدية، الأولى التحديد ما بين حدٍ أدنى وأقصى، والثاني التحديد على أساس نسبة مئوية من قيمة بيعية، والثالث التحديد على أساس نسبة مئوية من رسومٍ مستوفاة من إدارات رسمية لصالح البلديات.
النوع الأول: الرسوم المحددة بين حدّين أقصى وأدنى
عمد المشترع إلى تحديد الحد الأقصى والحد الأدنى لأنواعٍ محددة من الرسوم ، تاركاً للمجالس البلدية تعيين مقدار الرسم بين هذين الحدين، وهي الرسوم المتصلة بالترخيص بإشغال واستثمار أماكن الاجتماع وأندية المراهنات، الرسوم على الإعلان، رسم الترخيص بإشغال الأملاك العمومية البلدية، ترخيص بإنشاء واستثمار محلات ومحطات توزيع المحروقات السائلة، رسم الترخيص بإنشاء واستثمار المؤسسات المصنفة، الرسم على احتراف المهن بالتجول، الرسوم على الذبيحة، رسوم تسجيل عقود الإيجارات، الرسم على الإفادات والبيانات والدروس الفنية.
في هذا النوع من الرسوم، فإن المشترع قد ألزم البلديات بهامشٍ محددٍ في تحديد الرسم لا تستطيع تخطيه إلا بموجب تعديلٍ تشريعي. ولما كان الحد الأقصى الذي يمكن للبلديات فرضه قد فقد قيمته الفعلية، إلا أن البلديات لا تستطيع تخطي الأرقام الثابتة المحددة بموجب قانون إلا بتدخلٍ تشريعي.
وهنا تقع مسؤولية رفع اقتراح التعديل على عاتق البلديات التي يتوجّب عليها إعداد مشروع قانون مستقل أو إدراج التعديلات ضمن مشروع قانون الموازنة العامة، بحيث يتولى وزير الداخلية والبلديات رفع هذا المشروع التعديلي إلى مجلس الوزراء لإقراره.
النوع الثاني: الرسوم المحددة على أساس نسبة مئوية من قيمة بيعية
في هذا النوع من الرسوم، لم يشأ المشترع تقييد البلديات بهامش ضيق في تعيينها، فوجد أن العدالة تفترض أن لا يكون الرسم معيّناً تشريعياً برقمٍ مالي ثابت، إذ وجد أن التفاوت في قيمة محل الرسم تستدعي التفاوت في الضريبة، وليس من الانصاف في ظل تفاوت القيمة البيعية أن يكون الرسم ثابتاً، ففي ذلك إخلال بمبدأ المساواة وحرمان البلديات من عائدات مالية تحتاجها في تنفيذ الخدمات العامة للمواطنين.
ولقد وجد المشترع أن من الضروري ترك الخيار للبلدية بتعيين قيمة محل الرسم، واقتصر الالزام على تعيين النسبة المئوية المحدة قانوناً من محل الرسم لتكون هذه النسبة هي الرسم البلدي المتوجب.
تسمح هذه السلطة الممنوحة لكل بلدية بأن تقدّر قيمة محل الرسم وفق المعطيات والظروف المحيطة، وهذا ما استقر عليه اجتهاد مجلس شورى الدولة لناحية جواز إعادة النظر بقيمة محل الرسم عند تبدل الأوضاع القانونية أو المادية، وكلّما تغيرت أسباب التخمين التي كانت قائمة لاسيما في الحالة التي يحصل فيها التغيير نتيجة ارتفاع أسعار العقارات أو ارتفاع بدلات ايجار العقارات المبنية بعد انقضاء عدة سنوات على إجراء التخمين السابق أو إذا طرأت عوامل جديدة تبررها(م.ش. الصادر في المراجعة رقم 2012/17888 المقدّمة من بلدية فيطرون، والقرار رقم 24 تاريخ 2005/10/10 بدعوى غسان مطر ضدّ بلدية بيروت، والقرار رقم 118 تاريخ 2007/11/7 بدعوى بلدية بيروت ضد محمد نور الدين). ( القرار رقم 2020/717-2021 تاريخ 2021/7/1 شركة كريدي أغريكول سويسرا(لبنان) فاينانشل سرفيسز ش.م.ل./ بلدية بيروت).
