إخلاء سبيل قاتل بكفالة جريمةٌ أخرى.. القرارات القضائية ليست قانوناً وحسب
كتب علي الموسوي:
القرارات القضائية مهما كان شكلها وصفتها ونوعها، أحكاماً أو إخلاءات سبيل، أو نهائية، أو إعدادية، ليست قانوناً وحسب، وإنّما يتوجّب أن تتوسّل الحكمة والمنطق والحقّ وأمن المجتمع والوطن برمّته أيضاً، في ما تتضمّنه في طيّاتها، وبين سطورها، من فحوى ومعلومات.
والقرارات القضائية ليست قانوناً وحسب، ذلك أنّ ما يفترض أن تتوخّاه في مضمونها ونتيجتها، هو الحفاظ على الإنسان وديمومته في مجتمع خالٍ من المشاكل، والفوضى، والعبثية، والغبن، والظلام، والمظلومية، فهي للإنسان، ومن أجل الإنسان.
والقرارات القضائية ليست قانوناً وحسب، لأنّ غايتها المثلى ليست مادية، بل معنوية في الدرجة الأولى، كما أنّ قناعة القاضي يجب أن تنطلق في المبدأ، من ضرورة تأمين الحياة السليمة، وهذا ما رمى إليه المشرّع في وضعه للقوانين التي تحكم العلاقات البشرية، وانتظام العمل والحياة.
والقرارات القضائية ليست عقوبةً بالسجن، والغرامة، والتجريد من الحقوق المدنية، وإزالة الشيوع والتعدّي، واسترداد مأجور، وإعلان إفلاس شركة وحسب، بل هي أهمّ بكثير من هذه الخلاصات المترتّبة على واقعات معروضة على الهيئات الحاكمة. هي تفكير منطقي وسليم باحتواء استباقي لأيّة ردّة فعل سلبية من جرّاء سعيها إلى إحقاق الحقّ في القضايا الجنائية، وخصوصاً في جرائم القتل، وتحديداً ما ينطوي منها على ثأر، وما يتعلّق بالشرف والكرامة.
لذلك ليس مقبولاً ترك مدعى عليه في جريمة قتل قبل انتهاء التحقيق معه، وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود في القضيّة المحال بها.
وليس مقبولاً المبادرة إلى إخلاء سبيل متهم بجريمة قتل واضحة كعين الشمس، ومقيّدة بأدلّة وبراهين وقرائن مادية وملموسة، تؤكّد أنّه الفاعل الحقيقي، حتّى ولو دفع كلّ ثروات العالم كفالةً مالية لإخلاء سبيله، لأنّ من شأن هذا التصرّف أن يولّد جريمة أخرى لم تكن متوقّعة، لذلك فإنّ إبقاء المتهم الحقيقي موقوفاً، هو لمصلحته وسلامته أولّاً، ثمّ للحفاظ على سلامة المجتمع من حصول جريمة مرادفة بنتيجتها في حال إخلاء سبيله، فضلاً عن أنّ التوقيف يمهّد للاقتصاص منه قضائياً وبالقانون، وليس بالأساليب الملتوية وغير الصحّية التي تنبت على ضفاف جرائم القتل وجوانبها.
وعليه، فإنّ قرار إخلاء سبيل متهم بقتل خطيبته بعد تعنيفها مراراً وتكراراً، لقاء كفالة مالية مقدارها عشرون مليون ليرة، واقع في غير محلّه الإنساني والقانوني، وخارج عن إطار العقل المنطقي الذي ينشد السلامة الإنسانية قبل العقوبة.
فقد كانت النتيجة الأولى بعد صدور القرار القضائي المذكور، توسيع الشرخ بين المتهم المخلى سبيله قبل أن تمضي سنةٌ كاملةٌ على توقيفه، وذوي الضحية التي قضت في لحظة تخلّ وغضب.
إستاء الأهل من احتفالية خروج المتهم من السجن، بينما ابنتهم تقبع تحت التراب، وحدّثت دوّامة إطلاق نار أفضت إلى سقوط جريحين، فمن يتحمّل مسؤولية هذه الحادثة؟ المسبّب أم المشارك فيها، أم رافع راية عدم القدرة على استيعاب عقليات المجتمع الذي يعيش فيه؟.
ومن يتحمّل تبعات سقوط جريحين، وحصول جريمة ثانية نتيجة الجريمة الأولى؟ وهل يعقل ألاّ تنتبه الهيئة الحاكمة إلى محاذير إخلاء السبيل الواقع في غير مكانه القانوني؟ وهل يقف مجلس القضاء الأعلى والتفتيش القضائي على حقيقة ما حصل؟ وهل يبادران ويتحرّكان لوقف مثل هذه القرارات التي لا تصبّ في خدمة الوطن، ولا في سلامة المجتمع، منعاً لتكرارها، وللحؤول دون التمادي في إزهاق أرواح البشر؟.
نأمل ألاّ يكون مفتاح السؤال (هل) المذكور آنفاً، مطوّقاً بمحاذير غير مرئية، فنصبح أمام جريمة ثالثة بمنع المواطن من حقّه بالمعرفة، وبالوصول إلى معلومة تضيء على الحقيقة المنتظرة، وهو أمر ليس في مصلحة العدالة، لأنّ القرارات القضائية التي تطبخ في الكواليس، تتركُ تشويهات خلفها، لا يمكن للزمن أن يطويها بسهولة.
(نشر في مجلّة “محكمة” – العدد 3 – كانون الثاني 2016).