“إتهامية بيروت”: المقصود بعبارة “خارج لبنان” النبأ الكاذب وليس مكان وجود صاحبه/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
أصدرت الهيئة الاتهامية في بيروت والمؤلّفة من القاضي جوزف بو سليمان رئيساً منتدباً، والقاضيين كارلا شواح مستشاراً منتدباً، وبلال عدنان بدر مستشاراً، قراراً قضى بمنع المحاكمة عن أنطوان الصياح وجمعية أصدقاء الجامعة اللبنانية في الدعوى المقامة عليهما من الجامعة اللبنانية على اثر بثّ نبأ كاذب في الإعلام والصحف وعلى مواقع الكترونية يفيد “بأنّ الاتحاد الأوروبي هدّد بعدم الاعتراف بشهادة الجامعة اللبنانية إذا لم تقم بإصلاح مناهجها خلال ثلاث سنوات”!
وناقشت الهيئة الاستئناف الجزئي لقرار قاضي التحقيق الرامي إلى منع المحاكمة عن الصياح والجمعية لجهة مكان بثّ النبأ الكاذب على الأراضي اللبنانية أم خارجه بحسب منطوق المادة 297 عقوبات، فاستبعدت تفسير قاضي التحقيق من أنّه لتطبيق هذه المادة يجب أن تكون الأفعال قد اقترفت في الخارج وليس في لبنان، واستعاضت عن ذلك بالقول إنّ هذه المادة “لم تشترط أن يكون المدعى عليه موجوداً خارج لبنان عندما يذيع النبأ الكاذب، ويُكتفى بأن يذاع الخبر خارج لبنان بفعل من المدعى عليه، سواء قام بفعله من داخل لبنان أم من خارجه، فالأمر سيّان طالما أنّ الخبر أذيع في الخارج، وبالتالي، فإنّ المقصود بعبارة”خارج لبنان” هو النبأ الخاطئ والكاذب وليس المكان الموجود فيه صاحب هذا الخبر عند قيامه بإذاعته وبّثه ونشره على عواهنه.
وقد تبيّن أنّ بعثة الاتحاد الأوروبي موجودة في لبنان، وبيانها التوضيحي صدر من الأراضي اللبنانية، وهذا ما دفع الهيئة الاتهامية إلى القول بمنع المحاكمة عن المدعى عليهما لهذه الناحية لعدم توافر الدليل.
وتجدر الإشارة إلى أنّ قاضي التحقيق ظنّ بالمدعى عليهما بجرم الذمّ، وأحالهما على المحاكمة أمام القاضي المنفرد الجزائي.
“محكمة” تتفرّد بنشر النصّ الحرفي لهذا القرار والمعالجة القانونية للنقطة المثارة:
إنّ الهيئة الاتهاميـة في بيروت المؤلّفة من القضاة، الرئيس المنتدب جوزف بو سليمان والمستشارين كارلا شواح (منتدبة) وبلال عدنان بدر،
لدى التدقيق والمذاكرة،
تبيّن أنه بتاريخ 2019/12/12 استأنفت المدعية، الجامعة اللبنانية، وكيلهما المحامي جوزف نعمة، بوجه المدعى عليهما أنطوان الصياح وجمعية أصدقاء الجامعة اللبنانية ممثلة بالمدعى عليه المذكور، جزئياً القرار الصادر عن قاضي التحقيق في بيروت، تاريخ 2019/12/10 تحت الرقم 2019/227 في شقّه المنتهي إلى منع المحاكمة عن المدعى عليهما، المستأنف عليهما المذكورين، لناحية جنحة المادة /297/ من قانون العقوبات لعدم توافر عناصرها الجرمية، طالبةً قبول الاستئناف شكلاً وأساساً وفسخ القرار المستأنف، للأسباب التي أوردتها، ورؤية الدعوى انتقالاً والظنّ بالمدعى عليهما، المستأنف عليهما، بجرم المادة المذكورة،
وتبيّن أنّ النيابة العامة الاستئنافية في بيروت، التي صدر القرار المستأنف خلافاً لمطالعتها، ترك، بتاريخ 2019/12/16، الأمر لهذه الهيئة،
بناءً عليه
أوّلاً: في الشكل:
حيث إنّ المادة /135/ من قانون أصول المحاكمات الجزائية قد أجازت للمدعي أن يستأنف قرار منع المحاكمة عن المدعى عليه، ومنحته مهلة أربع وعشرين ساعة لاستئناف القرار، تبدأ في حقّه من تاريخ تبلّغه في مقامه المختار ضمن المدينة التي تقع فيها دائرة قاضي التحقيق ما لم يكن له فيها مقام حقيقي،