وفق المعيار الذي أرساه مجلس شورى الدولة فإن تغيّر سعر صرف العملة يجيز للإدارة إعادة تخمين محل فرض الرسم وفق السعر الفعلي للعقار، بل هذا أمر واجب على البلديات والإدارات العامة القيام به، حيث قضى ديوان المحاسبة بموجب الرأي الصادر عن هيئته العامة رقم 2020/64 تاريخ 2020/12/17 بضرورة اعتماد تسعير الدولار وفقاً للأسعار الرائجة في السوق، وهذا ما كان قد تبناه أيضاً رئيس الحكومة بموجب التعميم رقم 2022/30 تاريخ 2022/9/26 الذي طلب من جميع الإدارات العامة والمؤسسات العامة والبلديات إعادة النظر بالتخمينات العقارية بما يتناسب مع الأسعار الرائجة بتاريخ إعداد المعاملة.
وكان المشترع بذات التوجه عندما قرر بموجب الاتفاقية المبرمة مع الجانب العراقي بموجب القانون رقم 246 تاريخ 2021/11/12 أنّه عند تنفيذ عمليات استيفاء الجانب العراقي ثمن النفط بضائع وخدمات، فإنّه الزم بـ:” احتساب حسب سعر (منصة صيرفة) أو سعر السوق الموازي المعتمد لدى مصرف لبنان، على أن لا يقل سعر (منصة صيرفة) عن (15%) من سعر السوق الموازي لمعدل الشهر الأخير”. كما أجاز المشترع بموجب القانون النافذ حكماً رقم 10 تاريخ 2022/11/10 (قانون الموازنة العامة للعام 2022) في المادة 19 أنّه :” حيثما وردت في هذا القانون عبارة “رسوم وضرائب تستوفى بالدولار الأميركي او باي عملة اجنبية”، فتودع بالعملة نفسها نقدا، في الحساب الخاص لدى مصرف لبنان “.
وكان لمجلس شورى الدولة موقف مؤيد لإعادة احتساب محل الرسوم وفق القيم الفعلية للشيء مطرح الرسم على أساس سعر الصرف الحقيقي وليس منصة صيرفة، وذلك في معرض بيان الرأي على مشروع المرسوم الرامي إلى تعديل الجدول الملحق بالمرسوم رقم 4217 تاريخ 2018/12/28 المتعلق بتحديد سعر المتر المربع المعتمد لتحديد الرسم السنوي المترتب على الاشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية (والذي صدر تحت رقم 11258 تاريخ 2023/4/18) ومما جاء في هذا الرأي:” وبما أن الإشغال المؤقت للاملاك العمومية البحرية يجب أن يدخل موارد مالية الى الخزينة، ذلك أنه لا يرمي الى تحقيق منفعة عامة، بل يهدف الى السماح لشخصٍ من أشخاص القانون الخاص إستعمال الملك العام لممارسة نشاطات تجارية تعود له بأرباحٍ وفقًا للقواعد التي تحكم العلاقات التجارية بين الافراد، أي أنها غالبًا ما تكون قيمتها محددة بالدولار الاميركي أو ما يوازيه بالليرة اللبنانية على سعر صرف السوق.
وبما أن اعتماد سعر منصة صيرفة يؤدي الى خسارة الخزينة مبالغ مالية دون أي مبرر، في حين أنه يقع على عاتق الادارة موجب حماية المال العام واعتماد سياسات حمائية ترمي الى زيادة موارد الخزينة.
