“إتهامية بيروت”: الإبقاء على الموظّفين داخل المصرف خلال استيفاء المودع حقّه بالذات ليس خطفًا/علي الموسوي
المحامي المتدرّج علي الموسوي:
ماذا يعتبر الجرم المتفرّع عن سعي المودع لاستيفاء حقّه بالذات بالدخول إلى مصرف ما واحتجاز موظّفين وزبائن فيه مدّة من الزمن قد تطول وقد تقصر بحسب مجريات المفاوضات الآيلة إلى إنهاء عملية اقتحام المصرف من دون أن تنتج عنها إراقة دماء وتسليم المودع ما يطالب به من أموال جناها بعرق جبينه بغضّ النظر عن حجمها وكمّيتها، ثمّ توقيفه وسوقه إلى القضاء؟
وهل يوجد جرم في الأساس إلى جانب جرم استيفاء الحقّ بالذات؟ وهل يمكن تسمية ما يحصل جرمًا؟ وهل يدخل في نطاق جرم الخطف أو حجز الحرّية أم أنّه ليس جرمًا؟ وهل يمكن اعتماد هذه الحالة بوصفها جرمًا أو “بعبعًا” لمنع تكاثر عمليات اقتحام المصارف لاسترجاع الودائع وقد تراجعت كثيرًا عمّا كانت عليه عند نشوء الأزمة المالية والمصرفية وتدهور الوضع الإقتصادي وخلال مراحل استمرارها وتدرّجها زمنيًا؟
وهل توجّهت النيّة الجرمية إلى استعادة المال أم إلى إبقاء الموظّفين ومن يصادف وجوده في المصرف لحظة حصول الإقتحام بالمتفجّرات والأسلحة الحربية أو الخلّابية خلف الأبواب الموصدة وقيد الإحتجاز القسري، أو تركهم يغادرون تدريجيًا، إلى حين “إستسلام” المسؤولين عن المصرف واقتناعهم بوجوب دفع الوديعة كاملة أو ما تيسّر منها؟ وما دام “احتجاز” الموظّفين مثلًا ناتجًا عن التخطيط لاستيفاء الحقّ بالذات خلافًا للأصول القانونية، فهل يعتبر جرمًا ملحقًا به ومرتبطًا به أم أنّه ليس جرمًا وليس تابعًا له، وبالتالي يمكن الإكتفاء بإجراء الملاحقة فقط بشأن ذلك الاستيفاء؟
وهل يمكن الإكتفاء بجنحة استيفاء الحقّ بالذات دون مقاربة جناية الخطف وحرمان الحرّية؟ وهل هذان الفعلان يكملان بعضهما بعضًا، أم يمكن الإكتفاء بالجرم الأساسي ألا وهو استيفاء الحقّ بالذات من دون سلوك الأطر القانونية المتعارف عليها عبر القضاء وإنْ كانت طويلة الأمد ولا تؤتي أُكلها كلّ حين ويترتّب عليها خسارة جزء منها كأتعاب للمحامين مثلًا؟!
