أوغست باخوس “قيصر” في التشريع
كتبت نسرين نصّار:
فَقَدَ القانون اللبناني عَلَمَاً بارزاً من المُجلِّين في ميدانه الفسيح تشريعاً وتطريزاً للمرافعات المشوّقة، هو النائب الأسبق والمحامي أوغست قيصر باخوس الذي وافته المنّية صباح يوم الأحد الواقع فيه 13 آذار 2016 عن عمر يناهز الثالثة والتسعين عاماً قضى معظمها في رفد الحياة السياسية والقانونية بالمواقف الصريحة والواضحة.
وإذا ما جيء على تأريخ سنّ القوانين في لبنان في السنوات الثلاثين الأخيرة من القرن العشرين، ومطالع القرن الواحد والعشرين، فإنّه لا بدّ من الاستفاضة في الحديث عن البصمات الواضحة التي تركها أوغست باخوس في غير قانون لا يزال معمولاً به في ساحات المحاكم، بعدما ترأس لجنة الإدارة والعدل النيابية سنوات وسنوات، وبعدما عيّنه رئيس المجلس النيابي نبيه برّي رئيساً لهيئة تحديث القوانين التي ضمّت قضاة ومحامين، وتمكّنت من تفعيل القوانين، وترك باخوس أنفاسه ظاهرة في مضمونها، وروحه تنبض بين سطورها، حتّى إذا ما ذكر صاحبها قيل إنّها خارجة من صميم باخوس قلباً وقالباً ولمسات.
وإذا ما تقرّر تعداد المحامين البارعين في المرافعات الجزائية في قصور العدل والمحاكم، فإنّه لا مناص من الإتيان وبقوّة على إسم أوغست باخوس الذي تشهد له قاعات المحاكم بباعه الطويل في تقديم الحجج المقنعة وتطويع القانون لرغبات الحقّ، حتّى إذا ما بدأ في أداء القول ارتجالاً أنصتت الهيئة الحاكمة وروّاد المحكمة إليه للاستزادة منه والاستفادة من كلماته وما تحمله في طيّاتها من بلاغة ورجولة في قول الحقّ.
وإذا ما ذكر النوّاب السياسيون الأقحاح من فئة الرجال الأفذاذ، كان باخوس واحداً منهم بسبب مواقفه الوطنية المشرّفة في نبذ العنف والطائفية، وتجلّت شعاراته في الحزب الديموقراطي العلماني الذي أسّسه مع النائب والوزير الراحل جوزف مغيزل(1924-1995) والكاتب باسم محمّد الجسر، والوزير الدكتور إميل يواكيم بيطار(1931-1988)، ليكون حزباً علمانياً إشتراكياً معتدلاً رافضاً للطائفية والمذهبية، وهو أمر يفتقده لبنان في الكثير من أحزابه، وفي المحطّات الوطنية الهامة.
ولد أوغست باخوس في بلدة البوشرية في قضاء المتن الشمالي في العام 1923، وكان والده قيصر باخوس طبيب المتن الأوّل بعد تخرّجه في فرنسا، ودرس في مدرسة “الفرير” في الجميزة، ثمّ في مدرسة “الحكمة” في الأشرفية، فجامعة القديس يوسف حيث نال في العام 1946 إجازة في الحقوق وتدرّج في مكتب النقيب إمون كسبار، إلى أن كان العام 1953 فاستقلّ بمكتب أعطاه إيّاه صديقه الرئيس رشيد كرامي(1921-1987)، وتعلّم الكثير من تجارب الحياة من النائب والمحامي اللامع إميل جرجس لحود(1899-1954) الذي توطّدت صداقته به كثيراً.
ترأس باخوس المجلس البلدي في جديدة- البوشرية- السدّ ثلاث عشرة سنة بدءاً من العام 1952، وخاض الانتخابات النيابية للمرّة الأولى في العام 1968 فخسر، وأعاد الكرّة في العام 1972 ففاز، وظلّ نائباً مسؤولاً حتّى العام 2000، وترأس تجمّع “نواب 1972 الجدد”، وساهم في تأسيس تجمّع “النواب الموارنة المستقلّين”.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 6 – نيسان 2016).