وبما أن مبرر وزارة المالية لعدم اعتماد سعر صرف السوق، في حين أنه السعر المعتمد في معظم المعاملات التجارية بالاخص التي قد يقوم بها المُرخّص له بإشغال الملك العام، يكمن في أنه متقلب ويصعب رصده، الا أن هذا الامر لا يمنع بحدّ ذاته إمكانية إعتماد سعر صرف السوق، بل يستوجب فقط تعديل نص المادة الاولى من المرسوم رقم 2018/4217، وذلك على الشكل التالي: “… يتمّ تعديل سعر المتر المربع الوارد في الجدول الملحق، عبر تحويله الى الدولار الاميركي على أساس سعر صرف 1507،5 ل.ل. ثم ضربه بمتوسط سعر صرف السوق لليوم السابق لتاريخ إصدار رخصة الإشغال المؤقت للأملاك العمومية البحرية أو لتاريخ تجديدها. وأن هذه الصياغة تتيح للإدارة تحديد قيمة الرسم السنوي بالاستناد الى متوسط سعر صرف السوق لليوم السابق لتاريخ إصدار رخصة لاشغال أو لتاريخ تجديد رخصة إشغال صادرة سابقًا، وتؤدي الى الحفاظ على قيمة الملك العام البحري وعلى حقوق الخزينة العامة ولا ينتج عنها خسائر مالية تثقل كاهل الخزينة”(الرأي رقم 44 / 2022-2023 تاريخ 2022/12/27).
إن حماية المال العام كموجب أرساه مجلس شورى الدولة ليس بعيداً عن توجه المجلس الدستوري الذي قضى بأن:” الانتظام العام يعني إنتظام العلاقات داخل مجتمع الدولة بما يوفر الأمان والإستقرار وشروط العيش الكريم، وبالتالي تحقيق السلم الاجتماعي، وان السلم الاجتماعي لا يقتصر على الأمن بمفهومه التقليدي، انما الأمن بمختلف أبعاده، بما فيها البعد الاجتماعي والإقتصادي الذي هو ركيزة أساسية للإستقرار، وبالتالي للانتظام العام، وبما ان الإنتظام العام لا يتأثر فقط بالحروب والأحداث التي ينجم عنها إضطراب في الأمن، أو بما ينتج عن الكوارث الطبيعية، إنما يتأثر أيضا بالأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية، التي يترك ترديها انعكاسات سلبية على الأمان الاقتصادي والإجتماعي (قرار المجلس رقم 2019/1 تاريخ 2019/1/8).
إستناداً إلى الحيثيات المذكورة، فإن على البلديات واجب إعادة النظر بالقيم البيعية لمطرح أو محل الرسم من أجل فرض الرسوم البلدية الجديدة سواء على محلٍ جديد لفرض الرسم أو لتعديل الرسم المفروض على مطرحٍ قديم، وأن تراعي بذلك الأوضاع الاقتصادية والمالية المستجدة، وهذه الإعادة لا تحتاج إلى تدخل تشريعي بل يمكن للبلديات ممارستها وفق الصلاحية المنوطة بها من المشترع والمؤيدة بمواقف كلاً من ديوان المحاسبة ومجلس شورى الدولة والمجلس الدستوري، وذلك وفق ما يأتي:
1- إحتساب الرسوم على القيمة التأجيرية: يجوز إعادة تخمين القيم التأجيرية من أجل إعادة احتساب الرسوم المتوجبة بالمقارنة مع أبنية مشابهة ومؤجرة في ظروف مماثلة أي تعتمد الظروف الراهنة عند اجراء التخمين، بحيث يحتسب الرسم على أساس قيمته التأجيرية في تاريخ إجراء التخمين، وقد حددها المشترع في المادة 12 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية بـ 5% خمسة بالمئة للأماكن المستعملة للسكن. و7% سبعة بالمئة للأماكن المستعملة لغير السكن، يضاف إليها رسم صيانة مجارير وأرصفة يستوفى سنويا مع الرسم على القيمة التأجيرية وذلك بنسبة (1.50) واحد ونصف بالماية من القيمة التأجيرية المعتمدة لفرض الرسم على القيمة التأجيرية.
وما يؤكد حق البلدية في تعيين الحد الأقصى الواقعي للرسم أن المشترع في المادة 12 المذكورة قد اكتفى بتحديد الحد الأدنى لهذا الرسم ولم يحدد الحد الأقصى له، ما يعني أن للبلدية تقدير الرسم بما يتناسب مع القيمة الحقيقية لمطرح الرسم.
