آلية المحطّات الدستورية الخاصة بمرحلة الإستحقاق الرئاسي/فرانسوا ضاهر
القاضي السابق والمحامي فرانسوا ضاهـر:
1- منذ الأوّل من أيلول انطلقت مهلة الشهرين الدستورية لانتخاب رئيس جديد للبلاد. تلك المهلة التي تنتهي في منتصف ليل 31 تشرين الأوّل من السنة الجارية (2022).
2- خلال المهلة التي تمتدّ من الأوّل من أيلول ولغاية 21 تشرين الأوّل، يمكن المجلس النيابي أن يشرّع، كما يمكنه منح الثقة لحكومة جديدة يكون قد تمّ تأليفها. طالما أنّ المجلس النيابي لم يلتئم كهيئة ناخبة، بدعوة من رئيسه، لانتخاب رئيس جديد للبلاد (75 معطوفة على 73 دستور).
أمّا في الأيّام العشرة الأخيرة من تلك المهلة الدستورية، التي تمتد من 22 تشرين الأوّل ولغاية 31 منه، والتي تسبق انتهاء ولاية الرئيس الحالي، يتحوّل المجلس النيابي إلى هيئة ناخبة حكماً وحصراً، بدون أيّة دعوة من رئيسه، لانتخاب الرئيس الجديد. بحيث لا يمكنه حينئذٍ لا التشريع ولا منح الثقة لأيّة حكومة جديدة يكون قد تمّ تأليفها (75 معطوفة على 73 دستور).
3- كما وأنّه، خلال المهلة الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية، لا يحقّ لرئيس الجمهورية العامل ممارسة أيّ عمل دستوري، كالذي يقضي بسحب مرسوم تسمية رئيس الحكومة المكلّف (نجيب ميقاتي) بتشكيل حكومته أو بتعيين حكومة جديدة إنتقالية مدنية كانت أم عسكرية:
– لعدم وجود نصّ دستوري يجيز له أيّ من الأمرين.
– ولأنّ المجلس النيابي يكون قد أصبح بحكم المضطلع دستوريّاً بمهمّة انتخاب رئيس جديد للبلاد، بدءاً من المهلة الدستورية المعطاة له لإتمام هذا الأمر.
4- أمّا بعد انقضاء تلك المهلة الدستورية التي تختص بانتخاب رئيس جديد، دون أن يكون قد تمّ انتخابه، والتي تصادف حلول أجل العهد الرئاسي الحالي الواقع في منتصف ليل 31 تشرين الأوّل، تضحي البلاد في وضعية الفراغ الرئاسي أو خلوّ السدّة الرئاسية الأولى.
عندها، يسقط، في هذه اللحظة، بحكم الدستور، حقّ رئيس الجمهورية بالتوقيع على أيّ عمل إجرائي أو دستوري من أيّ نوعٍ كان. لأنّ صفته الدستورية كرئيس عامل، تكون قد سقطت أيضاً. ولم يعد يتمتّع إلاّ بصفة المواطن العادي الذي يحمل لقب الرئيس الأسبق للجمهورية اللبنانية، بحيث يتعيّن عليه حينئذٍ مغادرة القصر الجمهوري، الذي هو المقرّ الدستوري لرئيس الجمهورية العامل.
5- كما، وبعد انقضاء ولاية الرئيس الحالي، دون انتخاب خلف له، تتولّى الحكومة القائمة، أكانت عاملة (en exercice ou en fonction) أو في وضعية المُعتبرة مستقيلة إثر انتخاب المجلس النيابي الجديد في 15 أيّار من السنة الجارية (2022)، وكالةً صلاحيات رئيس الجمهورية إلى حين انتخاب رئيس جديد للبلاد (62 دستور).
وذلك لأنّ التفرقة بين وضعيتيّْ الحكومة والقول بأنّ الحكومة المعتبرة مستقيلة لا يمكنها تولّي صلاحيات رئيس الجمهورية وكالةً، من شأنه أن يضع البلاد في حالة فراغ في السلطة الإجرائية إلى جانب الفراغ الحاصل في موقع الرئاسة الأولى. الأمر الذي يتعارض مع المبدأ الدستوري العام القائل “بحتميّة تسيير شؤون الدولة من خلال مؤسّساتها الدستورية” (المركزية)، ولا سيّما من خلال “الحكومة القائمة دستوريّاً” ولو كانت في وضعية الحكومة المُعتبرة مستقيلة.
6- وإنّه ليس من مسؤولية دستورية على رئيس الجمهورية وقوع البلاد في الفراغ الرئاسي. بل إنّ مسؤولية وقوعه تقع على المجلس النيابي تحديداً وحصراً، الذي يكون قد تقاعس عن انتخاب رئيس جديد للجمهورية.
كما وأنّه ليس من مسؤولية دستورية على رئيس الجمهورية المنقضية ولايته، ملء الفراغ الحاصل في موقع الرئاسة الأولى، وأن يملأه بشخصه ببقائه في القصر الجمهوري، أو أن يؤلّف حكومة إنتقالية، لإعتباره “هو” أنّ الحكومة الحالية، التي هي بحكم المستقيلة، أنّها غير مؤهّلة دستورياً للإضطلاع بصلاحياته، بل إنّه من شأن المجلس النيابي أن يملأ الفراغ الحاصل في السدّة الرئاسية الأولى، بأن يتوصّل الى انتخاب رئيس جديد للبلاد، في السرعة القصوى. فيقطع الطريق بالتالي على كلّ التجاوزات الدستورية التي تأخذ البلاد إلى انقسامات ومواجهات سياسية وربّما أمنية لا تُحمد عقباها.
“محكمة” – الجمعة في 2022/9/16