وهل يمكن اعتبار إبقاء الموظّفين والزبائن محتجزين إلى حين التوصّل إلى حلّ بشأن الوديعة، خطفًا؟ بمعنى أنّه هل ذهبت النيّة الجرمية للفاعل أو الفاعلين إلى اقتراف جرم الخطف منذ أن جرى الإعداد لاقتحام المصرف، أم أنّ الغاية منصبّة منذ الأساس على استعادة الأموال فألحق الخطف به قسرًا نتيجة الوجود داخل حرم المصرف؟ وما دام “الخطف” بمعناه اللغوي والقانوني ناجمًا عن جرم آخر هو استيفاء الحقّ بالذات فلماذا عملية الدمج في الادعاء؟
أوليس الخطف معناه اقتياد شخص أو أكثر من مكان إلى مكان آخر بقوّة السلاح وتحت التهديد والترهيب والتخويف بإلحاق الأذى وربّما الموت بما يفرده من هواجس قاسية في النفس البشرية، فهذا يعني أنّ نيّة الفاعل متجهة منذ الأصل إلى القيام بالخطف، وليس بالضرورة أن يكون وجود موظّفين، بطبيعة الحال، وزبائن داخل مصرف ما لحظة دخوله بطريقة عادية وسلسة ومرنة وتمويهية أو بالعنف، خطفًا أو الإبقاء على هؤلاء الموظّفين مرتهنين للحظة دفع المال المودع أمانة، حجزًا للحرّية؟
لقد أجابت الهيئة الاتهامية في بيروت، بحبكة قانونية كما هو مطلوب، على هذه التساؤلات التي تراود الرأي العام والحقوقيين، في معرض قضيّة أحيلت إليها تتعلّق باقتحام مودع مصرفًا لاستعادة أمواله، وأكّدت انتفاء جرم الخطف وحجز الحرّية والحرمان منها نتيجة الإبقاء على الموظّفين داخل المصرف دون التعرّض لهم بأيّ أذى جسدي وإنْ رافقه بطبيعة الحال، عنف كلامي ونفسي.
واعتبرت الهيئة الاتهامية في ما أثارته في متن قرارها أنّ” الطلب من عددٍ من موظّفي المصرف البقاء لحين إيفاء المدعى عليه حقّه الموجود أصلًا في المصرف ذاته، ما هو إلّا الفعل المادي لجرم استيفاء الحقّ بالذات المشدّد”، لتضيف أنّ “ما حصل هو تمادي الفعل المادي المشدّد المذكور زمنيًا لوقتٍ معقول، لحين تحقّق النتيجة المتمثّلة باستيفاء الحقّ بالذات، وهو ليس بفعلٍ مادي جرمي مستقلٍّ عن فعل استيفاء الحقّ، لانتفاء نيّة الخطف”، أيّ أنّ الإبقاء على الموظّفين داخل المصرف خلال استيفاء المودع حقّه بالذات ليس خطفًا، ممّا يستدعي والحال هذه، الإكتفاء بالجنحة الممثّلة بالإستيفاء ومنع المحاكمة لجهة جرمي الخطف والتهديد بالسلاح اللذين يدخلان في طيّات الجنحة نيّةً وفعلًا وتنفيذًا.
وحمل قرار الهيئة الاتهامية الجديرُ بالقراءة والإهتمام لما تضمّنه من نقاش وتعليل ونتيجة، تواقيع القضاة الرئيس ماهر شعيتو والمستشار جوزف بو سليمان والمستشار المنتدب محمّد شهاب، وتتفرّد “محكمة” بنشره حرفيًا عى الشكل التالي:
إنّ الهيئة الاتهامية في بيروت المؤلّفة من القضاة: الرئيس ماهر شعيتو والمستشارين جوزف بو سليمان ومحمد شهاب منتدبًا،
لدى التدقيق والمذاكرة،
وبعد الإطلاع على تقرير النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رقم 2023/8848 تاريخ 2023/12/7 الذي تطلب بموجبه اتهام المدعى عليهما :
