علم وخبر
أظرف قرار تحكيمي/ناضر كسبار
ناضر كسبار(نقيب المحامين السابق في بيروت):
قبل وفاته، أرسل لي المحامي المرحوم منير شحاده، عضو مجلس النقابة السابق، عدّة صفحات تعتبر من اروع ما كتب، وتتعلق بقرار تحكيمي صادر عن المحامي الكبير المرحوم روجيه نجار في العام 1945. اما فريقاه فهما المحاميان المرحومان انيس الداعوق ورامز سماحة. فيقول حرفياً:
أسّسنا في اواخر الاربعينات ندوة المحامين الشباب وهو تكتل اهتم بشؤون نقابة المحامين واستهدف ايضاً تقوية الروابط بين اعضائه وتعزيز اطلاعهم على اجتهادات المحاكم اللبنانية.
وكانت تجتمع اسبوعياً كل يوم ثلاثاء بمنزل احد اعضائها وقد ضمت بين اعضائها 36 محامياً نذكر منهم روجيه نجار، ومحمد خضر، ونصرت ابو خليل، وخاتشيك بابكيان، ومتري قصعه، وجورج شبلي، وسليمان الزين، ورشيد كرامي، وفؤاد نفاع، وجان مبارك، وفوزي غازي، وروبير الشويري، ونقولا الشويري، ورامز سماحه، وجان كيرللس، وميشال معربس، وانيس الداعوق، وعبد الباسط غندور، وريمون نقاش، وعادل خلف، والياس مارون، وادمون حتي، وفؤاد مشعلاني، وجورج ابي نادر، وانيس حداد، وروبير خياط، وحمد حيدر، وكارلوس بعقليني، والبير ايليا، وفؤاد عواد، ومنير شحاده وغيرهم.
وكان اعضاء الندوة يدعون زملاءهم الى حفلات عشاء.
وكان الزميل الاستاذ انيس الداعوق السباق في اقامة حفلات العشاء في منزله.
وفي إحدى هذه المآدب، خطر على بال انيس الداعوق ان ينظم شرطاً مع رامز سماحة. وهذا الشرط يتلخص حول امكانية رامز سماحة ان ينقص وزنه عن المعدل المتعارف عليه بالنسبة الى طوله وذلك خلال فترة من الزمن تمتد من ايار 1953 لغاية اوائل كانون الثاني 1954، حتى اذا تمكن رامز سماحة من انقاص وزنه يدفع له انيس الداعوق ماية ليرة لبنانية، اما اذا لم يتمكن رامز سماحة من انقاص وزنه، فيدفع هو ماية ليرة لبنانية الى انيس الداعوق.
وقد نظم الفريقان عقداً بهذا الخصوص جاء فيه ما حرفيته:
في ما بين الموقعين:
الفريق الاول: الاستاذ انيس عبد الرحيم الداعوق.
الفريق الثاني: الاستاذ رامز سعيد سماحة.
لقد تم الاتفاق على ما يلي:
أوّلاً: يتعهد الفريق الاول بدفع مبلغ ماية ليرة لبنانية للفريق الثاني اذا تمكن هذا الاخير من انقاص وزنه الى اقل من المعدل الآتي – الوزن بالكيلوغرام اقل من الطول بالسنتيمتر بثمانية وتسعين وحدة، اي مثلا اذا كان الطول 180 س.م. فيكون الوزن اقل من 82 كيلوغرام.
يؤخذ الوزن والفريق الثاني عارياً، والطول وهو حافياً.
ثانياً: يجب ان تتوفر الشروط المذكورة اعلاه في الفريق الثاني بين تاريخ الاول والعاشر من شهر كانون الثاني سنة الف وتسعماية واربعة وخمسين.
ثالثاً: اذا لم تتوفر الشروط المذكورة اعلاه وبالمدة المذكورة، يدفع الفريق الثاني للفريق الاول مبلغ فقط ماية ليرة لبنانية لا غير.
رابعاً: كل خلاف ينشأ عن تفسير او تنفيذ هذا العقد يحل بواسطة التحكيم العادي بدون قابلية الاستئناف او اي طريق من طرق المراجعة، ويعين الفريقان منذ الان الاستاذ روجيه نجار حكما لهذه الغاية لقاء اتعاب قدرها ماية غرش لبنانية.
