أوّل وآخر جلسة في قضيّة المحامي كحيل بعد إسقاط الضابط الكبّي لحقّه الشخصي: تظاهرة محامين صوناً للكرامة .. والحدّ الخامس للبنان هو الحرّية/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
… وفي اليوم الموعود، تداعى المحامون بالمئات لنصرة حقّ ورفع ظلم وصون كرامة، فوقفوا صفّاً واحداً ولا أجمل في لوحة تضامنية تؤكّد أنّ رفعة المحاماة إنّما تكمن في السعي الدؤوب إلى إظهار الحقّ بأبهى تجلّياته الإنسانية..
وليس أجمل من أن تكون الكرامة شامخة تحت قوس العدالة حتى ولو كانت الخاتمة بإسقاط حقّ شخصي عن حرّية التعبير التي لا يمكن لأحد تقييدها ما دامت مظلّلة بوارف القانون.
فالمحامون حضروا بكامل وعيهم إلى قصر عدل بيروت ولسان حالهم ما قاله نقيبهم السابق عصام كرم بصوت جهوري بأنّ المحاماة والجيش يحميان الجميع، وكلٌّ من موقعه، وبأنّ ما كتبه المحامي فادي كحيل على موقع التواصل الاجتماعي”فايسبوك” يندرج ضمن إطار حرّية الرأي والتعبير و”نحن أبناء الحرّية وإذا ما منعت الحرّية، منع عن القضاء أن يكون مسؤولاً وأن تكون المحاماة مسؤولة عن الموكّل تجاه القضاء، ولبنان هو وطن الحرّية ومن دونها لا يوجد وطن، وللبنان وبخلاف سائر البلدان خمسة حدود، والحدّ الخامس هو الحرّية”.
وإنْ كانت الوكالة المنظّمة رسمياً عند كاتب العدل تتضمّن 337 محامياً، إلاّ أنّ ما شهدته قاعة المحكمة في قصر عدل بيروت يفوق هذا العدد بكثير، وذلك في “تظاهرة كرامة” غير مسبوقة في تاريخ نقابة المحامين على مدى قرن كامل باستثناء الجمعيات العامة الخاصة بالانتخابات النقابية في دوراتها الثانية. وهي تكلّلت بحضور النقيب اندره الشدياق والنقيبين عصام كرم ونهاد جبر وأعضاء مجلس النقابة أمين السرّ جميل قمبريس، اسكندر الياس، عزيز طربيه، فادي الحدّاد، إيلي بازرلي، عماد مرتينوس وندى تلحوق.
وقدّم القاضي المنفرد الجزائي في بيروت باسم تقي الدين صورة ناصعة عن القضاء الملتزم بالحقّ، وأدار جلسة المحاكمة بهدوء وحكمة تتويجاً لمسعى تذليل كلّ التشجنات التي رافقت القضيّة منذ وقوعها كحادث فردي فوري وإعطاء نقابة المحامين في بيروت الإذن بالملاحقة، وما تبعها من كتابات على مواقع التواصل الاجتماعي.
كما أنّ المدعي الشخصي العقيد فادي محمّد الكبّي لم يكتف بتسليم كتاب إسقاط حقّه الشخصي للنقيب الشدياق، بل حضر بالذات ليعطي الانطباع الطبيعي عن الضابط الملتزم وقدّم من منظاره الشخصي، قراءته للإشكال الذي صودف وقوعه على أفضلية مرور، خلال نقل جثمان والدته من المستشفى العسكري في محلّة بدارو في بيروت إلى مثواها الأخير في صيف العام 2018.
وعقد القاضي تقي الدين أوّل وآخر جلسة محاكمة في الدعوى المقامة من الضابط فادي الكبّي على المحامي فادي كحيل بجرمي الذمّ والقدح على إثر ما كتبه الأخير على صفحته على “فايسبوك” تعبيراً عن ألم اعتراه فور تعرّضه للاعتداء الجسدي من المدعي المذكور.
ودامت هذه الجلسة أربعين دقيقة تقريباً، منذ افتتاحها عند الساعة التاسعة والدقيقة الأربعين، وبدأت بشكليات قانونية عن تدوين أسماء المحامين الحاضرين وهو أمر يستغرق وقتاً طويلاً ويطيح بأوقات محامين ومتقاضين في دعاوى أخرى معروضة على القاضي تقي الدين، وتقرّر في نهاية المطاف الاكتفاء بكتابة أسماء النقباء الشدياق وكرم وجبر وأعضاء مجلس النقابة الحاليين الموجودين وممثّل النقابة وليد أبو دية، على محضر جلسة المحاكمة بالوكالة عن المحامي كحيل.