1- ع.ح.، والدته م.، مواليد العام 1965، لبناني، سجل/59/ ف.، أوقف بإشارة النيابة العامة بتاريخ 2023/11/16، ووجاهيًا بتاريخ 2023/11/21، وأخلي سبيله بتاريخ 2023/11/30،
2- و. م.، والدته ن.، مواليد العام 1987، لبناني، سجل/116/ ف.، تُرك لقاء كفالة مالية،
بالجناية المنصوص عليها في المادة 569 عقوبات، والظن بهما بالجنح المنصوص عليها في المواد 429/430 و573 عقوبات، و72 أسلحة، وإتباع الجنح بالجناية للتلازم،
وعلى القرار الظني الصادر عن قاضي التحقيق في بيروت بتاريخ 2023/11/30، رقم 2023/73،
وعلى مطالعة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت في الاساس تاريخ 2023/11/28،
وعلى أوراق الملف كافة،
وبنتيجة التحقيق تبين الآتي:
أوّلًا: في الوقائع:
حوالي الساعة العاشرة من قبل ظهر يوم 2023/11/16، ورد إتصالٌ هاتفيُ من غرفة عمليات شرطة بيروت الى فصيلة درك الروشه يُفيد بدخول شخصٍ بالقوة الى فرع مصرف فرنسبنك الكائن في محلّة فردان سنتر 730 وبحوزته قنبلة يدوية، وعمد الى احتجاز المتواجدين في الداخل مطالبا بتسليم وديعته،
وعلى الفور انتقلت دورية من الفصيلة المذكورة الى مركز المصرف، وباشرت تحقيقاتها بالأمر بموجب المحضر رقم 302/938 تاريخ 2023/11/16، وأفاد القائمون بالتحقيق انهم شاهدوا أبواب المصرف مقفلة من الداخل، وان قنبلة يدوية موضوعة على واجهة البنك، كما شاهدوا رجلًا في الداخل يحمل قنبلة ثانية في يده مهدّدًا بفتحها في حال اقتراب أحد منه، وأضافوا بأنه يوجد داخل البنك عشرة موظفين، إضافةً أحد المودعين وزوجته، وقد عُلم بأن الرجل الذي يحمل القنبلة هو المدعى عليه ع. م.ح.، ويرافقه المدعى عليه و. و. م.، وان الأول يطلب الحصول على وديعته من المصرف كونه مريضًا وبحاجة لعملية فورية،
وتبين ان الخبير العسكري الذي حضر من مكتب المتفجرات، أفاد بأن القنبلة اليدوية الموضوعة قرب الواجهة، حقيقية، وأنه يجهل طبيعة القنبلة الثانية التي يحملها المدعى عليه ح.،
وبعد حوالي ساعتين، أفرج المدعى عليه ع. م. ح. إراديًا عن خمسة موظفين من المصرف، وعن المودع وزوجته، ويدعيان ط. ق. وس. أ.،
وتبين انه حوالي الساعة الخامسة والنصف عصرًا، وبنتيجة المفاوضات الحاصلة، تمّ الاتفاق على استلام المدعى عليه ع.ح. مبلغ /3800/دولار أميركي، وهو يمثّل كامل حقوقه تجاه المصرف، مقابل تعهّد الأخير بعدم التقدّم بأيّ شكوى بحقّه، وعندها قام المدعى عليه الحاج بوضع القنبلة التي كان يحملها بجانب الحائط، وفتحَ باب المصرف، وسلّم نفسه هو ورفيقه المدعى عليه و. و. م.، للقوى الأمنية المتواجدة في الخارج،
وتبيّن أنّ القائمين بالتحقيق أوردوا ملاحظة في متن المحضر، أنّه طوال الفترة الممتدة من الساعة العاشرة صباحًا حتى الساعة الخامسة والنصف عصرًا، كان المدعى عليهما ح. وم. يتجولان داخل باحة المصرف دون التعرّض لأحد، او تكسير ممتلكات المصرف، وان الموظّفين الخمسة الذين بقوا في الداخل، كانوا يقومون بعملهم دون ضغوط،