خامساً: يحق لكل من الفريقين ان يعهدا الى الحكم المذكور باجراء عمليتي الوزن والقياس بالتاريخ المعين، واذا تمنع الفريق الثاني عن قبول عمليتي الوزن والقياس بالتاريخ المعين يعتبر حكما بانه لم يتمكن من تنفيذ المادة الاولى من هذا العقد ويتوجب عليه بالتالي دفع الماية ليرة المتفق عليها في المادة الثالثة من هذا العقد.
حرر على نسختين بيد كل من الفريقين نسخة.
امضاء الفريق الاول امضاء الفريق الثاني
ملاحظة: يجري الوزن بميزان شركة اير فرانس في مطار بيروت الدولي، والقياس لدى الدكتور اسكندر حتي.
وعين الفريقان في هذا العقد الزميل الاستاذ روجيه نجار حكماً عادياً لفض اي خلاف يحصل بينهما لقاء اتعاب قدرها مائة غرش او ليرة لينانية واحدة.
وعند استحقاق موعد نهاية العقد، إتضح ان رامز سماحة زاد وزنه كثيراً بدلاً من ان ينقص.
طالب انيس الداعوق رامز سماحة بدفع الشرط، فتمنع هذا الاخير.
عندئذ لجأ انيس الداعوق الى الاستاذ نجار الحكم المعين من الفريقين.
ويضيف المحامي منير شحاده: اصدر الاستاذ نجار قراره التحكيمي بتاريخ 1954/1/29، وقد خلص فيه الى الزام رامز سماحة بدفع مبلغ ثلاثين ليرة لبنانية. واليكم نص هذا القرار التحيكمي الذي تضمن كثيراً من الطرافة وكثيراً من التعليل القانوني العميق.
قرار تحكيمي:
المدعي: الاستاذ انيس الداعوق
المدعى عليه: الاستاذ رامز سماحة
نحن الموقعين ادناه روجيه نجار، محام في بيروت.
بعد الاطلاع على صك التحكيم الموقع في 1953/5/9 من الفريقين، وعلى الكتاب الموجه الينا من المدعي بتاريخ 3 كانون الثاني 1954 والذي بموجبه يطلب الينا تحديد موعد للمدعى عليه لاجراء عملية الوزن ضمن المدة المتراوحة بين الاول والعاشر من كانون الثاني سنة 1954، وعلى برقية الانذار الموجهة منا الى الاستاذ سماحة بتاريخ 1954/1/9 ، والمتضمنة دعوته لتنفيذ تعهده في الساعة الرابعة بعد ظهر يوم السبت الواقع في 1954/1/9.
وحيث يتبين من البند الرابع من العقد ان الفريقين إتفقا على ان يكون التحكيم عاديا.
وحيث من الثابت ان المدعى عليه لم ينفذ تعهده خلال المدة المحددة في البند الثاني من العقد.
وحيث انه يقتضي والحال هذه إعتباره مسؤولاً تجاه المدعي عن عدم تنفيذ موجباته التعاقدية.
وحيث إنّ البند الثالث من العقد ينص على انه اذا لم تتوفر الشروط المذكورة في البند الاول وخلال المدة المذكورة في البند الثاني يدفع المدعى عليه للمدعي مبلغا قدره مئة ليرة لبنانية.
وحيث بمقتضى المادة 139 موجبات وعقود ان بنود المجازفة Clauses forfaitaires لا تنتج اي مفعول في معرض بحث الاضرار التي تصيب الاشخاص اذ ان حياة الانسان وسلامته الشخصية هما فوق كل اتفاق.
وحيث ان موضوع العقد الرامي الى تخفيض وزن الاستاذ سماحة يمت ولا شك بصلة الى سلامة الاستاذ سماحة الشخصية Intégrité de sa personne.
وحيث ان البند الثالث من العقد الذي يحدد بدل العطل والضرر بمئة ليرة لبنانية يكون والحال هذه عديم المفعول.