2- إحتساب رسوم الاسثتمار على إشغال الأملاك العامة البلدية، حيث نصّت المادة 46 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية على أن يحدد الرسم السنوي لإشغال الأملاك العمومية البلدية وفقا لما يلي: الأشغال المرتبط بمركز ثابت بنسبة لا تقل عن (2%) اثنان بالمئة من القيمة البيعية للمساحة المرخص بأشغالها. والأشغال غير المرتبط بمركز ثابت بنسبة لا تقل عن (1%) واحد بالمئة من القيمة البيعية للمساحة المرخص بأشغالها. وهنا أسوة بالإجازة الممنوحة لوزارة الأشغال العامة والنقل بإعادة احتساب رسوم إشغال الأملاك العامة البحرية والمؤيد برأي واضح لمجلس شورى الدولة، وتعميم ملزم صادر عن رئيس الحكومةـ فإنه يجب إعادة احتساب القيم الفعلية للأملاك العامة البلدية من أجل فرض رسم استثمار هذه الأملاك وفق النسب المقررة في القانون.
3- إحتساب رسوم المتوجبة على تسوية مخالفات البناء والغرامات الناجمة عنها تطبيقاً للقانون 139 تاريخ 2019/7/9 ، حيث نصت المادة 13 من هذا القانون في فقرتها الثانية على أن يجري التخمين بالأسعار الرائجة بتاريخ العمل بهذا القانون، أي بتاريخ وضع القانون موضع التطبيق وليس تاريخ نشره بحيث لا يعتد بالقيم البيعية التي يدلي بها طالب التسوية بل تتولى لجان التخمين تعيين القيمة البيعية للمتر المربع بتاريخ إجراء الكشف، وتبلغ حصة البلديات من هذه العائدات: كامل الرسوم والغرامات المتأتية جراء مخالفات المرآب، و30% من بقية الرسوم والغرامات المجباة.
4- احتساب الرسوم على البيوع القضائية بالمزاد والمحددة بموجب المادة 73 من قانون الرسوم القضائية التي نصّت على أن:”يستوفى عن البيوع بالمزاد العلني لمختلف المواد والأرزاق المنقولة وغير المنقولة رسم دلالة مقداره 5 بالمئة من ثمن المبيع -على أن لا يحصل البيع إلا بحضور موفد البلدية أو بعد دعوته. وهذا الرسم بحسب المادة المذكور يسدد فوراً للبلدية حيث نصّت الفقرة الأخيرة من هذه المادة على أن:” يحظر على مأمور الإجراء الاحتفاظ برسم الدلالة العائد للبلديات ويجب أن يدفع إلى البلدية صاحبة الحق أو إلى صندوق الخزينة أمانة وتحاط البلدية علماً بذلك لتتولى قبضه. وبالتالي فإن استيفاء هذه العائدات يتطلب متابعة البلدية للمزادات القضائية والتي يعلن عنها مسبقاً واستيفاء الرسم المطلوب فور انتهاء المزاد.
5- استيفاء الرسوم على المبيعات بالمزاد (وهي المبيعات غير القضائية)، حيث نصّت المادة 57 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية على أن:” تخضع المبيعات التي تجري بطريقة المزايدة لرسم نسبي قدره /2.5/ اثنان ونصف بالمائة ، لذا على البلديات التواصل مع هيئة الشراء العام لأجل حفظ حقوق البلدية باستيفاء الرسم المقرر قانوناً عند إجراء أي مزايدة، وعلى البلديات أيضاً متابعة كافة المزادات التي يجريها أشخاص الحق الخاص من أجل استيفاء حصة البلدية من المزاد، أياً كان نوع المزاد.
6- فرض رسوم على دخول الأماكن السياحية والأثرية البلدية، حيث أجازت المادة 67 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية أن تفرض البلديات رسوماً خاصة على الدخول إلى الأماكن الأثرية والسياحية، تحدد بقرار يصدر عن المجلس البلدي وتستوفى بواسطة تذاكر، يعود نصف حاصل الرسوم إلى البلدية ويعود النصف الآخر إلى خزينة الدولة. وهذه الرسوم تحددها المجالس البلدية بدون أي قيود وتدخل مباشرة في موازنة البلدية .
7- إحتساب الرسوم على تراخيص البناء: إن احتساب هذه الرسوم وفق المادة 69 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية إنما يتمّ على أساس فرض رسم نسبي من الثمن البيعي للمتر المربع من أرض العقار، ولهذا فإن تعيين الثمن وفق ما سبق بيانه لا يكون حسبما ما يدلي به مقدّمو الرخصة وإنما بحسب السعر الحقيقي للعقار والرائج في السوق، وإذا كان الثمن بالدولار الأميركي فلا يوجد أي مانع من تقاضي الرسوم بالدولار الأميركي استنئاساً بالمادة 19 من قانون الموازنة العامة للعام 2022.