نصّ الإسقاط
وحضر المدعي فادي الكبّي، وأبرز النقيب الشدياق إسقاطاً مقدّماً من المدعي المذكور سلّمه له في مكتبه قبل الجلسة ومنظّماً لدى كاتب عدل بيروت بالتكليف محي الدين المعوش، وفيه أنّه” انطلاقاً من المبادئ والقيم السامية التي تربّيت عليها في المؤسّسة العسكرية التي أنتمي إليها، والتي عمادها التضحية، ووفاء لدور نقابة المحامين ممثّلة بالمقام الرفيع لنقيبها، وخاصة في هذه المرحلة العصية التي يمرّ بها وطننا الحبيب، وما لها من دور أساسي مكمّل لدور مؤسّسات الدولة في سبيل إحقاق الحقّ وإظهار الحقيقة لحماية وطننا الحبيب، وتجسيداً للوفاء لدور دور هذه النقابة، وبما أنّه من شيم الكرام العفو عند المقدرة، أترفع وأتنازل عن مقاضاة المحامي فادي كحيل كونه أحد أفراد جسم المحاماة، محافظة على دور النقابة السامي في نصرة المظلوم. وعليه فإنّني أسقط حقوقي الشخصية في الدعوى المتكوّنة بيني وبين المحامي كحيل والعالقة أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت – قسم الرئيس باسم تقي الدين، والمسجّلة برقم أساس 2018/3878 والمعيّن موعد جلسة للنظر فيها بتاريخ 2019/1/31 وأضع هذا الإسقاط بين يدي نقيب المحامين في بيروت اندره الشدياق”.
الكبّي يؤدّي التحيّة
وسئل الكبّي عن هذا الإسقاط فأكّده، وقال”لسنا هواة مشاكل ولم نضرب المحامي كحيل لأنّه محام، وتمّت إهانة عائلتي، ومع ذلك هناك أمور مشتركة فأنا رجل أمن والمحامون رجال أمن، والاحترام للجميع، والإشكال لم يحصل مع كحيل لأنّه محام، بل على اثر تلاسن كلامي بينه وبين أخي، وكنا آخدين الوالدة لندفنا وما كنّا بعكس السير”، ثمّ أدّى التحيّة للقاضي تقي الدين، وغادر القاعة.
إستجواب كحيل
وبوشر باستجواب كحيل فأنكر ما نسب إليه وصرّح بأنّه لا يعتبر نفسه قد أقدم على تحقير المؤسّسة العسكرية في كتاباته، وأنّ ما كتب كان بسبب تعرّضه لظلم لم يستطع التعبير عنه إلاّ ضمن مقال عام لم يوجّهه ضدّ أشخاص معيّنين.
وأضاف كحيل أنّه لا يمكن التعرّض بالسوء إلى المؤسّسة العسكرية، لا بل يعتبر نفسه أحد أبنائها، وشكر زملاءه فرداً فرداً على مواكبتهم له في هذه الجلسة.
عزّتان
واستهلّ النقيب كرم مرافعته الشفهية بوصف ما انتابه من عزّتين عند دخوله قاعة المحكمة، العزّة الأولى بوجود محامين شباب، والعزّة الثانية تتمثّل بالمثول أمام قاض يرفع من مكانة قوس العدالة، وقال إنّه “يدافع عن المحامي الذي يصادف اليوم أنّ اسمه هو فادي كحيل”، مبدياً سروره لإسقاط المدعي الشخصي حقّه.
وطلب النقيب كرم إبطال التعقّبات عن كحيل، كونه ثابتاً بشكل جازم لا يرقى الشكّ إليه من أنّ ما كتبه لا يوجد فيه أيّ مسّ لا بالمدعي المسقط الشخصي ولا بالمؤسّسة العسكرية، فقد ساء كحيل أن يتعرّض للضرب ممن هم مولجون بحماية الناس وعاد إلى نفسه كاظماً غيظه ومستنفراً عقله ليكتب عمّا اختلجه من مشاعر في تلك اللحظة.
وشدّد كرم على أنّ كحيل يعتبر الجيش والعلم رمزين لا يمكن المساس بهما، وهو محام مسؤول عن كلّ كلمة يقولها وبالتالي يستحيل أن يكتب كلمة يؤاخذ عليها.
وقدّمت مذكّرة خطّية للقاضي تقي الدين الذي رفع الجلسة لإفهام الحكم في 28 شباط 2019.
“محكمة” – الخميس في 2019/1/31
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يرجى الإكتفاء بنسخ جزء من الخبر وبما لا يزيد عن 20% من مضمونه، مع ضرورة ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.