وحيث انه بمقتضى تحديد بدل العطل والضرر العائد للمدعي في ضوء الظروف التي رافقت تنفيذ العقد.
وحيث تبين لنا ان المدعي لم يكن حسن النية عند إنشاء العقد لانه حمل المدعى عليه على تحديد مدة إجراء الوزن في الفترة المتراوحة بين الاول والعاشر من شهر كانون الثاني 1954: اي في الفترة التي تلي الاعياد التي تكثر فيها المآدب، وهو يعلم تماماً ان ارادة المدعى عليه، ولئن كانت قوية في حقل العلم، بيد انها لا تصمد امام شهوة المدعى عليه للمأكولات السمنة والحلويات.
وحيث ان المدعي لم يكتف بجعل المدعى عليه في حالة صعوبة التنفيذ بتحديد مدة الوزن بعد اسبوع الاعياد تماماً، بل ذهب قبل حلول الاعياد الى إقامة مأدبة في منزله زودها بأشهى الطعام، دعا اليها المدعى عليه مع بعض الزملاء، واخذ خلافا لعادته، يهتم بصورة خاصة بالمدعى عليه تحت ستار الضيافة.
وحيث انه اذا كان المدعي اقدم لتحقيق غرضه على القيام ببعض الاعمال عن نية غير حسنة لعرقلة تنفيذ موجب المدعى عليه، غير اننا لا نعتبر هذه الاعمال نافية بذاتيتها لمسؤولية المدعى عليه لنكوله عن تنفيذ موجبه لاسيما وان المدعى عليه لم يظهر على الاقل استعداداً لتنفيذ هذا الموجب، بل ابدى خلال كامل مدة العقد من اللامبالاة ما يحملنا على اعتبار انه لم يكن حريصا على إحترام التزاماته، هذا بالاضافة الى استسلامه طوال مدة العقد الى كل ما لذ وطاب.
وحيث بالنتيجة وبما لنا من حق وتقدير مطلق نحدد التعويض العائد للمدعي من جراء نكول المدعى عليه عن تنفيذ موجباته بثلاثين ليرة لبنانية.
لهذه الأسباب
نقرّر:
أوّلاً: إلزام المدعى عليه الاستاذ سماحة بأن يدفع للمدعي الاستاذ الداعوق مبلغ ثلاثين ليرة لبنانية.
ثانيا: إلزام المدعي الاستاذ الداعوق بأن يدفع للمحكم بدل أتعابه والمصاريف التي سلفها لأنّ المحكم غير واثق من تحصيل هذه المبالغ من المدعى عليه على ان يعود للمدعي الحق بقبض هذه المبالغ من المدعى عليه.
صدر هذا القرار بتاريخ 29 كانون الثاني 1954.
ويضيف المحامي شحاده:
وتقدم انيس الداعوق من القاضي الرئيس رفيق غزاوي يطلب اعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي المذكور. وان الرئيس غزاوي فوجئ بطلب الصيغة التنفيذية واستغربه، وطلب من انيس الداعوق ان يرجع عنه، إلّا ان انيس الداعوق اصر على طلبه.
فاستجاب القاضي للطلب وأعطى بتاريخ 1955/6/9 القرار التالي الذي منح بموجبه الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي (الرئيس غزاوي).
المدعي: الاستاذ انيس الداعوق.
المدعى عليه: الاستاذ رامز سماحة.
حيث تبين ان الجهة المدعية طلبت اعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي الصادر في 1954/1/29.
وحيث تبين من مراجعة المادة 583 انه لا يكون للقرار التحكيمي قوة تنفيذية الا بعد اكتسابه صيغة التنفيذ.
لهذا وباسم الشعب اللبناني:
تقرر اعطاء الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي الصادر في 1954/1/29 عن الحكم الاستاذ روجيه نجار.
قراراً صدر في 1955/6/9 بعد تضمين المدعى عليه الرسوم.
ويختم المحامي منير شحاده قائلاً:
وتقدم انيس الداعوق من دائرة اجراء بيروت بطلب تنفيذ القرار التحكيمي، بيد انه لم يقبض اي مبلغ من المبالغ المحكوم بها.
“محكمة” – الثلاثاء في 2024/11/19