أين هي الأيدي النظيفة؟/محمّد مغربي
المحامي الدكتور محمّد مغربي:
صدر قانون الاثراء غير المشروع في 1999/11/27 في عهد الرئيس إميل لحود والرئيس سليم الحصّ. وهو يتناول في مادته الأولى، الإثراء الذي يحصل عليه الموظّف أو القائم بخدمة عامة والقاضي وشركاؤهم بأيّة وسيلة من الوسائل غير المشروعة، ويجيز، في مادته الثانية، ملاحقة كلّ الموظّفين والقائمين بخدمة عامة بمن فيهم رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النوّاب ورئيس الوزراء والوزراء والنوّاب والقضاة وأعضاء المجلس الدستوري.
فيكون من الثابت أنّ القانون المذكور لا ينزّه أحداً من المذكورين، حتّى أنّه، وفي المادة 8 منه، يستغني عن الأذونات أو التراخيص المسبقة التي توجبها القوانين. أيّ أنّه لا يحقّ لأحد، من رئيس الجمهورية ونزولاً، أن يدلي بالحصانة في وجه الملاحقة التي تتمّ مباشرتها وفقاً لأحكامــه.
وعندما يتمّ تحريك دعوى الاثراء غير المشروع ضدّ كلّ من يشتبه بأنّه ارتكب الأفعال المذكورة، فإنّه يجدر طرح السؤال: أين هم أصحاب الأيدي النظيفة الذين يمكنهم ملاحقة المرتكبين من أصحاب الأيدي الوسخة؟
ذلك أنّ تطبيق قانون الإثراء غير المشروع لا يتمّ إلاّ عن طريق النظام القضائي ابتداءً من النيابة العامة وانتهاءً في محكمة التمييز، أيّ بواسطة القضاة الذين تمّ تعيينهم من رؤساء الجمهورية ومجالس الوزراء وذلك بعد أخذ خاطر سائر القائمين بخدمة عامة والزعماء السياسيين الذين لا يتولّون مناصب رسمية. وذلك أنّ القانون المذكور أوكل إلى القضاة أمور الملاحقة والادعاء والتحقيق والمحاكمة على درجتين ضدّ من عيّنهم أو سمّاهم أو وافق على تعيينهم.
فتكون الخطوة الأولى والمسبقة والضرورية والتي لا بدّ منها لوضع قانون الاثراء غير المشروع موضع التطبيق في وجه أصحاب الأيدي المشتبه بأنّها وسخة، ولإثبات جدّيتها، تولية القضاة أصحاب الأيدي النظيفة والعقول غير الملوّثة والمتميّزين بالمعرفة والشجاعة المعنوية والجسدية هذه المهمّة الشاقة، وإن تطلّب الأمر تعيين قضاة جدد.
وهذا يتطلّب، وأيضاً بصورة ضرورية ومسبقة، أن يكون من يتولّى اختيار القضاة، أصحاب الأيدي النظيفة وتوليتهم أيضاً من أصحاب الأيدي النظيفة.
وإذا وضعنا هذا الأمر في إطاره الصحيح، فإنّ الشرط المسبق لتولية أصحاب الأيدي النظيفة تطبيق قانون الإثراء غير المشروع إجراء تطهير شامل في القضاء. وهذا ما يتطلّب، بصورة مسبقة وضرورية، تطهيراً شاملاً في المراجع التي تمارس السلطتين التنفيذية والتشريعية وتقع تحت طائلة قانون الاثراء غير المشروع، وذلك باحترام قاعدة: “كلّهم يعني كلّهم”، أيّ بلا استثناء أحد من دائرة الشبهات.
وكلّ ذلك يتطلّب إعادة بناء شاملة انطلاقاً من استفتاء شعبي يهدف إلى تطبيق قاعدة: “كلّهم يعني كلّهم” للموافقة على حظر تولّي المناصب العامة لكلّ من تولّاها منذ فجر الاستقلال وذلك مع عائلته وذرّيته، وإقامة حكومة مؤقّتة من أصحاب الأيدي النظيفة الذين يختارهم الشعب بناءً لسيرتهم الذاتية وتكون مهمّتها إعادة تكوين السلطات الدستورية كافة ووضع البلد على الصراط المستقيم.
“محكمة” – السبت في 2019/10/26