أخطاء قانونية في محاكمة ميشال سماحة
كتب علي الموسوي:
لا تبدو السياسة بعيدة عن قضيّة الوزير والنائب السابق ميشال سماحة، فالملفّ برمّته يتحرّك على بساط سياسي وإنْ كان في حرم القضاء، فيما كلّ اللبنانيين يريدون المحاكمة العادلة وقد تجلّت في البدء، في الحكم الصادر عن المحكمة العسكرية الدائمة بإدانة سماحة لجهة جرم نقل المتفجّرات الثابت عليه، وتوقيع عقوبة قصوى به بلغت أربع سنوات ونصف السنة، وهو أمر لم يحصل مع أيّ شخص آخر اتهم بنقل متفجّرات دون أن ينشأ عنها جرم آخر، لا اغتيالات ولا تفجيرات، ولا بلبلة أمنية في طول البلاد وعرضها.
على أنّ أخطر ما في هذه المحاكمة أمام محكمة التمييز العسكرية هو الأخطاء القانونية الظاهرة للعيان، والتي يمكن تلخيصها بأنّ هذه المحكمة برئاسة القاضي طاني لطوف، لم تكن محقّة في رفض استدعاء ميلاد كفوري المرتدي زيّ المخبر، ومنظّمي محضر التحقيق الأوّلي لدى “فرع المعلومات”، مع ما في ذلك من خرق لمبدأ شفاهية المحاكمة، وذلك للأسباب التالية:
أولّاً: إنّ هؤلاء الثلاثة، أيّ كفوري ومنظّمي محضر التحقيق، ليسوا تقنياً من شهود الحقّ العام، لأنّ المدعي العام، أيّ مفوّض الحكومة لدى هذه المحكمة، القاضي شربل أبو سمرا، لم يسمّهم شهوداً، فتحوّلوا إلى شهود للدفاع الذي طلب الاستماع إليهم، وهذا حقّ لا يمكن القفز فوقه، خصوصاً وأنّ المحاكمة في درجتها النهائية، وهؤلاء الثلاثة أساسيون في هذه المحاكمة بحُكْم موقعهم منها.
ثانياً: لا يحقّ للمدعي العام أن يعارض استدعاء منظّمي المحضر، و/ أو كفوري، ولا يوجد نائب عام في العالم كلّه، يرفض أن تستمع المحكمة إلى الأشخاص الذين بنى الادعاء العام ادعاءه على إفاداتهم، ولو كان واثقاً ممّا قام به كفوري لاستبق الجميع وطالب هو باستدعائه لإثبات التهم على سماحة، لكنّه لم يفعل، نزولاً عن رغبة سياسية تصرّ على حماية كفوري الذي نجح في إتمام مهمّته بإيقاع سماحة في كمين مُحْكم غايته القصوى الإكتفاء بنقل المتفجّرات دون تنفيذ أيّ جرم آخر، وهو أمر كاف للقضاء على سماحة سياسياً.
ثالثاً: لقد أدلى وكلاء الدفاع عن سماحة مراراً بأنّ تاريخ محضر التحقيق الأوّلي، وهو 20 تموز 2012، مزوّر، وما مطالبتهم باستدعاء منظّمي المحضر إلاّ لإثبات مسألة التزوير، وقد يُفهم رفض المدعي العام لهذا الطلب، لكنْ أن تجاريه المحكمة في ذلك، فهو خرق لحقوق الدفاع بإجماع أهل القانون من قضاة ومحامين.
وهذا المحضر منظّم في 9 آب على أقلّ تقدير، وعلى سبيل الاستلحاق، وليس في 20 تموز، وهذا يعني أنّ المخبر كفوري، وبحسب متابعين لولادة القضيّة ومجريات المحاكمة، إستطاع أن يتلاعب بالسياسي المحنّك سماحة وزرع فكرة المتفجّرات في رأسه وليس العكس، مع الإشارة إلى أنّ سماحة في التاريخ المذكور كان مسافراً خارج الأراضي اللبنانية، والدليل المؤكّد هو جواز سفره، وهذا يعني أنّ محضر التحقيق تعرّض للتزوير وهذا ما سعى وكلاء الدفاع إلى تحقيقه لإثبات واقعة التزوير ولكنّهم اصطدموا بقرار المحكمة الرافض لاستدعاء منظّمي المحضر المشكو منه.
رابعاً: إذا شاءت محكمة التمييز العسكرية عدم استدعاء ميلاد كفوري ومنظّمي محضر التحقيق الأوّلي، فعليها بالمقابل، أن تهمل التسجيلات، فيسقط الادعاء، ولا تبقى سوى تهمة نقل المتفجّرات، وقد قضى سماحة عقوبته على ذلك، وهو يستحقّ ما اقترفته يداه من جرم لا يقبل به لبناني عاقل.
أمّا في السياسة، والملفّ نتاج عمل سياسي والمتهمّ فيه رجل سياسي، فلا بدّ من القول إنّ سبب خرق محكمة التمييز العسكرية لحقوق الدفاع في قضيّة محاكمة سماحة، يعود إلى تصريح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير الذي ربط بين إخلاء سبيل سماحة ووقف الهبة السعودية، ممّا يعني أنّ المحكمة لم تعد تطبّق القانون، بل تطبّق ما تعتقده مصالح لبنان في علاقاته الخارجية، وهذا دليل كاف على أنّ أيّ حكم يتجاوز ما قضت به المحكمة العسكرية الدائمة بحقّ سماحة، يحمل توقيعاً سياسياً ويعبّر عن نيّة سياسية، وليس إرادة قضائية ناتجة في الدرجة الأولى والأخيرة، عن وجدان الهيئة الحاكمة التي لم تكن موفّقة كثيراً في إدارة جلسات المحاكمة الوجاهية والعلنية بعد قرارها بإخلاء سبيل سماحة، وأيضاً بإجماع أهل القانون من قضاة ومحامين.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 6 – نيسان 2016).