وحيث يتبيّن أنّ المدعية التي اتخذ وكيلها من إدارتها المركزية الكائنة في محلّة المتحف في بيروت محلّ إقامة مختاراً، لم يحرّر لإبلاغها القرار المطعون فيه، فيكون الاستئناف المقدّم منها وارداً ضمن المهلة القانونية، وقد جاء مستوفياً سائر شروطه الشكلية الأمر الذي يفضي الى قبوله شكلاً،
ثانياً: في الأساس:
أ. في الوقائع:
تبيّن أنّ المدعية، المستأنفة، الجامعة اللبنانية، قد عرضت في شكواها المباشرة، أنّ المدعى عليه أنطوان الصياح أقدم بصفته رئيساً للمدعى عليه جمعية أصدقاء الجامعة اللبنانية على بثّ نبأ كاذب في الإعلام والصحف وعلى مواقع إلكترونية لمحطّات التلفزة مفاده، “أنّ الاتحاد الأوروبي هدّد بعدم الاعتراف بشهادة الجامعة اللبنانية إذا لم تقم بإصلاح مناهجها خلال ثلاث سنوات”، وأنّ هذا الخبر ورد على المواقع التالية، النهار، نافذة العرب التي نقلته عن النهار، تلفزيون MTV، تلفزيون NBN، ولفتت إلى أنّه على أثر هذا النبأ الكاذب أصدر مكتبها الإعلامي في اليوم التالي 2019/8/9 بياناً مفصّلاً ردّ فيه على هذه الشائعة مبيّناً عدم صحّتها، وأشارت إلى أنّ هذا البيان أحدث ضجّة وخضّة وطنية لدى مختلف أوساط المجتمع وطبقاته، وانطلقت حملة تعاطف كبيرة معها، وزادت بأنّ المدعى عليهما حاولا التنصّل من فعلهما فنشرا بتاريخ 2019/8/10 خبراً مفاده، أنّ التحذير الذي نقله المدعى عليه ناجم عن انطباع وهو يأتي في إطار الخوف على الجامعة اللبنانية والحفاظ على صدقيتها، وختمت بأنّ الخبر الذي أذاعه المدعى عليهما تخطّى حدود الأراضي اللبنانية وبلغ البلدان الأوروبية، فأصدر الاتحاد الأوروبي بتاريخ 2018/9/10، بياناً نشره على موقعه تضمّن نفياً قاطعاً لما ورد على لسان المدعى عليه، وأبرزت المدعية صورة عن بيان بعثة الاتحاد الأوروبي،
ونفى المدعى عليه أنطوان يوسف صياح ما نسب إليه، وأشار إلى أنّ كلامه جاء خلال حفل غداء دعت إليه المدعى عليها على شرف إعلاميين،
ولفت الشاهد إبراهيم حيدر حيدر وهو صحافي، أنّه تلقّى دعوة إلى حفل غداء أقامته المدعى عليها وأنّ الحضور ناهز الثمانين شخصاً، وأنّ المدعى عليه ألقى كلمة في المناسبة،
وأكّدت الشاهدة فاتن محمّد الحاج وهي صحافية، أنّ المدعى عليه دعا مجموعة من الإعلاميين والصحافيين لمأدبة غداء، وكانوا حوالي 15 إعلامياً، وقد صرّح المدعى عليه أنّه خلال ثلاث سنوات وإن لم تحصل بعض الإصلاحات في الجامعة اللبنانية سوف لن يعترف الاتحاد الأوروبي بشهادة الجامعة اللبنانية،
وقد ظنّ قاضي التحقيق بالمدعى عليهما بجرم الذم بالمدعية، ومنع المحاكمة عنهما لناحية جنحة المادة /297/ من قانون العقوبات، لأنّ الأفعال المسندة إلى المدعى عليهما حصلت على الأراضي اللبنانية،
وفي استئنافها، أدلت المدعية، بأنّ عبارة خارج لبنان الواردة في المادة /297/ من قانون العقوبات، لا تعني خارج لبنان فقط، إنّما داخله لأنّها جاءت بشكل عام، وأنّ النبأ الكاذب “الذي قام به المدعى عليهما مع علمهما بعدم صحّته قد سرّب تسريباً من لبنان وإلى الخارج عبر المواقع الإلكترونية التي تتخطّى الأراضي اللبنانية بدليل ردّ الاتحاد الأوروبي عليه”،
ب. في الأدلّة:
تأيّدت الوقائع المسرودة آنفاً بالأدلّة التالية:
بالشكوى المباشرة والمستندات المرفقة بها،
