“إستئناف الشمال” ترفض صحّة العرض والإيداع في عقد قرض بعكس حكم القاضي المنفرد فأين الصواب؟/علي الموسوي
كتب علي الموسوي:
أصدرت الغرفة الرابعة لمحكمة الاستئناف المدنية في لبنان الشمالي قرارًا في قضيّة إيداع رصيد مالي ناتج عن قرض بما يوازيه بالليرة اللبنانية على أساس سعر 1520 ليرة للدولار الأميركي الواحد، الأمر الذي رفضه المصرف بداعي الحفاظ على التوازن العقدي وانطلاقًا من أنّ السوق الحرّة هي المعيار الوحيد لتحديد السعر الحقيقي للعملات الأجنبية، فيما تشبّث المقترض بما وجده حقًّا له من أنّ بإمكانه تسديد كلّ قيمة القرض دفعة واحدة أو على مراحل زمنية قبل انتهاء أجله، وخلصت هيئة المحكمة إلى إعلان عدم صحّة العرض والإيداع الفعلي بواسطة كاتب بالعدل، وبالتالي ردّ الدعوى برمّتها!
وقد أتى قرار محكمة الاستئناف المؤلّفة من القاضيات سنية السبع رئيسة ورانية الأسمر مستشارة مكلّفة وألين أبي خالد مستشارة، خلافًا لما ذهب إليه القاضي المنفرد المدني في طرابلس الناظر في الدعاوى المالية والتجارية القاضي هانيا الحسن في حكمها الصادر في 22 نيسان 2021، من تأكيد صحّة العرض والإيداع الفعلي انسجامًا مع تعاميم وتعليمات مصرف لبنان ولا سيّما القرار الوسيط رقم 13260 الصادر في 26 آب 2020، وبأحقّية الإيفاء بالعملة الوطنية كقاعدة رئيسية حتّى ولو كان الاتفاق على الإيفاء بالعملة الأجنبية التي لا تلغي العملة الوطنية، وقيام المدين بدفع الأقساط بالليرة اللبنانية، فضلًا عن أنّ عقد القرض الموقّع بين المصرف والمدين ينصّ صراحة على حقّ هذا الأخير في دفع جزء أو كامل الرصيد المتبقي من القرض مسبقًا وقبل حلول أوانه.
ورأت هيئة محكمة الاستئناف أنّ حكم القاضي المنفرد خاطئ من الناحية القانونية، ذلك أنّ هناك بندًا في متن عقد القرض يتناول عملة ومكان الإيفاء، ويتعهّد فيه المقترض بأن يدفع المتوجّب عليه بعملة القرض، أو بما يعادله بالليرة اللبنانية ووفقًا لسعر الصرف المعمول به في حينه أي عند توقيع العقد في شهر أيلول من العام 2018، غير أنّ الإيفاء في قرض الإستهلاك يتوجّب أن يكون الإيفاء مماثلًا لمقدار النقود المدين بها نوعًا وصفةً بحسب منطوق المادة 754 من قانون الموجبات والعقود التي تنصّ صراحة على أنّ “قرض الإستهلاك عقدٌ بمقتضاه يسلّم أحد الفريقين إلى الفريق الآخر نقودًا أو غيرها من المثليات بشرط أن يردّ إليه المقترض في الأجل المتفق عليه مقدارًا يماثلها نوعًا وصفة”.
ورأت المحكمة أنّ المقترض بادر من تلقاء نفسه ومن دون أيّ اتفاق مسبق مع الدائن، إلى تسديد كامل المبلغ المالي المتبقّي بذمّته قبل حلول أجله في شهر أيلول من العام 2023، ولا يوجد ما يلزم الدائن بالموافقة على الإيفاء قبل الأجل، فيما يحقّ قانونًا للمديون أن يردّ ما يتوجّب عليه قبل الأجل بشرط ألّا يضرّ هذا الردّ بمصلحة الدائن المقرض على ما تقول المادة 762 من قانون الموجبات والعقود، وبالتالي فإنّه يجب مراعاة مصالح طرفي عقد القرض وليس أحدهما حتّى ولو كان مجازًا للمقترض في متن العقد أن يعمد إلى إيفاء كامل قيمة القرض أو الرصيد المالي المتبقّي قبل حلول الأجل!
