أب يعذّب طفله ويقيّده بجنزير قرب كلب ويضع حذاءه في فمه
كتب علي الموسوي:
تطرح بعض القضايا التي تصل إلى القضاء، أهميّة العلاقة الإنسانية داخل الأسرة الواحدة وبين الأهل والأبناء مهما كانت صعوبات الحياة قاسية ومؤذية، إذ لا يعقل أن يتخلّى الأب عن طفله لمجرّد ارتكابه خطأ ما، بل يتوجّب عليه السعي مراراً وتكراراً إلى مساعدته على تجاوز ما قام به عن قلّة وعي وإدراك وعدم مسؤولية، خصوصاً وأنّ التعذيب غير جائز قانوناً وشرعاً، وليس أسلوباً مُقرِّباً، بل ينفّر ويترك تداعيات مستقبلية قد لا ترحم الطرفين.
من هنا أهميّة القرار الظنّي الصادر عن قاضي التحقيق في جبل لبنان زياد مكنا في قضيّة إقدام السوريين عمر ن. وحسام ح.ي. على إجبار إبن الأوّل القاصر ر.ن.(11 عاماً) على ممارسة العمل القسري وحجز حرّيته وإنزال التعذيب الجسدي والمعنوي به وضربه وإيذائه وتعطيله لمدّة أسبوع، عدا عن إقامتهما بصورة غير مشروعة في لبنان.
وما فعله الأب إزاء إبنه، ليس تربية صالحة كما توهّم، فهو من جهة أولى، تعامل معه بطريقة وحشية لا بدّ أن تترك أثاراً سلبية على نفسيته، من دون أن ينتبه إلى أنّ جريمته كبيرة أمام ابنه في المستقبل وأمام الإنسانية وأمام القانون الذي يمنع مثل هذا التعاطي الجارح.
ومن ناحية ثانية، قدّم الأب إبنه لصديقه لكي يتعلّم المهنة لديه، مع تشديده على وجوب الإهتمام به، وإذا ما اقتضى الأمر استعمال العنف معه فهو لا يمانع، فالمهمّ أن يتعلّم الولد الطري العود، صنعةً تحتاج إلى مراس وعضلات، علماً أنّ ما ارتجاه الأب من أسلوب فقد مفعوله ونتيجته مع مرور الزمن، وهو لا يعلّم، بل يربّي الحقد والشراسة وصفات أخرى غير محمودة، والغريب أنّ الصديق نزل عند رغبة الأب وأشبع الولد ضرباً لسبب تافه يتعلّق برفضه جمع الأوساخ عن الأرض، فشارك من حيث يدري أو لا يعرف، بجرم يعاقب عليه القانون.
وفي المحصّلة، إعتبر القاضي مكنّا فعل الموقوفين جناية سنداً للمادة المادة 569/2 عقوبات، وظنّ بجنحة المادة 36 من قانون الأجانب(الإقامة غير المشروعة)، ومنع المحاكمة عنهما لجهة الإستغلال الوارد في طيّات المادة 586 المضافة إلى قانون العقوبات بموجب القانون رقم 164/2011 لعدم توافر العناصر الجرمية.
الشرطة تتدخّل
وفي تفاصيل الوقائع، أنّه بتاريخ 7/8/2017، ورد اتصال هاتفي إلى فصيلة برمانا من شرطة بلدية بعبدات مفاده وجود طفل سوري الجنسية مكبّل بجنزير حديدي رأساً على عقب من قبل والده في بلدة بعبدات، وعلى الفور، إنتقلت دورية من الفصيلة إلى المكان المقصود ليتبيّن لها أنّ الطفل ر.ن. مقيّد في ساقه اليمنى بجنزير حديدي طوله عشرة أمتار ومربوط بقفل حديدي على ساقه إلى جانب كلب في حديقة فيلا يعمل والده فيها ناطوراً.
ولدى استيضاح الطفل، أفاد بأنّ والده قيّده منذ ثلاث ساعات وغادر مع زوجته، وأنّ أثار الضرب على وجهه وذراعيه وفخذه الأيسر سببها تعرّضه للضرب من قبل صاحب عمله المدعى عليه حسام ح.ي..