بصورة البيان الصادر عن بعثة الاتحاد الأوروبي والمرفق طيّ شكوى المدعية،
بمجمل الأوراق ومجريات التحقيق،
ج. في القانون:
حيث إنّ النقطة المطروحة أمام الهيئة الاتهامية في ضوء استئناف الجهة المدعية، هي تحديد ما إذا كان فعل المدعى عليه المتمثّل في إذاعة خبر كاذب عن المدعية أمام حشد من الصحافيين كان قد دعاهم إلى مأدبة غداء في لبنان مستجمعاً لعناصر جنحة المادة /297/ من قانون العقوبات،
وحيث إنّ المادة /297/ المذكورة قد نصت على ما حرفيته: “كلّ لبناني يذيع في الخارج وهو على بيّنة من الأمر أنباء كاذبة أو مبالغاً فيها من شأنها أن تنال من هيبة الدولة أو من مكانتها المالية يعاقب بالحبس ستّة أشهر على الأقلّ وبغرامة تتراوح بين مئة ألف ليرة ومليون ليرة”،
وحيث إنّ قاضي التحقيق اعتبر أنّه ولكي تطبّق المادة المذكورة على أفعال المدعى عليهما، يجب أن تكون هذه الأفعال قد اقترفت في الخارج وليس في لبنان،
وحيث وخلافاً لما ذهب إليه قاضي التحقيق، فإنّ المادة /297/ لم تشترط على الإطلاق على أن يكون المدعى عليه متواجداً خارج لبنان عندما يذيع النبأ الكاذب، وما تطلّبته، بصريح عباراتها، هو أن يذاع الخبر خارج لبنان بفعل من المدعى عليه، سواء قام بفعله من داخل لبنان أم من خارج، فالأمر سيّان طالما أنّ الخبر أذيع في الخارج، بمعنى أنّ عبارة “خارج لبنان” تطال النبأ الكاذب، وليس مكان وجود المدعى عليه عند إذاعته،
وحيث يقتضي بنا على ما تقدّم، إهمال ما توصّل إليه قاضي التحقيق في هذا الصدد، وتحديد ما إذا ثبت بالفعل إذاعة الخبر خارج الأراضي اللبنانية،
حيث إنّ المدعية المستأنفة، ترتكز للقول بذيوع النبأ الكاذب خارج لبنان إلى دليل وحيد أشارت إليه في شكواها وأكّدت عليه في استئنافها، هو بيان بعثة الاتحاد الأوروبي،
وحيث إنّ “توضيح بعثة الاتحاد الأوروبي”، وكما يتبيّن من الصورة التي أرفقتها المدعية طيّ شكواها، صادر عن بعثة الاتحاد في لبنان بتاريخ 2019/9/10 عند الساعة 15:51،
وحيث إنّ صدور البيان عن بعثة الاتحاد الأوروبي في لبنان ومن هذا الأخير، لا يشكّل دليلاً كافياً للقول بأنّ النبأ الكاذب أذيع خارج لبنان، فالبعثة موجودة في لبنان وبيانها التوضيحي صدر من لبنان، الأمر الذي يفضي إلى تعديل القرار المستأنف لناحية التعليل والنتيجة التي توصّل إليها، وتقرير منع المحاكمة عن المدعى عليهما لناحية جنحة المادة /297/ من قانون العقوبات، لعدم توافر الدليل،
لذلك
تقرّر الهيئة بالاتفاق:
1. قبول الاستئناف شكلاً، وردّه أساساً، وتعديل القرار المستأنف، في شقّه موضوع الاستئناف، وتقرير منع المحاكمة عن المدعى عليهما لناحية جنحة المادة /297/ من قانون العقوبات، لعدم توافر الدليل، للتعليل الوارد في متن هذا القرار،
2. تضمين المستأنفة النفقات كافةً،
3. إحالة الملفّ بواسطة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت إلى القاضي المنفرد الجزائي في بيروت تبعاً للظنّ بالمدعى عليهما بجنحة المادة /386/ من قانون العقوبات.
قراراً صدر في غرفة المذاكرة في بيروت بتاريخ 2019/12/30
“محكمة” – الإثنين في 2020/1/6
*حفاظاً على حقوق الملكية الفكرية، يمنع منعاً باتاً نسخ أكثر من 20% من مضمون الخبر، مع وجوب ذكر إسم موقع “محكمة” الإلكتروني، وإرفاقه بالرابط التشعّبي للخبر(Hyperlink)، وذلك تحت طائلة الملاحقة القانونية.