وبالإستماع الى مدير فرع المصرف ح. ن. إ.، أفاد انه حوالي الساعة العاشرة صباحًا وأثناء وجوده في المصرف، طلب رجل ضرير يعاونه شخص آخر الدخول الى المصرف، ففُتح لهما الباب، وفور ذلك، عمد الشخص الثاني الى إغلاق الباب، وقام الأوّل بسحب قنبلتين من ثيابه وهدّد بتفجير المصرف في حال لم يحصل على وديعته، ولدى مراجعة الحسابات، تبيّن أنّ لديه حساب تأمين بمبلغ /3850/د.أ.، وقد تمّ دفعه له حوالي الساعة الخامسة والنصف عصرًا نتيجة بعض المداخلات، وحصل اتفاقٌ مع المصرف، وأضاف بأنّه لا يرغب بالإدعاء، ويترك الأمر للقضاء، وأكّد بأنّ أحدًا من الموظّفين لم يتعرض للإيذاء، كما لم يحصل أيّ تخريبٍ في المصرف،
وتبيّن أنّ المدعى عليه ع. م. ح. أفاد بأنّه يقيم في بلدة ف. البقاعية، وان لديه حساب تأمين لدى فرنسبنك بقيمة /11800/د.أ.، ونتيجة السحوبات الحاصلة بموجب البطاقات التسويقية التي أُعطيت له، إنخفض الرصيد الى /3800/د.أ.، وأنه كان يراجع فرع المصرف في (ل)، وقد جرى إقفاله، فصار يذهب الى فرع (ب)، الذي تمّ إقفاله لاحقًا أيضًا، فعمد الى النزول الى فرع (ر)، ما كبّده كلفة أكبر، دون الاستحصال على حقّه، الأمر الذي أثار غضبه خاصة وأنّ وضعه المادي سيئ جدًّا، ولم يعد قادرًا على تحمّل نفقات عائلته، فخطرت بباله فكرة النزول إلى فرع المصرف في بيروت علّه بذلك يجد أحدًا يتجاوب معه، وصمّم أنّه في حال عدم تحصيله حقوقه، فسوف يأخذها بالقوّة، وأوضح بأنّه عثر على القنبلة اليدوية في الطريق قرب منطقة سكنه قبل حوالي شهرين، واحتفظ بها مع العلم بأنّها تالفة ولا تعمل، وأنّه قام بنسخ واحدة عنها بواسطة أنبوب بلاستيك، ووضع الإثنتين في ثيابه، وتوجّه الى المصرف بناء على موعد رسمي، واصطحب معه جاره وقريبه المدعى عليه و. و. م.، وادعى أنّه ضرير ليتمكّن من دخول المصرف، وأنّه بعد مطالبته بحقوقه بطريقة سلمية، وعدم تمكنه من الحصول عليها، عمد الى إشهار القنبلة ووضعها بجانب الحائط وأقفل الأبواب، تاركًا بيده القنبلة المزيّفة، وبعد حصوله على حقوقه، غادر المصرف دون أن يتعرّض لأحد،
بينما أفاد المدعى عليه و. و. م. بأنّ المدعى عليه ع. ح. اتصّل به صباحًا وطلب منه مرافقته الى البنك في محلّة فردان كونه مصابًا بالتهابٍ في عينه ولا يستطيع الذهاب بمفرده، وقد التقى به في محلّة كنيسة مار مخايل وأقّله بسيارته، وقصدا المصرف، وساعده في المشي كونه لا يرى جيّدًا، وأضاف بأن ع. أخذ يحادث الموظفين بينما جلس هو ينتظره على المقعد، وبعد حوالي ربع ساعة، ولدى اطلاعه على مستند، تفاجأ به يُشهر قنبلتين، وطلب منه إغلاق باب المصرف الرئيسي، وأوضح بأنّه لم يكن عالمًا بحقيقة نواياه،
وخلال التحقيق الإستنطاقي، أفاد المدعى عليه ع. م. ح. بأنّ ما قام به هدفه تحصيل حقوقه دون أن يكون لديه نيّة أذية أحد، وأوضح بأنّه طلب من موظّفة المصرف سحب كامل المبلغ المستحق له، فأفادته بأنّه سيُحسب على أساس سعر صرف الدولار /15/ ألف ليرة لبنانية، فأصّر عليها بأنّه يريد ماله بالدولار كاملًا كونه يعاني من أوضاع صحية، فرفضت طلبه، عندها عمد إلى إشهار القنبلتين مع العلم أنّ إحداهما مزيّفة، وطلب من و. م. إقفال الباب،
