“إتهامية بعبدا”:الأمير السعودي ليس تاجر “كبتاغون”!
كتب علي الموسوي:
صوّب القضاء اللبناني الإطار العام لقضيّة الأمير عبد المحسن بن وليد بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، واضعاً الحقائق أمام الرأي العام بعد موجة إعلامية غير مسبوقة في التعاطي مع ملفّ يتعلّق بحبوب “الكبتاغون”، تداخلت فيها المعلومات الحقيقية مع الكباش السياسي المستشري في لبنان والمنطقة، فجرى التصويب على الملصقات الموضوعة على الصناديق المضبوطة في مطار رفيق الحريري الدولي في بيروت والتي تحمل إسم هذا الأمير من دون التحقّق ممّا إذا كانت له أم لسواه من مرافقيه، وما إذا كان على معرفة مسبقة بالمحتويات، أم تمّ استغلال صفته الأميرية لتمريرها وتسفيرها.
هذا ما ركّز عليه القرار الإتهامي الصادر عن الهيئة الإتهامية في جبل لبنان، والذي توصّل في المحصّلة النهائية إلى خلاصة واضحة تؤكّد بأنّ الأمير عبد المحسن ليس تاجراً وإنّما مروّج، والفارق بين هاتين الصفتين كبير، كما أنّ العقوبة بينهما مختلفة.
وقد مضى على توقيف الأمير عبد المحسن آل سعود عشرون شهراً في نظارة مكتب مكافحة المخدّرات المركزي، مثل خلالها مرّات عديدة أمام القضاء ممثلّاً بقاضي التحقيق في جبل لبنان، والهيئة الإتهامية التي أعادت عملية الإستجواب للوقوف على حقيقة عملية تهريب ألف وتسعماية وخمسة كيلو غرام من حبوب الكبتاغون تعتبر واحدة من أكبر وأضخم العمليات في تاريخ تهريب الممنوعات في لبنان.
وبقيت جلسات التحقيق سرّية بحكم القانون، وما تسرّب بقي قليلاً، ولكنّ الملفت للنظر أنّه منذ بدء التحقيقات وحتّى صدور مضبطة الإتهام، دأب الأمير عبد المحسن على تكرار الأقوال نفسها من دون أيّ تناقض أو تغيير، فيما اختلفت أقوال المتهم يحي الشمري مرّات عديدة، ووصلت إلى حدّ الإعتراف بملكية صناديق “الكبتاغون”.
وقيل إنّ الشمري قبض ثمناً غالياً مقابل تغيير أقواله في كلّ مرة تمهيداً لإخلاء سبيل الأمير عبد المحسن الذي بقي موقوفاً بناء على عطف جرمي من متهم ناقض نفسه مرّات، وهو ما يفسّر قانوناً وبعُرْف المحاكم، في ظلّ وجود أسبقيات في هذا المجال، لمصلحة الشخص الآخر بسبب انعدام الدليل، كما أنّه لا يصحّ إعتماده سنداً للإتهام.
المهمّ أنّ هذه القضيّة وصلت إلى محكمة الجنايات حيث من المقرر أن يمثل الأمير عبد المحسن وبقيّة المتهمّين مكبّلين من دون أصفاد للإدلاء بأقوالهم أمام كلّ الحاضرين من مواطنين ومتقاضين ومحامين ووسائل إعلامية متنوّعة في جلسات علنية، فهل سيبقى الإعلام على موقفه المسبق من الأمير السعودي، أم أنّه سيعطيه الحقّ بالدفاع عن نفسه وسماع أقواله قبل أن يحكم عليه، مع العلم أنّ الكلمة النهائية والفاصلة هي لحكم المحكمة الذي تتوّجه “باسم الشعب اللبناني”، سواء بالتجريم والإدانة أو البراءة؟.
في موازاة ذلك، لا بدّ من الإشارة إلى أنّه تمّ الحديث مطوّلاً عن إبقاء الأمير عبد المحسن موقوفاً في مكتب المخدّرات، وعن المأكولات التي تقدّم له “من جيبه الخاص”، من دون الإلتفات إلى أنّ هناك غرفاً في سجن “رومية” المركزي على سبيل المثال لا الحصر، يشغلها شخصان فقط، لأنّهما يدفعان الأموال اللازمة لإبقائهما مرتاحَيْن، وهي تتسع لمئات، فيما هنالك غرف أخرى تتسع لعدّة أشخاص نجدها ممتلئة بالمئات ومكتظة بهم من دون شفقة أو رحمة!.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 17 – أيّار 2017).