8- احتساب الرسم الخاص على المواد القابلة للاشتعال والانفجار والمنصوص عنه في المادة 85 التي نصّ على أن:” يفرض على المؤسسات والأفراد الذين يتعاطون تجارة المواد القابلة للانفجار أو الاشتعال رسم خاص قدره 2% اثنان بالمئة من القيمة التأجيرية المقدرة للأمكنة التي توضع فيها المواد المذكورة أياً كانت الغاية من وضعها (صنع، تحويل، خزن، إيجار، وغيرها…). يستوفى هذا الرسم سنوياً لصالح البلدية المختصة ضمن النطاق البلدي، وهذا الرسم يفرض وفق القواعد المشار إليها أعلاه في احتساب القيمة التأجيرية على أساس السعر البيعي الحقيقي للعقار.
9- استيفاء الغرامات التي تفرضها المحاكم: حيث قضت المادة 165من قانون الرسوم والعلاوات البلدية على أن:” حصيلة الغرامات التي تفرضها المحاكم بسبب مخالفات البناء أو السير أو الصحة العامة أو سائر الأنظمة البلدية تعود إلى صندوق البلدية التي تقع المخالفة ضمن نطاقها. ولهذا يتوجب على البلديات تنظيم جداول بالمحاضر التي تنظمها ومتابعة الإجراءات لدى المحكمة المختصة ليصار إلى تحصيل قيمة الغرامات المستوفاة من صناديق قصر العدل.
إن هذه العينة من الرسوم التي تدخل مباشرة في حساب البلديات وهي تفرض وتحصّل وفق القيم الفعلية لمحل فرض الرسم، ويدخل تقديرها ضمن صلاحية البلديات تحت رقابة القضاء الإداري، وهي كافية في حال أحسنت البلديات إدارة نظام تحديد القيم الفعلية لمطرح الضريبة ومن ثمّ جبابتها أن تؤمن إيرادات مناسبة لتغطية كلفة الأعباء المترتبة عليها.
النوع الثالث: الرسوم المستوفاة من إدارات رسمية لصالح البلديات
بالإضافة إلى هذه الرسوم التي تستوفيها البلديات مباشرة أو تستوفى لصالحها مباشرة، فإن البلديات تستفيد من عائدات أخرى، تستوفيها إدارات ومؤسسات عامة لصالح البلديات أو لصالح الصندوق المستقل للبلديات، وهي بحسب القوانين المرعية الإجراء عديدة، نذكر منها:
1- عائدات غرامات السير، حيث خصصت المادة 401 من قانون السير الجديد لصالح البلديات نسبة 16% من عائدات غرامات السير بموجب محاضر ذات طابع أو بواسطة الوسم والغرامات المحصلة من الأحكام القضائية.
2- الضريبة على القيمة المضافة على استهلاك الماء والكهرباء والاتصالات السلكية واللاسلكية، وخدمات أخرى حيث فرضت المادة 55 من القانون رقم 379 تاريخ 2001/12/14 أن تستوفى هذه الضريبة على القيمة المضافة لصالح البلدية التي يقع ضمن نطاقها الاشتراكات. بحيث تتولى الادارة المختصة فرض الضريبة على المشتركين وتستوفيها منهم على ان تؤدي حاصلها بعد حسم الضريبة المدفوعة على مشترياتها مرة كل ثلاثة اشهر الى كل بلدية معنية، بنسبة حصتها من الاشتراكات، أو الى الصندوق البلدي المستقل فيما يعود للاشتراكات الواقعة خارج النطاق البلدي.