وأفاد المدعى عليه و. و. م. بأن لا صحّة لما أُسند إليه، وكرّر إفادته الأوليّة، وأوضح بأنّه بقي في المصرف برفقة ع. معتقدًا أنّ بإمكانه حلّ المسألة وتهدئة الأخير،
وفي المقابلة المجراة بينهما، أفاد المدعى عليه ع.ح. بأنه عندما التقى بالمدعى عليه و. م. في محلّة كنيسة مار مخايل، أبلغه بأنّه متوجّه إلى المصرف لتحصيل أمواله ولو استدعى الأمر افتعال مشكل، ولم يخبره بأنه يحمل قنبلتين، وقد وافقه الأخير في مخطّطه وقال له “ديبك”، في حين أكّد المدعى عليه و. بأنّه لم يكن على علمٍ بمخطّط عبد الله، ولكنّه علم منه خلال الطريق بأنه سيحصّل أمواله ولو استدعى الأمر إشكالًا مع المصرف، ولم يخبره بموضوع القنبلتين،
ثانيًا- في الأدلة:
تأيّدت هذ الوقائع:
• بالادعاء،
• بالتحقيقات الأولية والاستنطاقية،
• بأقوال ح. ن. إ.،
• بأقوال المدعى عليهما ع. م. ح. وو. و. م.،
• بمجمل التحقيق،
ثالثًا- في القانون:
حيث من الثابت أنّ المدعى عليه ع. م. ح. يملك حسابًا مصرفيًا لدى مصرف فرنسبنك، وقد حاول مرارًا إسترجاع وديعته لدى الأخير كاملة، إلّا أنّه لم يتمكّن من ذلك نتيجة الأزمة المالية الراهنة، الأمر الذي حمله على التوجّه إلى فرع المصرف الكائن في محلّة فردان، بعد إقفال الفروع المتواجدة بالقرب من محلّة سكنه في البقاع، برفقة المدعى عليه و. و. م.، وبحوزته قنبلتين يدويتين، مصمّمًا على انتزاع حقّه ولو بالقوّة،
وحيث يتبيّن أنّ المدعى عليهما عمدا بعد دخولهما المصرف، الى إقفال بابه الرئيسي ووضع قنبلة عند حائط الباب، بينما حمل ع. قنبلة أخرى، ذكر في إفادته بأنّها مزيّفة، وهدّد مسؤولي المصرف بتفجيرها في حال عدم تسليمه وديعته المالية، وقد سمح المدعى عليهما بعد حوالي الساعتين لعدد من المتواجدين في المصرف من موظفين وزبائن، من تلقائهما، بالمغادرة، وانه بنتيجة المفاوضات الحاصلة، استلم المدعى عليه ع.ح. كامل وديعته وغادر هو ورفيقه المصرف، حيث جرى توقيفهما من قبل القوى الأمنية،
وحيث إنّ ما تقدّم يثبت أنّ المدعى عليه ع.ح. عمد، بالإشتراك مع المدعى عليه و. م. العالم بنوايا الأخير، على استيفاء الحق العائد له تجاه المصرف، بذاته، مع العلم أنّ بإمكانه مراجعة السلطة المختصة للمطالبة بحقّه المذكور، وذلك بصرف النظر عن نتيجة تلك المراجعة، مستخدمًا العنف على المتواجدين داخل المصرف من خلال تهديدهم بالقنابل، واستمرّ في فعله لحين تنفيذ مبتغاه،
وحيث إنّ فعل المدعى عليهما المعروض يشكّل الجنحة المنصوص عليها في المادة 430/429 فقرة أخيرة عقوبات،