إزاء هذا السرد المختصر، هل ما قامت به محكمة الاستئناف المذكورة صحيح من الوجهة القانونية؟ وهل تعليلها لمضامين النصوص القانونية واف؟ وهل أخطأت القاضي المنفرد الحسن أم كانت محقّة في تقديراتها ونتيجة حكمها؟
لقد ابتعدت محكمة الاستئناف في قرارها الذي تنشره “محكمة” حرفيًا، عن جادة الصواب، وذلك لسببين إثنين، أوّلهما أنّه يحقّ للمدين أن يبادر إلى إبراء ذمّته قبل مواعيد الإستحقاق المحدّدة مسبقًا، وثانيهما أنّ سعرف صرف الدولار عند إبرام العقد كان 1520 ليرة لبنانية، وبالتالي فإنّ العرض والإيداع على أساس هذه القيمة صحيح وهو ما قاله حكم القاضي المنفرد المدني وبدليل تقاضي المصرف جملة أقساط على أساس عذا السعر، بالإضافة إلى أنّ القرض شخصي يهدف إلى شراء سيّارة للإستعمال الشخصي وليس التجاري.
ويضاف إلى ما تقدّم أنّ القرض ليس استثمارًا كما فسّرت محكمة الاستئناف، وأنّ هناك قوانين صدرت بتعليق المهل القانونية والقضائية والعقدية نتيجة تفشّي جائحة “كورونا” وإعلان حالة التعبئة العامة في لبنان صبّت في مصلحة المدين لاعتبارات إنسانية ووطنية وطاولت القروض الشخصية سواء أكانت متعلّقة بسكن أو سيّارة للإستعمال الشخصي، ولا يمكن في أيّ حال المساواة بين طرفي النزاع بوضع المقترض في مستوى واحد مع تاجر مالي بامتياز هو المصرف، ولذلك كان يتوجّب على محكمة الاستئناف تصديق الحكم الإبتدائي وعدم إصدار حكم في الأساس في قضيّة شكلية بسيطة تتصل فقط بمدى صحّة العرض والإيداع، وفي أسوأ الحالات والاحتمالات اعتبار المسألة نزاعية مصرفية وردّ الدعوى على هذا الأساس.
ولم يكن المقترض في هذه الدعوى المحامي ناظم العمر زوج القاضي أماني حمدان أوّل لبناني يبادر إلى عرض الإيفاء في ظلّ التقلّبات الحاصلة في ارتفاع سعر الدولار الأميركي وتدنّي القيمة الشرائية للعملة اللبنانية من دون أفق محدّد، بل هناك المئات الذين سبقوه في هذا المجال، ولا يمكن توصيف تصرّفهم على أنّه يلحق الضرر بالمصارف، لأنّ أحدًا لم يكن يتصوّر أن يقفز الدولار الأميركي بهذا الشكل الجنوني ويلامس مثلًا الـ 38 ألف ليرة في شهر أيّار 2022، وهو وصل عند تسديد المقترض المبلغ المتوجّب عليه إلى نحو عشرة آلاف ليرة لبنانية في صيف العام 2020، علمًا أنّ المحامي العمر وبحسب حكم القاضي المنفرد لم يتأخّر يومًا عن دفع القسط الشهري في موعده وقبل حلول أجله أيضًا وبالعملة اللبنانية ووفق سعر صرف 1520 ليرة للدولار الأميركي، وكان المصرف “فرنسبنك” يتقاضى منه القيمة الفعلية للقسط كاملة ووفق سعر الصرف البالغ 1520 ليرة الذي حدّده المصرف من تلقاء نفسه ولم يفرضه المقترض عليه.
ولم يتضح أنّ الضرر قد وقع وحدث، مع أنّه لكي يعتدّ بالضرر يجب أن يكون حقيقيًا وأكيدًا وواضحًا في تاريخ حصول العرض، الأمر غير الحاصل في هذه الدعوى، إذ لم ينهض من الملفّ ما يؤكّد أو يشير إلى حصول ضرر عند تاريخ العرض والإيداع لدى كاتب العدل. وأكثر ممّا تقدّم، فإنّ هناك خطأ كبيرًا مرتكبًا في الحكمين لجهة إيداع المبلغ المالي والذي يتوجّب أن يودع لدى الكاتب العدل وبواسطته وباسمه في مصرف مقبول أو في صندوق الخزينة طبقًا للمادة 822 من قانون أصول المحاكمات المدنية، فيما الجميع يعملون على إيداع المبالغ المالية لدى كتّاب العدل وليس بأسمائهم وإنّما باسم الجهة الدائنة، وهذه الثغرة ليست شكلية بل أساسية وكفيلة بمفردها بإبطال أيّ حكم أو قرار لأنّ الإيداع يصبح غير قانوني.
“محكمة” تنشر حكم القاضي المنفرد وقرار محكمة الاستئناف على الوجه التالي:
قرار محكمة الاستئناف بإعلان عدم صحة العرض والايداع الفعلي وردّ الدعوى
حكم القاضي المنفرد بإعلان صحة العرض والايداع
“محكمة” – الإثنين في 2022/6/20