3- الرسوم والعلاوات التي تستوفيها الدولة أو المؤسسات العامة لحساب البلديات والمنصوص في الباب الثاني من قانون الرسوم والعلاوات البلدية، ومنها ضريبة مضافة إلى ضريبة الأملاك المبنية والضريبة على أرباح المهن التجارية والصناعية وغير التجارية، ورسم الانتقال على التركات والوصايا والهبات، ورسوم التسجيل العقارية على أنواعها، ورسوم المحروقات السائلة بنسب مئوية من ثمن البضاعة تسليم المصفاة أو المستودعات، ورسم مضاف إلى الرسم الجمركي عن السلع المستوردة بحراً وبرّاً وجوًّا رسم مرفأ، ورسوم على أقساط عقود التأمين باستثناء عقود التأمين على الحياة وعقود إعادة التأمين، ورسم مضاف على رسوم تسجيل السيارات والمركبات الآلية والدراجات الآلية، على اختلاف أنواعها، ورسم على التبغ والتنباك والسيكار المعد للاستهلاك الداخلي سواء كان مصنوعاً محلياً أو مستورداً.
إنّ هذه الأنواع من الرسوم المحصّلة لصالح البلديات إنما تحوّل إلى الصندوق المستقل للبلديات، بحيث يصار إلى توزيعها على البلديات بموجب مرسوم يصدر بناء على اقتراح وزير الداخلية والبلديات، وبالرغم من أن بعض النصوص المشار إليها يستقى منها بأن تحوّل مباشرةً هذه العائدات إلى حساب البلديات لا سيما الرسوم التي تحصّلها وزارة الاتصالات، إلا أن مجلس شورى الدولة وبمعرض منازعة تقدّمت بها بلدية آسيا طالبةً من وزارة الاتصالات تحويل حصة البلدية من ضريبة القيمة المضافة على عائدات الهاتف الخليوي للمشتركين في نطاقها البلدي، فقضى المجلس بأن :” المرجع المختص بحسب احكام المادة الاولى من المرسوم رقم 1979/1917 لاتخاذ القرار بتوزيع حصص البلديات من عائدات الصندوق البلدي المستقل, هو وزير الداخلية والبلديات باعتباره قيّماً على اعمال الصندوق المذكور , بحيث كان يتوجب على البلدية المستدعية توجيه مطالبتها الى وزارة الداخلية والبلديات, المرجع المختص في الموضوع. وعلى فرض وجود خلاف بين وزارتين ، وفي الحالة الحاضرة بين وزارة الاتصالات ووزارة الداخلية والبلديات ، بشأن موضوع معين ، فانه يعود لمجلس الوزراء وحده صلاحية الفصل بالنزاع واتخاذ القرار الملائم بناء على طلب احدى الوزارتين، ويقوم قرار مجلس الوزراء في هذه الحالة مقام رأي الوزارتين (م.ش. قرار رقم 2013/130- 2014 تاريخ 2013/11/11 بلدية آسيا/الدولة). إن هذه الرسوم المذكورة التي تجبنى لصالح البلديات وتودع في حساب الصندوق المستقل للبلديات، قد تضاعفت قيمتها أضعافاً ملحوظة بسبب ارتفاع مقدار محل فرض هذه الرسوم، ويبقى للبلديات أن تتابع مع الإدارات المعنية للتحقق من جباية هذه العائدات لصالحها وتحويلها لحساب الصندوق المستقل للبلديات.
لكلّ ما تقدّم،
إنّ عائدات البلديات من الرسوم سوف تشهد تحسناً في المستقبل القريب، فما تجبيه الإدارات والمؤسسات العامة لصالحها قد تضاعفته قيمته عدة أضعاف بسبب ارتفاع مطرح فرض الرسوم بكافة أشكاله، وأن المجالات التي اتاح المشترع للبلديات استيفاء النسبة المئوية من الرسوم على أساس القيمة الواقعية لمحل الرسم، فإنها ستمنح البلديات حق تخمين القيمية البيعية لمحل فرض الرسوم وفق الأسعار الرائجة، يبقى فقط مسألة الرسوم المحددة قيمتها بالقانون وهي تطال مطارح وازنة من شأنها في حال حسن استغلالها أن توفر عائدات كبيرة للبلديات لذا من الواجب العمل على إعداد تشريع لتعديل قيمة هذه الرسوم وفق معيار مرنٍ يتيح للبلديات تعديله دون الرجوع في كل مرّة إلى المشترع.
“محكمة” – الأحد في 2023/6/4
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر أو المقالة أو البحث أو الدراسة، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي(Hyperlink). كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ”screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
error: Content is protected !!