أن تكون قاضيًا في بلادي/جمال الحلو
القاضي م جمال الحلو:
القاضي، بصورة عامّة، هو شخص يحكم وفق القانون بين المتنازعين، وتتعدّد صلاحيّاته وفق الإختصاص الممنوح له. ويتمتّع كذلك بضمانات واسعة ومقدّسة ضمانةً لحياده.
أمّا أن تكون قاضيًا في بلادي، فيعني أن تقبل بالمتمّمات التي تلازم هذه الصفة.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن تعلم أنّك قد تموت على قوس المحكمة، أو كأيّ مواطن آخر، بانفجار يمكن تفاديه، وإذا نجوت، يكون لقب “القاضي الشهيد” قاب قوسين أو أدنى منك.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن تضحّي بأبسط شروط العمل المنصوص عليها في اتّفاقيّات حقوق الإنسان.
هو أن تُفجَّر العاصمة ويُهدَّم قصر عدلها من دون أن يلتفت أحد لإصلاحه، فيبادر القضاة إلى إصلاح الأضرار على نفقتهم من خلال راتب زهيد لا يقبل به أيّ قاضٍ في بلاد أُخرى، وذلك كي يدرأ عنه المطر، والبرد. أمّا من ينتظر أن تبادر الجهات المسؤولة إلى الإصلاح، فعليه أن يضحّي بكرامته. نعم بكرامته، إذ قد يُضطرّ إلى أن يعمل بين روث الحيوانات التي اتّخذت من بعض المكاتب المشرّعة ملجأ لها. مكاتب لا يمكن تنظيفها لأنّه -ببساطة- لا مياه في قصر العدل، وهذه مشكلة لا يُلام الإنفجار عليها لأنّها ملازمة لصفة “قصر العدل” في بلادي.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن تقبل بواقع أنّه قد لا يكون لك مكتب خاص تعمل فيه فتتناوب مع زملائك على المكتب نفسه.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن لا تجد قوسًا لعقد الجلسات فتُضطرّ إلى انتظار انتهاء جلسات زملائك.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن تجلب معك “عدّة” لاستعمالها في حال أمطرت السماء داخل المكتب.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن تطالب كلّ يوم بقانون يضمن استقلاليّة السلطة القضائيّة وتعلم في الوقت نفسه أنّه لن يبصر النور مفضّلًا النوم في الأدراج إلى جانب مرسوم التشكيلات.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن تعلم أنّ الدستور يكرّس مؤسّستك إحدى السلطات الثلاث، ولكنّ الواقع لا يقبل بذلك.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن تُهدَّد كلّ يوم في راتبك، وفي ضماناتك الأساسيّة والبدائيّة بالمقارنة مع الدول الأُخرى.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن تُهان يومًا بعد يوم، إنّما لا تستطيع الردّ تحفّظًا، فتدير خدّك الأيسر، وتحمل وزرَ ما لم تقترفه.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن يُحاربك بعض السياسيّين وأزلامهم في القضاء، وهم قلّة، فتتحمّل الأكثريّة نتائج فعل الأقليّة.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو أن تكون انتحاريًّا في زمنٍ تُعرّض جائحةٌ حياتَك وحياة من حولك لخطر الموت.
أن تتولّى السلطة القضائيّة في بلادي هو أن تعلم ما معنى أن تكون قاضيًا في بلادي، ولا تجد من يساعدك من أجل تغيير هذا المعنى.
أن تكون قاضيًا في بلادي، هو، باختصار، أن تكون بطلًا.
ويبقى السؤال:
ألم تتعب أيّها القاضي في بلادي؟ ألم يحن الوقت لتتنازل عن كبريائك، عن دور البطولة، وتصبح كأيّ قاضٍ خارج بلادي؟
“محكمة” – الثلاثاء في 2021/3/2