وفي التحقيق الأولي جرى سماع إفادة الطفل بحضور مندوبة جمعية حماية الأحداث، فأفاد بأنّه أحضر شفرة معه إلى المدرسة ما أدّى إلى طرده. وفي 7 آب 2017، أحضره والده للعمل لدى حسام في مصنعه المعدّ لصناعة خزائن الألومنيوم، وبدأ عمله بجمع الأوساخ عن الأرض، وأقدم صاحب العمل على مناداته وشدّه من شعره وطلب منه الركوع وباشر بضربه على يده، فحاول الفرار منه باتجاه الشارع ولحق به العمّال وأمسكوه، وعاد إلى ضربه من جديد في أنحاء مختلفة من جسمه، وكبّل يديه بواسطة رباط من البلاستيك، ثمّ حضر والده ووضعه في صندوق السيّارة وهو مكبّل اليدين ووضع حذاءه في فمه، وعند وصولهما إلى المنزل قيّده ولده بالقرب من الكلب وتركه وحيداً إلى أن شاهده أحد الجيران واتصل بشرطة البلدية، فحضرت وأنقذته.
وأشار الطفل في إفادته إلى أنّ والده أرغمه على العمل وطلب من صاحب العمل ألاّ يعطيه أيّ مبلغ مالي.
تكبيل اليدين
واعترف الأب خلال التحقيق معه بأنّه هو من قيّد الطفل بداعي إقدامه مرّات عديدة على سرقة المال من جيبه وبعد اعترافه له بهذا الأمر، وأنّه أرسله للعمل لكي يتحمّل المسؤولية، وبأنّ صاحب العمل اتصل به وأخبره بأنّ ابنه لا يريد العمل لديه فحضر وشاهد ابنه على الأرض مكبّل اليدين إلى الخلف بواسطة رباط بلاستيكي، وبأنّه عندما سأله عمّا حصل، أجابه بأنّه لا يريد العمل، فأمسكه ووضعه داخل صندوق السيّارة واشترى جنزيراً حديدياً وقفلاً وكبّل قدمه بهما في الحديقة وأعطاه أدوات زراعية وطلب منه تنظيف الحديقة!.
التهديد بالذبح
أمّا صاحب المعمل، فقال إنّ والد الطفل هو صديقه وأحضره إليه طالباً منه استعمال القوّة معه في حال رفض العمل، وطلب من الطفل جمع الأوساخ وغاب فترة عن المعمل، ولمّا عاد، وجد أنّه لم يقم بالعمل المطلوب منه، فأرغمه على الركوع، فأخذ الطفل يصرخ مهدّداً بذبح نفسه، وحاول الفرار إلى الشارع وكاد أن يتعرّض للصدم من إحدى السيّارات العابرة، وكبّله بيديه من الخلف بواسطة رباط بلاستيكي واتصل بوالده لكي يأخذه، موضحاً أنّه قام بربط الطفل بناء لطلب والده منه!
الإستغلال غير متوافر ولكنْ
وأشار القاضي مكنا في قراره الظنّي إلى أنّ الأب أرسل إبنه للعمل لدى صديقه بسبب سوء العلاقة بين الأب والطفل على اثر تصرّفات الأخير ومنها طرده من المدرسة بعدما أحضر معه شفرة، وهي واقعة أكّدها الطفل بحضور مندوبة حماية الأحداث، وبالتالي فلا وجود لنيّة استغلال، وتكون شروط تحقّق هذه الجريمة غير متوافرة ممّا يوجب منع المحاكمة عن الأب وصاحب العمل، معتبراً أنّ حرمان القاصر حرّيته وتعذيبه وضربه وتكبيله وتقييده بسلاسل وإرغامه على تنظيف الحديقة يشكّل جناية المادة 569/2 عقوبات، مع الإشارة إلى أنّ الضرب الذي تعرّض له الطفل لا يشكّل جرماً مستقلاً عن جرم حرمانه حرّيته، بل هو يشكّل أحد أركانه الذي باكتمالها تمّ وصفه وفقاً لما هو وارد آنفاً.
“محكمة” – الإثنين في 02/10/2017.
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.