أساتذة الجامعة اللبنانية والقضاة/محمّد مازح
بقلم القاضي محمّد مازح:
في كلّ مرّة يكون لأساتذة الجامعة اللبنانية مطالب تتعلّق برواتبهم أو لحقوق أخرى، يلجأون في السعي لنيل هذه المطالب إلى المقارنة بين رواتبهم ورواتب القضاة وباقي المكتسبات الأخرى مثل صندوق تعاضد القضاة مطالبين أن تكون أوضاعهم مماثلة لأوضاع القضاة.
وأساتذة الجامعة اللبنانية هم أساتذتنا، وهم أهل العلم، وعلى أيديهم تعلّم القضاة وأكثر الخرّيجين في هذا البلد، وهم من لقّن القضاة مواد القانون ومبادئ الدستور اللبناني والدساتير المقارنة، والتي تنصّ على مبدأ دستوري عام وهو أنّ القضاء سلطة مستقلّة تجاه السلطات الأخرى، ومفهوم الإستقلالية لا ينبغي أن يكون حبراً على ورق، وذلك احتراماً للدستور من جهة، ولأنّ الإستقلالية هي من مقوّمات عمل القاضي، لأنّه بقدر ما يكون القضاء مستقلاً يكون ضمانة لنيل الناس ومن بينهم أساتذة الجامعة حقوقهم، وبالعكس، ومفهوم الاستقلالية يتطلّب أن يكون القاضي في وضع مادي ومعنوي يحصّنه ضدّ أيّ تأثير ليحكم بالعدل والحقّ، وليس من أجل الرفاهية فحسب.
وقديماً قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب لمالك الأشتر عندما ولّاه مصر، أن يوسع في البذل للقاضي لكي لا يحتاج الناس، ولا يكون له عذر لعدم إحقاق الحقّ، لأنّ القاضي مؤتمن على رقاب الناس وأموالهم.
وليس بعد كلام أمير المؤمنين كلام، والقضاة وأنا واحد منهم، ليس لديهم حساسية أو حرج أن يكون راتب الأستاذ الجامعي مثل راتب القاضي أو أكثر، ولكنّ الاعتراض هو على المقارنة غير الجائزة بين القاضي والأستاذ، وذلك ليس من باب تميّز القاضي عن الأستاذ، فكلاهما مواطن له نفس الحقوق والواجبات، وليس من باب جعل القاضي أكثر رفاهية، بل من باب احترام الدستور الذي يعتبر القضاء سلطة مستقلّة لا يخضع لقانون الوظيفة بصورة عامة.
وأيضاً القضاة يعلمون بأنّ رواتب بعض موظّفي الدولة كحاكم مصرف لبنان ورئيس شركة طيران “الميدل ايست” وغيرهما، أعلى من راتب القاضي بكثير، ومع ذلك لم يلجأوا إلى المقارنة معهم، بل يبنون مطالبهم المادية والمعنوية على أساس أنّهم سلطة دستورية مستقلّة ينبغي مساواتهم بالسلطات الأخرى.
ونحن نتمنّى بشدّة وبقوّة، أن ينال الأساتذة حقوقهم كاملة، وأن يبنوا مطالبهم على أساس الرسالة السامية التي يؤدّونها، وليس على أساس المقارنة مع القضاة، ونتمنّى أيضاً أن يكونوا مع القضاة كتفاً بكتف في معركة استقلالية القضاء في كافة النواحي الذي في حال كان كذلك، فإنّه يشكّل الضمانة لهم، وللناس، لنيل حقوقهم، والحكم بالعدل والحقّ.
“محكمة” – الأحد في 2018/04/01