وحيث في ما خصّ جناية المادة 569 عقوبات- أي الخطف وحرمان الحرّية- المنسوبة للمدعى عليهما، فمن الواضح أنّ نيّة الأخيريْن، اللذين عمدا من تلقائهما للسماح لعددٍ من موظفي المصرف والزبائن بالمغادرة كما وتمكين سائر الموظفين المتواجدين من ممارسة عملهم المعتاد، لم تتجّه الى ارتكابها، إذ إنّهما لم ينويا اختطاف المتواجدين في المصرف، بل استيفاء المال العائد لأحدهما الموجود في المصرف من خلال العنف الحاصل، وهو بذاته ظرف التشديد المحدّد في المادة 430 عقوبات، بمعنى أنّ الطلب من عددٍ من موظّفي المصرف البقاء لحين إيفاء المدعى عليه حقّه الموجود أصلًا في المصرف ذاته، ما هو إلاّ الفعل المادي لجرم استيفاء الحقّ بالذات المشدّد،
وحيث إنّ ما حصل هو تمادي الفعل المادي المشدّد المذكور زمنيًا لوقتٍ معقول، لحين تحقّق النتيجة المتمثلة باستيفاء الحق بالذات، وهو ليس بفعلٍ مادي جرمي مستقلٍ عن فعل استيفاء الحق، لانتفاء نيّة الخطف، تمامًا كحالة السارق الذي يدخل منزلًا مهدّدًا صاحبه بواسطة مسدّس لتسليمه المال، واستغراق التسليم هذا وقتًا من الزمن للعثور على المال مثلًا، فلا يُعدّ صاحب المال مختطَفًا في هذه الحالة، إذ إنّ ما يحصل هو مجرّد تنفيذ لفعل السرقة المادي، ومن غير المعقول سماح السارق لصاحب المال بالمغادرة في هذه الأثناء،
وحيث إنّ ما تقدّم ينفي تحقّق جرم المادة 569 عقوبات المستغرَق بظرف التشديد الوارد ذكره في المادة 430 عقوبات، وهو الأمر ذاته الذي ينطبق على جرم المادة 573 عقوبات المدعى به، المستغرَق بدوره بظرف التشديد المذكور، لا بل هو ذاته،
وحيث يقتضي بالتالي منع المحاكمة عن المدعى عليهما بجرمي المادتين 569 و573 عقوبات،
وحيث من ناحية أخيرة، فإنّ فعل المدعى عليهما لجهة حيازتهما أسلحة حربية يشكّل الجنحة المنصوص عليها في المادة 72 أسلحة،
لذلك
تقرّر الهيئة بالاتفاق:
أوّلًا: الظنّ بالمدعى عليهما ع. م..ج و و. و. م.، المبيّنة هويتهما كاملة في مستهلّ هذا القرار، بالجنحتين المنصوص عليهما في المواد 430/429 عقوبات، و72 أسلحة، ومنع المحاكمة عنهما بالجناية المنصوص علييها في المادة 569 عقوبات، والجنحة المنصوص عليها في المادة 573 منه، لعدم تحقّق عناصرهما،
ثانيًا: إيجاب محاكمة المدعى عليهما أمام القاضي المنفرد الجزائي في بيروت،
ثالثًا: تدريك المدعى عليهما الرسوم والنفقات كافةً،
رابعًا: إيداع الملف مرجعه الصالح بواسطة جانب النيابة العامة الاستئنافية في بيروت. قراراً صدر في غرفة المذاكرة في بيروت بتاريخ 2023/12/12.
“محكمة” – الأربعاء في 2023/12/13
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً على أيّ شخص، طبيعيًا كان أم معنويًا وخصوصًا الإعلامية ودور النشر والمكتبات منها، نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، كما يمنع نشر وتصوير أيّ خبر بطريقة الـ“screenshot” وتبادله عبر مواقع التواصل الإجتماعي وتحديدًا منها “الفايسبوك” و”الواتساب”، ما لم يرفق باسم “محكمة” والإشارة إليها كمصدر، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.